عناصر الخطبة
1/ أحوال العباد بين فتن السراء والضراء 2/ وجوب التحرز من الفتن 3/ كثرة الفتن والاضطرابات والقتل 4/ الحث على فقه ابتلاءات الله والتفكر في أقداره 5/ حريات مهلكة مزعومة 6/ ضرورة تحصين الأسرة المسلمة والمرأة من الفتن 7/ إباحة الحضارات المادية المفلسة للشذوذ الجنسي.اقتباس
إِنَّهَا حُرِّيَّةُ الأَقَلِيَّةِ فِي اسْتِعْبَادِ الأَكْثَرِيَّةِ، إِنَّهَا لَيْسَتْ سِوَى مُصَادَرَةِ حُقُوقِ الأَكْثَرِيَّةِ لِصَالِحِ أَهْوَاءِ الأَقَلِيَّةِ، إِنَّهَا حُرِّيَةُ الأَقَلِّيةِ اللِيبرَالِيةِ الشَهْوَانِيَةِ فِي السَطْوِ عَلَى الدِينِ وَالأَخَلَاقِ والعَفَافِ؛ وَالسُخْرِيَةِ بِالإِسْلَامِ وَشَعَائِرِهِ وَحَمَلَتِهِ، إِنَّهَا حُرِّيةُ الأَقَلِّيَةِ الصَفَوِيَةِ التِي لَا تَصِلُ نِسْبَتُهَا بِكُلِ طَوَائِفِهَا وَأَذْرِعَتِهَا إِلَى عَشَرَةٍ بِالمِئَةِ لإِخْضَاعِ مِلْيَارِ مُسْلِمٍ وَنِصْفِ المِلْيَارِ لِسَحْقِهِمْ وَتَعْذِيبِهِمْ وَتَهْجِيرِهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، إِنَّهَا حُرِّيَةُ أَقَلِّيَةٍ حُوثِيَةٍ لَا تَتَجَاوَزُ اثنَينِ بِالمِئَةِ لِتَتَسَلَّطَ عَلَى ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ بِالمَئَةِ مِنَ الشَعْبِ اليَمَنِيِّ، إِنَّهَا حُرِّيَةُ الصَهَايِّنَةِ وَالصَفَوِيينَ لِسَحْقِ الإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَالعَبَثِ بِدُوَلِهِ، وَنَهْبِ مُقَدَّرَاتِهِ...
الخطبة الأولى:
الحَمْدُ للهِ خَالِقِ الخَلْقِ، وَمَالِكِ المُلْكِ، يُؤْتِي المُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، وَيَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ يَشَاءُ، وَيُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
الحَمْدُ للهِ القَوِيِّ القَهَّارِ؛ مَلِكٍ لاَ يُضَامُ، وَعَزِيزٍ لاَ يُرَامُ، وَقَيُّومٍ لاَ يَنَامَ؛ أَفْرَحَنَا بِرَمَضَانَ وَالعِيدِ، وَلَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ إِلَيْنَا بِرٌّ جَدِيدٌ.
الحَمْدُ للهِ القَدِيرِ العَلَّامِ، لاَ تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ مِنَ الأَنَامِ، وَلاَ يَعْزُبُ عَنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ، وَلاَ يَقْضِي قَضَاءً إلاَّ كَانَ خَيْرًا لِأَهْلِ الإِيمَانِ؛ فَإِنْ أَصَابَتْهُمْ سَرَّاءُ شَكَرُوا فكَانَ خَيْرًا لَهُمْ، وَإِنْ أَصَابَتْهُم ضَرَّاءُ صَبَرُوا فكَانَ خَيْرًا لَهُمْ، وَذَلِكَ لَهُمْ وَحْدَهُمْ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِهِمْ.
نَحْمَدُهُ فِي السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ، وَفِي العَافِيَةِ وَالبَلاَءِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى نِعَمٍ أَتَمَّهَا، وَنِقَمٍ دَفَعَهَا، وَمَصَائِبَ رَفَعَهَا، فَعَافَانَا فِي أَنْفُسِنَا وَأَهْلِنَا وَأَوْلاَدِنَا، وَفِي أَمْوَالِنَا وَأَعْمَالِنَا وبِلاَدِنَا، وَمِنْ كُلِّ خَيْرٍ مَنَحَنَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ تَعَفَّرَتْ لِعُبُودِيَّتِهِ الجِبَاهُ، وَخَرَّتْ لِتَجَلِّيهِ الجِبَالُ، وَهُوَ شَدِيدُ الِمحَالِ، وَإِلَيْهِ المَآبُ وَالمَآلُ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ عَلِمَ مِنْ عَظَمَةِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ غَيْرُهُ، وَسَمِعَ مِنْ كَلاَمِهِ مَا لَمْ يَسْمَعْ سِوَاهُ، فَامْتَلَأَ قَلْبُهُ لَهُ مَحَبَّةً وَتَعْظِيمًا، وَذُلاًّ وَتَسْلِيمًا، وَخَوْفًا وَرَجَاءً، فَتَفَكَّرَ فِي قُدْرَتِهِ وَعِزَّتِهِ، وَبَكَى مِنْ مَحَبَّتِهِ وَخَشْيَتِهِ، وَوَثِقَ بِوَعْدِهِ وَنَصْرِهِ، وَنَصَبَ فِي ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ؛ أَبَرَّ هَذِهِ الأُمَّةِ قُلُوبًا، وَأَزْكَاهَا نُفُوسًا، وَأَصْدَقِهَا كَلاَمًا، وَأَخْلَصِهَا نُصْحًا، وَأَمْتَنِهَا دِينًا، وَأَصْوَبِهَا مَنْهَجًا وَطَرِيقًا؛ فَمَنْ سَارَ عَلَى دَرْبِهِمْ بَلَغَ، وَمَنْ تَنَكَّبَ طَرِيقَهُمُ انْقَطَعَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى فِي هَذَا اليَوْمِ العَظِيمِ، وَاحْمَدُوهُ إِذْ هَدَاكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا أَعْطَاكُمْ، وَافْرَحُوا بِعِيدِكُمْ فِيمَا أَحَلَّ لَكُمْ.
بَرُّوا وَالِدِيكُمْ، وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَأَحْسِنُوا إِلَى جِيرَانِكُمْ، وَأَدْخِلُوا السُّرُورَ وَالبَهْجَةَ عَلَى أُسَرِكُمْ؛ فَإِنَّ السُّرُورَ بِالعِيدِ وَاللَّهْوَ المُبَاحَ فِيهِ مِنْ شَعَائِرِهِ الَّتِي يُؤْجَرُ المُؤْمِنُ عَلَيْهَا إِذَا اسْتَحْضَرَ النِّيَّةَ فِيهَا؛ (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32].
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ.
اللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا، وَاللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا أَعْطَانَا، وَاللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا أَنْجَانَا. اللهُ أَكْبَرُ؛ أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِالإِيمَانِ. اللهُ أَكْبَرُ؛ هَدَانَا بِالقُرْآنِ. اللهُ أَكْبَرُ؛ بَلَّغَنَا رَمَضَانَ. اللهُ أَكْبَرُ؛ أَتَمَّ لَنَا الصِّيَامَ وَالقِيَامَ.
فَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ.
أَيُّهَا الصَّائِمُونَ القَائِمُونَ: ثِقُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ، وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِهِ –سُبْحَانَهُ-، فَظُنُّوا أَنَّهُ قَدْ قَبِلَ عَمَلَكُمْ، وَشَكَرَ سَعْيَكُمْ، وَغَفَرَ ذَنْبَكُمْ، وَاسْتَجَابَ دُعَاءَكُمْ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ عِنْدَ ظَنِّ عِبَادِهِ بِهِ، إِنْ ظَنُّوا خَيْرًا فَلَهُمْ، وَإِنْ ظَنُّوا غَيْرَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِمْ، وَاسْتَتْبِعُوا حُسْنَ الظَّنِّ بِحُسْنِ العَمَلِ، فَمَا أَجْمَلَ حُسْنَ الظَّنِّ مُقْتَرِنًا بِحُسْنِ العَمَلِ؛ فَإِنَّهُ يَقُودُ صَاحِبَهُ إِلَى المَزِيدِ مِنَ الإِحْسَانِ (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة: 195].
أَيُّهَا التَّائِبُونَ فِي رَمَضَانَ: أَقْبِلُوا عَلَى اللهِ تَعَالَى بِقُلُوبِكُمْ، وَاعْبُدُوهُ فِي كُلِّ أَزْمَانِكُمْ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُعْبَدُ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ وَالأَحْيَانِ، وَإِيَّاكُمْ وَالعَوْدَةَ إِلَى الذُّنُوبِ بَعْدَ إِذْ نَجَّاكُمُ اللهُ تَعَالَى مِنْهَا؛ (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31].
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ.
أَيُّهَا النَّاسُ: المُؤْمِنُ فِي سَيْرِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى تُحِيطُ بِهِ فِتَنُ السَّرَّاءِ وفِتَنُ الضَّرَّاءِ، (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35]، فَفِتَنُ السَّرَّاءِ قَدْ تُزَيِّنُ لَهُ المُقَامَ فِي الدُّنْيَا، وَتُلْهِيهِ عَنِ العَمَلِ لِلآخِرَةِ، وَفِتَنُ الضَّرَّاءِ قَدْ تُصِيبُهُ بِاليَأْسِ وَالإِحْبَاطِ وَالقُنُوطِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ -تَعَالَى-، فَيَتَزَعْزَعُ إِيمَانُهُ، وَيَخْرُجُ بِضَرَّائِهِ مِنْ دِينِهِ، وَوَاجِبٌ عَلَى المُؤْمِنِ أَنْ يَشْكُرَ اللهَ -تَعَالَى- فِي السَّرَّاءِ، وَيَصْبِرَ فِي الضَّرَّاءِ، فَلاَ يَسْتَبِدَّ بِهِ الفَرَحُ إِلَى حَدِّ الغُرُورِ، وَلاَ يُطْبِقَ عَلَيْهِ اليَأْسُ إِلَى حَدِّ القُنُوطِ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّ المُلْكَ مُلْكُ اللهِ -تَعَالَى-، وَأَنَّ القَدَرَ قَدَرُهُ -سُبْحَانَهُ-، وَأَنَّ الأَمْرَ بِيَدِهِ لاَ بِيَدِ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَهُوَ -سُبْحَانَهُ- لاَ يُقَدِّرُ شَرًّا مَحْضًا، وَلاَ يَقْضِي لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ إِلاَّ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ؛ (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) [آل عمران: 154]، (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الأعراف: 54].
وَمَا يَجْرِي عَلَى الأَفْرَادِ مِنْ فِتَنِ السَّرَّاءِ وَفِتَنِ الضَّرَّاءِ يَجْرِي عَلَى الجَمَاعَاتِ وَالدُّوَلِ وَالأُمَمِ، وَيَجْرِي عَلَى المُؤْمِنِينَ وَالكُفَّارِ، وَعَلَى الأَبْرَارِ وَالفُجَّارِ، وَلَكِنَّ المُؤْمِنِينَ الأَبْرَارَ يَلْحَظُونَ فِي سَرَّائِهِمْ وَضَرَّائِهِمْ تَدْبِيرَ اللهِ -تَعَالَى- مَعَ حُسْنِ ظَنِّهِمْ بِهِ، وَتَوَكُّلِهِمْ عَلَيْهِ، فَيَتَعَامَلُونَ مَعَ السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ بِمَا يُرْضِيهِ -سُبْحَانَهُ-، وَأَمَّا الكُفَّارُ وَالفُجَّارُ فَإِنَّهُمْ يَبْطُرُونَ فِي سَرَّائِهِمْ، وَيَجْزَعُونَ فِي ضَرَّائِهِمْ (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ) [المعارج: 19 - 22].
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إِنَّ الأَحْدَاثَ تَتَسَارَعُ، وَالاضْطِرَابَاتِ فِي الأَرْضِ تَتَّسِعُ، وَفِتَنُ السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ تَمُوجُ بِالنَّاسِ ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ، وَرَأَيْنَا أَشْخَاصًا كَانُوا فِي العِيدِ المَاضِي فِي مَرَاقِي العِزِّ قَدْ هَوَوْا إِلَى حَضِيضِ الذُّلِّ، وَرَأَيْنَا أُنَاسًا اشْرَأَبُّوا لِلسُّلْطَةِ فَحَازُوهَا بِالغَدْرِ يَعِيشُونَ الآنَ رُعْبَهَا، وَيَحْمِلُونَ وِزْرَهَا، وَيَتَمَنَّوْنَ الخَلاَصَ مِنْهَا، وَرَأَيْنَا دُوَلاً عَزَّتْ بِانْضِمَامِهَا إِلَى اتِّحَادٍ قَوِيٍّ يَنْتَشِلُهَا مِنْ فَقْرِهَا، وَيَقْضِي بِنُظُمِهِ عَلَى الفَسَادِ فِيهَا، فَإِذَا هِيَ تَهْوِي بِهِ وَبِعُمْلَتِهِ، وَقَدْ تَمَنَّى أَعْضَاءُ الاتِّحَادِ أَنَّهُمْ مَا اقْتَرَبُوا مِنْهَا، وَغَيْرَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِمَّا نَعْلَمُه وَمَا نَجْهَلُهُ.
وَفِي خِضَمِّ مَا يَمُوجُ بِهِ العَالَمُ مِنَ اضْطِرَابَاتٍ؛ تَتَّسِعُ دَائِرَةُ العُنْفِ، وَيُسْتَسْهَلُ القَتْلُ، حَتَّى قُصِدَتِ المَسَاجِدُ بِالتَفْجِيرِ، وَالمُصَلُّونَ بِالقَتْلِ، نَعُوذُ بِالله -تَعَالَى- مِنْ رَدَاءَةِ الرَأْيِّ، وَانْحِرَافِ الفِكْرِ، وَسُوءِ التَدْبِيرِ. وَنَشَرَاتُ الأَخْبَارِ مَا عَادَتْ قَادِرَةً عَلَى تَغْطِيَةِ كُلِّ حَدَثٍ، وَلاَ نَشْرِ خَبَرِ كُلِّ دَمٍ يُسْفَكُ. وَهَذَا يَزِيدُ إِيمَانَ المُؤْمِنِ بِإِخْبَارِ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- عَنِ انْتِشَارِ القَتْلِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَيُعْطِي المُؤْمِنَ قَاعِدَةً فِي فِتَنِ السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَهِيَ مُجَانَبَةُ الفِتَنِ، وَالاعْتِصَامُ بِاللهِ -تَعَالَى- وَحْدَهُ، وَالتَّمَسُّكُ بِدِينِهِ، فَإِنِ ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَإِنْ عُوفِيَ حَمِدَ وَشَكَرَ.
إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- بِقُدْرَتِهِ قَدْ بَيَّنَ لِلْبَشَرِ ضَعْفَهُمْ فِيمَا يَحْصُلُ الآنَ مِنَ اضْطِرَابَاتٍ فِي الأَرْضِ، فَأَهْلُ السِّيَاسَةِ لاَ يَدْرُونَ أَيْنَ يُوَجِّهُونَ وَلاءَاتِهِمْ وَانْتِمَاءَاتِهِمْ، وَأَهْلُ الأَمْوَالِ لاَ يَدْرُونَ أَيْنَ يَأْمَنُونُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ مَعَ اضْطِرَابِ أَسْوَاقِ المَالِ وَالأَعْمَالِ، وَأَهْلُ العَقَارِ لاَ يَدْرُونَ أَيْنَ يَسْتَثْمِرُونَ مَعَ اضْطِرَابِ الدُّوَلِ، وَعُمُومُ النَّاسِ يُسَيْطِرُ عَلَيْهِمْ هَاجِسُ الأَمْنِ وَالرِّزْقِ، وَيَخَافُونَ أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِغَيْرِهِمْ، وَلاَ سِيَّمَا أَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ الدُّوَلَ الاسْتِعْمَارِيَّةَ تَتَعَمَّدُ نَشْرَ الفَوْضَى فِي المِنْطَقَةِ وَتَسْلِيمَهَا لِلصَّفَوِيِّينَ، وَإِعَادَةَ تَقْسِيمِهَا وَتَجْزِئَتِهَا وَتَرْتِيبِهَا بِمَا يُوَافِقُ مَصَالِحَهُمْ، وَلَوْ كَانَ عَلَى حِسَابِ آلاَمِ النَّاسِ وَدِمَائِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ وَأَمْنِهِمْ.
إِنَّ المُسْتَعْمِرِينَ الجُدُدَ قَدْ نَقَلُوا المِنْطَقَةَ مِنَ الحُرُوبِ التَّقْلِيدِيَّةِ إِلَى الحُرُوبِ الاسْتِبَاقِيَّةِ الوِقَائِيَّةِ الَّتِي فَشِلَتْ فَشَلاً ذَرِيعًا، ثُمَّ إِلَى الحُرُوبِ غَيْرِ المُتَمَاثِلَةِ الَّتِي يُشْعِلُونَهَا فِي الأَرْضِ المُسْتَهْدَفَةِ بِنَشْرِ الفَوْضَى فِيهَا.
إِنَّهَا فِتَنٌ مِنَ الضَّرَّاءِ تُحِيطُ بِالنَّاسِ، وَلاَ يَدْرُونَ مَتَى تَصِلُهُمْ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَعِيشُونَ فِي سَرَّاءَ يُقَصِّرُونَ فِي أَدَاءِ شُكْرِهَا، وَيُبَارِزُونَ اللهَ -تَعَالَى- بِالمَعَاصِي، إِنْ عَلَى مُسْتَوَى الأَفْرَادِ وَإِنْ عَلَى مُسْتَوَى الدُّوَلِ وَالجَمَاعَاتِ، وَكَأَنَّهُمْ يَسْتَجْلِبُونَ الضَّرَّاءَ وَالعُقُوبَاتِ بِأَنْفُسِهِمْ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ صِفَاتِ الخَائِفِينَ، فَالخَوْفُ يُلْجِئُ إِلَى التَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ؛ (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) [الأعراف: 165].
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ.
مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ: إِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْنَا أَلاَّ نَشُكُّ فِي دِينِنَا، وَلاَ نَسْتَبْطِئَ وَعْدَ رَبِّنَا، وَلاَ نَتَنَكَّرَ لِمَبَادِئِنَا، عَلَيْنَا أَنْ نَثْبُتَ عَلَى الحَقِّ مَهْمَا كَادَ بِنَا الكَائِدُونَ، وَمَكَرَ المَاكِرُونَ، وَخَذَّلَ المُخَذِّلُونَ، وَأَرْجَفَ المُرْجِفُونَ، وَمَهْمَا اجْتَمَعَتْ قُوَى الظُّلْمِ وَالطُّغْيَانِ وَالبَغْيِ وَالعُدْوَانِ لاِجْتِثَاثِ دِينِنَا؛ فَإِنَّ دِينَنَا حَقٌّ. وَحَقُّنَا أَقْوَى مِنْ بَاطِلِهِمْ، وَإِيمَانُنَا أَقْوَى مِنْ إِلْحَادِهِمْ، وَقُرْآنُنَا أَقْوَى مِنْ أَفْكَارِهِمْ، وَعُبُودِيَّتُنَا للهِ -تَعَالَى- أَقْوَى مِنْ شَهَوَاتِهِمْ، وَالمُؤْمِنُ بِثَبَاتِهِ عَلَى دِينِهِ فِي فِتَنِ الضَّرَّاءِ لَنْ يَكُونَ إِلاَّ بَيْنَ حُسْنَيَيْنِ؛ فَإِمَّا لَقِيَ اللهَ -تَعَالَى- بِإِيمَانِهِ، وَإِمَّا نَصَرَهُ عَلَى أَعْدَائِهِ؛ (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) [التوبة: 52].
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ فِقْهَ التَّعَامُلِ مَعَ اللهِ -تَعَالَى- فِي السَّرَّاءِ وَفِي الضَّرَّاءِ صَارَ وَاجِبًا عَلَى المُؤْمِنِ فِي هَذِهِ المَرْحَلَةِ الحَرِجَةِ؛ لِحِمَايَةِ دِينِهِ مِنَ النَّقْصِ، وَإِيمَانِهِ مِنَ الزَّوَالِ؛ فَإِنَّ الإِيمَانَ فِي فِتَنِ الضَّرَّاءِ قَدْ يَزُولُ فِي لَحْظَةٍ؛ كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الإِيمَانِ فَقَالَ: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَالمُؤْمِنُ إِنْ خَسِرَ بُحْبُوحَةَ العَيْشِ فِي الدُّنْيَا فعَلَيْهِ أَلاَّ يَخْسَرَ دِينَهُ الَّذِي فِيهِ خَسَارَةُ آخِرَتِهِ، فَتَجْتَمِعُ عَلَيْهِ خَسَارَةُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
إِنَّ عَلَى المُؤْمِنِ تَعَاهُدَ إِيمَانِهِ بِالنَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ، وَإِحَاطَتَهُ بِالحِرَاسَةِ وَالرِّعَايَةِ؛ فَهُوَ رَأْسُ مَالِهِ، وَهُوَ سَبَبُ سَعَادَتِهِ الأَبَدِيَّةِ. وَالعَمَلُ الصَّالِحُ هُوَ وَقُودُ الإِيمَانِ، وَكُلَّمَا كَثُرَ الوَقُودُ أَوْصَلَ صَاحِبَهُ إِلَى غَايَتِهِ، وَإِذَا انْقَطَعَ وَقُودُهُ خُشِيَ عَلَيْهِ مِنَ انْقِطَاعِ إِيمَانِهِ فَلاَ يَصِلُ.
وَمَا أَوْصَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِكَثْرَةِ العِبَادَةِ فِي الهَرَجِ، وَجَعَلَهَا كَالهِجْرَةِ إِلَيْهِ إِلاَّ لِأَنَّهَا تَحْفَظُ إِيمَانَ العَبْدِ فِي المُلِمَّاتِ، وَتَجْعَلُهُ يُجَاوِزُ فِتَنَّ الضَّرَّاءِ وَالبَلاَءِ بِسَلاَمَةٍ وَحُسْنِ اخْتِيَارٍ، لَمْ يَتَنَازَلْ عَنْ شَيْءٍ مِنْ دِينِهِ، وَلَمْ يَتَخَلَّ عَنْ شَيْءٍ مِنْ إِيمَانِهِ، وَلَمْ يَحْمِلْ عَلَى ظَهْرِهِ دَمًا مَعْصُومًا، وَلَمْ يَمْلَأْ بَطْنَهُ بِمَالٍ مُحَرَّمٍ، وَحَفِظَ لِسَانَهُ مِنَ الخَوْضِ فِيمَا لاَ يُصْلِحُ دِينَهُ، وَمَا لاَ يَنْفَعُهُ عِنْدَ رَبِّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
فَلْنُحَافِظْ - عِبَادَ اللهِ - عَلَى الفَرَائِضِ، وَلْنُكْثِرْ مِنَ النَّوَافِلِ، وَلْنُعَدِّدِ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ، وَلْنُحْسِنْ إِلَى الخَلْقِ؛ فَإِنَّ صَنَائِعَ المَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَالصَّدَقَةَ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَرُبَّ صَدَقَةٍ أَوْ إِحْسَانٍ دُفِعَ بِهِ بَلاَءٌ عَنِ العَبْدِ وَهُوَ لاَ يَشْعُرُ، وَلْنُكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ؛ فَإِنَّ الدُّعَاءَ يَرُدُّ القَدَرَ، وَيَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ مِنْ بَلاءٍ فَيَرْفَعُهُ، وَيَنْفَعُ مِمَّا لَمْ يَنْزِلْ مِنَ البَلاَءِ فَيَدْفَعُهُ، وَلْنَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وَنَنْهَ عَنِ المُنْكَرِ؛ فَإِنَّ الحِسْبَةَ سَبَبٌ فِي دَفْعِ البَلاَءِ، وَإِجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَبِالحِسْبَةِ يَكْثُرُ الخَيْرُ وَيَقِلُّ الشَّرُّ، فَتَنْتَفِي أَسْبَابُ العُقُوبَاتِ؛ (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود: 117]، وَلاَ يَكُونُ النَّاسُ مُصِلِحِينَ إِلاَّ بِاحْتِسَابِ خِيَارِهِمْ عَلَى شِرَارِهِمْ، وَإِنْكَاِر مُنْكَرَاتِهِمْ.
حَفِظ اللهُ -تَعَالَى- بِلاَدَنَا وَبِلاَدَ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ، وَفَرَّجَ عَنِ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَأَذَلَّ الطُّغَاةَ وَالمُسْتَكْبِرِينَ وَالمُسْتَعْمِرِينَ؛ إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ للهِ المُنْعِمِ بِالسَّرَّاءِ، كَاشِفِ الضَّرَّاءِ، دَافِعِ البَلاَءِ، لَهُ الأَمْرُ فِي الأَرْضِ وَفِي السَّمَاءِ، وَلَهُ الحَمْدُ وَالثَّنَاءُ، لاَ نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ كَمَا أَثْنَى هُوَ عَلَى نَفْسِهِ؛ (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ * وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) [الروم: 25-26]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا.
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ.
أَيَّتُهَا المَرْأَةُ المُسْلِمَةُ: إِنَّ فِتَنَ السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ تَتَأَثَّرُ بِهَا النِّسَاءُ أَكْثَرَ مِنَ الرِّجَالِ؛ فَفِي السَّرَّاءِ تَنْتَشِرُ مَظَاهِرُ البَذَخِ وَالإِسْرَافِ وَكُفْرَانِ النِّعْمَةِ فِي الأَوْسَاطِ النِّسَائِيَّةِ بِشَكْلٍ لاَفِتٍ لِلَأَنْظَارِ، وَهَذَا مِنْ كُفْرَانِ النِّعَمِ الَّذِي قَدْ يُؤَدِّي إِلَى سَلْبِهَا، وَأَمَّا فِتَنُ الضَّرَّاءِ فَغَالِبُ ضَحَايَاهَا هُمُ النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ؛ لِأَنَّهُ لاَ حَوْلَ لَهُمْ وَلاَ قُوَّةَ فِي الفِتَنِ وَالحُرُوبِ، فَتَتَرَمَّلُ النِّسَاءُ، وَيُيَتَّمُ الأَطْفَالُ، وَتَمْتَلِئُ بِهِمْ مُخَيَّمَاتُ اللاَّجِئِينَ وَالمُشَرَّدِينَ، وَهَذَا يُوجِبُ عَلَى المَرْأَةِ شُكْرَ اللهِ -تَعَالَى- فِي السَّرَّاءِ حَتَّى لاَ تَتَحَوَّلَ السَّرَّاءُ إِلَى ضَرَّاءَ، وعَلَيْهَا أَنْ تُرَبِّيَ أَوْلاَدَهَا عَلَى شُكْرِ اللهِ -تَعَالَى- عَلَى نِعَمِهِ.
نَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يُعَافِيَ نِسَاءَنَا وَأَطْفَالَنَا وَنِسَاءَ المُسْلِمِينَ وَأَطْفَالَهُمْ مِنَ الخَوْفِ وَالتَّشْرِيدِ، وَأَنْ يُدِيمَ عَلَيْنَا الأَمْنَ وَالإِيمَانَ وَالاسْتِقْرَارَ.
أَيَّتُهَا الصَّائِمَةُ القَائِمَةُ: قَبْلَ أَيَّامٍ خَطَتْ دَوْلَةُ الظُّلْمِ وَالبَغْيِ وَالاسْتِكْبَارِ فِي هَذَا العَصْرِ خُطْوَةً كَارِثِيَّةً عَلَى القِيَمِ وَالأَخْلاَقِ بِتَشْرِيعِ مَحْكَمَتِهَا العُلْيَا الزَّوَاجَ المِثْلِيَّ فِي جَمِيعِ وِلايَاتِهَا.
وَالحُجَّةُ فِي فَرْضِ هَذَا الضَّيَاعِ هِيَ: الحُرِّيَّةُ، تِلْكَ الكَلِمَةُ الَّتِي أَصْبَحَتْ عَلَى كُلِّ لِسَانٍ، وَدَخَلَتْ فِي كُلِّ مَجَالٍ، وَانْتُهِكَتْ بِهَا الحُقُوقُ، وَطُعِنَ بِسَبَبِهَا فِي الحُدُودِ، وَشُرِّدَتْ بِهَا الشُّعُوبُ، تِلْكَ الكَلِمَةُ الَّتِي ظُلِمَتْ بِسَبَبِهَا المَرْأَةُ، وَشُتِّتَتْ بِهَا الأُسْرَةُ، وَانْتُهِكَتْ بِهَا سِيَادَةُ الدُّوَلِ، وَصُودِرَتْ بِهَا قِيَمُ الأُمَمِ، تِلْكَ الكَلِمَةُ الَّتِي اسْتُعْبِدَ بِهَا أَكْثَرُ البَشَرِ.
إِنَّهَا حُرِّيَّةُ الأَقَلِيَّةِ فِي اسْتِعْبَادِ الأَكْثَرِيَّةِ، إِنَّهَا لَيْسَتْ سِوَى مُصَادَرَةِ حُقُوقِ الأَكْثَرِيَّةِ لِصَالِحِ أَهْوَاءِ الأَقَلِيَّةِ، إِنَّهَا حُرِّيَةُ الأَقَلِّيةِ اللِيبرَالِيةِ الشَهْوَانِيَةِ فِي السَطْوِ عَلَى الدِينِ وَالأَخَلَاقِ والعَفَافِ؛ وَالسُخْرِيَةِ بِالإِسْلَامِ وَشَعَائِرِهِ وَحَمَلَتِهِ، إِنَّهَا حُرِّيةُ الأَقَلِّيَةِ الصَفَوِيَةِ التِي لَا تَصِلُ نِسْبَتُهَا بِكُلِ طَوَائِفِهَا وَأَذْرِعَتِهَا إِلَى عَشَرَةٍ بِالمِئَةِ لإِخْضَاعِ مِلْيَارِ مُسْلِمٍ وَنِصْفِ المِلْيَارِ لِسَحْقِهِمْ وَتَعْذِيبِهِمْ وَتَهْجِيرِهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، إِنَّهَا حُرِّيَةُ أَقَلِّيَةٍ حُوثِيَةٍ لَا تَتَجَاوَزُ اثنَينِ بِالمِئَةِ لِتَتَسَلَّطَ عَلَى ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ بِالمَئَةِ مِنَ الشَعْبِ اليَمَنِيِّ، إِنَّهَا حُرِّيَةُ الصَهَايِّنَةِ وَالصَفَوِيينَ لِسَحْقِ الإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَالعَبَثِ بِدُوَلِهِ، وَنَهْبِ مُقَدَّرَاتِهِ. إِنَّهَا حُرِّيَةُ الأَقَلِّيةِ المِثْلِيَةِ المُنْحَرِفَةِ ضِدَ جَمِيعِ البِشَرِ.
وَأَقْرَبُ مِثَالٍ قَرَارُ تَشْرِيعِ الشُّذُوذِ؛ فَإِنَّ المُنْحَرِفِينَ المِثْلِيِّينَ لاَ تَبْلُغُ نِسْبَتُهُمْ فِي الدَّوْلَةِ العُظْمَى الَّتِي شَرَّعَتْ هَذَا القَذَرَ أَرْبَعَةً فِي المِئَةِ، وَلَكِنْ بِصِنَاعَةِ رَأْيٍّ عَامٍ إِيجَابِيٍ نَحْوَ الشُذُوذِ عَنْ طَرِيقِ الإِعْلَامِ، وَتَكْرِيسٍ إِعْلَامِيٍ لِنَشْرِهِ، وَتَأْييِدٍ قَضَائِيٍ وَسِيَاسِيٍ لإِقْرِارِهِ، وَإِرْهَابٍ لِلْمُعَارِضِينَ لَهُ؛ تَمَّ تَشْرِيعُ الشُذُوذِ. وَسَيَنْتَقِلَ التَشْريِعُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى مَرْحَلَةِ الفَرْضِ عَلَى العَالَمِ كُلِّهِ.
هَذِهِ الحُرِّيَةُ التِي فُرِضَتِ لِمَرْضَى الشُذُوذِ حُرِمَتْ مِنْهَا مُسْلِمَةٌ تَنْتَقِبُ فِي بِلَادِ الحُرِّيَةِ فَنُزِعَ نِقَابُهَا بِقُوَةِ الشُرْطَةِ، وَفْرَضُتْ عَلِيهَا غَرَامَةٌ. وَسَدَنَةُ المَعْبَدِ اللِيبْرَالِي مِنَ العَرَبِ يُهَلِلُونَ وَيُصَفِقُونَ وَيُسَوِّغُونَ.
وَعَلَى هَذِهِ الأَمْثَلَةِ تُقَاسُ كُلُّ قَضَايَا الحُرِّيَّةِ الَّتِي يَهْتِفُ بِهَا الغَرْبُ، وَتَنْتَصِرُ لَهَا الدُّولُ العُظْمَى، وَمُنَظَّمَاتُهَا الدَّوْلِيَّةُ، سَوَاءٌ فِيماَ يَتَعَلَّقُ بِالمَرْأَةِ أَوِ السِّيَاسَةِ أَوْ الِاقْتِصَادِ أَوْ غَيْرِهَا، كُلُّهَا لَيْسَتْ سِوَى سَحْقِ الأَكْثَرِيَّةِ السَّوِيَّةِ لِصَالِحِ الأَقَلِيَّاتِ المُنْحَرِفَةِ.
وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الاضْطِرَابِ فِي الأَرْضِ، وَانْتِشَارِ ثَقَافَةِ العُنْفِ وَالدَّمِ، وَاتِّسَاعِ دَائِرَةِ الرُّعْبِ وَالفَقْرِ، وَذَهَابِ الأَمْنِ وَالاسْتِقْرَارِ.
فَنَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يَخُصَّهُمْ بِعِقَابِهِ كَمَا اجْتَرَؤُوا عَلَى مُحَرَّمَاتِهِ فَأَبَاحُوهَا، وَأْن يَأْخُذَهُمْ كَمَا أَخَذَ قَوْمَ لُوطٍ، وَأَنْ يُنَزِلَ عَلَيْهِمْ غَضَبَهُ، وَأَنْ يُدِيلَ لِأَهْلِ الإِيمَانِ وَالطَّهَارَةِ عَلَيْهِمْ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم