خذوا زينتكم عند كل مسجد

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2024-05-03 - 1445/10/24 2024-05-02 - 1445/10/23
عناصر الخطبة
1/تعظيم بيوت الله تعالى 2/فضائل المساجد 3/إساءات وأخطاء لا تليق بالمساجد 4/التجمل قبل الصلاة 5/وجوب مراعاة شروط الثياب وستر العورة في الصلاة.

اقتباس

إنها بيوتُ اللهِ، ومَهابطُ رحمتهِ، ومُلتقَى ملائكتهِ، والصالحينَ من عبادهِ، وقد أضافها الربُّ إلى نفسهِ إضافةَ تشريفٍ وإجلالٍ، ... ولكنّ بعضَ هذهِ المساجدِ أُحدِثَ فيها إساءاتٌ تتنافَى مع مكانتِها وقدسيتِها...

الخطبةُ الأولَى:

 

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيهِ تَسْلِيْمًا كَثِيْرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: فاتقُوا اللهَ وعظِّمُوا ما عظَّمَه اللهُ -تعالَى-.

 

وإن من تعظيمِ اللهِ تعظيمَ تلكَ البلادِ التي يحبُها اللهُ، إنها ليست مكةَ والمدينةَ فحسبُ؛ بل هيَ بلادٌ أخرَى حبيبةٌ إلى اللهِ، حبيبةٌ إلى رسولِ اللهِ، بل حبيبةٌ إلى عبادِ اللهِ؛ فقد روَى مسلمٌ أن النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: "أَحَبُّ الْبِلاَدِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلاَدِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا".

 

إنها بيوتُ اللهِ، ومَهابطُ رحمتهِ، ومُلتقَى ملائكتهِ، والصالحينَ من عبادهِ، وقد أضافها الربُّ إلى نفسهِ إضافةَ تشريفٍ وإجلالٍ، فقالَ -سبحانَه-: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ)[الجن18].

 

ولكنّ بعضَ هذهِ المساجدِ أُحدِثَ فيها إساءاتٌ تتنافَى مع مكانتِها وقدسيتِها، فعلينا أن نَحذَرَها، ونُحذِرَ منها، فمنها:

 

- دخولُ المساجدِ بالرائحةِ الكريهةِ كالثومِ والبصلِ، ففي الصحيحينِ أن النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ". ويَدخلُ فيه من ابتُليَ برائحةِ فمهِ أو آباطهِ، أن يسعَى جُهدَه بقطعِ تلك الرائحةِ، أو يلبسَ كماماً عندَ الصلاةِ، وأشدُ منه إيذاءً رائحةُ دخانِ السجائرِ، فليتقِ اللهَ المدخنونَ في إيذائهِم للملائكةِ وللمصلينِ.

 

فعلى الآتِي للمسجدِ أن يتنظفَ ويتطيبَ، ويواظبَ على استعمالِ السواكِ؛ لقولهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ"(متفقٌ عليهِ).

 

وعلى الآتِي للمسجدِ أن يتجملَ بثيابٍ نظيفةٍ، وحتى أهلُ الحِرَفِ ليخُصِّصُوا ثوباً للصلاةِ، والتجملُ للجمعةِ آكدُ، وعلى الذينَ يزاوِلونَ الرياضةَ، أن يتوقفُوا عن رياضتِهم قبلَ الصلاةِ بوقتٍ كافٍ؛ ليغتسِلُوا ويتزينُوا، ويَلبسُوا لصلاتِهِم ما يَلبسونَه لضيوفِهم؛ امتثالاً لقولِ ربِهم: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)[الأعراف31].

 

فأينَ هذا الأدبُ اليومَ ممن يأتونَ للمساجدِ بثيابِ النومِ، أو بالألبسةِ الرياضيةِ ولو كانَ أحدُهم في مناسبةٍ لما لبِسَها!

 

قَالَ نَافِعٌ: "رَآنِي ابْنُ عُمَرَ، وَأَنَا أُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ: أَلَمْ أَكْسِكَ ثَوْبَيْنِ؟ فَقُلْتُ: بَلَى. قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَرْسَلْتُكَ إِلَى فُلَانٍ؛ أَكُنْتَ ذَاهِبًا فِي هَذَا الثَّوْبِ؟ فَقُلْتُ: لَا، فَقَالَ: اللَّهُ أَحَقُّ مَنْ تُزُيِّنَ لَهُ".

 

وهكذا يقالُ لمَنْ يصلّي في ملابسِ النومِ أو الرياضةِ أو ثيابِ الحِرفةِ أو النزهةِ: أفكنتَ تخرجُ بها إلى مقرِّ عملِك، أو تُقابِلُ بها ضيوفَك؟!

 

"فيستحبُ أن يكونَ المصلي في أكملِ اللباسِ اللائقِ به، ومن الكمالِ تغطيةُ الرأسِ بما جرتْ عادةُ البلدِ لُبسُه، ولم يثبتْ أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى في غيرِ الإحرامِ وهو حاسرُ الرأسِ، دونَ عمامةٍ، مع توفّرِ الدّواعي لنقلِه أو فعلِه".

 

ولذا قالَ الشيخانِ ابنُ بازٍ وابنُ عثيمينَ: "الأفضلُ أن يغطيَه إذا كان في أناسٍ عادتُهم أنهم يغطونَ رؤوسَهم، فإن غطَى رأسَه، وأخذَ زينتَه فهوَ أفضلُ؛ لقولهِ -جلَ وعلا-: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍأي: عندَ كلِ صلاةٍ".

 

ومما يَغفَلُ عنه بعضُ القائمينَ لصلاةِ الليلِ في بيوتِهم: أنهم قد يُصلونَ بملابسِهم الداخليةِ، أو بملابسِ نومِهم، وفي صحيحِ البخاريِّ أن رجلاً سَأَلَ عُمَرَ عَنِ الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ، فَقَالَ: "إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ فَأَوْسِعُوا".

 

وقد كانَ السَّلَفُ يَسْتَحِبُّوْنَ الِاغْتِسَالَ لَقِيَامِ اللَّيْلِ، وَالتَّطَيُّبَ، وَلُبْسَ الثِّيَابِ الْحَسَنَةِ. وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَدِ اشْتَرَى حُلَّةً بِأَلْفٍ، كَانَ يُصَلِّي فِيهَا مِنَ اللَّيْلِ. وَقَالَ مُجَاهِدُ بْنُ جَبْرٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ عِنْدَ قِيَامِهِ مِنَ اللَّيْلِ طِيبًا يَمْسَحُ بِهِ شَارِبَيْهِ، وَمَا أَقْبَلَ مِنَ اللِّحْيَةِ".

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ على عظيمِ إحسانهِ، وصلى اللهُ وسلمَ على الداعي إلى رضوانِه.

 

أما بعدُ: فمن التساهلاتِ الفادحةِ التي تظهرُ في الصيفِ، الصلاةُ بما يسمونهُ بـ: الشُورتِ، أو الصلاةُ بثيابٍ خفيفةٍ تصِفُ البشرةَ، ويلبسُونَ تحتَها سراويلَ قصيرةً، فيشاهَدَ منتصفُ الفَخِذِ من وراءِ الثوبِ، فما حكمُ صلاةِ هؤلاءِ؟

 

أجابَ الشيخُ ابنُ عثيمينَ قائلاً: "الثيابُ الشفافةُ التي تصِفُ البشرةَ غيرُ ساترةٍ، ووجودُها كعدَمِها، وصلاتُهم غيرُ صحيحةٍ على أصحِ قولَيِ العلماءِ، فالواجبُ عليهم أحدُ أمرينِ: إما أن يلبسُوا سراويلَ تسترُ ما بينَ السرةِ والركبةِ، وإما أنْ يلبسُوا فوقَ هذهِ السراويلِ القصيرةِ ثوباً صفيقاً لا يصِفُ البشرةَ".

 

فاللهم ارزقنا تعظيمَ بيوتِك، وتعظيمَ الوقوفِ بين يديكَ.

 

اللَّهُمَّ إِنّا نسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ.

 

اللَّهُمَّ إِنّا عَائِذون بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَنا.

 

اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ.

 

اللهم طيِّبْ أقواتَنا، وارحمْ أمواتَنا، واجمعْ على الهدَى شؤونَنا، واقضِ اللهمَ ديونَنا.

 

اللهمَ إنا نحمدُك على الأمنِ في بلادِ الحرمينِ، وعلى حكامٍ يحكمونَ بالوحيينِ.

 

اللهم يا ذا الجلالِ والإكرامِ احفظْ ملِكَنا ووليَ عهدِه، وأدِمْ عليهما الصحةَ والقوةَ على طاعتِك، وأعنْهم ببطانةٍ صالحةٍ على إدارةِ مملكتِهم، ووفقهُم للصوابِ في قراراتِهم ومؤتمراتِهم.

 

اللهم صلِّ وسلمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

المرفقات

خذوا زينتكم عند كل مسجد.doc

خذوا زينتكم عند كل مسجد.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات