خطبة الحاجة

ناصر بن محمد الأحمد

2015-02-03 - 1436/04/14
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/قصة قدوم ضماد على النبي -صلى الله عليه وسلم- 2/بعض فوائد قدوم ضماد على النبي -صلى الله عليه وسلم- 3/مشروعية وسنية استفتاح الخطب الجامعة بخطبة الحاجة

اقتباس

عندما قدم ضماد مكة سمع بعض سفهاء أهل مكة يبثون إشاعة أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- مجنون، وهذا غيض من فيض مما كان يؤذي به كفار قريش نبينا محمداً -صلى الله عليه وسلم- وكان ضمادٌ -رضي الله عنه- معروفاً برجاحة عقله، فقال في نفسه: لو أني أتيت هذا الرجل لعلّ الله أن يشفيه على يديّ، فـ...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله...

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: هذه المقدمة التي عادة ما نبتدئ بها خطبتنا هي من السنن التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحافظ عليها، ويسميها العلماء، خطبة الحاجة، هي:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه.. إلى قولنا.. وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

وقد روى هذه الخطبة مسلم في صحيحه، ولهذه الخطبة قصةٌ كثيرة الفوائد، سيتبين من خلال القصة حرصُ النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذه الخطبة أكثر من غيرها.

 

ملخص القصة: أنه قدم رجل من أزد شنوءة، وهي قبيلة من قبائل العرب، ويسمى هذا الرجل ضماد بن ثعلبة الأزدي، وكان مشهوراً عند العرب أنه يرقي من الريح، والريح عند العرب في الجاهلية هي مس الجن.

 

فعندما قدم ضماد مكة سمع بعض سفهاء أهل مكة يبثون إشاعة أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- مجنون، وهذا غيض من فيض مما كان يؤذي به كفار قريش نبينا محمداً -صلى الله عليه وسلم- وكان ضمادٌ -رضي الله عنه- معروفاً برجاحة عقله، فقال في نفسه: لو أني أتيت هذا الرجل لعلّ الله أن يشفيه على يديّ.

 

فيأتي ضمادٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فيقول له: "يا محمد إني أرقي من هذه الريح -أي الجنون- وإن الله يشفي علي يديّ من شاء فهل لك رغبة في رقيتي؟

 

بماذا رد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-؟

 

رد عليه نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد".

 

فيقول ضماد، وقد ظهرت عليه علامات التأثر: "أعد عليّ يا محمد كلماتك هؤلاء؟"

 

فيعيد النبي -صلى الله عليه وسلم- خطبته ثلاث مرات.

 

فيقول له ضماد: "لقد سمعت الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغْن قاموس البحر-أي وسطه ولجته-" ثم قال له ضماد: "هات يدك أبايعك على الإسلام" فيبايع ضماد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيطلب منه النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تكون المبايعة على أن يدعو قومه إلى الإسلام أيضاً، فيقول ضماد: أبايعك على قولي.

 

ثم بعد ذلك يذهب ضماد إلى قومه داعية إلى الإسلام، وبعد فترة يبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- سريةً من المقاتلين، فيمرّون في طريقهم على قوم ضماد.

 

فيقول صاحب السرية -أي قائدها- يقول لجيشه: "هل أصبتم من هؤلاء شيئاً؟" فيقول رجل من القوم: "أصبت منهم مطهرة -أي وعاء للوضوء-" فيقول صاحب السرية: "ردوها فإن هؤلاء قوم ضماد".

 

أصل هذه القصة في صحيح مسلم من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.

 

أيها المسلمون: في هذه القصة عبرٌ وفوائد؛ منها:إن العرب قبل الإسلام كانت تعتقد بمس الجن ويسمونه الريح، وجاء الإسلام فأقر هذا الاعتقاد، قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ)[البقرة: 275].

 

وقد أنكر بعض الناس في وقتنا هذا، بل وبعض المنتسبين للعلم مس الجن للإنس بسبب جهلهم بالنصوص الشرعية من الكتاب والسنة الدالة على هذا الأمر، كما أن الواقع يصدق هذا ويؤكده.

 

ومس الجن للإنس له أسباب كثيرة، فقد يكون بسبب هجر المرء للقرآن والذكر وتلطّخه بالمعاصي، وقد يكون بسبب عدم محافظته على الأذكار الشرعية التي تحفظ -بإذن الله-، وقد يكون ابتلاءً من الله -عز وجل- ليرى صبر عبده، وصدق توكله.

 

وعلاج المس: إنما يكون بالرقى الشرعية من الكتاب والسنة، وأهم من ذلك: صدق التوكل على الله، وإخلاص الدعاء له، مع الحذر من الطرق البدعية في العلاج، أو الذهاب إلى الكهنة والسحرة، أو حتى الجهلة ممن تصدوا للعلاج، والواقع أنهم هم يحتاجون إلى علاج.

 

ومن فوائد القصة: أن من العرب من كان يرقي من مس الجن قبل الإسلام، وربما استعانوا بالجن، فأبطل الإسلام كل أنواع الاستعانات بالجن، وقد قال الله -تعالى- عنهم: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا)[الجن: 6] -أي زاد الكفار خوفاً وإثماً وطغياناً-.

 

ومن الفوائد أيضاً: أن من العرب في الجاهلية من يعتقد أن الشافي هو الله وحده، ومع الأسف الشديد، فإن بعض المسلمين يعتقد أن بعض المخلوقين يشفي من دون الله باعتقاد بعضهم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وغيره يشفي من دون الله.

 

وهذا ضماد رغم أنه جاهلي، فإنه يقول لمحمد -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يشفي على يدي من شاء".

 

وبعض من لا علم عنده ينطلق في هذه المسألة من حبه للرسول -صلى الله عليه وسلم- فيقول: مثلاً إن محمداً -صلى الله عليه وسلم- رحمة مهداة، يخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويشفي القلوب والأبصار والأبدان من الأسقام الحسية والمعنوية.

 

وهذا كلام طيب، إلا قوله: "إنه يشفي الأبصار والقلوب من الأسقام الحسية؟" فما الدليل على هذا؟ وإن أراد سنته فلا حرج، وإلا فإن الله يقول: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)[الشعراء: 80].

 

وكان صلى الله عليه وسلم يدعو يقول: "اللهم رب الناس، أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً"[متفق عليه].

 

أيها المسلمون: هذا ضماد -رضي الله عنه- يسمع خطبة الحاجة، فيتأثر بها، ويطلب من الرسول -صلى الله عليه وسلم- إعادتها، ويسلم بسببها، بل يصير داعيةً إلى الإسلام بعد سماعها، ونحن كم من المرات قد سمعناها؟ وكم مرة قد قرأناها ولم يحصل لنا شيء؟!

 

ولو يسير مما حصل لضماد -رضي الله عنه- وهي قد اشتملت على حمد الله، والاستعانة به، وأنه هو المعبود وحده لا شريك له، وهذه خلاصة الدين، وتاج الإسلام، فهلّا إذا سمعناها بعد اليوم وقفنا عند معانيها واستشعرنا أثرها؟!.

 

خذوا مثلاً قوله: "ونعوذ بالله من شرور أنفسنا"فإن نفوسنا لا تخلو من الشر، ولكنه يذهب بمراقبة الله، والخوف منه، فكم من المصائب والبلايا إنما هي نتاج الشر الكامن في النفس، فإذا قلت -يا عبد الله- خطبة الحاجة، أو سمعتها، مؤمناً عليها، أعاذك الله من شرِّ نفسك التي ربما كانت من ألد أعدائك.

 

وخذ مثلاً قوله: "من يهده الله فلا مضل له"الهداية بيد من؟

 

بيد الله، فهو الهادي"من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له"ولو أراد الله هداية شخص فمن الذي سيقف دون ذلك؟!

 

لا أحد، ولو اجتمعت قوى الأرض كلها، ولذا فإن ما يبذله أعداء الملة وخصوم الشريعة من محاولات وجهود وأموال واجتماعات وقرارات في نشر الفساد في أوساط المسلمين، فإنه لن ينفع في شخص قد كتب الله له الهداية، فإنه من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

 

ولا يعني هذا أن يقف الدعاة والمصلحون يتفرجون بحجة أن من يهده الله، فلا مضل له، بل إنهم يجب عليهم وجوباً أن يأخذوا بسنة التدافع حتى يحكم الله في خلقه ما يشاء: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحج: 40].

 

نسأل الله أن يزيدنا وإياكم علماً وهدى وتوفيقاً...

 

نفعني الله وإياكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله...

 

أما بعد:

 

هذه الخطبة وردت من حديث جابر -رضي الله عنه- وقال فيه: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ذلك إذا خطب"كما روى ذلك مسلم والنسائي وغيرهما.

 

وقوله: "إذا خطب"يشمل الخطب كلها، بما فيها خطبة الجمعة والعيدين والاستسقاء.

 

وقد جاء التخصيص على خطبة الجمعة، كما في روايةٍ لمسلم، كما أنها تقال عند عقد النكاح أيضاً.

 

فعلى الخطباء أن يحيوا هذه السنة، فتكون أكثر خطبهم مبدوءة بخطبة الحاجة، لا كما هو منتشر في بعض الأوساط عندنا أنهم قلَّ ما يخطبون بها.

 

ومما يستفاد من هذه الخطبة: أنه لا يستعاذ عند قراءة الآيات أثناء الخطبة أو الكلام أو المحاضرات أو غيرها؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يستعذ عند قراءة آيات آل عمران والنساء والأحزاب.

 

ومن فوائد القصة الماضية: أنه يجوز الاقتصار على جزء من هذه الخطبة، كما فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قصة ضماد -رضي الله عنه-.

 

أيها المسلمون: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين...

 

اللهم أصلح لنا ديننا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا...

 

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ...

 

 

 

المرفقات

الحاجة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات