حول الاختبارات

سليمان بن أحمد الأحمد

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ صفة الأسرة الصالحة 2/ صفة الأسرة الطالحة 3/ أهمية تقدير جهود الوالدين 4/ وصية للمدراء والمعلمين والمسؤولين في المدرسة 5/ شكر رجال الأمن لحفظهم الأمن وسير الامتحانات

اقتباس

مسكين ذلك الابن ومسكينة تلك الفتاة يتلفتان في بيتهما يميناً وشمالاً فيلفيان الوالد لا يصلح قدوة في الخير، ولا يساعد، ولا يواس؛ بل مشغول وراء متاعه، أو مهموم بسبب خوفه على ماله يحمل بين جنبيه متناقضات. يأمر بالخير ولا يفعل، وينهى عن السوء وهو له أول الفاعلين؛ فأي نشأٍ سيخرجه ذلك البيت؟ ناهيكم عن الأم إذا كانت لا تحفظ في غيبة، ولا تساعد في حضور، نؤوم الضحى قد سلمت بيتها وأطفالها للخادمة ..

 

 

الحمد لله القائل: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)[العنكبوت: 69]. أحمده سبحانه يعطي كلاً على قدر كده ويزيد اللذين اهتدوا هدى وإيمانا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده يجزي اللذين أساؤوا بما عملوا ويجزي اللذين أحسنوا بالحسنى. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله جاهد في سبيل ربه وكان في خدمة أهله وعبد ربه حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماَ.

أما بعد:

فيا أيه اللذين آمنوا: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً)[التحريم: 6] ، (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1].

معشر المسلمين: في مثل هذه الجمعة يتحدث الخطباء، ويتكلم البلغاء، ويوجه المربون، ويجتهد الدعاة والمخلصون.. والسؤال عماذا يتكلمون؟ وبماذا يوجهون؟ وفيم يقولون؟ وعن أي شيئ يتحدثون؟ إنهم يتحدثون عن الاختبارات وما يصاحبها من ملحوظات وما يكون معها من توجيهات.

وحينما تتكرر المناسبة ليس بمستغرب أن يتكرر الحديث بل من الأجدر أن يتكرر. إنها مناسبة تستحق حديثا. وما أجمل أن يكون للمناسبة حديث، وأجمل منه أن يناسب حديث المناسبة.

معشر المسلمين: في هذه الوقفة المباركة لن نتحدث عن وجوب إخلاص النية في طلب العلم والعمل بعد العلم ولن نتحدث كذلك عن فوائد تنظيم الوقت ولا عن وجوب رعاية الأولاد ومراقبتهم ولن نتحدث عن تحذير الشباب من التجمعات الموبوءة والعقاقير المشؤومة والمنبهات المشبوهة. ولن نوجه نصيحة للشباب بحفظ أنفسهم وأوقاتهم، واعتزال مواطن الريبة، وأوكار الضلالة، ولن نقول لهم بعيداً عن أبواب المدارس، وتقاطعات الحارات، وحذراً من المقاهي ذوات الريبة، والزوايا ذوات الخفايا، ولن نقول -كذلك- للمختبرين السكينة السكينة واستعينوا بالصبر والصلاة واتقوا الله ويعلمكم الله، ولن أهمس في آذان أولياء الصغار والمردان الله الله في رعاية الأمانة فهناك من المجرمين من يقطعون السبيل ويأتون الذكران من العالمين.

معشر المسلمين: وإنما سأتحدث عن بيتين، وسأكلمكم عن أسرتين. بيت يحيطه أب كادح، وأم حانية يأمر كل منهما ويوجه بالقدوة، والكلمة الطيبة. دخلا ميدان الأسرة بلباس التقوى، وتقلدا دعوات الأنبياء والرسل وعباد الرحمن (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) [الصافات:100].(رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) [آل عمران: 38]. (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) [الاحقاف: 15] (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) [الفرقان: 74].

بيت الأب فيه يعرف قيمة العلم والتعلم، ويصدر هذه المعرفة والقناعة إلى نشئه بعد أن صدرها إلى زوجه. والأم صادقة في إعانة زوجها على ذلك. ليس من طبعها الشكوى ولا التشكي. تذلل الصعاب وتيسر الأمور، وتعوض النقص، وتسد الخلل. تجلس مع ولدها لتثني على والده، ثم تهذبه بلطيف العبارة، وتؤدبه بالطيب من القول، حتى يعلم الولد أنه محاط بأبوين قريبين.

بيت الأب فيه يسأل ولده كيف حالك وما شأنك مع المذاكرة، وأي المواد أصعب، وهل تريد مساعدة. يزور مدرسته ويسأل عنه أساتذته، يشكرهم تارة، ويستحثهم تارة أخرى، ولا يكلف شططا، ولا يأمر بما لا يستطاع.

وأم ذكية تشفع لولدها عند والده فيما لا يجرؤ عليه الولد أو يهاب المناقشة فيه، فيتحقق المقصود ويتم الغرض المنشود.

بيتٌ الأبُ فيه يستفيد من خبرات السنين، وتجارب الأيام فيكون حصيفاً في صرف نتاجها، ووصف علاجها، فيعيش الولد مستقبله كما لو عاشه حقيقة . يساعده في ذلك البيت أم لأولاده تجعل من نفسها نموذجاً للفأل الحسن، وأنموذجاً للعمل النشط الدؤوب.
بيتٌ يتعاون فيه الزوجان أيام الاختبارات استعداداً ومتابعةً، وإشرافاً ومراقبةً يستمر ذلك من قبل ومن بعد.

يحاط ذلك بأسئلة ترغب ولا ترهب وتبشر ولا تنفر. ما شأنك مع الاختبار اليوم وان تأخر عن المجيء لماذا تأخرت لعله لم يمنعك عارض تكرهه مع محاصرة لطيفة تزيد استحكاماً كلما صغر السن. وتزيد حزماً كلما تقدمت أيام الاختبار.

بيت يذاكر فيه الأبناء والبنات تحت ظلال أبوين كريمين في أروقة البيت يعينون ويوجهون، خارجه يتابعون ويسألون وبدعواتهم في كلا الحالين يلحون ويسددون.

بيت يرنو لنتائج بعد الاختبار مشرفه، فيشكر من يستحق الشكر ويفتح الأمل للمخفقين من جديد. لا يعنف مخفقاً وقد أدى ما عليه ولا يغفل عن مجد جنى ثمرة جده وكده ولا يتنصل من مسؤلية حينما يحتاج الولد إلى رعاية ومراقبة.

ليتك ترى هذا البيت وقد التم شمله بعد استلام النتائج يشكر فيه الولد أبويه وهما يشكرانه ويمجدانه. ويستعدان لتتويج عناء الأولاد بما يبعث فيهم النشاط ويجدد عندهم الطموح؛ من سفر مباح، أو نزهة كريمة، أو مناسبة تزيد القلوب انشراحاً وتدع الأنفس حدائق ذات بهجة هكذا تكون البيوت الكريمة، وبمثل هذا تظهر الأسر المحتشمة.

حفظوا وقتهم، وربوا نشأهم، وأخذوا من حظ الدنيا ما هو خير، وغفلوا عن الشر -ونعم الغفلة تلك-.. فرحوا بانتصارهم على رغباتهم، واغتبطوا باستغلالهم لأوقاتهم فصار ذلك البيت شجرة مباركة ريحها طيب وطعمها طيب؛ من أكل نتاجها غذته، ومن شم عبيرها نشطته؛ تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

بمثل هذا ينال الفلاح، وهكذا يكون الفوز والنجاح . جعلنا الله وإياكم من أهل هذه البيوت رزقنا ما رزقهم من التوفيق والفلاح والفوز والنجاح (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69].

وأستغفر الله فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وفق من شاء من عبادة فكان سعيهم مشكوراَ. احمده سبحانه واشكره، وأتوب إليه وأستغفره إنه كان عفواً غفوراَ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. قام من الليل حتى تفطرت قدماه، وقال: "أفلا أكون عبدا شكورا". صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.

أما بعد:

فلقد عشنا مع بيت كريم الخصال طيب الفعال، جد فوجد وزرع فحصد فنال من كريم العواقب ما نال وطلب غيره مقامه فما نال.

وبعد: فإن الشمس التي تطلع على هذا البيت هي نفسها الشمس التي تطلع على بيت آخر, واللحظات هي اللحظات، والطاقات هي الطاقات، ولكنه بيت أسس على شفا جرف هار.

بيت الدعوة الصالحة فيه تغيب كما تغيب النجمة في النهار، والسب والشتم والدعاء على الأولاد يشربه الصغير مع حليب أمه ويأكله الكبير مع الطعام.

بيت الأب فيه بلغت به الغفلة عن ولده ألاّ يعرف أين يدرس؟ ومع من يسهر؟ ومن أين يرد؟ وإلى أين يصدر؟

أب حرم التوفيق في ما يبقي وما يذر، عمل سوءاً وظلم نفسه ثم رمى به بريئاً؛ ليحتمل بهتاناً وإثماً مبيناً.

أبٌ بارع في نسبة إخفاق الأولاد وضياعهم إلى أمهم أو إلى المدرسة؛ ليبرّئ ساحته ويدافع عن سمعته وأحياناً تؤدي الأم في هذا البيت نفس الدور الذي قام به ذلك الأب فتؤزه إلى المدرسة أزاً أو يقبلان على بعض يتلاومان.

وبما أن المناسبة مناسبة اختبارات فهلم نفتح نافذة على ذلك البيت المضطرب إننا لا نكاد نرى إلا أباً يستيقظ بعد فوات الأوان فيسب ويشتم ويتهم المخفق من ِأولاده بالغباء وهو لم يقدم له شيئاً، ويلومه على الإخفاق وهو أحد أسبابه. وإذا كانت الحية لا تلد إلا حية؛ فإن العصا من هذه العصية.

مسكين ذلك الابن ومسكينة تلك الفتاة يتلفتان في بيتهما يميناً وشمالاً فيلفيان الوالد لا يصلح قدوة في الخير، ولا يساعد، ولا يواس؛ بل مشغول وراء متاعه، أو مهموم بسبب خوفه على ماله يحمل بين جنبيه متناقضات. يأمر بالخير ولا يفعل، وينهى عن السوء وهو له أول الفاعلين؛ فأي نشأٍ سيخرجه ذلك البيت؟ ناهيكم عن الأم إذا كانت لا تحفظ في غيبة، ولا تساعد في حضور، نؤوم الضحى قد سلمت بيتها وأطفالها للخادمة.

وبعد: فهل يرتجى من هذا البيت أن يسأل عن الابن إذا تأخر فضلاً عن سؤاله عن الأصحاب والخلان وعن دروسه ومستواه ومع من يدرس؟ ومع من يسهر؟ بمثل هذا الكم من الأخطاء صدر للمجتمع نشئ هو كما ترون.

وحق أن يقال: قد تبتلى أم بمثل ذلك الأب وقد يبتلى أب بمثل هذه الأم، ولكن الضحية هم الأولاد؛ إن لم يكرم الله الصابر من الزوجين بصلاح الذرية جزاء الصبر والصدق؛ والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

وبعد: فهذه وقفات تحتاج إلى تأمل. الطالب الذي انتهى من الامتحان ضحى ولم يحضر إلا بعد الظهر يجب أن يوقف ويسأل.. ثم إن أعظم مناسبة يضيع فيها من يضيع من النشء مناسبة الاختبارات، وإن العلاقة الجديدة تنبت في موسم الاختبارات..

ومما يجب أن يعلم أن الاختبارات مقياس لحصيلة عام كامل فلا بد من حفظ الحقوق والأمانة وعدم الغش والتطفيف.

وأنتم أيها الشباب: قدروا جهود الوالدين وابذلوا من الجهد ما تستطيعون؛ فإن العواقب الحميدة لكم يفرح بها المجتمع، وفلاحكم فلاح لوالديكم، وخسارتكم خسارة لهما ولأمتكم؛ فهل أنتم مدركون؟

أيها المسلمون: لقد صدر من إدارة التربية والتعليم ضوابط لحفظ الطلاب، ولا يمكن أن تحقق المطلوب إلا حينما يعرف مدير المدرسة موقعه، ويقدر مسؤوليته، ويوظف كافة مرافق المدرسة؛ لتعزيز سبل الحفظ والنجاح.. يعينه في ذلك معلمون مخلصون ومراقبون يقضون يسدون الخلل، ويعالجون الخطأ، ويحرصون كل الحرص ألا يكونوا سبباً في تفلت، أو أن يكون لهم دور في ضياع ينصحون لطلابهم كما ينصحون لأولادهم، ولا يكون همهم متى سيخرجون؟ أو متى سينتهون؟ بمثل هذا يتحقق من النجاح ما يستبشر به الجميع وكل على ثغر؛ فالله الله أن يؤتى الطلاب من قبله. هذا وما يقال عن البنين يصلح جله للبنات إلا إن المسؤولية داخل المدرسة عند البنات أعظم.

أيها المسلمون: مما يذكر فيشكر ما يقوم به رجال الأمن ومِن ورائهم مرؤوسوهم؛ فلقد تجلت ثمار جهودهم ومشاركاتهم عند المدارس؛ حيث قلّت المشاكل، وتلاشت التجمعات، وخف الدوران، واستراحت المدارس والجيران؛ فحقهم الشكر والتقدير والدعاء والمؤازرة.. ومزيداً من الجهد يا رجال الأمن.. حفظكم الله وحفظ بكم وجعلكم لطريق الحق سالكين وعنه مدافعين وللنشء حافظين.. وكلٌ راع وكلٌ مسؤولٌ عن رعيته، والسعيد من كان له قدر من صلاح وحظ من إصلاح؛ والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) [الفرقان: 74]. ربنا أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا وعلى والدينا وأن نعمل صالحا ترضاه وأصلح لنا في ذرياتنا إنا تبنا إليك وإنا من المسلمين.

 

 

 

 

 

المرفقات

974

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات