عناصر الخطبة
1/ وقفة مع اسم الله القريب 2/ الفرق بين القرب العام والقرب الخاص 3/ قرب الله من العبد رهن بانقياده لهاقتباس
وكلما كان العبد منقادًا لأوامر الله، مستجيبًا لداعي الهُدى، ازْداد اللهُ قربًا منه وإليه؛ كما جاء في الحديث الصحيح الذي خرجه مسلم وغيره، يقول الله -عزَّ وجلَّ-: "إذا تقرَّب عبدي مني شبرًا، تقرَّبْت منه ذراعًا، وإذا تقرَّب مني ذراعًا، تقرَّبْت منه باعًا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة".
هل حديثٌ أحسن من الحديث عن الله -جل جلاله- وتقدَّست أسماؤه؟! وهل مجلسٌ أروع وأزكى من مجلسٍ يعظَّم فيه الخالِقُ سبحانه؟! وهل ثَمَّة علمٌ أشْرفُ منَ العلم بأسماء الله وصفاته؟!
نقف مع اسم عظيم من أسماء الله العظيم، اسم نعت به سبحانه نفسه لمن سأل عنه وطلب منه، وكلنا خرجنا نطلب ونسأل مع اسم الله القريب.
فهو سبحانه قريبٌ من عباده حقيقة، كما يليق بجلاله وعظمته؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة: "هو العليُّ في دنوِّه، القريب في علوِّه".
هذا القُرْبُ الإلهي قد شمل كل مخلوق، ووسع كل مرْبوب؛ فهو سبحانه مطَّلع على أحوالهم، مشاهدٌ لحركاتهم وسكناتهم، لا يخْفى عليه شيءٌ مِن شأن خلقِه، سرُّهم عنده علانية، وغيْبُهم عنده شهادة: (سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) [الرعد: 10].
هو -جلَّ في عُلاه- قريبٌ من خلقه ومخلوقاته: (يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) [فاطر: 41].
يهدي خلقه في ظلمات البرِّ والبحر، ويرسل الرياح مبشرات، وينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته، ملك السمع والأبصار والأفئِدة، ويُرسل على عباده حَفَظة، كرامًا كاتبين يعلمون ما تفعلون.
هذا هو القُرب العام، قُرْب العلْم والإحاطة، هذا القُرْب عامٌّ لكلِّ خلْق ومخلوق، من إنس وجان، ومسلمٍ وكافر.
وقربٌ آخر خاص، خصَّه الله لأوليائه وأصفيائه، هذا القُرْب الخاص، يقْتضي الحِفْظ والتوفيق، والعناية والتسديد.
فالله تعالى قريبٌ من عبادِه المؤمنين، يسْمع شَكْوَاهم، ويجيب دعْواهم، يحفظهم بعنايتِه، ويكلؤهم برعايتِه.
"يا رسول الله: أقريبٌ ربُّنا فنناجيه؟! أم بعيدٌ فنناديه؟!".
بهذه الكلمات يسألُ الصحابةُ رسولَهم -صلى الله عليه وسلم-، سكت النبي -صلى الله عليه وسلم- وما أجاب، فأجاب الله من فوق سبع سموات: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186].
وكلما كان العبد منقادًا لأوامر الله، مستجيبًا لداعي الهُدى، ازْداد اللهُ قربًا منه وإليه؛ كما جاء في الحديث الصحيح الذي خرجه مسلم وغيره، يقول الله -عزَّ وجلَّ-: "إذا تقرَّب عبدي مني شبرًا، تقرَّبْت منه ذراعًا، وإذا تقرَّب مني ذراعًا، تقرَّبْت منه باعًا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة".
أما أسعد الناس حظًّا بالقرب من الله فهم أهْل التوبة والاستغفار، والإنابة والافتقار؛ فهذا نبي الله صالح -عليه السلام- يدعو قومه ناصحًا وموجِّهًا: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) [هود: 61].
وإذا أسدل الليلُ غُبْسه فهذا أوان القرب الإلهي؛ جاء عند التِّرمذي والنَّسائي والحاكم، وهو حديثٌ صحيح: "أقرب ما يكون الربُّ من عبده في جوف الليل الآخر؛ فإنِ استطعْتَ أن تكون ممن يذْكُر الله في تلك الساعة، فكُنْ".
عبادة السجود: السجودُ في الصلاة، سجود الشكر، سجود التِّلاوة، موطن من مواطن القرب من الله كما صح بذلكم الخبر عن سيد البشر –صلى الله عليه وسلم-.
يا من خرجتم تطلبون الغيث: تيقنوا أنكم تطلبون ربًّا قريبًا، يسمع دعاء الداعين، ويرحم تضرعات المتضرعين، ويحب ثناء المادحين.
فسبحان الله القريب المجيب، سبحانه من إله رب كريم رحيم!! سبحان من خلق الإنسان وقوَّمه، وبدأ الكون ونظَّمه، وصور النبات وجمَّله، وأوجد الحيوان وسخَّره، أنشأ السماء وبناها: (رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا) [النازعات: 28- 32].
أعطى ومنع، رفع ووضع، خلق فسوَّى، وقدَّر فهدى، أضحك وأبكى، أمات وأحيا، أسْعد وأشْقى، بديع السموات والأرض، مد الظل ولو شاء لجعله ساكنًا، ما خاب من دعاه، ما تعنَّى من رجاه، كل ما يجري في الكون فبنِعمه ومن نعمه: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) [النحل: 53].
عمَّ بِرُّه، واتَّصل خيرُه، وكمُل عطاؤه، وتمَّت نوافله، وعمَّت فواضله، وعزَّ سلطانه، وبَرَّ قَسَمُه، وجلَّ ثناؤه، وعظُم جاهه، وتقدَّست أسماؤه، فلا إله غيره.
في السماء مُلْكُه، وفي الأرض سلطانه، وفي البحر عظمته، وفي الجبال قوَّته، وفي الكون والخَلْق قدرته، وفي الشرائع حِكمته، وفي الجنة رحمته، وفي النار سطوته.
يعلم ما في الأرحام، وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غدًا، وما تدري نفس بأي أرضٍ تموت: (إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا) [طه: 98]، يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف سيكون.
وَهْوَ الَّذِي يَرَى دَبِيبَ الذَّرِّ *** فِي الظُّلُمَاتِ فَوْقَ صُمِّ الصَّخْرِ
وَسَـامِعٌ لِلجَهْرِ وَالإِخْفَاتِ *** بِسَمْعِـهِ الوَاسِـعِ لِـلأَصْوَاتِ
سبحانك من إلهٍ رب عظيم، رؤوف جواد كريم، ألْسِنتُنا سبَّحت في علاك، ورؤوسنا ما سجدتْ لأحد سواك، أنت ترانا ولا نراك، ولا نعبد إلا إيَّاك!
يَا مَنْ يَرَى مَـدَّ البَعُوضِ جَنَاحَهَا *** فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ البَهِيمِ الأَلْيَـلِ
وَيَرَى نِيَاطَ عُرُوقِهَا فِي نَحْرِهَـا *** وَالمُخَّ فِـي تِلْكَ العِظَامِ النُّحَّـلِ
وَيَرَى وَيَسْمَعُ حِسَّ مَا هُوَ دُونَهَا *** فِي قَاعِ بَحْـرٍ مُظْلِـمٍ مُتَهَـوِّلِ
امْنُنْ عَلينا بِتَـوْبَةٍ تَمْحُـو بِـهَا *** مَا كَانَ مِنَّا فِـي الزَّمَـانِ الأَوَّلِ
اللهم يا حي يا قيوم، يا من بيده خزائن السموات والأرض، يا من يصيب برحمته من يشاء من عباده، يا من ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم