خطبة آخر جمعة في ذي الحجة 1434هـ

الشيخ محمد بن مبارك الشرافي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: بناء المجتمع
عناصر الخطبة
1/ قرار السعودة لتحريك قدرات الشباب السعودي 2/ غش بعض الكفلاء في تطبيق القرار 3/ قرار تصحيح الأوضاع وتلاعب البعض به 4/ الظلم ظلمات يوم القيامة 5/ فضل الصيام في شهر الله المحرم 6/ حكم الاحتفال بالعام الهجري

اقتباس

صَدَرَ مِنْ حُكُومَتِنَا -وَفَّقَهَا اللهُ لِمَا فِيهِ خَيْرُ الإِسْلامِ وَالْمُسْلِمِينَ- قَرَارٌ اشْتُهِرَ بِاسْمِ السَّعْوَدَةِ، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَتَحَرَّكَ الشَّابُّ السُّعُودِيُّ فَيَعْمَلَ بِنَفْسِهِ لِيَكْسِبَ رِزْقَهُ وَلا يَكُونُ عَالَةً عَلَى غَيْرِهِ، وَلَهُ أُسْوَةٌ بِإِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرِ السُّعُودِيِّينَ الذِينَ قَدِمُوا هَذِهِ الْبَلادَ وَحَصّلُوا خَيْرًا لَهُمْ وَلِأَهَالِيهِمْ، فَلِمَاذَا إِذًَا لا يَعْمَلُ الشَّبَابُ السُّعُودِيُّونَ فِي مَجَالَاتِ الْعَمَلِ الْمُتَنَوِّعَةِ؟!

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ للهِ جَعَلَ لَنَا فِي حَادِثَاتِ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ مِضْمَاراً لِلتَّفَكُّرِ وَالاعْتِبَار: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَلنَّهَارَ إِنَّ فِى ذلِكَ لَعِبْرَةً لأوْلِى الأَبْصَـارِ)، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ يُخَوِّفُ بِعَظِيمِ آيَاتِهِ فَقَالَ: (وَمَا نُرْسِلُ بِلآيَـاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا)، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ كَانَ مِنْ دُعَائِهِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ". صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ:

 

فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ عَنْ قَرِيبٍ مُلاقُوهُ وَمُنْتَقِلُونَ إِلَى دَارِ الْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ، فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَلْبَاب، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ).

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، ويُدْخَلَ الجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ"، فَهَذَا حَدِيثٌ عَظِيمٌ فِيهِ مِيزَانُ مُعَامَلَةِ الْخَالِقِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَمُعَامَلَةِ النَّاسِ، فَهَلْ نَحْنُ نُطَبِّقُ هَذَا عَلَى أَنْفُسِنَا؟! هَلْ نَحْنُ نُعَامِلُ النَّاسَ كَمَا نُحِبُّ أَنْ يُعَامِلُونَا؟! أَمْ نَحْنُ على عَكْس ذَلِكَ؟! إِنَّنَا نَخْشَى أَنْ يَصْدُقَ عَلَيْنَا قَوْلُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ).

 

أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ: قَدْ صَدَرَ مِنْ حُكُومَتِنَا -وَفَّقَهَا اللهُ لِمَا فِيهِ خَيْرُ الإِسْلامِ وَالْمُسْلِمِينَ- قَرَارٌ اشْتُهِرَ بِاسْمِ السَّعْوَدَةِ، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَتَحَرَّكَ الشَّابُّ السُّعُودِيُّ فَيَعْمَلَ بِنَفْسِهِ لِيَكْسِبَ رِزْقَهُ وَلا يَكُونُ عَالَةً عَلَى غَيْرِهِ، وَلَهُ أُسْوَةٌ بِإِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرِ السُّعُودِيِّينَ الذِينَ قَدِمُوا هَذِهِ الْبَلادَ وَحَصّلُوا خَيْرًا لَهُمْ وَلِأَهَالِيهِمْ، فَلِمَاذَا إِذَا لا يَعْمَلُ الشَّبَابُ السُّعُودِيُّونَ فِي مَجَالَاتِ الْعَمَلِ الْمُتَنَوِّعَةِ؟!

 

وَلَكِنْ مَعَ الأَسَفِ فإنَّ بَعْضَ الْجِهَاتِ طَبَّقَتْ هَذَا الْقَرَارَ تَطْبِيقًا صُورِيًّا، وَحَصَلَ تَزْوِيرٌ وَكَذِبٌ وَغِشٌّ، فَيَأْتِي الشَّابُّ السُّعُودِيُّ وَتُسَجِّلُهُ الشَّرِكَةُ أَوِ الْمُؤَسَّسَةُ صُورِيًّا وَتُعْطِيهِ رَاتِبًا زَهِيدًا وَيَجْلِسُ فِي بَيْتِهِ يَقْضِي يَوْمَهُ وَلَيْلَهُ بَيْنَ النَّوْمِ أَوِ التَّسَكُّعِ فِي الشَّوَارِعِ أَوِ التَّنَقُّلِ بَيْنَ الْمَحَطَّاتِ الْفَضَائِيَّةِ أَوِ النَّظَرِ إِلَى مَقَاطِعِ الشَّبَكَةِ الْعَنْكَبُوتِيَّةِ!

 

فَهَلْ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ نِظَامِ السَّعْوَدَة؟! وَهَلْ رَجَعْنَا بِفَائِدَةٍ أَوْ مصلحة مَنْشُودَة؟!

 

وَلِذَلِكَ فَقَدْ صَدَرَتْ عِدَّةُ فَتَاوَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَعَلَى رَأْسِهِمْ سَمَاحَةُ مُفْتِي الْمَمْلَكَةِ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ آلِ الشِّيخِ بِتَحْرِيمِ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنَ الْعَمَلِ، فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب)، فَكُلُّ مَنْ يَشْتَرِكْ فِي هَذِهِ السَّعْوَدَةِ الصُّورِيَّةِ وَاقِعٌ فِي الإِثْمِ وَمُشَارِكٌ فِي الْجُرْمِ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَإِنَّهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْضُوعِ أَنَّهُ حَصَلَ قَرَارٌ آخَرُ مُشَابِهٌ مِنَ الْحُكُومَةِ بِتَصْحِيحِ أَوْضَاعِ الْعُمَّالِ مِنْ غَيْرِ السُّعُودِيِّينَ مِنْ أَجْلِ انْضِبَاطِ الأُمُورِ وَلِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، وَلَكِنَّهُ -مَعَ بَالِغِ الأَسَفِ- حَصَلَ تَلاعُبٌ بِهَؤُلاءِ العُمَّالِ الْمَسَاكِينِ وَابْتِزَازٌ لِأَمْوَالِهِمْ وَإِذْلالٌ لَهُمْ بِسَبَبِ تَغَيُّرِ أَحْوَالِهِمْ، فَعِنْدَ تَغْيِيرِ بَعْضِ الْمِهَنِ النَّادِرَةِ تُطْلَبُ الرَّشَاوَى، وَعِنْدَ تَصْحِيحِ بَعْضِ الأَوْضَاعِ التِي تَتَطَلَّبُ بَعْضَ الإِجْرَاءَاتِ تُطْلَبُ مَبَالِغُ خَالِيَةٌ بَاهِظَةٌ، فَإِذَا رَفَضَ العَامِلُ أَوْ عَارَضَ أُشْهِرَ فِي وَجْهِهِ سَيْفُ التَّسْفِيرِ أَوِ السِّجْنِ، وَهُدِّدَ وَتُوُعِّدَ: (أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ).

 

بَلْ إِنَّ بَعْضَ الْكُفَلاءِ الظَلَمَةِ حِينَ حَصَلَ الإِنْذَارُ الأَوَّلُ وَهُدِّدُوا بِالْغَرَامَاتِ قَامُوا بِبَلاغَاتِ هُرُوبٍ على عُمَّالِهِمْ مِنْ أَجْلِ أَنَ يَحْمُوا أَنْفُسَهُمْ بِزَعْمِهِمْ مِنَ الغَرَامَاتِ.

 

وَبَعْضُهُمَ قَدْ بَلَّغَ عَنِ العَامِلِ أَنَّهُ هَارِبٌ وَهُوَ يَعْرِفُ أَيْنَ يَعْمَلُ وَأَيْنَ يَسْكُن، بَلْ رُبَّمَا يَسْكُنُ أَحَدُهُمْ بِجِوَارِ بَيْتِهِ ثُمَّ هُوَ يُبَلِّغُ أَنَّهُ هَارِبٌ، ثُمَّ إِذَا عَلِمَ الْعَامِلُ الْمِسْكِينُ اشْتَرَطَ هَذَا الْكَفِيلُ الظَّالِمُ لِسَحْبِ الْبَلَاغِ الآلَافِ مِنَ الرِّيَالَاتِ، فَهُوَ الذِي شَبَكَ وَهُوَ الذِي يَفُكُّ، فَأَيْنَ هَؤُلاءِ مِنَ اللهِ؟! يَظْلِمُونَ هَؤُلاءِ الْمَسَاكِينَ الذِي دَفَعَ أَحَدُهُمْ دَمَ قَلْبِهِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَأْتِيَ إِلَى السُّعُودِيَّةِ بَحْثًا عَنْ لُقْمَةِ عَيْشٍ ثُمَّ إِذَا هُوَ يُوَاجِهُ الظُّلْمَ، وَلَوِ اشْتَكَى الْجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةِ فَمَا لَهُ مُجِيبٌ، بَلْ رُبَّمَا لُبِّسَ تُهْمَةً أَوْ ضُرِبَ أَوْ سُجِنَ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَهُ مَعَارِفُ وَعِنْدَهُ وَاسِطَة.

 

لَكِنْ لِهَذَا الْمِسْكِينِ رَبٌّ قَوِيٌّ عَزِيزٌ جَبَّارٌ لا يُحِبُّ الظُّلْمَ وَلا يَرْضَى بِهِ يُمْهِلُ لَكِنَّهُ لا يُهْمِلُ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَالْمَوْعِدُ عِنْدَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَاسْتَعِدَّ -أَيُّهَا الظَّالِمُ-.

 

عَنْ اِبْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اَلظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ مُعَاذًا -رضي الله عنه- إِلَى الْيَمَنِ فَكَانَ مِمَّا قَالَ لَهُ: "وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَاب". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

 

وعن أَبِيْ هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِى لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ". رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا.

 

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "قَالَ اللَّهُ: ثَلاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ". متفق عليه.

 

أَقُولُ قَوْلي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُم فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

 

فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا النَّاسَ- واعْلَمُوا أَنَّكُمْ تَسْتَقْبِلُونَ شَهْرَ اللهِ الْمُحْرَّمِ، وَهُوَ مِنْ أَشْهَرِ اللهِ الْحُرُمِ التِي يُحَرَّمُ فِيهَا ابْتَدَاء الْقِتَالِ، وَالإِثْم فِيهَا أَعْظَمُ مِنْ غَيْرِهَا.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ شَهْرَ المُحَرَّم يَعْظُمُ فِيهِ أَجْرُ الصِّيَامِ، بَلِ الصَّوْمُ فِيهَ يَتْلُو فِي الفَضِيلَةِ صَوْم شَهْرِ رَمَضَانَ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ: شَهْرُ الله الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعدَ الفَرِيضَةِ: صَلاَةُ اللَّيْلِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّنَا نَسْتَقْبِلُ عَامًا جَدِيدًا وَرُبَّمَا أَحْدَثَ فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ أُمُورًا لَمْ يَرِدْ بِهَا كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ، فَلا يَجُوزُ إِحْدَاثُ عِبَادَةٍ أَوْ ذِكْرٍ مُعَيَّنٍ، وَمَنْ فَعَلَهُ فَقَدِ ابْتَدَعَ فِي دِينِ اللهِ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٍ، فَعَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمِسْلِمٌ.

 

وَكَذَلِكَ فَلا يَجُوزُ إِقَامَةُ احْتِفَالٍ بِدَعْوَى أَنَّهُ وَقْتُ هِجْرَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وابْتِدَاءِ التَّارِيخِ مِنْهُ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، فَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ فَإِنَّ الْهَجْرَةَ النَّبَوِيَّةَ لَمْ تَكُنْ فِي بِدَايَةِ المُحَرَّم وَإِنَّمَا بَعْدَهُ، فَقَدْ قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ مُهَاجِراً فِي شَهْرِ رَبِيع الأَوَّل، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي كِتَابِهِ الْمَشْهُورِ الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ، وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ -رَحِمَهُ اللهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي رَبِيع الأَوَّل، وَأَنَّ النَّاسَ أَرَّخُوا لِأَوَّلِ السَّنَةِ.

 

وَأَمَّا الْخَطَأُ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ فَحَتَّى لَوْ ثَبَتَ أَنَّ الْهِجْرَةَ فِي شَهْرِ المُحَرَّم فَلا يَجُوزُ إِحْدَاثُ احْتِفَالٍ بِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلا صَحَابَتِهِ الْكِرَامِ فَعَلُ ذَلِكَ.

 

وَأَمَّا تَبَادُلُ التَّهَانِي بِالْعَامِ الْجَدِيدِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ سُئِلَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ بَازٍ -رَحِمَهُ اللهُ- هَذَا السُّؤَالَ: هَلْ يَجُوزُ تَبَادُلُ التَّهْنِئَةِ بِالْعَامِ الْهِجْرِيِّ الْجَدِيدِ؟! فَقَالَ: "لا أَعْلَمُ لَهَا أَصْلاً مِنَ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ أَوِ عَمَلِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، فَلا تَبْدَأْهَا، لَكِنْ لَوْ بَدَأَكَ بِهَا أَحَدٌ فَلا بَأْسَ أَنْ تَقُولَ: وَأَنْتَ كَذَلِكَ، فَإِذَا قَالَ: كُلُّ عَامٍ وَأَنْتَ بِخَيْرٍ فَلَا مَانِعَ أَنْ تَقُولَ: وَأَنْتَ كَذَلِكَ، نَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكَ كُلَّ خَيْرٍ. وَأَمَّا البَدَاءَةُ فَلا أَعْلَمُ لَهَا أَصْلاً".

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: اعْلَمُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- أَنَّ مِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ وَأَشْرَفِ الْقُرُبَاتِ كَثْرَةُ صَلاتِكُمْ وَسَلامِكُمْ عَلَى خَيْرِ الْبَرِيَّاتِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ -عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ وَأَزْكَى التَّسْلِيمَاتِ-، فَقَدْ أَمَرَنَا بِذَلِكَ رَبُّنَا فِي آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ، فَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

 

فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا وَقُدْوَتِنَا مُحَمَّدِ، وَارْضَ اللَّهُّمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحاَبَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِكَرَمِكَ وَرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَا حَيُّ يَا قَيُّوم. اللَّهُمَّ وَحِّدْ صُفُوفَهُم، وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُم عَلَى الْقُرْآنِ والسُّنَّةِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاحْفَظْهُم مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِم للْحَقِّ واهْدِهِم صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيم. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار.

 

 

 

المرفقات

آخِرِ جُمُعَةٍ فِي ذِي الْحِجَّةِ 1434هـ1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات