خطبة الاستسقاء

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: الاستسقاء
عناصر الخطبة
1/ فقر العباد إلى الله تعالى 2/ الله غني عن عباده ودعائهم وعبادتهم 3/ أسباب الغفران ونزولِ البركات على العباد 4/ دعاء الله تعالى ورجاؤه 5/ الاستغفار أعظم أسباب نزول الخيرات 6/ توحيد الله والبراءة من الشرك 7/ الرياء وخطره على العباد

اقتباس

والدعاءُ يقتضي الإجابةَ إذا توفَّرت شروطه وانتفَت موانعُه، ولهذا وجب على المسلم أن يكون في دُعائِه مُقبِلاً على الله -عز وجلّ- إقبالاً صادقًا مخلصًا لله -جلّ وعلا- مُلِحًّا غيرَ يائسٍ ولا قانطٍ، يرجو رحمة الله -عز وجلّ- ويخافُ عذابه راغبًا راهبًا ملحًّا راجيًا مؤمِّلاً في عظيم موعود الله -جلّ وعلا- وكريم نواله...

 

 

 

 

الحمد لله الولي الحميد، ذي العرشِ المجيدِ فعال لما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً بريئة من الشرك والتنديد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إمامُ الورى وخيرُ العبيد، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، صلاةً دائمةً في ارتقاء ومزيد.

أما بعد:

عبادَ الله: اتقوا الله ربَّكم في سرَّائكم وضرَّائكم، وتعرّفوا إليه -جلّ وعلا- في شِدَّتكم ورخائكم، واعلموا أن الله -تبارك وتعالى- غني حميد بيده أَزِمَّةُ الأمور ومقاليدُ السماوات والأرض، عطاؤه -جلّ وعلا- كلامٌ ومنعه كلامٌ: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس: 82]، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

واعلموا -رعاكم الله- أنّكم فقراء إلى الله -جلّ وعلا- من كل وجه، لا غنى لكم عنه طرفةَ عين: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) [فاطر: 15–16]، ثم هو -جلّ وعلا- غنيٌ عن عباده وعن دعائهم واستغفارهم وصلاتهم وسائر عباداتهم، فهو -جلّ وعلا- لا تنفعه طاعةُ من أطاع ولا تضرُّه معصيةُ من عصاه: (فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) [يونس: 108]، ثم هو -جلّ وعلا- معَ كمال غناه -عز وجلّ- يدعو عباده إلى ما فيه فلاحُهم وسعادتهُم وصلاحُ أمرهم في دنياهم وأخراهم، ومن ذلكم الصلاةُ التي اجتمعنا لها، طالبين رحمة الله -جلّ وعلا- مؤمِّلين فضلَه راجين نواله -عز وجلّ-، وهو لا يُخَيِّبُ من رجاه ولا يَرُدُّ من دعاه سبحانه.

واستمع إلى ما جاء عنه -تبارك وتعالى- في الحديث القدسي العظيم المبارك، يقول -جلّ وعلا-: "يا ابن آدم: إِنَّك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك ما كان منك ولا أبالى، يا ابنَ آدمَ: لو بلَغَتْ ذنوبك عَنانَ السماء ثم استغفرتني غفرتُ لك، يا ابنَ آدم: لو أتيتني بقُرابِ الأرض خطايا ثم لقِيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقُرابها مغفرة"، تأمَّل -رعاك الله- قوله -جلّ وعلا-: "يا ابن آدم، يا ابن آدم، يا ابن آدم"، يناديك -جلّ وعلا- لتُقبل على ما فيه صلاحك وفلاحك وسعادتك ورِفعتكَ في دنياك وأُخرَاك، وقد ذكر -عز وجلّ- في هذا الحديث القدسي العظيم المبارك، أمورًا ثلاثة عظيمة هي أعظمُ أسباب الغفران ونزولِ البركات وتوالىِ الخيرات وتعدُّدِ العطايا والهِبات:

أما الأمر الأول: فهو دعاء الله -تبارك وتعالى- مع رجائِهِ، دعاءُ من قال سبحانه: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60]، والقائل -سبحانه وتعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186]، والدعاءُ يقتضي الإجابةَ إذا توفَّرت شروطه وانتفَت موانعُه، ولهذا وجب على المسلم أن يكون في دُعائِه مُقبِلاً على الله -عز وجلّ- إقبالاً صادقًا مخلصًا لله -جلّ وعلا- مُلِحًّا غيرَ يائسٍ ولا قانطٍ، يرجو رحمة الله -عز وجلّ- ويخافُ عذابه راغبًا راهبًا ملحًّا راجيًا مؤمِّلاً في عظيم موعود الله -جلّ وعلا- وكريم نواله.

والأمر الثاني -عباد الله-: الاستغفار، وهو من أعظم أسباب نزول الخيرات وتوالي البركات، قال الله -جلّ وعلا- عن نوح -عليه السلام- إنه قال لقومه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً) [نوح: 10–12].

وأما السبب الثالثُ -عبادَ الله-: فهو التوحيد لله -جلّ وعلا- والإخلاصُ له والبراءةُ من الشرك كلّه دقيقه وجليله وصغيرِهِ وكبيرِه، "يا ابنَ آدمَ: لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقُرابها مغفرة"، البعدُ عن الشرك كلِّه -عبادَ الله- حسنةٌ عظيمة هي أكبرُ الحسنات وأعظمُها وهي سببُ السعادة، وإذا فُقد هذا الأمر -أعني الإخلاص لله– ووقع الإنسان في الشرك بالله -جلّ وعلا-، فقد الخير كلّه في دنياه وأخراه وانقطعَتْ عنه رحمة الله ومغفرتُه: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) [النساء: 48].

وقد خاف النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته من هذا الداء الخطير خوفًا شديدًا؛ ففي الحديث عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "إن أخوفَ ما أخافُه عليكُم الشركُ الأصغر"، فسألوا عنه فقال: "الرياء"، فعلينا -عباد الله- أن نجاهِد أنفسنا مجاهدةً تامة في البعد عن الشرك كلِّه، أعاذنا الله وإياكم منه وحمَانا وحمَاكُم، وأن نُقبِلَ عليه -جلّ وعلا- مخلصين بقلوبٍ منيبة، ونفوسٍ صادقة، نستغفره -جلّ وعلا- من ذنوبِنا وخطايانا ونتوبُ إليه -جلّ وعلا- توبةً نصوحًا، ونلحُّ عليه سبحانه بالدعاء راجين مؤمِّلين.

اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم اغفر لنا ذنبنا كلّه، دِقَّه وجِلَّه أوله وآخره سرَّه وعلنه، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفِر لنا وترحمنا لنكونَنَّ من الخاسرين، اللهم ظلمنا أنفسنا ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، اللهم اغفر لنا وتُب علينا، اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين يا تواب يا رحيم، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تُؤثِر علينا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا سَحًّا طبقًا نافعًا غير ضار، اللهم أدر لنا الضرع وأنبت لنا الزرع، اللهم وانشر لنا البركاتِ في الأرض وأنزِل علينا من بركات السماء يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم لا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منا، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر.

اللهم هذه أيدينا إليك مدت ودعواتنا إليك رفعت، وأنت -يا الله- لا تردُّ عبدًا دعاك، ولا ترد عبدًا ناجاك، اللهم لك استجبنا وبك آمنا وعليك توكلنا وفي نوالك وعطائك أَمَّلنا، اللهم فلا ترُدَّنا خائبين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، واقتدوا -عبادَ الله- بنبيكم -صلوات الله وسلامه عليه- بقلب الرداء، تأمُّلاً في تغير الأحول وتبدلها، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
 

 

 

 

 

المرفقات

الاستسقاء 22-10-1427

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات