حماية الفكر (2)

عبد العزيز بن عبد الله السويدان

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات: الفكر والثقافة
عناصر الخطبة
1/ كيفية بداية الانحراف الفكري في الأمة وتأريخه 2/ تحذيرُ الإسلامِ للمسلمين من التعرض للفتن 3/ أنموذج لبعض ما يدور في مجالس الشبهات 4/ أبعاد قضية نطق الشاب العلني بالكفر

اقتباس

فالقضية -إذن- ليست قضية شاب أعجب بنفسه فنطق بالكفر علَناً على طريقةِ: تُريد أن تشتهر؛ إذاً، فما عليك إلا أن تسُبَّ الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم! لا، القضية لا تقف عند هذا الحَدِّ أبداً، القضيةُ أبعدُ من ذلك بكثير! هناك نسيجٌ لعنكبوت الإلحاد في بلاد التوحيد يصطاد الشباب التائه المميَّل للانحراف العقدي، قادة هذا النسيج ينشطون في وسائل التواصل الالكتروني، وكذلك في بعض المقاهي. أقول: هناك خلايا إلحادية يحرم السكوت عنها ..

 

 

 

 

 

 

كيف بدأ الانحراف الفكري في الأمة؟ بدأ الانحراف عندما أخذ أفراد من الأمة يتلقون من غير كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، يتلقون من غيرهم منهج التفكير، وقواعد التصور للحياة والكون. فهل يعود هذا من جديد؟.

ومن القدَر أن أول من واجه هذه القضية هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فعندما فتح سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- هو وجيشه الميمون مدائن كسرى -تلك المدينة العظيمة التي لم يكن العرب يحلمون بأن يروها بأعينهم فضلا عن أن يدخلوها فاتحين- لما دخلوا وجدوا فيها كتبا كثيرة عن الحضارة الفارسية والعقائد والأديان التي كانت عند تلك الأمة، فكتبوا إلى عمر -رضي الله عنه-: يا أمير المؤمنين، قد وجدنا كذا و كذا. فما رأيك أن نحملها وننقلها للمسلمين؟ فلعل فيها علوما!.

فكتب -رضي الله عنه-: "إن الله -سبحانه وتعالى- قد أغنانا بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، فإن يكن في هذه الكتب هدى فقد هدانا الله، وإن يكن فيها غير ذلك فقد كفانا الله، فاطرحوها في الماء أو حرقوها".

هكذا كان حرص عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على الحفاظ على صفاء الفكر والإسلام، وعلى صفاء مصادر التلقِّي فيما يتعلق بالفكر والعقيدة.

ولكن هذا الموقف الذي اتخذه عمر -رضي الله عنه- لم يظل معمولاً به، فإنه في عهد خالد بن يزيد الأموي صدر الأمر بترجمة كتب اليونان، وليته اكتفى بتقصِّي علوم الطب والكيمياء، فهذه العلوم نافعة ولا علاقة لها بالعقيدة والفكر والقيم؛ ولكنه أمر بإحضار جماعة من الفلاسفة اليونانيين إلى دمشق، وأمرهم بنقل كتب الفلسفة من اللسان اليوناني والقبطي إلى العربي.

ثم تلاه أبو جعفر المنصور الذي ترجم المزيد من الكتب الفلسفية، ثم جاء المأمون ففتح الباب على مصراعيه، وانهمرت البدع على المسلمين مِن كُلِّ مكان تلقي وراء ظهرها بكتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وتفتح الشراهة لكتب الفلسفة التي لا تدع شيئا إلا ناقشته عقلانيا، ومحَّصَتْه، حتى لو كان خارج قدرتها العقلية، وطاقتها البشرية.

كل شيء معرض للنقاش والبحث والنقد، فظهرت أقوال القدرية أولئك الذين خاضوا في القدر، سر الله في خلقه، القدر الذي هو غيب لم يطلع عليه لا ملَكٌ مقرب، ولا نبي مرسل! وفي الوقت ذاته؛ فإن الإيمان به هو ركن من أركان الإيمان التي وردت في حديث جبريل -عليه السلام- عندما قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد سؤاله: أخبرني عن الإيمان؟ قال: "وتؤمن بالقدَر خيرِه وشَرِّهِ".

وقد صح في مسلم من حديث جابر أن سراقة بن مالك جاء للنبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: يا رسول الله، بيِّن لنا ديننا! كأنا خلقنا الآن فيمن عملوا اليوم، أفيما جفت به الأقلام وجرت به الصحف أو وجرت به المقادير؟ أم فيما نستقبل؟ يعني هل أعمالنا وطاعاتنا وقدحنا في الدنيا في أمر قد جرت به الأقدار وجفت به الأقلام، أم هو أمر جديد لم يُقدَّر بعد؟! فقال -صلى الله عليه وسلم-: "بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير"، أي: إن الله -تبارك وتعالى- قد علِمه وكتَبه، ومع ذلك اعملوا؛ فإنكم لا تعلمون القدر المكنون!.

هكذا نتعامل مع القدر؛ بكل بساطة: إننا أضعف وأعجز من أن نعرفه أو نعرف ما كتب لنا فيه، لكن الله الذي بيده القدر وعنده علم الغيب أمرنا أن نعمل ما ييسر لنا الوصول إلى الجنة بالرغم من خفاء القدر، هذه هي سنته، فقال تعالى مرشدا لذلك العمل: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) [الليل:5-10].

فالله تعالى لا يظلم ولا حتى مثقال ذرة، وهو لا يخلف وعده -سبحانه-؛ ولذلك أكد قائلا -جل وعلا-: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) [النساء:122].

وقال -سبحانه-: (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) [مريم:61]، يؤكد -جل وعلا-، فمن صار على صراطه المستقيم مات على ذلك دخل الجنة قطعا دون أدنى شك؛ فقد كتب الله كل شيء، ومن ذلك الطاعة والمعصية، ولكنه جعل بأيدينا حرية الاختيار، وأمرنا أن نختار طريق أهل الخير والطاعة والسعادة، فإذا اخترنا أيّاً من الطريقين طريق أهل الطاعة أو طريق أهل المعصية فإنه يطابق ما عند الله -سبحانه وتعالى- كونا وقدرا وإرادة؛ لأنه لا يخرج عن إرادة الله -سبحانه- شيء، ولا قيد شعرة، وهو مقتضى صفاته العليا، فهو مالك الدنيا والآخرة.

أما أولئك الخائضون الذين تأثروا بفلسفات الإغريق التي تجعل الدنيا قائمة على الصراع بين الخالق والمخلوق فإنهم لم يقتنعوا بهذا الهدي، لم يقتنعوا؛ لأن إعجابهم بتلك الفلسفات أدى إلى تضخم عقول، ففهمهم هو الفهم، وفكرهم هو الفكر.

هكذا تكَبَّرُوا وأعجبوا بآرائهم دون أراء الصحابة والتابعين، وقالوا إن لهم هم منهجهم ونحن لنا منهجنا؛ فلما خاضوا في الفلسفة تطاولوا على القدر وقاسوه بعقولهم وتعمقوا فيه حتى أنكروه، وقالوا: لا قدَر! وإنما هي مشيئة الله. يريدون بذلك تنزيه الله عن الظلم -زعموا- فوقعوا في نفي المشيئة عن الله -تعالى-، يعني أن في خلقه ما يجري دون مشيئته!.

ومن الطرائف ما نقله العلماء من أن رجلا من الأعراب فيه ذكاء وذهن وقّاد، جاء إلى عمرو بن عبيد -وهو من شيوخ قدرية الذين ينفون القدر، وكان المعتزلة يعظمونه ويقولون هذا يضرب به المثل في العبادة والزهد في الدنيا والتقشف، لكنه كان على عقيدة منحرفة لا تغني ولا تنفع صاحبها أبداً، مثل أحبار اليهود والنَّصارَى، يتعبدون ويخشعون ولكن لا ينفعهم ذلك شيئا ما داموا في ضلال عقدي- الحاصل أن ذلك الأعرابي سُرقت ناقته فلم يجدها؛ فاحتار، فَقَالُوا: اذهب إِلَى هذا الولي العابد الزاهد، واطلب منه أن يدعو الله ليرد لك ناقتك، فذهب إِلَى عمرو بن عبيد وشكا إليه الحال، وقَالَ: إن الناقة قد سرقت، وإني أرجو أن تدعو الله أن يرد إلي الناقة، فرفع عمرو بن عبيد يديه وقَالَ: اللهم إنك لم تُرِدْ أن تسرق ناقة هذا الأعرابي، اللهم فارددها عليه! فَقَالَ الأعرابي: لا حاجة لي في دعائك! ما دام أنه أراد أن لا تُسْرَق فسرقت، فأخشى أن يريد أن ترجع فلا ترجع.

الفطرة السليمة -أيها الإخوة- عندما تكون حاضرة وحيَّة في النفس، تدرك بسهولة أن هذا المذهب مذهب باطل.

معاشر الإخوة: لعلكم تذكرون فيما مضى التحذير من الفتن، وأنه لا أمان للإنسان منها إلا بالاعتصام بالله، والبعد عنها قدر المستطاع، وأن ذلك منصوص عليه في القرآن والسنة، فوصية الإسلام لكل مسلم: لا تقترب من الفتن، ابتعد عنها.

وكان الصحابة يدركون ذلك تمام الإدراك؛ ولذلك صح في البخاري من حديث جابر بن سمرة أن سعد بن أبي وقاص لما افترى عليه رجل من بني عبد في خلافة عمر، فقال فيه: أما إذ نشدتنا فإن سعدا كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية؛ دعا عليه سعد فقال: أما والله لأدعونَّ بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبا، قام رياء وسمعة، فأطِلْ عمره، وأطل فقره، وعرِّضْه للفتن.

كانوا يدركون خطورة التعرض للفتن، قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينه من الكبر وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزنهن، وكان بعدُ إذا سئل يقول: شيخٌ كبير مفتون، أصابته دعوة سعد.

نسأل الله العفو والعافية والسلامة، فالتعرض للفتن من أخطر الأمور على دين وخُلق وفكر المسلم.

وإن من الفتن المخيفة مجالس الشبهات، تلك التي تدور فيها الفلسفات الجريئة على دين الله، وإذا كانت خطورة الفتن كبيرة على العلماء وطلبة العلم، كما كان من غضَب النبي -صلى الله عليه وسلم- على عمر لما رأى معه أوراقاً من التوراة؛ فكيف بعامة الناس؟ بل كيف بالشباب الصغار الذين لا حصانة لهم من الشبهات؟.

ولذلك؛ فإن الفكر الفاسد الذي بدأ ينتشر بين طائفة من الشباب في بلاد التوحيد إنما هو بسبب التهاون بآثار غشيانهم بالبيئات الملوثة فكريا، هناك ضعف شديد في مراقبة ومتابعة الآباء والأمهات، هل تدرون أن هناك إناثاً مسخا يعيشون بيننا اختلط فكرهم بالإلحاد حتى أعلنوها، ولكن بشكل مبطَّن؟ أقول بشكل مبطن، يعني أنهم يصرحون بألفاظ إلحادية ولكن تتخللها بعض الألفاظ الملهمة: -سبحانه وتعالى-، سبحان الله... وهكذا!.

واعذروني إذا ذكرت لكم عبارات سمعتها في محاضرة لأحد كبارهم لا أدري أين ألقيت ولكن الغالب أنها في مكان ما في جدة، يقول المحاضر لمجموعة من الشباب والبنات شارحا لهم معنى الكينونة المتناغمة، وهو كتاب فلسفي ألفه هو، يبين فيه نظرته للحياة والإنسان والدين، ولعله استنبطه من مؤلفات الفيلسوف الهندوسي الهندي المشهور المسمى بالحكيم صاحب فكرة التأمل التصاعدي بغية تحصيل السعادة الروحية.

هذا الرجل انتقل من الهند إلى أمريكا ليبث أفكاره بين الشباب الضائع الذي يبحث عن المتعة الروحية، فبعد أن وزع عليهم ملاحق حتى يتابعوا ويركزوا على عناصر المحاضرة، ولا أدري هل فهم أولئك الشباب جملة كلامه أم أن أطرافا منهم هنا وهناك فهمت والباقي هز رأسه دون فهم؛ فشأن الكلام الفلسفي أن نصفه طلاسم ورموز.

والذي سأنقله لكم جزء بسيط جدا من الكلام الطويل الذي جمع فيه بين الألفاظ الإلحادية والألفاظ الإيمانية وألفاظاً أخرى لا تليق بمقام الله -جل وعلا-، كقوله: [شخصية الله]، [نسقط هذه العلاقة على الله]، [أبزر الله في هذه العلاقة]، [إننا نعتبر أن الله هو المركز]، [كيف يكون الله خادما لهذا الأمر]... تعالى الله عما يقول الفاسقون.

ولكن؛ حتى يتبين الخطر وتتبين خطورة الموضوع فلابد من الإفصاح أحيانا، فأستغفر الله فاستغفروه، إنه غفور رحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد: مما قاله ذلك الضال: [ما هو الله في حياتنا]، ثم قال: [استحضار الله في حياتنا أحيانا بل كثيرا يتعارض مع الرؤية العلمية للعالم]، [يعني أنا لما أؤمن أن الله يتدخل -هكذا قال- وفي نفس الوقت أؤمن أن هناك نظاما كونيا فيزيائيا للوجود، المسألتان -هكذا يقول- تتعارضان، إلا إذا جعلنا معادلة تبين كيف أن الله يتدخل في نظام فيزيائي مغلق، فأحيانا إيماننا بالله يتعارض معه وأوقاتا يتوافق معه].

ثم يقول في كلامه حول الشك: [هناك أهمية التعايش مع السؤال، والتعايش مع السؤال بسبب فرضية أن هناك أسئلة لا يمكن أن نجيب عليها]، طبعا يقصد الغريب الذي أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- والذي أخضعه هذا الرجل للشك لأنه ليس يقينا، ولذلك قال: [وهذه قد تتعارض مع الثقافة السائدة مع أكثر المتدينين].

يقول: [مهما قلنا فنحن ذرة، نحن لا شيء في هذا الوجود، والوجود أكبر منا بشكل خرافي، وبذلك توقع اليقين أو توقع الجواب لكل سؤال يكاد يكون غير ممكن، فأحيانا يكون الهدف من التساؤل -يعني الشك في مدى حقيقة الغيب- هو أن أعرف كيف أتعايش مع هذا السؤال، كيف أحتضن الشك، لابد أن يكون في نفوسنا حيز ثابت من الشك، وأن نحتضنه ونعتبره جزءاً منا]!.

طبعا الشك هو من المعضلات التي واجهها الأنبياء في أقوامهم: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ * قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ....) [إبراهيم:9-10]

وقال -سبحانه وتعالى- في إبليس مع سبأ: (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) [سبأ:21].

قال هذا الدعي في طريقة الإيمان بالله في بحثه عن الله: [إما نبحث عن الله لله، أو أبحث عن الله لنفسي، فإذا إيماني لله بالله ولم يضِف لي شيء؛ فلماذا أؤمن؟ أؤمن ليه؟ هو ما يحتاجني عشان أؤمن فيه، فلابد أن أؤمن به لنفسي حتى يضيف لي أنا! هذه هي الأسئلة التي في بالي -يقول- من أنا؟ وماذا أحتاج أنا؟ وكيف يكون الله مضيفا لي أنا؟ يعني إذا أنت لا تضيف لحياتي وإلا لا أحتاج للإيمان بك، يا تضيف يا لا...!].

ثم يقول -مبررا سوء أدبه مع الله تعالى-: [أنا لما أتكلم مع الله، أو عن الله، يفترض أني أتكلم عن إله غني ما عنده نقص وما ينزعج؛ لأن الذي ينزعج هو الناقص، يعني أنا لو أحد يسبني أنزعج، لكن الله لو سببته لا ينزعج؛ لأنه غني ومش محتاج]!.

هذا الكلام في جدة! وأمام مجموعة من الشباب والشابات! ومحصلة كلامه أنك إن آمنت بالله فلإشباع نفسك أنت؛ لأن الله غني لا يحتاج إليك، هذا محصلة كلامه، فسواء آمنت به أو كفرت به سيان عنده تعالى؛ لأنه -كما عبر ويقول هو- لا ينفعل! تعالى الله عما يقول.

لذلك؛ لما سألته فتاة عندها شك في تلك المحاضرة... يعترف أن هناك خالقا للكون، كما كانت قريش تؤمن: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) [لقمان:25، الزمر:38]، ما عندهم مشكلة في كثير من قضايا توحيد الربوبية كفار قريش أنفسهم؛ ولكنه يعترف أن هناك خالقاً للكون، وهو غني وعظيم، وما دام هناك ما يجعلني مؤمن فخلاص يكفي! ففي رأيه الشخصي [أن الله ما معه مشكلة؛ لأنه غني وغير محتاج لي؛ إذاً لم يعذبني إذا لم أؤمن به؟ خلاص انتهى الموضوع] يقول لها هكذا!.

وقال رادا على سؤال لأحد الشباب حول التعامل مع النص القرآني الجامد -هكذا وصفه-، قال: [إنه يجب أن نعرف الله قبل القرآن، لا من خلال القرآن، وألا يكون القرآن كتابا مدرسيا، يعني حلال حرام ومعلومات جامدة؛ بل يكون مصدر استلهام لأن الآيات في حقيقتها رموز يمكن تأويلها بحسب مدركات العقل، وبالتالي كل يفهم القرآن بحسب عقله]!.

يعني نسف السنة التي تفسر القرآن، وألغي فهم الصحابة؛ بل نسف القرآن كله؛ لأنه جعل فهم القرآن كيفما يشتهيه الإنسان.

وفي نهاية كلامه قال: [الغرض من هذا الكلام -يا شباب- ليس الاتفاق عليه، وإنما هو استثارة التفكير في هذه الأمور]. أي: إحداث الشك في قلوبهم، هذا الفيلسوف المسخ يقول في موقعه الالكتروني: [الدين يخضع للأخلاق، حتى الله لا نؤمن به ما لم ينسجم مع أخلاقنا]، ويقول: [نحن بحاجة لله، لا شك، ولكن بحاجة لصياغة علاقة جديدة معه، وهذا لا يأتي إلا بالتشكيك به، فإذا تحب الله وتريد استمراره في حياتك فشكك فيه]. وهناك عبارات كفرية أعظم لا أستطيع حتى ذكرها.

فالقضية -إذن- ليست قضية شاب أعجب بنفسه فنطق بالكفر علنا على طريقةِ: تُريد أن تشتهر؛ إذاً، فما عليك إلا أن تسُبَّ الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-! لا، القضية لا تقف عند هذا الحَدِّ أبداً، القضيةُ أبعدُ من ذلك بكثير! هناك نسيجٌ لعنكبوت الإلحاد في بلاد التوحيد يصطاد الشباب التائه المميَّل للانحراف العقدي، قادة هذا النسيج ينشطون في وسائل التواصل الالكتروني، وكذلك في بعض المقاهي. أقول: هناك خلايا إلحادية يحرم السكوت عنها.

نسأل الله الثبات على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

 

 

 

 

 

المرفقات

الفكر (2)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات