خطبة عيد الأضحى 1432هـ

الشيخ محمد بن مبارك الشرافي

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات: الأضحى
عناصر الخطبة
1/ اللجوء إلى الله تعالى في هذه الظروف والأحداث 2/ ضرورة جمع الكلمة وتوحيدها 3/ تعهد الأبناء بالتربية والتعليم والتوجيه 4/ من أحكام الأضاحي 5/ من الآداب الاجتماعية للعيد

اقتباس

وَإِنَّ مَوْقِفَنَا مِنَ هَذِهِ الأَحْدَاثِ مَوْقِفُ الْمُؤْمِنِ الْوَاثِقِ بِرَبِّهِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى مَوْلاهُ، إِنْ حَصَلَ خَيْرٌ شَكَرْنَا اللهَ وَأَثْنَيْنَا عَلَيْهِ، وَإِنْ حَصَلَ شَرٌ صَبَرْنَا وَحَمِدْنَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلَجَأْنَا إِلَيْهِ وَانْتَظَرْنَا الفَرَجَ مِنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ..

 

 

 

 

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا هَلَّ هِلالٌ وَأَبْدَرَ، اللهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا لَبَّى حَاجٌّ وَكَبَّرَ، اللهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا تَرَاكَمَ سَحَابٌ وَأَمْطَرَ، واللهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا نَبَتَ نَبَاتٌ وَأَزْهَرَ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ.

الْحَمْدُ للهِ الذِي سَهَّلَ لِعِبَادِهِ طُرُقَ الْخَيْرَاتِ، وَيَسَّرَ لَهُمْ سَبِيلَ الْعِبَادَاتِ، وَوَعَدَهَمْ بِالثَّوَابِ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَاتِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَهَوَ الْمُسْتَحِقُ أَنْ يُحْمَدَ فِي جَمِيعِ الأَوْقَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ الأَرْضِينَ السَّبْعِ وَالسَّمَاوَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مَحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُه الشَّافِعُ الْمُشَفَّعُ يَوْمَ حَشْرِ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ وَعَلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الَّلَاتِي كُنَّ لَهُ نِعْمَ الزَّوْجَاتِ، وَعَلَى أَصْحَابِهِ الَّذِينَ خَلَفُوهُ فِي أُمَّتِهِ فَنَشَرُوا سُنَّتَهُ وَبَلَّغُوهُمُ الآيَاتِ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى الْمَمَاتِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرًا.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

أَمَّا بَعْدُ:

فِإِنَّنَا نَحْمَدُ اللهَ وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ هَذَا الْعِيدِ الذِي نَفْرَحُ فِيهِ وَنَبْتَهِجُ وَنُظْهِرُ الْمَسَرَاتِ، وَنَشْكُرُهُ وَنُثْنِي عَلِيْهِ عَلَى مَا شَرَعَ لَنَا فِيهِ مِن هَذِهِ الاجْتِمَاعَاتِ، وَعَلَى مَا أَبَاحَ لَنَا فِيهِ مِن الطَيِّبَاتِ وَأَنْعَمَ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ الْخَيْرَاتِ.

أَيَّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَعْظَمَ نِعْمَةٍ امْتَنَّ اللهُ بِهَا عَلَيْنَا هِيَ أَنْ جَعَلَنَا عَلَى هَذَا الدِّينِ الْقَوِيمِ، دِينِ الإِسْلامِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينَا) [المائدة:3]. فَيَجِبُ أَنْ نَعْرِفَ قَدْرَ هَذِهِ النِّعْمَةِ فَنَشْكَرَهَا، وَيَجِبُ أَنْ نَتَيَقَّنَ أَنَّ اللهَ لا يَقْبَلُ دِينًا سِوَاهُ فَنَثْبُتَ عَلِيْهِ، وَبِمَبْعِثِ النَّبِيِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- نُسَخَتْ كُلُّ الأَدْيَانِ فَلاَ تُقْبَلُ، قَالَ اللهَ تَعَالَى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85] .

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

أُمَّةَ الإِسْلامِ: إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- هُوَ الْمُدَبِّرُ لأُمُورِ الْعَالَمِ عُلْوِيِّهِ وَسُفْلِيِّهِ، فَمَا مِنْ حَرَكَةٍ وَلا سُكُونٍ، ومَا مِن خَيْرٍ يَنْزِلُ أَوْ شَرٍّ يَحْصُلُ إِلا بِتَقْدِيرِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فُهُوَ الذِي يُعْطِي وَيَمْنَعُ، وَيَخْفِضُ وَيَرْفَعُ، يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، وَيَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ يَشَاءُ، وَيُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، خَلْقُهُ دَائِرُونَ بَيْنَ حِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن:29] .

وَإِنَّ مَا نَشْهَدُهُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ مِنْ أَحْدَاثٍ مُتَلاحِقَةٍ تَمُرُّ بِالأُمَّةِ الإِسْلامِيَّةِ لَهِيَ بِعِلْمِ اللهِ وَتَدْبِيرِهِ، فَلَهُ الْحِكْمَةُ البَالِغَةُ وَالْمَشِيئَةُ النَّافِذَةُ، لا مَانَعَ لِمَا أَعْطَى وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ، وَلا رَادَّ لِحُكْمِهِ وَلا مُعَقِّبَ لِقَضَائِهِ: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء:23] .

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَإِنَّ مَوْقِفَنَا مِنَ هَذِهِ الأَحْدَاثِ مَوْقِفُ الْمُؤْمِنِ الْوَاثِقِ بِرَبِّهِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى مَوْلاهُ، إِنْ حَصَلَ خَيْرٌ شَكَرْنَا اللهَ وَأَثْنَيْنَا عَلَيْهِ، وَإِنْ حَصَلَ شَرٌ صَبَرْنَا وَحَمِدْنَا اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- وَلَجَأْنَا إِلَيْهِ وَانْتَظَرْنَا الفَرَجَ مِنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ". رَوَاهُ مَسْلِمٌ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

ثُمَّ إِنَّ الْوَاجِبَ هُوَ اللُجُوءُ إِلَى اللهِ، وَالتَّضَرُعُ إِلَيْهِ فِي كِلِّ حِينٍ وَآنٍ، وَلا سِيَّمَا فِي وَقْتِ الشَّدَائِدِ وَالْبَأْسِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:43] .

فَعَلَيْنَا أَنْ نُكْثِرَ مِن التَّعَبُّدِ لِرَبِّنَا وَنُقْبِلَ عَلَيْهِ، وَلا نَنْشَغِلَ بِمَتَابَعَةِ الأَحْدَاثِ والْتِقَاطِ الأَخْبَارِ مِنْ وَسَائِلِ الإِعْلامِ الَّتِي كَثِيرٌ مِنْهَا إِعْلامٌ مُوَجَّهٌ، لَهُ أَهْدَافٌ وَغَالِبُهَا ضِدُّ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ نَنْشَغِلُ بِذَلِكَ عَمَّا خُلِقْنَا مِنْ أَجْلِهِ وَهُوَ العِبَادَةُ، بَل الذِي يَنْبَغِي هُوَ العَكْسُ، فَفِي مِثْلِ هَذِهِ الأَحْدَاثُ نَتَوَجَّهُ بِكُلِّيَّتِنَا إِلَى اللهِ وإِلَى عِبَادَتِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:153]، وعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى". رَوَاهُ أَبُو دَاوودَ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ.

وَلَمَا كَانَتْ اللَيْلَةُ التِي سَبَقَتْ مَعْرَكَةَ بَدْرٍ الْكُبْرَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، بَاتَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِلْكَ اللَيْلَةَ يُصَلِّى إِلَى جِذْمِ شَجَرَةٍ هُنَاكَ، وَيُكْثِرُ فِي سُجُودِهِ أَنْ يَقُولَ: "يَا حَىُّ يَا قَيُّومُ"، يُكَرِّرُ ذَلِكَ وَيُلِظُّ بِهِ -عَلَيْهِ السَّلامُ-. ذَكَرَهُ ابنُ كَثِيرٍ في السِّيرِةِ.

فَأَيْنَ نَحْنُ -أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ- مِنْ هَذَا؟! أَيْنَ نَحْنُ مِن الإِقْبَالِ عَلَى قِيَامِ اللَيْلِ؟! أَيْنَ نَحْنُ مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآَنِ وَتَدَبُّرِ آَيَاتِهِ والاعْتَبَارِ بِعِظَاتِهِ؟! بَلْ أَيْنَ نَحْنُ مِنْ دُعَاءِ اللهِ لأَنْفُسِنَا وَلإِخْوَانِنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي كَثِيرٍ مِنْ بَلَادِ الأَرْضِ؟!

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَإِنَّ مِمَّا تَجِبُ الْعِنَايَةُ بِهِ والاهْتِمَامُ -لا سِيَّمَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الأَحْدَاثِ- جَمْعُ الْكَلِمَةِ وَتَوْحِيدُهَا وَالْحَذَرُ مِنْ الْفُرْقَةِ والاخْتَلافِ، فَنَلْتَفَّ حَوْلَ عُلَمَائِنَا وَحُكَّامِنَا وَنَصْدُرَ عَنْ آرَائِهِمْ وَنَنْصَحَ لَهُمْ وَنَحْذَرَ مِن تَطْبِيلِ كِلِّ نَاعِقٍ وَتَشْوِيشِ كِلِّ مُفْسِدٍ، وَنَدْعُوَ اللهَ لَهُمْ بِالسَّدَادِ وَالهِدَايَةِ وَالرَّشَادِ، وَنَكِلَ الأَمْرَ إِلَى أَهْلِهِ، وِلا يَتَدَخَّلُ الإِنْسَانُ فِيمَا لا يَعْنِيهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ". متفق عليه. وقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

أَيُّهَا الأَوْلِيَاءُ مِنَ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ: إِنَّ الأُسْرةَ هِيَ الْلَّبِنَةُ الأُوْلَى للأُمةِ، وَهِيَ الخطْوَةُ الأُوْلَى لِبَناءِ الْمُجْتَمَعِ، فَعَلَيْنَا جَمِيعاً -رِجَالاً وَنِسَاءً- أَنْ نَهْتَمَّ بِأَوْلادِنَا مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ، فَنُرَبيهِمْ مُنْذُ نُعُومَةِ أَطْفَارِهِمْ عَلَى طَاعَةِ اللهِ بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ، وَنُعَظِّمَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ، ثُمّ نَكُونُ قُدْوَةً صَالِحَةً لَهُم، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6]. وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رَضَيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا". مُتَّفَقٌ عَلْيهِ.

وَإِنَّ مِمَّا يَجِبُ الحَذَرُ مِنْهُ وَسَائِلُ الاتْصَالاتِ الحَدِيثَةُ مِنِ الجَوْالاتِ بِأَنْوَاعِهَا، وَالشَّبَكَاتِ أَوْ غَيْرِهَا! فَنَاصِحُوهُمْ وَحَذِّرُوهُمْ وَرَاقِبُوهُمْ بِطَرِيقَةٍ لَبِقَةِ لا إِهْمَالَ فِيهَا وَلا اسْتِفْزَازَ وَعَدَمَ ثِقَةٍ، ثُمَّ أَكْثِرُوا دَعَاءَ اللهِ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَالحِفْظِ، فَإِنَّ الله سُبْحَانَهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) [الحج:34] ، وَإِنَّ الأُضْحِيَةَ مِمَّا جَعَلَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَنَا، فَنَذْبَحُ أَضَاحِيَنَا تَقَرُّبًا إِلَى رَبِّنَا وَتَعَبُّدًا لَهُ واقْتِدَاءً بِنَبِيَّيْهِ الْكَرِيمَيْنِ مُحَمَّدٍ وَأَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِمَا صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلامُهُ-.

أَيَّهُا الْمُسْلِمُونَ: اذْبَحُوا أَضَاحِيَكُمْ عَلَى اسْمِ اللهِ، قَائِلِينَ: بِاسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هذَا مِنْكَ وَلَكَ، اللَّهُمَّ عَنِّي وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِي، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، بِحَسْبِ الأُضْحِيَةِ وَمَنْ هِيَ لَهُ.

وَاعْلَمُوا أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ ذَبْحِ الأَضَاحِي بَعْدَ صَلاةِ العِيدِ، فَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَشَاتُهُ شُاةُ لَحْمٍ، يُطْعِمُهَا أَهْلَهُ، وَيَذْبَحُ أُخْرَى مَكَانَهَا، ثُمَّ إِنَّ التَّسْمِيِةَ شَرْطٌ لِحِلِّ الذَّبِيحَةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) [الأنعام:121] ، وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ". مُتَفَقٌ عَلَيْهِ.

فَمَنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ جَهْلاً أَوْ نِسْيَانًا أَوْ عَمْدًا فَذَبِيحَتُهُ حُرَامٌ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ أُخْرَى مَكَانَهَا.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَتِكَ، وَتَتَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَتُهْدِيَ لِمَنْ شِئْتَ مِنْ أَقَارِبَكَ وَجِيرَانِكَ، وَلَيْسَ هُنَاكَ تَحْدِيدٌ وَاجِبٌ فِي ذَلِكَ، وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: إِنَّهُ يَأْكُلُ ثُلُثَهَا وَيَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهَا وَيُهْدِي ثُلُثَهَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَحَسَنٌ.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اجْعَلُوا عِيدَكُمْ عِيْدَ مَحَبَّةٍ وَوِئَامٍ، وَصِلَةٍ للأَرَحَامِ، وَبُعْدٍ عَنِ الآثَامِ، فَتَزَاوَرُا وَلْيُهَنِّئْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَانْشُرُوا الْخَيْرَ، وَمَنْ كَانَ قَطَعَ رَحِمَهُ أَوْ هَجَرَ أَخَاهُ فَلْيَكُنِ اليَوْمُ بِدَايَةً لِزَوَالِ الهَجْرِ وَمَحْوِ القَطِيعَةِ، فَإِنَّ النُّفُوسَ فِي العِيْدِ مُقْبِلَةٌ، وَالقُلُوب قَرِيبَةٌ، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ؛ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ". متفق عليه.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضَيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلا رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا". رواه مسلم.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَنَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَنَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ.

اللَّهُمَّ رَبَّ النَّبِي مُحَمَّدٍ اغْفِرْ لَنَا ذَنُوبَنَا، وَأَذْهِبْ غَيْظَ قَلُوبَنَا، وَأَجِرْنَا مِنْ مُضِلاَّتِ الْفِتَنِ مَا أَحْيَيْتَنَا. اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا، وَزَكِّها أنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا.

اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قُلُوبٍ لا تَخْشَعُ، وَمِنْ نُفُوسٍ لاَ تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعَوَاتٍ لا يُسْتَجابُ لَهَا.

اللَّهُمَّ آمِنّا فِي دُورِنَا، وَأَصْلِحْ وُلاةَ أُمُورِنَا، وَأَصْلِحْ لِوُلاةِ أُمُورِنَا بِطَانَتِهِمْ، وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ يَا ارْحَمِ الرَّاحِمِينَ.

اللَّهُمَّ كُنْ لِلْمُسْلِمِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي كَلِّ مَكَانٍ.

اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَهُمْ وَاغْفِرْ لِمَوْتَاهُمْ وَاجْعَلْهُمْ عِنْدَكَ مِنَ الشُّهَدَاءِ.

اللَّهُمَّ رُدَّ كَيْدَ أَعْدَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي نُحُورِهِمْ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ تَدْبِيرَهُمْ تَدْمِيرًا لَهُمْ، اللَّهُمَّ فَرِّقْ جَمْعَهُمْ وَشَتِّتْ شَمْلَهُمْ وَضَيْعْ كَلِمَتَهُمْ يَا قَوِيُ يَا عَزِيزُ.

اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا غيثًا مغيثًا سَحًّا غَدَقًا مُجَلِلاً طَبَقًا نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍ عَاجِلاً غَيْرَ آجِل.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
 

 

 

 

المرفقات

عيد الأضحى 1432هـ2

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات