خطبة بمناسبة الحريق بمكة المكرمة عام 1378هـ

عبد الله بن محمد الخليفي

2022-10-08 - 1444/03/12
عناصر الخطبة
1/إعانة المسلم لأخيه في الحوادث والملمات 2/مسابقة الصحابة في فعل الخيرات 3/بعض قصص الصحابة في البذل والجود والكرم 4/دعوة الأثرياء لمساعدة المصابين في حريق مكة 5/معونة الله للمتعاون مع المسلمين

اقتباس

اعلموا: أن مسامحة المسلم لأخيه، وإعانته؛ من لوازم الأخوة، لا سيما في الحوادث المؤلمة، فيجب على كل فرد من أفراد الأمة المبادرة إلى مساعدة إخوانه في الدين، وفي النسب، وإعانتهم في أمور دينهم ودنياهم؛ اقتداءً برسول لله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته -رضوان الله تعالى عليهم-. فقد كانوا...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذى قضي وقدر، وحكم ودبر، وخلق الخلق ويسر، ونهى وأمر، وأعطى ومنع، وضر ونفع، أحاط بكل شيء علما، نحمده على نعمه التي لا تحصر، ونشكره رضا منه على ما قضى وقدر.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله، سيد البشر، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته السادة الغرر.

 

أما بعد:

 

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلموا: أن مسامحة المسلم لأخيه، وإعانته؛ من لوازم الأخوة، لا سيما في الحوادث المؤلمة، فيجب على كل فرد من أفراد الأمة المبادرة إلى مساعدة إخوانه في الدين، وفي النسب، وإعانتهم في أمور دينهم ودنياهم؛ اقتداءً برسول لله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته -رضوان الله تعالى عليهم-.

 

فقد كانوا يتنافسون في الأعمال الصالحات، ويتسابقون إلى الخيرات، ويبادرون إلى مقاصد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ويستبقون إلى مراده، ويتصدقون على المحاويج والمنكوبين، طلبا لثواب الله ورضوانه.

 

وقد أمرهم صلى الله عليه وسلم يوما بالصدقة، فتصدق بعضهم بنصف ماله، فقال له صلى الله عليه وسلم: "ما أبقيت لعيالك؟" قال: النصف يا رسول الله، قال له: "بارك الله لك فيما أنفقت وفيما أبقيت".

 

وتصدق الآخر بماله كله، فقال له صلى الله عليه وسلم: "ما أبقيت لعيالك؟" قال: أبقيت لهم الله ورسوله، فدعا له.

 

وحضهم يوما على الصدقة، فتصدق بعضهم بألف دينار وثلاثمائة بعير بأقتابها وأحلاسها.

 

ولما نزل قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ)[البقرة: 207].

 

فكان الرجل منهم يقعد في كفة الميزان، ويضع في كفته الأخرى وزنه دراهم ودنانير، فإذا وزن عدله منها، أتى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال له: يا رسول الله اشتريت نفسي من الله -تعالى- بذلك، فاصنع بها ما بدا لك".

 

فهذه قطرة من بحر فياض من مآثر الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- الذين لا كان ولا يكون مثلهم.

 

وهذه كانت أحوالهم في الجود والصداقة، وحسن سيرتهم، مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نبي الرحمة، وصفة أعمالهم وبذلهم الأموال في وجوه البر والإحسان، مع طيب أنفسهم بها لله.

 

فيا بني قومي: إنه بهذه المناسبة لا يفوتني أن أذكركم بحادث الحريق المروع المذهل الذي كانت ضحيته بعض المنازل المجاورة لهذه البقعة الطاهرة، والذي نكب من جرائه بعض الأسر، حتى أصبحوا بدون مأوى ولا متاع.

 

فسارعوا -رحمكم الله-: إلى إغاثة الملهوفين، ومواساة المنكوبين، لعل الله يرحم العباد أجمعين.

 

فهؤلاء أطفال المصابين في هذه الكارثة تتعالى صرخاتهم لطلب العون في هذا اليوم المجيد والمال خير عون لهم.

 

ويا أيها الأثرياء: تصدقوا على إخوانكم من فضول أموالكم، وسارعوا إلى فعل الخير والمعروف، وجودوا على تلك الأسر المنكوبة بسبب حادث الحريق المحزن الذي حل بجيران هذا الحرم المقدس، وقووا عزائمكم على البر والإحسان، إن الله يجزي المحسنين.

 

وازرعوا الخير فكل لما زرع حاصد، كل بحسب استطاعته.

 

والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.

 

ولا ينبغي للمسلم: أن يحقر من المعروف شيئا، فقد أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أن زانية سقت كلبا رأته يلهث عطشا، فغفر لها.

 

"المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا".

 

و"إنما الأعمال بالنيات، وانما لكل أمرئ ما نوى".

 

(فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزلزلة: 7- 8].

 

نسأل الله أن يمد إخواننا المنكوبين بعونه، وأن يجبر مصابهم، وأن يتولى عباده بلطفه ورحمته، ويتوب على المؤمنين والمؤمنات، وأن يقيل العثرات، ويمحو السيئات.

 

(وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[المزمل:20].

 

 

 

المرفقات

بمناسبة الحريق بمكة المكرمة عام 1378هـ

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات