السؤال:
السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من ليبيا، باعث الرسالة مستمع من هناك هو (منذر . أ. أ)، أخونا منذر يقول: سمعت مؤخراً أن من لم يكفر الكافر أو يشك في كفره؛ فهو كافر، كما أن من يشك في كفر تارك الصلاة أو المستهزي بحد من حدود الله؛ فهو كافر، فهل هذا صحيح؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فقد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على وجوب البراءة من المشركين، واعتقاد كفرهم، متى علم المؤمن ذلك، واتضح له كفرهم وضلالهم، كما قال الله تعالى في كتابه العظيم: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف:26-28]، أي: لعلهم يرجعون إليها في تكفير المشركين والبراءة منهم، والإيمان بأن الله هو المعبود بالحق سبحانه، وقال تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4]، فهذا هو دين إبراهيم وملة إبراهيم والأنبياء جميعاً، البراءة من عابد غير الله، واعتقاد كفرهم وضلالهم، حتى يؤمنوا بالله وحده سبحانه.
فالواجب على المسلم أن يتبرأ من عابد غير الله، وأن يعتقد كفرهم وضلالهم، حتى يؤمنوا بالله وحده سبحانه كما حكى الله عن إبراهيم والأنبياء جميعاً، وهكذا قوله سبحانه: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:256]، والكفر بالطاغوت: معناه البراءة من عبادة غير الله واعتقاد بطلانها، وأن الواجب على كل مكلف أن يعبد الله وحده، وأن يؤمن به، ويعتقد أنه سبحانه هو المستحق للعبادة، وأن ما عبده الناس من دون الله من أصنام أو أشجار أو أحجار أو أموات أو جن أو ملائكة أو كواكب أو غير ذلك؛ أنه معبود بالباطل، قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62]، الآية من سورة الحج.
فالمؤمن إذا علم أن فلاناً يعبد غير الله؛ وجب عليه البراءة منه، واعتقاد بطلان ما هو عليه، وتكفيره بذلك إذا كان ممن بلغته الحجة، ممن كان بين المسلمين، أو علم أنه بلغته الحجة، كما قال الله سبحانه: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، وقال تعالى: هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ [إبراهيم:52]، فالله أوحى القرآن إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، وجعله بلاغاً للناس، فمن بلغه القرآن أو السنة، ولم يرجع عن كفره وضلاله؛ وجب اعتقاد بطلان ما هو عليه وكفره.
ومن هذا: الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به؛ إلا كان من أهل النار، فبين عليه الصلاة والسلام أنه متى بلغه ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم، ثم مات ولم يؤمن بذلك؛ صار من أهل النار، يعني: صار كافراً من أهل النار؛ لكونه لم يستجب لما بلغه عن الله وعن رسوله.
وهذا هو معنى قوله سبحانه: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، وقوله سبحانه: هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ [إبراهيم:52].
وفي الصحيح -صحيح مسلم - عن طارق بن أشيم رضي الله عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله؛ حرم ماله ودمه، وفي لفظ آخر: من وحد الله، وكفر بما يعبد من دون الله؛ حرم ماله ودمه، فجعل تحريم الدم والمال مربوطاً بقوله: لا إله إلا الله، وبتوحيده الله، وكفره بالطاغوت، فلا يحرم ماله ودمه حتى يوحد الله، وحتى يكفر بالطاغوت، يعني: حتى يكفر بعبادة غير الله، الطاغوت: كل ما عبد من دون الله، يعني: حتى يكفر بعبادة غير الله، ويتبرأ منها، ويعتقد بطلانها.
وهو معنى الآية الكريمة السابقة: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:256]، والذي يعلم الكافر وما هو عليه من الباطل، ثم لا يكفره، أو يشك في كفره؛ معناه: أنه مكذب لله ورسوله، غير مؤمن بما حكم الله عليه من الكفر، فـاليهود والنصارى كفار بنص القرآن ونص السنة.
فالواجب على المكلفين -من المسلمين- اعتقاد كفرهم وضلالهم، ومن لم يكفرهم، أو شك في كفرهم؛ يكون مثلهم؛ لأنه مكذب لله ورسوله، شاك بما أخبر الله به ورسوله.
وهكذا من شك في الآخرة، شك ما يدري: هو هنا جنة وإلا ما هنا جنة؟ هنا نار وإلا ما هنا نار، هنا بعث وإلا ... ، يعني: عنده شك: هل هناك بعث ونشور؟ هل يبعث الله الموتى؟ هل هناك جنة؟ هل هناك نار؟ ما عنده إيمان يقين، عنده شك؛ هذا يكون كافراً، حتى يؤمن بالبعث والنشور، وبالجنة والنار، وأن الله أعد الجنة للمتقين المؤمنين، وأعد النار للكافرين، لا بد من الإيمان بهذا، بإجماع المسلمين.
وهكذا من شك في أن الله يستحق العبادة؛ يكون كافراً بالله تعالى، فإن الله سبحانه يقول: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62]، ويقول سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23].. إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] .. وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، والآيات في هذا كثيرة.
وهكذا من شك في الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: لا أعلم أن محمد رسول الله، أو ما هو برسول الله، ما ... عندي شك؛ يكون حكمه حكم من أنكر رسالته، أو كذب به؛ يكون كافراً حتى يؤمن يقيناً أن محمداً رسول الله، وهكذا المرسلون الذين بينهم الله: كـنوح وهود وصالح وموسى وعيسى وإبراهيم ونحوهم، من شك في رسالتهم أو كذبهم؛ يكون كافرا نسأل الله العافية.
وهكذا من استهزأ بالدين، من سب الدين أو استهزأ بالدين؛ يكون كافراً، كما قال تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66]، والذي يسب الدين ويسب الرسول، مثل المستهزئ أو أقبح وأكفر.
أما من ترك الصلاة ولم يجحد وجوبها، فهذا فيه خلاف بين العلماء: منهم من يرى تكفيره -وهو الصواب- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فمن تركها فقد كفر، وقوله صلى الله عليه وسلم: بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة، وقال آخرون من أهل العلم: إنه لا يكفر بذلك، إذا كان لا يجحد وجوبها، بل يكون عاصياً، ويكون كافراً كفراً دون كفر، وشركاً دون شرك، لكن لا يكون كافراً كفراً أكبر، هذا قاله جمع من أهل العلم، ومن شك في كفر هذا ما يكون كافرا؛ لأجل الخلاف الذي فيه، من شك في كفر تارك الصلاة ولم يجحد وجوبها؛ ما يكون كافراً، بل هذا محل اجتهاد، محل اجتهاد بين أهل العلم، فمن عرف بالأدلة الشرعية أنه كافر؛ وجب عليه تكفيره، ومن شك في ذلك ولم تظهر له الأدلة، ورأى أنه لا يكفر كفراً أكبر بل كفر أصغر؛ هذا معذور في اجتهاده، ولا يكون كافراً بذلك، أما من جحد وجوبها، وقال: الصلاة غير واجبة؛ فهذا كافر عند الجميع؛ ومن شك في كفره فهو كافر نعوذ بالله.
وهكذا من قال: إن الزكاة لا تجب وجحد وجوبها، أو صيام رمضان جحد وجوبه، أو قال: إن الحج مع الاستطاعة لا يجب؛ فهذا يكفر بذلك؛ لأنه مكذب لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، ومكذب لإجماع المسلمين؛ فيكون كافرا، ومن شك في كفره فهو كافر، بعدما يبين له الدليل ويوضح له الأمر يكون كافراً بذلك؛ لكونه كذب الله ورسوله، وكذب إجماع المسلمين.
وهذه أمور عظيمة يجب على طالب العلم التثبت فيها، وعدم العجلة فيها؛ حتى يكون على بينة وعلى بصيرة، وهكذا العامة: يجب عليهم أن يتثبتوا، وأن لا يقدموا على شيء حتى يسألوا أهل العلم وحتى يتبصروا؛ لأن هذه مسائل عظيمة، مسائل تكفير ليست مسائل خفيفة، بل مسائل عظيمة.
فالواجب على أهل العلم وعلى طلبة العلم أن يوضحوها للناس بالأدلة الشرعية، والواجب على من أشكل عليه شيء أن لا يعجل، وأن ينظر في الأدلة، وأن يسأل أهل العلم؛ حتى يكون على بصيرة وعلى بينة في ذلك، رزق الله الجميع التوفيق والهداية والعلم النافع والعمل الصالح.
المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم