خطبة شهر رجب

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2021-02-19 - 1442/07/07 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/تعظيم شهر رجب في الجاهلية والإسلام. 2/مقتضيات حرمة شهر رجب. 3/رجب وشعبان تمهيد لرمضان. 4/مشابهة المستهين بحرمة رجب للكافرين. 5/تعظيم رجب لا يقتضي الابتداع فيه. 6/نماذج من المخالفات في رجب.

اقتباس

وَمِنْ مُقْتَضَيَاتِ حُرْمَتِهِ: الْحَذَرُ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي: فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ -تَعَالَى- قَائِلًا: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التَّوْبَةِ: 36]، قَالَ قَتَادَةُ: "إِنَّ الظُّلْمَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَعْظَمُ خَطِيئَةً وَوِزْرًا مِنَ الظُّلْمِ فِيمَا سِوَاهَا...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: لَقَدْ قَضَى اللَّهُ -تَعَالَى- وَقَدَّرَ أَنْ يَتَمَايَزَ كُلُّ شَيْءٍ وَيَتَفَاضَلَ؛ فَفَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ؛ كَمُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ-، وَفَضَّلَ بَعْضَ الْأَمَاكِنِ عَلَى بَعْضٍ؛ كَالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَفَضَّلَ بَعْضَ الْأَزْمِنَةِ عَلَى بَعْضٍ؛ كَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَمِنْ تِلْكَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ الْمُفَضَّلَةِ شَهْرُ رَجَبٍ الْحَرَامُ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ كَلِمَةَ: "رَجَبٍ" مُشْتَقَّةٌ مِنَ التَّرْجِيبِ؛ بِمَعْنَى "التَّعْظِيمِ"، فَقَدْ كَانَ شَهْرُ رَجَبٍ مُعَظَّمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَقَرَّ تَعْظِيمَهُ وَزَادَهُ فَضْلًا وَإِجْلَالًا، فَهُوَ أَحَدُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، الَّتِي عَنَاهَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ حِينَ قَالَ: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ)[التَّوْبَةِ: 36]، وَقَدْ وَضَّحَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَوْلِهِ: "السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحَجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ تَحْرِيمِ شَهْرِ رَجَبٍ أَلَّا يُبْدَأَ فِيهِ بِقِتَالٍ، قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ)[الْبَقَرَةِ: 217]، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، خِلَافًا لِلْبَعْضِ، هَذَا فِي جِهَادِ الطَّلَبِ، أَمَّا جِهَادُ الدَّفْعِ فَيَجُوزُ فِيهِ اتِّفَاقًا، يَقُولُ ابْنُ مُفْلِحٍ: "وَيَجُوزُ الْقِتَالُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ دَفْعًا إِجْمَاعًا".

 

وَمِنْ مُقْتَضَيَاتِ حُرْمَتِهِ: الْحَذَرُ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي: فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ -تَعَالَى- قَائِلًا: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التَّوْبَةِ: 36]، قَالَ قَتَادَةُ: "إِنَّ الظُّلْمَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَعْظَمُ خَطِيئَةً وَوِزْرًا مِنَ الظُّلْمِ فِيمَا سِوَاهَا، وَإِنْ كَانَ الظُّلْمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَظِيمًا"، وَيَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ: "الشَّهْرُ الْحَرَامُ تُغَلَّظُ فِيهِ الْآثَامُ، وَلِهَذَا تُغَلَّظُ فِيهِ الدِّيَةُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ".

 

بَيِّضْ صَحِيفَتَكَ السَّوْدَاءَ فِي رَجَبٍ *** بِصَالِحِ الْعَمَلِ الْمُنْجِي مِنَ اللَّهَبِ

شَهْرٌ حَرَامٌ أَتَى مِنْ أَشْهُرٍ حُرُمٍ *** إِذَا دَعَا اللَّهَ دَاعٍ فِيهِ لَمْ يَخِبِ

طُوبَى لِعَبْدٍ زَكَى فِيهِ لَهُ عَمَلٌ *** فَكَفَّ فِيهِ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالرِّيَبِ

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَرَحْمَتِهِ أَنْ جَعَلَ رَجَبًا شَهْرًا حَرَامًا تُتَجَنَّبُ فِيهِ الذُّنُوبُ؛ لِيَكُونَ هُوَ وَشَهْرُ شَعْبَانَ كَالتَّمْهِيدِ وَالْمُقَدِّمَةِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ، وَمَا أَجْمَلَ قَوْلَ مَنْ قَالَ: "رَجَبٌ شَهْرُ الْبَذْرِ، وَشَعْبَانُ شَهْرُ السَّقْيِ، وَرَمَضَانُ شَهْرُ الْحَصَادِ"، فَحَرِيٌّ بِمَنْ فِي رَجَبٍ أَنْ يُحْسِنَ فِي شَعْبَانَ، وَجَدِيرٌ بِمَنِ اغْتَنَمَهُمَا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُوَفَّقِينَ الْمُعْتَقِينَ فِي رَمَضَانَ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الْمُسْتَهِينَ بِحُرْمَةِ شَهْرِ رَجَبٍ قَدْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِي حَرَجٍ حِينَ شَابَهَ الْكَافِرِينَ؛ فَقَدْ كَانُوا يَتَلَاعَبُونَ بِالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ؛ فَيُحِلُّونَ وَيُحَرِّمُونَ وَيُقَدِّمُونَ وَيُؤَخِّرُونَ تَبَعًا لِأَهْوَائِهِمْ، فَنَعَى عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ ذَلِكَ قَائِلًا: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ)[التَّوْبَةِ: 37].

 

وَلَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَرِيصًا عَلَى صِيَانَةِ حُرْمَةِ رَجَبٍ وَتَعْظِيمِهِ، فَقَدِ اخْتَلَطَ عَلَى الصَّحَابَةِ فِي "سَرِيَّةِ نَخْلَةَ" فَقَتَلُوا عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ الْمُشْرِكَ، ظَانِّينَ أَنَّهُمْ فِي جُمَادَى، فَاتَّضَحَ أَنَّهُمْ فِي رَجَبٍ، فَفَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَدَفَعَ دِيَتَهُ إِلَى قَوْمِهِ، وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ: "قَتَلْتُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ!"، فَنَزَلَ قَوْلُهُ -تَعَالَى-: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ)[الْبَقَرَةِ: 217]، أَيْ: أَنَّ مَا تَفْعَلُونَهُ -أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ- مِنْ صَدٍّ عَنِ الْإِسْلَامِ وَعَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَطَرْدِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَكَّةَ أَعْظَمُ وَأَشَدُّ مِنَ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِمْ حَمْزَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَائِلًا:

وَقَالُوا حُرْمَةَ رَبِّهِمْ أَبَاحُوا *** فَحَلَّتْ حُرْمَةُ الشَّهْرِ الْحَرَامِ

وَهُمْ كَانُوا هُنَاكَ أَشَدَّ جُرْمًا *** بِمَكَّةَ بَيْنَ زَمْزَمَ وَالْمَقَامِ

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَيْسَ مَعْنَى تَعْظِيمِنَا لِشَهْرِ رَجَبٍ أَنْ نُجَاوِزَ حُدُودَ الشَّرْعِ وَنُخَالِفَهُ، بَلْ لَا نَزِيدُ فِي رَجَبٍ مِنَ الْعِبَادَةِ عَلَى مَا نَفْعَلُهُ فِي بَاقِي الشُّهُورِ، فَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ خَصَّ شَهْرَ رَجَبٍ بِصَلَاةٍ وَلَا بِصِيَامٍ وَلَا بِغَيْرِهِمَا.

 

فَمَنْ أَرَادَ الْإِحْسَانَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ فَلْيَصْنَعْ مَا كَانَ يَصْنَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَوَالَ الْعَامِ، فَلْيَصُمِ الْإِثْنَيْنَ وَالْخَمِيسَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَلْيَقُمِ اللَّيْلَ بِمَا اسْتَطَاعَ، وَلْيُكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ -تَعَالَى-... وَغَيْرِهَا مِنَ الْقُرُبَاتِ، بِشَرْطِ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا طَوَالَ الْعَامِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَا يَخُصُّ بِهَا شَهْرَ رَجَبٍ وَحْدَهُ.

 

وَإِنَّ فِيمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غِنًى عَمَّا سِوَاهُ، فَإِنَّ الْخَيْرَ فِي الِاتِّبَاعِ، وَالشَّرَّ كُلَّ الشَّرِّ فِي الِابْتِدَاعِ.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: لَقَدْ جَاوَزَ قَوْمٌ وَبَالَغُوا وَغَرَّهُمُ الشَّيْطَانُ حَتَّى أَحْدَثُوا فِي شَهْرِ رَجَبٍ مِنَ الْبِدَعِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَابْتَدَعُوا مَا أَسْمَوْهُ بِـ"صَلَاةِ الرَّغَائِبِ"؛ تِلْكَ الَّتِي يُقِيمُونَهَا لَيْلَةَ أَوَّلِ جُمْعَةٍ مِنْ رَجَبٍ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَقَدْ قَالَ عَنْهَا ابْنُ تَيْمِيَةَ: "وَأَمَّا صَلَاةُ الرَّغَائِبِ؛ فَلَا أَصْلَ لَهَا، بَلْ هِيَ مُحْدَثَةٌ".

 

وَمِنْهَا: "صَلَاةُ أُمِّ دَاوُدَ": وَهِيَ صَلَاةٌ يُصَلُّونَهَا وَسَطَ رَجَبٍ، وَيَقُولُ عَنْهَا ابْنُ تَيْمِيَةَ: "تَعْظِيمُ هَذَا الْيَوْمِ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ أَصْلًا".

 

وَمِنْهَا: ذَبْحُ "الْعَتِيرَةِ" أَوِ "الرَّجَبِيَّةِ": وَهِيَ ذَبِيحَةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا فِي رَجَبٍ تَعْظِيمًا لَهُ، وَقَدْ قَالَ عَنْهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ"؛ وَالْفَرَعُ: أَوَّلُ النِّتَاجِ، كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِطَوَاغِيَتِهِمْ، وَالْعَتِيرَةُ فِي رَجَبٍ.(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَمِنْهَا: الِاحْتِفَالُ بِـ"الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ" لَيْلَةَ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ: يَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ: "وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ مَعْلُومٌ لَا عَلَى شَهْرِهَا وَلَا عَلَى عَشْرِهَا، وَلَا عَلَى عَيْنِهَا، بَلِ النُّقُولُ فِي ذَلِكَ مُنْقَطِعَةٌ مُخْتَلِفَةٌ، لَيْسَ فِيهَا مَا يَقْطَعُ بِهِ، وَلَا شُرِعَ لِلْمُسْلِمِينَ تَخْصِيصُ اللَّيْلَةِ الَّتِي يُظَنُّ أَنَّهَا لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ بِقِيَامٍ وَلَا غَيْرِهِ".

 

وَمِنْهَا: الْحِرْصُ عَلَى إِخْرَاجِ زَكَاةِ الْمَالِ فِي شَهْرِ رَجَبٍ؛ ظَنًّا أَنَّ لِذَلِكَ مَزِيَّةً وَفَضِيلَةً، يَقُولُ ابْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيُّ: "اعْتَادَ أَهْلُ هَذِهِ الْبِلَادِ إِخْرَاجَ الزَّكَاةِ فِي شَهْرِ رَجَبٍ، وَلَا أَصْلَ لِذَلِكَ فِي السُّنَّةِ، وَلَا عُرِفَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ".

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ أَهَمَّ مَا يُقَالُ فِي شَهْرِ رَجَبٍ أَنَّهُ مِنْ أَشْهُرِ اللَّهِ الْحُرُمِ، وَالَّتِي وَصَّى اللَّهُ فِيهَا عِبَادَهُ أَلَّا يَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَهُمْ، وَإِنْ كَانَ الظُّلْمُ مُحَرَّمًا فِي كُلِّ أَشْهُرِ الْعَامِ إِلَّا أَنَّهَا هُنَا أَشَدُّ ظُلْمًا، وَأَعْظَمُ جُرْمًا.

 

نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَهَبَنَا الْإِحْسَانَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ وَبَعْدَ رَجَبٍ، وَارْزُقْنَا تَعْظِيمَهُ، وَجَنِّبْنَا الذُّنُوبَ وَالْمَعَاصِيَ، وَوَفِّقْنَا إِلَى مَا يُرْضِيكَ عَنَّا، إِنَّكَ خَيْرُ الْمَسْئُولِينَ وَأَكْرَمُ الْمُجِيبِينَ...

 

اللَّهُمَّ وَأَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَخْزِي الْكُفْرَ وَالْكَافِرِينَ...

 

اللَّهُمَّ رُدَّ الْمُسْلِمِينَ إِلَى دِينِهِمْ رَدًّا جَمِيلًا، وَوَفِّقْهُمْ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى...

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا عَزِيزُ يَا حَكِيمُ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الرَّحْمَةِ الْمُهْدَاةِ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ لِقَوْلِهِ -جَلَّ فِي عُلَاهُ-؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

عِبَادَ اللَّهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النَّحْلِ: 90]، فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

المرفقات

خطبة شهر رجب.doc

خطبة شهر رجب منسقة للخطباء الجدد.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات

جزاكم الله خيرا 

عضو نشط
زائر
28-01-2023

جزاكم الله خيرا

 

 

 

عضو نشط
زائر
28-01-2023

جزاكم الله خيرا

 

 

 

عضو نشط
زائر
28-01-2023

جزاكم الله خيرا

 

 

 

جزيتم الجنة و نعيمها

 

عضو نشط
زائر
10-02-2022

  1. جزاكم الله خيرا

عضو نشط
زائر
25-02-2022

جزاكم الله خيرا

عضو نشط
زائر
25-02-2022

جزاكم الله خيرا

عضو نشط
زائر
25-02-2022

ماشاء الله تبارك الله خطبة موجزه ورائعه ، جزى الله الخطيب خيرا 

عضو نشط
زائر
25-02-2022

ماشاء الله تبارك الله خطبة موجزه ورائعه ، جزى الله الخطيب خيرا 

عضو نشط
زائر
25-01-2024

جزاكم الله خيرا

عضو نشط
زائر
25-01-2024

جزاكم الله خيرا