خطبة الجمعة أداة فعالة للتغيير وطاقات مهدرة (1-3)

محمد بن لطفي الصباغ

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: بناء الخطبة

اقتباس

إن الملايين من المسلمين يَستمِعون في كل أسبوع إلى خطبة الجمعة، مهما كان رأيُهم في الخطيب، سواء أكانوا يُنكِرون عليه قوله ويَذمُّونه، أم كانوا به مَعجَبين، وله مُوافِقين، فلو كان هؤلاء الخُطباء أو أكثرهم على المستوى الجيد المطلوب يُدرِكون دورَهم العظيمَ في التوعية والإصلاح والتقويم، وكانوا يَعرفون دينهم معرفة سليمة دقيقة، وواقع أمَّتِهم وبلادهم وعصرهم، ويَمتلِكون موهبةَ البيان والتأثير، ويُحسِنون اختيار الموضوعات، ويُؤثِرون ما عند الله، ولا يخافون في الله لومة لائم، لو كانوا كذلك؛ لتغيَّر واقع المسلمين تغيُّرًا جذريًّا، ولانْتشَرَ دينُ الله في الأرض، ولقلَّت المُخالفات الشرعية، ولكنَّنا - وا أسفاه - لا نجد العددَ الكافي من الخُطباءِ الذين تتوافَرُ فيهم هذه الصفاتُ.

 

 

 

 

يومُ الجمعة أفضلُ أيام الأسبوع، أكرَمنا اللهُ بأن هدانا إليه فجعله عيدًا لنا كل أسبوع، نؤدِّي فيه صلاة الجمعة، التي هي أجلُّ صلاةٍ فرَضها الله على المسلمين.

 

روى البخاري ومسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "نحن الآخِرُون الأوَّلون يوم القيامة، بَيْدَ أنهم أُوتوا الكتابَ مِن قَبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرَض الله عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، والناس لنا فيه تبع؛ اليهود غدًا، والنصارى بعد غد" رواه البخاري برقم 876، ومسلم برقم 855.

 

وقال ابن القيم في شرح قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أَكثِرُوا من الصلاة عليَّ يومَ الجُمعة وليلة الجمعة"، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيد الأنام، ويوم الجُمعةِ سيد الأيام، فلِلصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره، مع حكمة أخرى، وهي: أن كلَّ خير نالتْه أمته في الدنيا والآخرة فإنما نالته على يده - صلى الله عليه وسلم - فجمَعَ الله لأمته بين خيرَي الدنيا والآخرة، فأعظمُ كرامة تَحصُل لهم فإنَّما تَحصُل يومَ الجُمعة؛ فإنَّ فيه بَعْثَهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة، وهو يوم عيدٍ لهم في الدنيا، ويومٌ فيه يُسعِفُهم اللهُ تعالى بطَلِباتهم وحوائجهم، ولا يردُّ سائلهم، وهذا كله إنَّما عرَفوهُ وحصَل لهم بسببه وعلى يده، فمِن شُكرِه وحَمدِه وأداء القليل من حقه - صلى الله عليه وسلم -: أن نُكثِر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته"[1].

 

إنَّ يوم الجُمعةِ هو العيد الأسبوعي عند المسلمين، يتفرَّغون فيه لأداء صلاة الجُمعة وسَماع خطبتها، ولصِلة الأرحام وتفريح الأولاد من البنين والبنات، ولذِكر الله ودعائه والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - والتضرُّع إليه وسؤاله من فضله[2].

 

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير يوم طلعتْ فيه الشمسُ يوم الجمعة؛ فيه خُلِق آدم، وفيه أُدخِل الجنة، وفيه أُخرِج منها" رواه مسلم برقم 854، والترمذي برقم 488، وأبو داود 1046، والنسائي وغيرهم.

 

 وفي هذا اليوم ساعةٌ يُستَجابُ فيها الدعاء، وقد أخفاها الله؛ ليَجتهد المسلمُ اليوم كلَّه في طلبها، جاء في رواية للبخاري 935 ومسلم 852 وابن ماجه قال - صلى الله عليه وسلم -:"وفيه ساعة لا يُوافِقها عبدٌ مسلم وهو قائم يصلي فيسأل الله شيئًا، إلا أعطاه إياه"، وفي رواية: "يسأل الله خيرًا".

 

هذا، وقد كتب ابن القيم في زاد المعاد فصلاً طويلاً في ذِكْر فضائل يوم الجمعة وخصائصه (1: 364 - 440) من طبعة الأرناؤوط، وكذلك الإمام المُنذري، وفي كتب السنَّة أبواب كثيرة في فضل هذا اليوم المبارك.

يَملِك الدعاة المسلمون وسيلة فعالة في الدعوة إلى دينِهم، والتمكين له، وشرحه وبيانه، لا يَملِكها غيرُهم؛ إنها خُطبة الجُمعةِ.

 

وفي المسلمين خُطباء مَوهوبون أوتوا علمًا وملَكةً تعبيرية فائقة وموهبةً عظيمةً، ولكن أكثرهم - لأسباب بعضُها يعود إليهم، وبعضها يعود إلى غيرهم - عن المنابر مُبعَدون، وقليلٌ منهم من يقوم بهذه المهمَّة الجَليلة.

 

لقد فرَض اللهُ على كل مسلم مُكلَّفٍ قادر مقيم أن يصلي صلاة الجمعة، وأن يستمع لخُطبتها، وأن يُنصِتَ مُصغيًا مدة إلقاء الخطيب خطبته، وهذه فرصة عظيمة للدعاة لبثِّ الوعي الديني، وتبصير الناس بالطريق السوي الذي يَحُلُّ لهم مشكلاتهم، ويُنقِذهم من عذاب أليم.

 

إن الملايين من المسلمين يَستمِعون في كل أسبوع إلى خطبة الجمعة، مهما كان رأيُهم في الخطيب، سواء أكانوا يُنكِرون عليه قوله ويَذمُّونه، أم كانوا به مَعجَبين، وله مُوافِقين، فلو كان هؤلاء الخُطباء أو أكثرهم على المستوى الجيد المطلوب يُدرِكون دورَهم العظيمَ في التوعية والإصلاح والتقويم، وكانوا يَعرفون دينهم معرفة سليمة دقيقة، وواقع أمَّتِهم وبلادهم وعصرهم، ويَمتلِكون موهبةَ البيان والتأثير، ويُحسِنون اختيار الموضوعات، ويُؤثِرون ما عند الله، ولا يخافون في الله لومة لائم، لو كانوا كذلك؛ لتغيَّر واقع المسلمين تغيُّرًا جذريًّا، ولانْتشَرَ دينُ الله في الأرض، ولقلَّت المُخالفات الشرعية، ولكنَّنا - وا أسفاه - لا نجد العددَ الكافي من الخُطباءِ الذين تتوافَرُ فيهم هذه الصفاتُ.

 

إن لكلمةِ الحق سلطانًا وتأثيرًا إن قيلتْ في الوقت المُناسِبِ والأسلوب المناسب، إن دعوات الرسُل وأتباعهم والمُصلحين جميعًا كانت في أول أمرِها كلمات حق، أحسَن حمَلَتُها في تبليغها الناس، فسادتْ وانتَشرتْ، وكانت آثارُها خيرًا وصلاحًا، وعدلاً وتقدُّمًا وفَلاحًا.

 

إن الذين تتوافَرُ فيهم هذه الصفات موجودون بعددٍ مَحدودٍ، وكثير منهم لا يَرتقون المنابر، وإننا لنرجو أن يَزيد عددُهم، وأن يتقدَّموا لهذه المهمَّة ويَنفعوا الناس بشيء ممَّا آتاهم الله من فضله.

 

وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

 

-----------

[1] زاد المعاد (1: 376) ط الأرناؤوط.

 

[2] ويُؤسِفني أن يكون يوم العطلة الرسمية - أي: يوم العيد الأسبوعي للمسلمين - في بعض الدول الإسلامية يوم الأحد، ويكون يوم الجُمعة يوم عمل عِندهم، وأخبَرَني الأستاذ باسل حميدة أن المغرب وتونس ولبنان وباكستان وتركيا وإندونيسيا وعددًا من ولايات ماليزيا يُعطِّلون الأحد ويعملون يوم الجمعة، إن هذا الأمر عجيب! كيف يكون هذا وقد أخبرنا نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - أن الله هدانا لهذا اليوم وضلَّ عنه اليهود والنصارى؟! إنه والله لهو التقليد الأعمى الذي أخبرنا عنه سيدُنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله: ((لتتبعُنَّ سننَ من كان قبلكم شبرًا بشبرٍ، وذِراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه))، قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: ((فمَن إذًا؟!))؛ رواه البخاري برقم 7320 ومسلم 2669 وابن ماجه 3994.

 

قد يقول قائل منهم: إن البنوك في كل الدول تُعطل يوم الأحد، فنحن من أجل ذلك نُعطِّل، ونقول: ما لنا وللبنوك؟ إن الذين يتعاملون مع البنوك من المسلمين نسبة قليلة؛ لأن أكثر المسلمين فقراء، بل إن كثيرًا منهم لا يجدون لقمة العيش، وليس معهم ما يتعاطون به مع البنوك.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات