عناصر الخطبة
1/ازدياد ضحايا حوادث السيارات 2/أسباب حوادث السيارات 3/عظم النفس والتحذير من التهاون في إزهاقها 4/ما يترتب على حوادث الطرقاقتباس
فترى بأسباب الحوادث المرورية أرواحاً تزهق، ونساءً تُرمل، وأُسراً تُفنى، وأطفالاً تيتم، وأطرافاً تبتر، وإعاقاتٍ مستديمة تكثر، وترى منشآتٍ تُهدم، ومنجزات تتلف، وآلافَ الملايين من الريالات تهدر، فواجع تصل إلى حد الهلع، وخسائر تصل إلى حد الإفلاس...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
أيها الإخوة: نشرت إدارةٌ عامةٌ من الإداراتِ الهامة في بلادنا أرقاماً ضخمة ونسباً عالية مروعة, تحكي في طياتها قتلى بالآلاف, وجرحى ومصابين بعشرات الآلاف, وخسائرَ مادية بالمليارات!, قد يظُن بعضُكم أني أتحدث عن حرب ضروس خاضتها بلادنا, أو أن زلزالاً مروعاً ضربها, أو أن أعاصير هوجاء اجتاحت نواحٍ منها؛ فأهلكت الأنفس والأموال في دقائق!.
لا, ليس الأمر كما ظن من ظن, إن الأرقام التي سأذكرها نتائج تفريط وتعد واستهانة من طائفة منا, تعدٍ يُسْمَعُ منه صريرُ الإطارات, وتهشم المركبات وتلف المنشآت، وأبواق إنذار مراكب الإسعاف والنجدات.
نعم, حديثٌ قديمٌ جديد, قديمٌ في وجوده, حديثٌ في أرقامه, ومتجددٌ بآلامه وأحزانه, أطفالٌ تُيَتم, وشبابٌ يُؤد، ونساءٌ تُرمل، وآباءٌ وأمهاتٌ تُلوع, وأُسَرٌ بكاملها تفقد, أناتٌ وآهات وعيون باكيات, ومصائب قاصمات.
أيها الإخوة: في آخر تقرير صدر من الإدارة العامة للمرور في المملكة لعام 2019م بلغ عدد حوادث السير ما يقارب ٢٨8 ألف حادث، أي: إن حادثاً يقع في أقل من دقيقتين, وعدد مصابي الحوادث في هذا العام ٦٨ ألف مصاب, منهم ٣٢٩١٠ إصابتهم جسيمة, ويشغلون ٣٠٪ من أَسِرَّةِ بعض المستشفيات, أما عدد حالات الوفاة ٥٧٥٤ حالة، أي: ١٦ حالة وفاة يومياً, وتقدر الخسائر المادية على الاقتصاد الوطني سنوياً بــــــــ٥٠ مليار ريال.
أيها الإخوة: هذه الأرقام الضخمة جعلت شوارع المملكة من بين أكثر الشوارع خطرا على مستوى العالم؛ بسبب سوء قيادة المركبات, وحق على كل ناصح أن يطلق صيحات الإنذار التي يجب أن يتجاوب معها كل عاقل يتفيأ ظلال هذا الوطن الكريم.
أيها الآباء أيها المربون, أيها المسؤولون, أيها الأولاد من البنين والبنات, يا أحباب قلوبنا, ويا أمل أمتنا, يا كل واحد منا: لو تمت هذه الوفيات والإصابات والخسائر في حرب ضروس لكانت كارثةً كبيرةً على الأمة، وهزيمةً نكراء لجيشها، واعتداء صارخاً على سيادتها!, كيف وهي تقع بسبب التفريط والتهاون بالنفس البشرية؟! وممن؟, من أناسٍ يتفيؤون ظلال هذه البلاد وينعمون بخيراتها، لكنهم في الغالب لم يقدروا المسؤولية حق قدرها.
وسأقف مع وهذه الإحصائية عدة وقفات:
الأولى: مع أسباب هذه الحوادث: فقد ذكر التقرير الصادر من الإدارة العامة للمرور عشرة أسباب للحوادث، وتصدر القائمة استخدام الهاتف الجوال أثناء القيادة, فقد كشف المرور السعودي اليوم الجمعة أن 78% من حوادث الاصطدام بالمركبات المقابلة؛ بسبب استخدام الهاتف الجوال أثناء القيادة, ذلك أن استخدام الهاتف الجوال أثناء القيادة يشتت ذهن السائق, ويفقده التركيز, ويعرضه لخطر الوقوع في الحوادث، وعَدَّهُ أحدُ التقارير أنه المشتت الأول للسائقين حول العالم, وفي أمريكا وحدها يقع مليون وستمائة ألف حادث سنوياً بسبب الجوال!.
أيها الإخوة: لو أن أحدنا أثناء قيادته للسيارة أتاه آتٍ من خلفه وغطى عينيه بيديه لمدة خمس ثواني, لصاح واضطربت السيارة وماجت في الطريق, وعُدَ هذا التصرف ضد السائق تعدٍ وسعي في إهلاك من في المركبة, كيف نستعظم هذا وجُلنا -إلا من رحم ربي- يمارس هذا الفعل بنفسه مع نفسه؟! فيغطي عينيه ويُشغل ذهنه ويديه باستخدام الجوال أثناء قيادة المركبة, وقد تعدى استخدامه من بعض مستخدمي الطريق المكالمة إلى تصفح مواقع التواصل, أو مشاهدة مقاطع الفيديو, أو كتابة الرسائل والتغريدات وغيرها, وربما فعل ذلك وهو يسير في زحام, أو طريق سريع, أو عند تقاطع الطرق وغيرها, لقد انتشر فينا هذا التفريط وجنينا ثماره المرة.
ليتنا نجلس مع أنفسنا ونحاسبها، ليتنا نُعين بعضنا بعضاً، ونتناهى عن هذا المنكر الخطير, سرِّح فكرك أخي الكريم في واقع حياتنا, واستعرض السلوك العام في الطرق خلال الأسبوع الماضي فقط, ستجد أنك ربما أخطأت بسبب استخدامك الجوال أثناء القيادة، أو أخطأ عليك أحدهم, وإن لم تكن هذا أو ذاك فقد رأيت من تأخذه سيارته يمنة ويسره بلا شعور؛ وقد أكب على جواله وترك الطريق, وربما فتحت له الإشارة وأغلقت وهو لا يشعر!.
وهذا يدعونا لنقول: يا قائد المركبة: حياتك وحياة الآخرين أهم من تغريدة تطلقها, أو سنابة تنظر إليها أو ترسلها، أو رسالة ترسلها, لنحذر جميعاً من هذا التفريط المميت أشد الحذر.
الثانية: أن حفظ النفس البشريّة من ضروريات الدين، فقد كرَّمها الله وشرَّفها وصانها، وجعَلها قالَبَ حِفظ الدين ووِعائَه الثمين، ونوَّه بها وأعلى شأنها وزكّاها فأقسَم بها في محكم التنزيل فقال -عزَّ مِن قائل-: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا)[الشمس:6], وقال: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا)[النساء:29 ـ30] وقال -سبحانه-: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[الأنعام:151].
أجَل -أيها الإخوةَ-, لقد غالى الإسلامُ بالنَّفسِ الإنسانيّة الـمُصانَة فأحلَّها مراقِيَ العلو والكرامَة، فكان تكريمه وتبجيلُه لها أفضلَ ما عرَفته النظُم، وضنَّ بها أن تُزهَق دون حقٍّ مبين، وجعل قتلَها تحدٍّ لخلقِ الله وحِكمته, وتعدٍّ على قدرتِه ومنَّته.
الثالثة: إذا كان هذا مقام النفس المعصومة عند الله -تعالى-, فما بال بعضُ مستخدمي الطريق يعبثون بأنفسهم وأنفس المواطنين والمقيمين؛ بالتوسع باستخدام الهاتف الجوال أثناء القيادة، وتعد السرعة القانونية, وقطع الإشارات, وغيرها من المخالفات التي توحي بالتهاون بالأنفس المعصومة, واتخذوا شوارعنا وطرقنا ميادين لتعديهم؛ فأشهروا فيها آلة قتل المعصومين, حق علينا نصيحتهم، وحق على الجهات المعنية تطبيق النظام فيهم من غير هوادة.
الرابعة: إن النفس الإنسانية ليست ملكاً لصاحبها، وليست ملكاً لأحد من الناس وإنما هي ملك لله وحده، ومن أجل ذلك حرم -سبحانه- الاعتداء عليها حتى من قبل صاحبها فقال: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)[النساء:29], وقال: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)[المائدة: 32], ومع وضوح ذلك وجلائه لكن المؤسف أن من أبناء المسلمين من يمارس أفعالاً تلقي بالنفس إلى التهلكة, فترى بأسباب الحوادث المرورية أرواحاً تزهق، ونساءً تُرمل، وأُسراً تُفنى، وأطفالاً تيتم، وأطرافاً تبتر، وإعاقاتٍ مستديمة تكثر، وترى منشآتٍ تُهدم، ومنجزات تتلف، وآلافَ الملايين من الريالات تهدر، فواجع تصل إلى حد الهلع، وخسائر تصل إلى حد الإفلاس!.
أطفال في مستقبل الحياة, وشباب في نضرة العمر، ما حالهم وقد فقدوا عائلَهم؟، وما حال المرأة وقد فقدت من يرعاها وأطفالها؟, ما حال الوالدين وقد أُزهقت روح ابنهما اليافع وحبيبهما الأمل؟, ما حال الأسرة وقد حل بها معاق علاجه مكلف، والكد عليه مرهق، ورعايته عناء؟, فبعد النضرة والقدرة أصبح مقعداً عاجزاً، وعالة على أهله ومجتمعه ودولته، وأورثت حاله حسرةً في القلوب، وكمداً في النفوس, آهاتٌ وأنات, ودموعٌ جاريات, وحزنٌ وألم وهمٌ وغم بسبب ماذا كل هذا؟, إنه بسبب الإخلال بحق الطريق, والتفريط في آداب المسير, والإهمال في قواعد المرور.
أحبتي: إن الطرق هي مسالك الناس إلى شؤونهم، ومعابرهم إلى قضاء حوائجهم، وهي دروبهم في تحركاتهم، وتحصيل منافعهم، وهي سبيلهم إلى أسواق التجارة وكسب المعاش، وهي منافذهم إلى الجامعات والمعاهد والمدارس ودور العلم والمساجد، وكل أنواع الحركة والتنقلات.
أسأل الله بمنه وكرمه أن ينزل علينا سكينته, وأن يبصرنا بأمر ديننا ودنينا, وأن لا يجعلنا سبباً في حادث أو ضحية لحادث, وأن يكتب لنا السلامة والعافية في الدنيا والآخرة؛ إنه جواد كريم, وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: لا تهلكوا مع الهالكين, وعليكم بأسباب السلامة التي هي الرفق والانتباه للطريق, واليقظة الدائمة مع الاعتماد على الله، والمحافظة على الأنفس والأموال، والتزام الطمأنينة, وإتباع أنظمة المرور، حتى لا تتسبب في إزهاق نفس كانت على الوجود، ثم إذا فقدت بهذه الحوادث لزم من ذلك:
أولاً: إخراج هذا الميت من الدنيا, وحرمانه من التزود بالعمل الصالح, والاستغفار من العمل السيئ.
ثانياً: ترمل زوجته وتيتم أولاده, إن كان ذا زوجة وعيال, وتحسر والدية ولوعتهما بفقده.
ثالثاً: غرامة ديته وتسليمها إلى ورثته إلا إن عفوا عنها.
رابعاً: وجوب الكفارة حقاً لله -تعالى-، فكل من قتل نفساً خطأ أو تسبب لذلك أو شارك فيه؛ فعليه الكفارة، فلو اشترك اثنان في حادث وتلف به شخص، فعلى كل واحد منهما كفارة كاملة، والكفارة عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد -كما هو الواقع في عصرنا- فصيام شهرين متتابعين، لا يفطر بينهما يوماً واحداً إلا من عذر شرعي، فإن أفطر قبل إتمامهما ولو بيوم واحد من دون عذر وجب عليه أن يبدأ بالصوم من جديد، والكفارة حق الله -تعالى- لا تسقط بعفو أهل الميت عن الدية؛ لأنها حق الله -عز وجل-، وتتعدد الكفارة بتعدد الأموات بسبب الحادث, نسأل الله السلامة والعافية للجميع.
يا قائد المركبة: حياتك أهم من تغريدة, ومن مكالمة, ومن رسالة, أو سنابة, فحافظ عليها.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم