عناصر الخطبة
1/عالمية دعوة الإسلام 2/حرص الإسلام على إذابة الفوارق بين البشر 3/شمولية الإسلام وبعض مظاهر ذلكاقتباس
فهم الصحابة والمسلمون حقيقة هذا الدين، وأنه دين عالمي؛ فبلغوه للعالم، وجابوا الصحاري والقفار، وغامروا في البحار والأنهار، ودخلوا المدن والقرى في الأمصار، وتخاطبوا مع الملوك والأمراء، وعندما وقف الصحابي الجليل ربعي بن عامر أمام...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يا أيُّها الذِين آمنُوا اتقُوا الله حق تُقاتِهِ ولا تمُوتُن إِلا وأنْتُمْ مُسْلِمُون)[آل عمران:102]، (يا أيُّها الناسُ اتقُوا ربكُمُ الذِي خلقكُمْ مِنْ نفْسٍ واحِدةٍ وخلق مِنْها زوْجها وبث مِنْهُما رِجالاً كثِيراً ونِساءً واتقُوا الله الذِي تساءلُون بِهِ والْأرْحام إِن الله كان عليْكُمْ رقِيباً)[النساء:1]، (يا أيُّها الذِين آمنُوا اتقُوا الله وقُولُوا قوْلاً سدِيداً * يُصْلِحْ لكُمْ أعْمالكُمْ ويغْفِرْ لكُمْ ذُنُوبكُمْ ومنْ يُطِعِ الله ورسُولهُ فقدْ فاز فوْزاً عظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:
أيها المؤمنون: لقد كان دين الإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله-صلى الله عليه وسلم- خاتمة أديان السماء، ونبيه خير الأنبياء، ورسالتُه موجهةً إلى الناس كافة، ودعوتُه بلاغًا إلى العالمين عامة، فلم يكن خاصًّا بعشيرة، أو جنسية أو قبيلة، أو لون أو فئة أو لغة، بل كان للإنس والجن، على اختلاف ألوان المكلفين ولغاتهم وأجناسهم، قال -تعالى-: (وما أرْسلْناك إِلّا كافّةً لِلنّاسِ بشِيرًا ونذِيرًا ولكِنّ أكْثر النّاسِ لا يعْلمُون)[سبأ: 28]، وقال -تعالى-: (قُلْ يا أيُّها النّاسُ إِنِّي رسُولُ اللّهِ إِليْكُمْ جمِيعًا) [الأعراف: 158]، وما ذكره الله -تعالى- في آخر سورة الأحقاف وفي سورة الجن من مجيء بعض الجن وإسلامهم إلا دليل آخر على عالمية هذا الدين الحنيف.
فلهذا سعى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى تبليغ هذا الدين، وخاطب به العرب والعجم، والأسود والأحمر، والرعية والرعاة، ودعا إليه قادة القبائل وملوك الدول وأمراء الممالك، في فارس والروم ومصر والشام والعراق واليمن؛ وكتب لهم رسائل يدعوهم فيها للإسلام، وأرسل الوفود إليهم وأقام عليهم الحجة، كل ذلك لأنه دين عالمي للناس كافة.
ومن هذا المبدأ فهم الصحابة والمسلمون حقيقة هذا الدين، وأنه دين عالمي؛ فبلغوه للعالم، وجابوا الصحاري والقفار، وغامروا في البحار والأنهار، ودخلوا المدن والقرى في الأمصار، وتخاطبوا مع الملوك والأمراء، وعندما وقف الصحابي الجليل ربعي بن عامر أمام رستم ملك الفرس قبل معركة القادسية، قال له رستم: ما جاء بكم؟ فقال ربعي كلمات سطرها التاريخ، كلمات حُقّ لها أن تكتب بمداد من ذهب، قال: "الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عباده من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام؛ فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه".
عباد الله: لقد جاء الإسلام باعتباره دينًا عالميًّا فوسِع الناس كل الناس على اختلافاتهم وتعدد الفوارق بينهم، وجعل الكرامة والسمو فيه لأهل العمل به لا لشيء آخر؛ فقال -تعالى-: (يا أيُّها النّاسُ إِنّا خلقْناكُمْ مِنْ ذكرٍ وأُنْثى وجعلْناكُمْ شُعُوبًا وقبائِل لِتعارفُوا إِنّ أكْرمكُمْ عِنْد اللّهِ أتْقاكُمْ إِنّ اللّه علِيمٌ خبِيرٌ)[الحجرات: 13].
وقال -صلى الله عليه وسلم- في خطبة الوداع: "يا أيُّها الناسُ: ألا إِن ربكُمْ واحِدٌ وإِن أباكُمْ واحِدٌ، ألا لا فضْل لِعربِيٍّ على أعْجمِيٍّ ولا لِعجمِيٍّ على عربِيٍّ ولا لِأحْمر على أسْود ولا أسْود على أحْمر إِلا بِالتقْوى، أبلغْتُ؟ قالُوا: بلغ رسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-"(صححه الألباني).
يا أخي المسلم في كل مكان وبلـدْ *** أنت مني وأنا منك كروح في جسدْ
وحدة قد شادها الله أضاءت للأبـد***وتسامت بشعار قل هـو الله أحـد
يا أخي المسلم إنا دعاة الحق المبين *** ورسول الله وافى رحمة للعالميـن
وكتاب الله يهدي بسنـاه الحائريـن *** وهو للكون ضياء وهدى للعالميـن
يا أخي المسلم والإسلام دين للإله *** في حماه قد تساوى كل فرد بسواه
فبلال كعلي ليس من فـرق تـراه *** كلنا لله عبـد ولـه تعلو الجبـاه
وبهذا يدرك المنصف المتبصر، ويهتدي الشاك المتحير بأن الإسلام دين عالمي، وملة عامة لكل من انضوى تحت رايته الخفاقة، وتشريعاته الحكيمة العملاقة، التي لا تعادي الحضارة والتطور البشري الذي لا يتصادم مع ما جاءت به من أحكام، وما اشتملت عليه من الآداب العظام.
قلت قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم؛ فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
عباد الله: إن هذا الدين تام كامل، لا يحتاج إلى دين آخر يكمله، أو قانون بشري يتمه، بل هو دين كامل لا نقصانَ يعتريه، ولا قصورَ يمكن أن يكون فيه، قال -تعالى-: (الْيوْم أكْملْتُ لكُمْ دِينكُمْ وأتْممْتُ عليْكُمْ نِعْمتِي ورضِيتُ لكُمُ الْإِسْلام دِينًا)[المائدة:3].
ولما كان كذلك صارت الشمولية فيه من أبرز سماته، ومن أحسن صفاته وميزاته، شمولية في القواعد والقوانين والنظم والأحكام التي تنظّم حياة الفرد والمجتمع، وبذلك أضحى يطالب كل من اعتنقه بأخذه كله، وعدم تحكيم الأهواء والشهوات للانتقاء منه، قال -تعالى-: (أفتُؤْمِنُون بِبعْضِ الْكِتابِ وتكْفُرُون بِبعْضٍ)[البقرة:85]، وقال -تعالى-: (يا أيُّها الذِين آمنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كافةً)[البقرة:208]؛ أي: خذوا الإسلام من جميع جوانبه، والتي تشمل مجالات الحياة وتتجدد بتجدد الزمان والمكان.
وليس من الإسلام أن يأخذ المرء من ثوابته ومبادئه بطرف ويدع بقية الأطراف؛ فإسلام مثل هذا غير مقبول؛ يقول الله -جل وعلا-: (إِنّ الّذِين يكْفُرُون بِاللّهِ ورُسُلِهِ ويُرِيدُون أنْ يُفرِّقُوا بيْن اللّهِ ورُسُلِهِ ويقُولُون نُؤْمِنُ بِبعْضٍ ونكْفُرُ بِبعْضٍ ويُرِيدُون أنْ يتّخِذُوا بيْن ذلِك سبِيلاً * أُولئِك هُمُ الْكافِرُون حقًّا وأعْتدْنا لِلْكافِرِين عذابًا مُهِينًا)[النساء: 150-151].
عباد الله: إن دين الإسلام هو دين الفطرة السليمة فطرة الله التي فطر الناس عليها، قال -تعالى-: (فأقِمْ وجْهك لِلدِّينِ حنِيفًا فِطْرت اللّهِ الّتِي فطر النّاس عليْها لا تبْدِيل لِخلْقِ اللّهِ ذلِك الدِّينُ الْقيِّمُ ولكِنّ أكْثر النّاسِ لا يعْلمُون)[الروم: 30].
وهو دين الإيمان بما يجب الإيمان به، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الإِيمانُ أنْ تُؤْمِن بِاللهِ وملائِكتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ ولِقائِهِ وتُؤْمِن بِالْبعْثِ الآخِرِ"(متفق عليه).
وهو دين إفراد الله بالعبادة، وتجريدها له من غير شريك، قال -تعالى-: (قُلْ إِنّ صلاتِي ونُسُكِي ومحْياي ومماتِي لِلّهِ ربِّ الْعالمِين * لا شرِيك لهُ وبِذلِك أُمِرْتُ وأنا أوّلُ الْمُسْلِمِين)[الأنعام: 162-163].
وهو دين يقوم على أركان عظيمة تتوزع على المعتقدات والعبادات القلبية والبدنية والمالية، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بُنِي الإِسْلامُ على خمْسٍ شهادةِ أنْ لا إِله إِلا اللهُ وأن مُحمدًا رسُولُ اللهِ وإِقامِ الصلاةِ وإِيتاءِ الزكاةِ والْحجِّ وصوْمِ رمضان"(متفق عليه).
وهو دين يُعنى بمكارم الأخلاق وجميل الخصال، ويجعل الجوارح أمانة يجب صيانتها عن خطايا الأعمال والأقوال، قال -تعالى-: (ولا تقْفُ ما ليْس لك بِهِ عِلْمٌ إِن السمْع والْبصر والْفُؤاد كُلُّ أُولئِك كان عنْهُ مسْئُولاً)[الإسراء:36].
وهو دين شمل بأحكامه جميعَ جوانب الحياة الخاصة والعامة؛ فقد عني عناية تامة بأحكام الأسرة، وأحكام المعاملات، وأحكام القضاء، وأحكام الحكم والسياسة، وأحكام المعاملات الدولية وغيرها؛ فما أعظمه من دين!
معاشر المسلمين: إن الإسلام كذلك دين شامل يدعو متبعيه إلى النظرة الصحيحة للدنيا والآخرة؛ فلا يطلب منهم ترك الدنيا مطلقًا، ولا نسيان الآخرة انشغالاً بالدنيا، بل قال لهم ربهم في كتابه: (وابْتغِ فِيما آتاك اللّهُ الدّار الآْخِرة ولا تنْس نصِيبك مِن الدُّنْيا وأحْسِنْ كما أحْسن اللّهُ إِليْك ولا تبْغِ الْفساد فِي الأْرْضِ إِنّ اللّه لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِين)[القصص:77].
ومن تتبع شمولية الإسلام أيضًا سيجدها ماثلة تمام المثول في عنايته بالإنسان في جميع مراحل حياته؛ جنينًا في بطن أمه، ورضيعًا بين يديها، وطفلاً صغيراً يدب أمام عينيها، وشابًّا بالغًا تتجاذبه الجواذب المتعددة، وكهلاً ورجلاً وشيخًا وهرمًا، وفي هذه المراحل العمرية ذكر الإسلام حقوق الحمل، وحقوق الرضاعة والحضانة والتربية، والحقوق الزوجية، وحقوق الولدية والوالدية، وهكذا.
وبهذا نعلم شمولية الإسلام، وسعة تشريعاته التي عمت جميع جوانب الحياة الخاصة والعامة.
عباد الله: إن عالمية الاسلام وشموليته لدليل واضح على وجود الله ووحدانيته، وهذه التشريعات والأحكام واهتماماتها بجميع جوانب الحياة، وعلى مختلف العصور والأزمان، وتحت جميع الظروف والأحوال، واستيعابها لجميع المستجدات والأحداث - لدليل على أنه من مشرع عظيم وحكيم وعليم وخبير، وهو الله -جل في علاه-.
وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى؛ (إِنّ اللّه وملائِكتهُ يُصلُّون على النّبِيِّ يا أيُّها الّذِين آمنُوا صلُّوا عليْهِ وسلِّمُوا تسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم