عناصر الخطبة
1/أهمية طلب العلم وفضله ومكانته 2/أسس طلب العلم وتحصيله 3/آداب طالب العلماقتباس
أيها المؤمنون: إن للعلم وطلبه فوائد غِزار، وثمرات كُثار، وعوائد لا تعد ولا تحصى؛ يجنيها أهل العلم وطلابُه في دنياهم وأخراهم، لكن هذه الثمار وتلك الآثار لا يحصِّلها إلا من تزين بزينة العلم، وتحلى بحلية طلابه. أما من دخل العلم عرْضاً بلا خُلُقٍ ولا أدب ولا ضوابط ولا آداب فإنه لا يحصِّل ولا يجني ثمرات العلم العديدة. وأساس هذا الأمر ورأسه أن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الكريم الرحمن، خَلَقَ الإنسانَ علَّمه البيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عظيم المنِّ والجود والإحسان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله دعا إلى طاعة الله، وحذَّر من العصيان. اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أولي النجابة والهدى والإيمان.
ثم أما بعد: أيها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا الله -تعالى-، فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
أيها المؤمنون -عباد الله-: إن طلب العلم عبادة عظيمة من أجلِّ العبادات، وقربة إلى الله -عز وجل- من عظيم القرب، ثبت في المسند للإمام أحمد والسنن وغيرها من حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لِلْعَالِمِ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يَرِثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرِثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ".
أيها المؤمنون -عباد الله-: إن للعلم وطلبه فوائد غِزار، وثمرات كُثار، وعوائد لا تعد ولا تحصى؛ يجنيها أهل العلم وطلابُه في دنياهم وأخراهم، لكن هذه الثمار وتلك الآثار لا يحصِّلها إلا من تزين بزينة العلم، وتحلى بحلية طلابه، أما -عباد الله- من دخل العلم عرْضاً بلا خُلُقٍ ولا أدب ولا ضوابط ولا آداب فإنه لا يحصِّل، ولا يجني ثمرات العلم العديدة.
أيها المؤمنون -عباد الله-: وأساس هذا الأمر ورأسه: أن يكون طالبُ العلم مخلصاً لله -تبارك وتعالى- في طلبه؛ لأن طلب العلم عبادة، بل ما تقرب متقربٌ إلى الله -سبحانه- بمثل طلب العلم، فمن طلب العلم لمجاراة العلماء أو مماراة السفهاء أو لصرف وجوه الناس إليه، أو نحو ذلكم من الأغراض الدنيئة كان من الخاسرين، ولم يحصِّل من ثمار العلم شيئا.
والعلم -أيها المؤمنون- هبة ربانية وعطية إلهية فلا يُنال إلا بمدد الله -تبارك وتعالى- وعونه وتوفيقه، ومن أعظم الدعاء: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)[طه: 114]، وقد ثبت في السنن من حديث أم سلمة -رضي الله عنها- أن نبينا -عليه الصلاة والسلام- كان يقول كل يوم بعد صلاة الصبح حين يسلِّم: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا"؛ فعلى طالب العلم أن يكون دائماً وأبداً مستعيناً بالله طالباً مدده وعونه وتوفيقه سبحانه، والله -جل وعلا- لا يخيِّب من دعاه ولا يرد من ناداه .
أيها المؤمنون: ورأس العلم خشية الله، وقد قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فاطر: 28]، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "كفى بخشية الله علما" فمن افتقد في قلبه الخشية من الله -عز وجل- ليس من أهل العلم لا في قليل ولا كثير، فالخشية لله -جل وعلا- رأس العلم وأساسه، وكلما كان العبد أعظم خشية لله وأشد مخافة كان ذلكم أزكى في حياته وفي سلوكه وفي أعماله، والأمر كما قيل: من كان لله أخوف كان لعبادته أطلب وعن معصيته أبعد.
أيها المؤمنون -عباد الله-: ومن الأسس العظيمة في باب طلب العلم وتحصيله: أن يحقق طالبُ العلم في قلبه محبة الله -جل وعلا- ومحبة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فإذا عُمِر القلب بالمحبة لله والمحبة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلحت حال العبد، وزانت أعماله، فإذا كان محباً لله صادقاً في حبه لله أخلص أعماله كلها لله -جل وعلا-، وإذا كان محباً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- صادقاً في محبته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- جرَّد الإتباع له، فكانت أعماله كلها على السداد والموافقة، والإتباع للرسول الكريم -صلوات الله وسلامه عليه-.
أيها المؤمنون: وطالب العلم بعيدٌ كل البعد عن مجالس الغفلة واللهو، والمجالس التي تُمرِض القلوب، وتُضعف الإيمان، بل إنه حريص على تخيُّر الرفقاء، وانتقاء الأصحاب الذين يعينونه في طلبه للعلم، وفي عبادته لله -عز وجل-، وفي الذكر الحكيم، يقول الله -تعالى-: (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ)[القصص: 35].
نعم -أيها المؤمنون- إذا وفق طالب العلم بأخ أو إخوان يعينونه ويشدون من أزره فإنه بإذن الله -تبارك وتعالى- يسْلَم من العِثار.
أيها المؤمنون -عباد الله-: ولطالب العلم آدابٌ كثيرة بيَّنها أهلُ العلم في كتبٍ خاصة بأدب الطلب ينبغي على طالب العلم أن يقف عليها، وأن يتحلى بها لتزِين حاله، ولتتحقق له الثمار التي تُجنى في طلب العلم وتحصيله، وقد قال عبد الله بن المبارك -رحمه الله تعالى-: "كاد الأدب أن يكون ثلثي الدين".
ويجب على طالب العلم أن يربأ بنفسه عن داء الجبابرة وهو الكِبْر -أعاذنا الله منه- فمن كان يتطاول على معلميه، أو يستنكف عن أخذ العلم ممن هو دونه، أو لا يعمل بعلمه، فكل ذلكم -عباد الله- من الكبر -أعاذنا الله جميعاً منه-.
أيها المؤمنون: إن تقوى الله -جل وعلا- أساس لابد منه في طلب العلم وفي كل عبادة يتقرب بها المتقرب إلى الله، وتقوى الله -جل وعلا- هي وصية الله للأولين والآخرين من خلقه؛ كما قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النساء: 131].
اللهم اجعلنا جميعاً من عبادك المتقين ومن أوليائك المقربين، وأصلح لنا -إلهنا- النية والذرية، وحمّدنا العواقب يا ذا الجلال والإكرام.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: عباد الله: اتقوا الله -تعالى-، فإن تقوى الله -جل وعلا- خير زاد يبلِّغ إلى رضوان الله.
واعلموا -رعاكم الله- أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة.
واعلموا -رعاكم الله- أن الكيِّس من عباد الله من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
وصلوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: ٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا".
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد على آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، وعنّا معهم بمنّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك، وأعنه على طاعتك، وسدده في أقواله وأعماله يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى.
اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا.
اللهم إنا نسألك علماً نافعا، ونعوذ بك اللهم من علم لا ينفع، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً يا حي يا قيوم يا ذ الجلال والإكرام.
ربنا إنّا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دِقه وجِله أوله وآخره سره وعلنه، اللهم اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.
اللهم إنّا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا من وسعت كل شيء رحمةً وعلما أن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا وآثرنا ولا تؤثر علينا.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم