عناصر الخطبة
1/حقيقة التوكل 2/وجوب الأخذ بالإجراءات الاحترازية 3/من صور عناية الإسلام بالصحة 4/من أسباب رفع ودفع البلاء.اقتباس
وَالتَّوَكُّلُ لَا يَكُونُ صَحِيحاً إِلَّا إِذَا اجْتَمَعَ فِيهِ: تَفْوِيضُ الأُمُورِ كُلِّهَا إِلَى اللهِ -تَعَالَى-, وَبَذْلُ الأَسْبَابِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ الْمُبَاحَةِ، فَمَنْ أَخَلَّ بِأَحَدِهَا هَذَ فَقَدْ أَخَلَّ بِالتَّوَكُّلِ الصَّحِيحِ، وَقَدْ جَاءَ الْجَمْعُ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ كَمَا فِي الْحَديثِ الشَّرِيفِ: "احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ"؛...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ دَافِعِ الْبَلَاءِ وَالْوَبَاءِ، أَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ مَا أَنْزَلَ دَاءً إِلَّا وَأَنْزَلَ لَهُ الدَّوَاءَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولَهُ الْقَائِلُ: "لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ"؛ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأوفِياءِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقَوا اللهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَاِسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَةِ اللهِ بِمَا حَبَاكُمْ مِنْ النِّعَمِ، وَدَفَعَ عَنْكُمْ مِنْ النِّقَمِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّنَا عَلى يَقِينٍ بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ, كَمَا قَالَ رَبُّنَا -تَعَالَى-: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)[القمر:49]، وَلَا نُصَابُ بِشَيْءٍ فَنَصْبِرُ عَلَيهِ إِلَّا كَانَ تَكْفيرًا لِسَيِّئَاتِنَا؛ كَمَا قَالَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا؛ إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ"(أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ).
وَكُلُّنَا يُرَدِّدُ: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[التوبة:51]. وَالتَّوَكُّلُ لَا يَكُونُ صَحِيحاً إِلَّا إِذَا اجْتَمَعَ فِيهِ: تَفْوِيضُ الأُمُورِ كُلِّهَا إِلَى اللهِ -تَعَالَى-, وَبَذْلُ الأَسْبَابِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ الْمُبَاحَةِ، فَمَنْ أَخَلَّ بِأَحَدِهَا هَذَ فَقَدْ أَخَلَّ بِالتَّوَكُّلِ الصَّحِيحِ، وَقَدْ جَاءَ الْجَمْعُ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ كَمَا فِي الْحَديثِ الشَّرِيفِ: "احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ"؛ فَاحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ مِنَ الأَسْبَابِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ الْمُبَاحَةِ، وَقَوْلُهُ: "وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ" تَفْوِيضٌ لِلأَمْرِ إِلَى مُسَبِّبِ الأَسْبابِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَخَذَ المَسْؤولونَ في بلادِنا كُلَّ التَّدَابِيرَ الوِقَائيَّةِ لانْتِشَارِ كُورُونَا بَعْدَ مَا تَكَاثَرَتْ الحَالاتُ, وَقَلَّتِ الاحْتِرَاَزاتُ, وَكَثُرَتِ التَّجَمُّعَاتُ في المُتَنَزَّهَاتِ والمَطَاعِمِ والجَلَسَاتِ, فَأعَادُوا التَّحَرُّزَاتِ والتَّشْدِيدِ فِي الإجْرَاءَاتِ، وَمَنعُوا الدُّخُولَ لأرْضِ المِملَكةِ, وَبقِيَ دَورُنَا نَحْنُ المُواطِنُونَ والمُقِيمُونَ بِأنْ نَلْتِزَمَ بَكَافَّةِ الإجْرَاءَاتِ والتَّعْلِيمَاتِ والتَّطْعِيمَاتِ اللازِمَةِ.
عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ اهْتَمَّ الْإِسْلَامُ بِنَا وَبِأَرْوَاحِنَا وَأَبْدَانِنَا وَصِحَّتِنَا، فَقَدْ حَثَّنَا عَلى النَّظَافَةِ والطَّهَارَةِ, فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[البقرة:222].
كَمَا نَهَانَا إِسْلَامُنَا عَنْ تَلْوِيثِ أَمَاكِنِ جُلُوسِ النَّاسِ وَمَوَارِدِهِمْ وَطُرُقِهِمْ، أوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِاليَمِينِ. وَمِنْ عِنَايَةِ الْإِسْلَامِ بِنَا أَنْ أَمَرَنَا بَغَسْلِ اليَدَيْنِ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ نُدْخِلَهُمَا فِي الْإِناءِ إِذَا اسْتَيْقَظْنَا مِنْ نَوْمِنَا, لأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَيْنَ بَاتَتْ أَيْدِيَنَا.
وَمِنْ عِنَايَةِ الْإِسْلَامِ بِصِحَّتِنَا أَنْ حَثَّنَا عَلى التَّدَاويَ, فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَضَعْ دَاءً، إِلَّا وَضَعَ مَعَهُ شِفَاءً، إِلَّا الْهَرَمَ"، وبَيَّنَ لَنَا الْمَشْرُوعَ مِنَ التَّدَاوِيَ وَالْمَمْنُوعَ، وَأَنَّهُ مَا جُعِلَ شِفَاؤُنَا فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ.
وَمِنِ عِنَايَةِ الْإِسْلَامِ بِصِحَّتِنَا: أَنْ جَعَلَ خَمْسًا مِنَ الْفِطْرَةِ وَهِيَ: الخِتَانُ, والِاسْتِحْدَادُ - أَيْ إِزَالَةُ شَعْرِ الْعَانَةِ- وَتَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ. فَإنَّهَا مَوْطِنُ اجْتِمَاعِ الْقَاذُورَاتِ.
وَكَذَلِكَ التَّحْذِيرُ مِنَ الْأَوْبِئَةِ الَّتِي قَدْ تُصِيبُ النَّاسَ، ففِي الْبُخَارِيِّ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ بِاللَّيْلِ إِذَا رَقَدْتُمْ، وَغَلِّقُوا الْأَبْوَابَ، وَأَوْكُوا الْأَسْقِيَةَ، وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ"، وَأَحْسَبُهُ قَالَ: "وَلَوْ بِعُودٍ تَعْرِضُهُ عَلَيْهِ"، وَمَا هَذَا الْأَمْرُ إلَّا حِرْصًا مِنْهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حِمَايَةِ النَّاسِ مِنْ هَذِهِ الْأَوْبِئَةِ.
وَفِي يَومٍ بَايَعَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- رَجُلا مَجْذُومَاً فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ: "إنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ). وَقَالَ: "وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الْأَسَدِ"، وَنَهَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "أَنْ يُوْرَدَ مُمَرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ"؛ أي لا يُورِدُ صَاحِبُ الْإِبِلِ الْمِرَاضِ عَلَى الْإِبِلِ الصِّحَاحِ؛ لِسُرْعَةِ انْتِشَارِ الْعَدْوَى بَيْنَهَا؛ فَهَذِهِ الْفَيْرُوسَاتُ وَمَرَضُ الكُورُونَا وَغَيْرُهَا تَنْتَقِلُ الْعَدْوَى فِيهَا -وَاللهُ أَعْلَمُ- بالمُخَالَطَةِ والتَّقَارُبِ.
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِجُمْلَتِهَا تَدْعُونا لِتَجَنُّبِ الْمُلَوِّثَاتِ وَالتَّحَرُّزِ مِنَ التَّعَرُّضِ لَهَا. فَدِينُنَا عَظِيمٌ. رَزَقَنَا اللَّهُ الْفِقْهَ فِيهِ، والعَمَلَ بِمَا يُرْضِيهِ, أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُه ونستعينُه، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمداً صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عبدُهُ ورسولُهُ.
أمَّا بعدُ: فقد أرشدنا وهو الرحمن الرحيم إلى ما يرفع الله به عنَّا هذا الوباء، فمن ذلكَ:
أولاً: الاستغفار: فالوباء لا ينزل إلا بسبب الذنوب، قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى: 30]، والاستغفار من أسباب رفعِ الوباء وتخفيفه، قال -تعالى-: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الأنفال: 33].
ثانياً: الفَزَعُ إلى الذكر والدُّعاء والصلاة والصدقة: قال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلم- عندما خَسَفَت الشمس: "فإذا رأيتُم ذلك فادعُوا الله، وكبِّرُوا، وصلُّوا، وتصدَّقُوا"(رواه البخاري)، قال الطيبيُّ: "أُمِروا باستدفاعِ البلاء بالذِّكر والدعاء والصلاة والصدقة"، وقال ابن القيم -رحمه الله-: "الدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدوُّ البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنعُ نزولَه".
ومنها ثالثاً: الصدقة وتفريج الكروب: قال -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر النساء، تصدَّقن؛ فإني أُرِيتُكنَّ أكثرَ أهل النار"(متفق عليه)، قال ابن القيم: "للصدقة تأثيرٌ عجيب في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر أو ظالم، بل مِن كافر، فإن الله -تعالى- يدفع بها عنه أنواعاً من البلاءِ، وهذا أمرٌ معلومٌ عند الناس، خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلُّهم مُقِرُّون به؛ لأنهم قد جرَّبوه"، وقال: "في الصدقة فوائدُ ومنافع لا يُحصيها إلا الله، فمنها: أنها تقي مصارعَ السوء، وتدفع البلاء، حتى إنها لتدفَعُ عن الظالم".
رابعاً: التحصُّن بالأذكارِ والأوراد الشرعية: فمن أذكار الصباح والمساء التي يُرفَع ويُدفع بها الوباء: عن ابنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قال: سمعتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقولُ في دُعائهِ حينَ يُمْسِي وحينَ يُصْبحُ: "اللهُمَّ إني أسألُكَ العافيةَ في الدُّنيا والآخرةِ، اللهُمَّ إني أسألُكَ العَفْوَ والعافيةَ في دِيني، ودُنْيَايَ، وأهلي، ومالي، اللهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتي، وآمِنْ رَوْعَاتي، اللهُمَّ احفَظْني منْ بينَ يدَيَّ، ومنْ خَلْفي، وعن يَمِيني، وعن شِمَالي، ومِنْ فَوْقي، وأعوذُ بعَظَمَتِكَ أنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتي"(رواه النسائيُّ وصحَّحهُ النوويُّ)، قال السنديُّ: "قولُهُ: "إني أسأَلُكَ العافِيَةَ": هيَ السلامَةُ من الأسقَامِ والبَلايا، وقيلَ: عَدَمُ الابتلاءِ بها والصَّبْرُ عليها والرِّضا بقَضائِها، وجَمَعَ العافِيَةَ، لذلكَ كانَ الدُّعَاءُ بها أَجْمَعَ الأدعِيَةِ.. ومَعْنَى: "آمِنْ رَوْعَاتي": أي: ادْفَعْ عنِّي خَوْفاً يُقْلِقُني ويُزْعِجُني.. ومعنى: "احْفَظْني مِنْ بينِ يَدَيَّ": أي: ادْفَعْ عنِّي البَلاءَ مِنَ الجِهَاتِ السِّتِّ، لأنَّ كُلَّ بليَّةٍ تَصِلُ الإنسانَ إنما تَصِلُهُ مِنْ إحدَاهُنَّ".
ومنها: عنْ أَبانَ بنِ عُثمانَ قالَ: سَمِعْتُ عُثمانَ بنَ عفَّانَ يقولُ: قالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ما مِنْ عبدٍ يَقُولُ في صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ، ومَسَاءِ كُلِّ ليلَةٍ: بسْمِ اللهِ الذي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شيْءٌ في الأَرْضِ ولا في السَّمَاءِ وهُوَ السميعُ العلِيمُ، ثلاثَ مَرَّاتٍ، فَيَضُرَّهُ شَيْءٌ"(رواه الترمذي وصححه ابن القيم)، قال الشوكانيُّ: "وفي الحديثِ دليلٌ على أن هذهِ الكَلِمَاتِ تدْفَعُ عنْ قائلها كُلَّ ضُرٍّ كائناً ما كانَ، وأنه لا يُصَابُ بشيْءٍ في ليلَهِ ولا في نَهَارهِ إذا قالَهَا في اللَّيْلِ والنَّهَارِ".
ومنها: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الآيَتانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُما في ليلَةٍ كَفَتَاهُ"(متفق عليه)، قال الشيخ ابنُ بازٍ -رحمه الله-: "والمعنى -والله أعلم- كَفَتاهُ من كُلِّ سُوءٍ".
ومنها: قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات صباحاً ومساء، "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، والْمُعَوِّذَتَيْنِ حينَ تُمْسي وتُصْبحُ ثلاثَ مَرَّاتٍ تكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ"(رواه الترمذيُّ وصحَّحَ إسنادَهُ النوويُّ)، وفي رواية: "ما تَعَوَّذَ بِمِثْلِهِنَّ أَحَدٌ"(رواه النسائيُّ، وصحَّحه الألباني)، قال ابن القيم: "إنَّ حاجةَ العبدِ إلى الاستعاذةِ بهاتينِ السُّورتينِ، أعظم من حاجتهِ إلى النَّفَسِ والطَّعَامِ والشَّرابِ واللِّباسِ"، وقال الشوكاني: "وفي الحديثِ دليلٌ على أنَّ تِلاوَةَ هذهِ السُّورِ عندَ الْمَسَاءِ وعندَ الصَّباحِ تَكْفي التالي مِنْ كُلِّ شيءٍ يَخْشَى منهُ كائناً ما كَانَ" انتهى.
ومنها: الدعاء بأدعيته -صلى الله عليه وسلم-: كقوله: "وأعوذُ بكَ مِنَ الصَّمَمِ والبَكَمِ، والْجُنُونِ والْجُذَامِ، والْبَرَصِ وسَيِّئِ الأسْقَامِ"(رواه الحاكم وصححه الضياء)، ومنها: دعاؤه -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بكَ مِنَ البَرَصِ، والْجُنُونِ، والْجُذَامِ، ومِنْ سَيِّئِ الأسْقَامِ"(رواه أبو داود وصحَّحَ إسنادَهُ النوويُّ).
وعلى المسلم أن يعلم أن هذه الفيروسات والأوبئة والأمراض لا تتحرك ولا تنتقل ولا تؤذي أحداً إلا بقضاء الله وقدره قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا عدوى ولا طيرة"؛ أي أن الأمراض لا تُعدي بنفسها، وإنما تنتقل بقضاء الله وقدَره فيصيب بها من يشاء ويصرفها عمن يشاء ولذلك ترى الجماعة في البيت الواحد وهذا مصاب وهذا معافى.
خامسًا: على المسلم أن يأخذ بأسباب السلامة والوقاية الشرعية والطبية؛ فمن ذلك اجتناب السفر إلى بلد الوباء وكذلك اجتناب المغادرة منه؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- في الطاعون: "الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا، فِرَارًا مِنْهُ"(متفق عليه).
سادسًا: على المواطنين والمقيمين في أي بلد أن يلتزموا بالإجراءات التي تتخذها الدول لمكافحة هذا الوباء وتقليص أضراره لما في التزامهم بها -ما لم تكن معصية- من الآثار الحميدة والنتائج المرجوة لمصلحة الفرد والمجتمع.
وَيَنْبَغِي عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَبْتَعِدَ عَنِ الْخَوْفِ وَالْهَلَعِ، وَيَبْتَعِدَ عَنِ التَّهْويلِ وَنَشْرِ الْأَخْبَارِ الْمُغْرِضَةِ ، بَلْ يَأْخُذُ مَعْلُومَاتِهِ مِنْ مَصَادِرِهَا الْمَوْثُوقَةِ، وَيُحْسِنُ التَّعَامُلَ مَعَ التَّعْمِيمَاتِ الرَّسْمِيَّةِ وَالنَّصَائِحِ الطِّبِّيَّةِ، وَيَتَعَاوَنُ مَعَ الْجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةِ فِيمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ؛ فَإِنَّ تِلْكَ الْجِهَاتِ حَرِيصَةٌ عَلَى صِحَّةِ الْجَمِيعِ وَسَلَامَتِهِمْ.
وَيَجِبُ عَلَى مَنِ ابْتَلِيَ بِهَذَا الدَّاءِ أَن لَّا يُخْفِيَهُ عَنِ النَّاسِ بَلْ يُبَلِّغُ الْجِهَاتِ الْمَسْؤُولَةَ لِاِتِّخَاذِ التَّدَابِيرِ الْوِقَائِيَّةِ وَالْعِلَاَجِيَّةِ؛ حِمَايَةً لَهُ وَلِأُسْرَتِهِ وَلِلْمُجْتَمَعِ، وَأَنْ يَلْزَمَ بَيْتَهُ فَلَا يَخْرُجَ إِلَى الأَمَاكِنِ الْعَامَّةِ وَتَجَمُّعَاتِ النَّاسِ؛ لِئَلَّا يَنْقُلَ الْعَدْوَى إِلَى غَيْرِهِ.
عباد الله: وإذا كانت الدول والشعوب تقلق وتخاف من انتشار الأوبئة والأمراض، وتتخذ كافة السبل، وتجنّد كل الطاقات، وتشتري كل الأدوية مهما غلا ثمنها، وهذا أمر مطلوب وواجب، ولكن قلما يتنبه الناس إلى مرض خطير وفتاك، يفتك بالأمم والشعوب، وضرره على الناس أشد من السموم على الأبدان؛ ألا وهو داء الذنوب والمعاصي.
فالشرك بالله ومخالفة أمره من أعظم أسباب البلاء وحلول الآفات، واندثار الخيرات وقلة البركات، وإن من الوقاية من الذنوب والمعاصي الأمر بالمعروف والنهي من المنكر؛ فهو صمام الأمان من هلاك الأمم والجماعات؛ قال -تعالى-: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)[هود: 117].
فالواجب أن تتكاتف الجهود في القضاء على وباء المعاصي والمنكرات؛ حتى لا تغرق السفينة؛ فالذنوب والمعاصي هي سبب البلاء والنقمة ونزول الآفات؛ فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رُفع إلا بتوبة.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَحفَظَنَا بِحفظِكَ، فَأَنْتَ خَيرٌ حَافِظاً وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
اللَّهُمَّ اِرْفَعْ عَنَّا وَعَنْ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ الْبَلَاءَ وَالْغَلَاَءَ وَالْوَبَاءَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئِ الْأَسْقَامِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الأَبْدَانِ، وَالأَمْنَ فِي الأَوْطَانِ، وَالْفَوْزَ بِالنَّعِيمِ وَالرِّضْوَانِ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أُمُورِنَا لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمْ فِي طَاعَتِكَ وَرِضَاكَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم