حلاوة الإيمان ومرارة الواقع

حسان أحمد العماري

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: الإيمان
عناصر الخطبة
1/ الدنيا دارُ كبَدٍ ونَصَب 2/ دور الإيمان في تحقيق توازن النفس 3/ إذهاب طعم مرارة الواقع بتذوق حلاوة الإيمان 4/ من سبل تحصيل حلاوة الإيمان 5/ حاجتنا لتنمية وتقوية إيماننا

اقتباس

بحلاوة الإيمان يتحرر المؤمن من الخوف والجبن والجزع والضجر، ( قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ ?للَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَـ?نَا وَعَلَى ?للَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ?لْمُؤْمِنُونَ) [التوبة:51]؛ لذا، فقد وجد بلال بن رباح -رضي الله عنه- حلاوة الإيمان في واقع مؤلم حينما كان يعذب من قبل قريش بعد إعلان كلمة التوحيد، وكان يعذب في رمضاء مكة، حيث إنه سئل: كيف صبرت يا بلال؟ قال: "مزجت حلاوة الإيمان بمرارة العذاب، فطغت حلاوة الإيمان على مرارة العذاب؛ فصبرت".

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد للَّه رب الأرض ورب السماء، خلق آدم وعلمه الأسماء، وأسجد له ملائكته وأسكنه الجنة دار البقاء، نحمده -تبارك وتعالى- على النعماء والسراء، ونستعينه على البأساء والضراء، ونعوذ بنور وجهه الكريم من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وعضال الداء، وشماتة الأعداء.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ليس له أنداد ولا أشباه ولا شركاء، وأشهد أن سيدنا محمدا خاتم الرسل والأنبياء، وإمام المجاهدين والأتقياء، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته الأجلاء، وعلى السائرين على دربه والداعين بدعوته إلى يوم اللقاء، ما تعاقب الصبح والمساء، ومادام في الكون ظلمة وضياء.

 

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

عبـاد الله: كثيراً ما نغفل عن حقيقة الحياة، وأنها دار شقاء وعناء، ومرحلة نَصَب وتَعَب، متاعها قليل وكثيرها ضئيل، عيشها نكد وصفوها كدر، حلالها حساب وحرامها عقاب، لا تصفو لشارب ولا تبقى لصاحب، من استغنى فيها فُتِن ومن افتقر فيها حزن، من أحبها أذلته ومن تبعها أعمته، سرورها غرور وغناؤها عناء.

 

جُبِلَتْ على كَدَرٍ وأنت تَرُومُها *** صفواً من الأقذار والأكـدارِ

ومكلِّف الأيام ضِدّ طِباعِهـا  *** مَتَطَلِّبٌ في الماء جـذوة نـارِ

وإذا رَجَوتَ المستحيل فإنمـا *** تَبْنِي الرّجاء على شفيرٍ هـارِ

 

فهي لا تصفو لأحد، ولا تدوم لِمخلوق. سمع الْحَسَن البصري رجلاً يقول لآخر: لا أراك الله مكروهاً أبداً. فقال له: "دَعَوتَ الله له بالموت! فإن الدنيا لا تخلو عن المكروه". 

 

فكيف نثبت عند هذه المكاره كما أمرنا بذلك ديننا؟ وكيف نتجاوزها ونتغلب على آثارها؟ وكيف نعيد للنفس توازنها واستقرارها وهي تواجه أمواجا من الفتن المتلاطمة، ومرارة الواقع، والابتلاءات المتعددة، والأحداث المختلفة التي لا تخطر على بال، والتي نعيشها يومياً، تارة في النفس، وتارة في الأهل والولد، وأحياناً في وسائل العيش والكسب ومع الناس من حولنا ومع الصديق والقريب، ومع العدو وفي الأسرة والمجتمعات والأوطان؟ حروب وصراعات، وتفرق واختلافات، وأمراض وكوارث، ومصائب وابتلاءات، وظلم وبغي وفساد, قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:155–157]، وقال -تعالى-: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة:214]، وقال -تعالى-: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [آل عمران:186].

 

ولذلك؛ نحن محتاجون إلى تقوية الإيمان بالله في نفوسنا، وأن نتعاهد هذا الإيمان بالقيام بالفرائض وأداء الواجبات وقراءة القرآن والعمل به واتباع السنة، والاقتداء بالرسول -صلى الله عليه وسلم- والإكثار من النوافل وعمل الصالحات، والتفكر في مخلوقات الله وملكوته وقدرته، والشوق إلى جنة عرضها السموات والأرض، وترك التنافس على هذه الدنيا وشبهاتها وشهواتها. نحن محتاجون إلى كل ذلك لنتذوق حلاوة الإيمان والتي بها نستصغر هذه الدنيا ومصائبها وابتلاءاتها، وتطمئن قلوبنا وتأوي إلى ركن شديد.

 

أيها المؤمنون عباد الله: هذا الإيمان بحلاوته ينير الطريق، ويحقق الطمأنينة والراحة النفسية، ويباعد بين المؤمن والقلق والحيرة، والهم والحزن، والتمزق داخل النفس: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28]،  وقال -تعالى-: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيق) [الحج:31]،   قال الإمام النووي -رحمه الله-: قَالَ الْعُلَمَاءُ -رَحِمَهُمُ اللَّهُ-: مَعْنَى حَلَاوَة الْإِيمَانِ اسْتِلْذَاذُ الطاعات، وتحمل المشقات، في رضا اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَرَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَإِيثَارُ ذَلِكَ عَلَى عَرَضِ الدُّنْيَا، وَمَحَبَّة الْعَبْدِ رَبَّهُ -سبحانه وتعالى- بِفِعْلِ طَاعَتِهِ وَتَرْكِ مُخَالَفَتِهِ، وَكَذَلِكَ مَحَبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-.

 

إن حلاوة الإيمان تنفث في روع المؤمن وقلبه أن الله واحد لا شريك له، وأن كل شيء بقدرته وإرادته، وأنه يدبر أمور العباد، وأن الرزق بيده، والموت والحياة والسعادة والشقاء بيده، وأن المسلم يؤجر على صبره وثباته مع الحق في كل الظروف والأحوال، وأن الجنة هي دار القرار، وفيها الحياة الأبدية، وهو موقن أن "ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه" السلسلة الصحيحة. لو اجتمع أهل الأرض والسماوات على نفعه بغير ما كتب له فلن يستطيعوا، ولو اجتمعوا على منعه عما قدر له فلن يبلغوا، لا يهلك نفسه تحسراً، ولا يستسلم للخيبة والخذلان.

 

معاذ الله أن يتلمس الطمأنينة في القعود والذلة والتخاذل والكسل، بل كل مسارات الحياة ومسالكها عنده عمل وبلاء، وخير وعدل، وميدان شريف للمسابقات الشريفة، جهاد ومجاهدة في رباطة جأش، وتوكل وصبر وثقة بالله الذي بيده ملكوت السموات والأرض. قال مورق العجلي: "يا ابن آدم، تؤتى كل يوم برزقك وأنت تحزن، وينقص عمرك وأنت لا تحزن؟ تطلب ما يطغيك وعندك ما يكفيك؟". 

 

وظروف الحياة وابتلاءاتها مع حلاوة الإيمان لا تكدر له صفاءً ولا تزعزع له صبراً، "عجبا لأمر المؤمن! أمره كله خير؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، ولا يكون ذلك إلا لمؤمن" أخرجه مسلم.

 

بحلاوة الإيمان يتحرر المؤمن من الخوف والجبن والجزع والضجر، (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَـانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة:51]؛ لذا، فقد وجد بلال بن رباح -رضي الله عنه- حلاوة الإيمان في واقع مؤلم حينما كان يعذب من قبل قريش بعد إعلان كلمة التوحيد، وكان يعذب في رمضاء مكة، حيث إنه سئل: كيف صبرت يا بلال؟ قال: "مزجت حلاوة الإيمان بمرارة العذاب، فطغت حلاوة الإيمان على مرارة العذاب؛ فصبرت".

 

قال الشاعر :

ضع في يدي  القيد ألهب أضلعي *** بالسوط ضع عنقي على السكّين

لن تستطيع حصار فكري ساعةً *** أو نزع إيماني ونور يقيني

فالنور في قلبي وقلبي في يديْ *** ربّي وربّي ناصري ومعيني

سأعيش معتصماً بحبل عقيدتي *** وأموت مبتسماً ليحيا ديني

 

لما كانت ليلة الإسراء قال -صلى الله عليه وسلم-: "وجدت رائحة طيبة فقلت‏:‏ ما هذه الرائحة الطيبة يا جبريل‏؟‏ قال‏:‏ هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها، قلت: ما شأنها‏؟‏ قال‏:‏ بينما هي تمشط بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها فقالت‏:‏ بسم الله‏،‏ فقالت بنت فرعون‏:‏ أبي‏؟‏ فقالت‏:‏ لا ولكن ربي وربك ورب أبيك الله، قالت‏:‏ وإن لك ربا غير أبي‏؟‏ قالت‏:‏ نعم، قالت‏:‏ فأعلمه بذلك‏؟‏ قالت‏:‏ نعم، فأعلمته، فدعا بها فقال‏:‏ يا فلانة‏!‏ ألك رب غيري‏؟‏ قالت‏:‏ نعم، ربي وربك الله الذي هو في السماء، فأمر بقدر من نحاس فأحميت ثم أخذ أولادها يلقون فيها واحدا بعد واحد، فقالت‏:‏ إن لي إليك حاجة‏!‏ قال‏:‏ وما هي‏؟‏ قالت‏:‏ أحب أن تجمع عظامي وعظام أولادي في ثوب واحد فتدفننا جميعا‏!‏ قال‏:‏ ذلك لك لما لك علينا من الحق، فلم يزل أولادها يُلْقَوْن في القدر حتى انتهى إلى ابن لها رضيع، فكأنما تقاعست من أجله فقال لها‏:‏ يا أماه‏!‏ اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، ثم ألقيت مع ولدها" رواه أحمد والبزار وابن حبان والحاكم وغيرهم.

 

إنها حلاوة الإيمان، وبرد اليقين، والثقة بالله، والتوكل عليه؛ لقد كان الواقع مرا، بل أشد مرارة يتصورها إنسان، لقد كانت تستطيع أن تحول بينها وبين هذا العذاب وقتل أولادها وعذابهم بكلمة كفر تسمعها لفرعون أو حتى كلمة تجامله فيها، لكنها علمت أن الجزاء من جنس العمل، وأن ما عند الله خير وأبقى، وعلمت أن الدين لا يباع وأن العقيدة والقيم لا تشترى، وأن الباطل لا يمكن أن يصير حقّاً مهما علا ضجيجه وكثر أتباعه وأنصاره، وهكذا هو دين الله، وهكذا هم أتباعه في كل زمان ومكان، يفتنون في دينهم فيثبتون عليه، وأن ما عند الله خير وأبقى وأن الجنة هي دار القرار، مزجت ذلك كله بمرارة الواقع الذي تعرضت له فكان الثبات، وكانت الجنة، وكانت الرائحة الطيبة تملأ السموات.

 

فحلاوة الإيمان تنسيك كلَّ أَلَمٍ وتَعبٍ ونَصَبٍ، لمَّا دخلَ شيخُ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إلى سجن القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال: (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)، قال تلميذه ابن القيم -رحمه الله-: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: ما يَصنعُ أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أَيْنَما رُحتُ فهي معي لا تفارِقُني، إنَّ حَبْسي خلْوة، وقتلي شهادة، وإخراجي مِن بلدي سياحة. وكان يقولُ في محبسه في القلعة: لو بَذلتُ مِلءَ هذه القلعةِ ذهَباً ما عَدَل عندي شكرَ هذه النعمة.

 

حلاوة الإيمان تبني الأمل في النفوس، فالظلم لا يدوم، والمريض سيشفى، والغائب سيعود، والرزق سيأتي، والموت بتقدير الله وحده، والأمنيات سيحققها الله، فإن كان ذلك في الدنيا فبفضل الله وحده، وإلا فإن المؤمن مأجور شرعاً بتعبده لله بالصبر والشكر والعمل؛ لينال الجزاء الأعظم والخلود الأبدي في جنات تجرى من تحتها الأنهار، قال -تعالى-: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد:23-24]. 

 

وقد صور لنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - قلة متاع الدنيا بالنسبة إلى نعيم الآخرة بمثال ضربه فقال: "والله! ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه -وأشار بالسبابة- في اليم، فلينظر بم يرجع".

 

اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً، ووفقنا لعبادتك، واستعملنا في طاعتك.

 

قلت قولي هَذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 

 

الخطــبة الثانـية:

 

عبـــــاد الله: إننا بحاجة إلى حلاوة الإيمان بالله في زمن فسدت فيه القيم والأخلاق، وتجرّأ الناس فيه على المعاصي والسيئات، وارتكبت المحرمات وسفكت الدماء وانتهكت الأعراض، وتعدى المسلم على أخيه المسلم، إننا بحاجة إلى هذا الإيمان لنتجاوز المحن والفتن والابتلاءات وقد حفظنا ديننا وأخوتنا وأوطاننا ومجتمعاتنا، إننا بحاجة إلى تقوية هذا الإيمان في قلوبنا حتى نشعر بمعية الله وتوفيقه، وحتى لا تطول تعاستنا ويزداد شقاؤنا وتكثر همومنا ومشاكلنا.

 

وحلاوة الإيمان لا تنال إلا بطاعة الله، وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وحب المسلم لأخيه المسلم، عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ" رواه مسلم. فأين نحن من هذه الثلاث؟ هل حب الله ورسوله في قلوبنا أحب إلينا من الدينار والدرهم والمنصب والجاه والأهل والأولاد؟ وأين نحن من حب المسلم لأخيه المسلم؟ ذلك الحب الذي ليس فيه مصلحة ولا منفعة وليس له حدود أو وطن جغرافي أو مكان محدد؟ بل يحب المسلم من شهد شهادة التوحيد وعمل بمقتضاها من أي جنس أو بلد أو لغة، فتكون هذه الأمة كالجسد الواحد، بينهم حب وتراحم وتعاطف وبذل وإيثار, دماؤهم مصونة، وأعراضهم محفوظة، وهم يد واحدة على من سواهم، ولا يوالون عدواً، ولا ينصرون باغياً.

 

أما أن يرجع بأسهم بينهم، وتسفك دماؤهم بأيديهم، ويوالون أعداء الله، وينصرون الظلمة، ويسكتون على قول الحق، فذلك ليس من الإيمان في شيء، ولن نجد بسبب ذلك حلاوة الإيمان.

 

وهل نحن متمسكون بديننا محافظون على تعليمه، أم أننا بدلنا وغيرنا ذلك بتعاليم الجاهلية والعصبية واتباع الهوى وقوانين الشرق والغرب؟ قال -تعالى-: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء:65].

 

عبـــــاد الله: عودوا إلى دينكم، وتعاهدوا الإيمان في قلوبكم، وأدوا فرائضكم، وقوّوا أخوتكم؛ تتغير أحوالكم، وتتنزل عليكم رحمات ربكم، وتحفظ بلادكم وأوطانكم، وتنتصروا على واقعكم المؤلم، قال -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82]، وقال -تعالى-: ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) [طـه:112].

 

ثم اعلموا أن بعد العسر يسراً، وبعد الشدة فرجاً ومخرجا؛ فثقوا بالله، وتوكلوا عليه.

 

إذا اشتملت على اليأس القلوبُ *** وضاق لما به الصدر الرحيبُ

وأوطأت المكـاره واطمأنت  ***  وأرست في أماكنها الخطوبُ

ولم تر لانكشاف الضر وجهاً  ***  ولا أغـنى بحيلته الأريـبُ

أتاك على قـنوط منك غوثٌ  ***  يمنّ به اللطـيف المستجيبُ

وكـل الحادثات وإن تـناهت  ***  فموصول بها الفرج القريبُ

 

اللهم أصلح شأن المسلمين, ويسر أمورهم, اللهم اجعل لأمة الإسلام من كل هم فرجاً, ومن كل ضيق مخرجاً, ومن كل عسر يسراً, ومن كل بلاء عافية.

 

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

المرفقات

الإيمان ومرارة الواقع

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات