حق الجار

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ الإنسان كائن اجتماعي بطبعه 2/ أهمية الجار في القرآن والسنة 3/ حد الجوار 4/ الجار حقه عظيم 5/ صور من إيذاء الجار وحكم الذي يؤذي جيرانه 6/ حفظ الجوار من مكارم الأخلاق 7/ كيف يكون الإحسان إلى الجار؟

اقتباس

إن الناس في حياتهم يستأنس بعضهم ببعض، ويقرب بعضهم من بعض، ولهذا تجد أن الناس منذ أن أنزل الله آدم وزوجه وهم يقطنون متقاربين، ليحمي بعضهم بعضًا، ويأنس بعضهم ببعض، ويتعلم بعضهم من بعض، ويستفيد بعضهم من بعض، ولما كان ذلك مما فطر الله عليه الناس، نظم لهم ذلك في الشريعة، فحث على تطبيق حقوق الجار، ومن هذا المنطلق سنتحدث في هذه الخطبة عن حقوق الجار التي عُدم كثيرٌ منها في هذه الأزمان، وقل في الناس من يراعي حقوق الجار كما يريد الله –سبحانه- منا...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله ....

 

أما بعد فيا أيها المسلمون:

 

إن الناس في حياتهم يستأنس بعضهم ببعض، ويقرب بعضهم من بعض، ولهذا تجد أن الناس منذ أن أنزل الله آدم وزوجه وهم يقطنون متقاربين، ليحمي بعضهم بعضًا، ويأنس بعضهم ببعض، ويتعلم بعضهم من بعض، ويستفيد بعضهم من بعض، ولما كان ذلك مما فطر الله عليه الناس، نظم لهم ذلك في الشريعة، فحث على تطبيق حقوق الجار، ومن هذا المنطلق سنتحدث في هذه الخطبة عن حقوق الجار التي عُدم كثيرٌ منها في هذه الأزمان، وقل في الناس من يراعي حقوق الجار كما يريد الله –سبحانه- منا.

 

معاشر المسلمين: لقد ذكر الله حق الجار في القرآن، لعظيم شأنه فقال: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) [النساء: 36].

 

قال ابن حجر: "والجار القريب من بينهما قرابة والجار الجنب بخلافه، وهذا قول الأكثر وأخرجه الطبري بسند حسن عن ابن عباس، وقيل: الجار القريب المسلم، والجار الجنب غيره، وأخرجه أيضًا الطبري عن نوف البكالي أحد التابعين، وقيل: الجار القريب المرأة والجنب الرفيق في السفر". اهـ.

 

وقال: "اختُلف في حد الجوار فجاء عن علي -رضي الله عنه- من سمع النداء فهو جارٌ، وقيل: من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار، وعن عائشة: "حد الجوار أربعون دارا من كل جانب"، وعن الأوزاعي مثله، وأخرج البخاري في الأدب المفرد مثله عن الحسن.

 

 وللطبراني بسند ضعيف عن كعب بن مالك مرفوعا: "ألا إن أربعين دارًا جار"، وأخرج ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب "أربعون دارًا عن يمينه وعن يساره ومن خلفه ومن بين يديهوهذا يحتمل كالأولى، ويحتمل أن يريد التوزيع فيكون من كل جانب عشرة". اهـ.

 

معاشر المؤمنين: إن كل من أطلق عليه اسم الجار فله حق أيًّا كان جنسه ونوعه.

قال أهل العلم: واسم الجوار يعم المسلم والعدل والقريب والبلدي والنافع وأضدادهم، وله مراتب بعضها أعلا من بعض، فأعلاها من جمع صفاتِ الكمال ثم أكثرَهَا. اهـ.

 

ومن فضل الجار أن الشارع الحكيم جعله ميزانا يُوزن به الجار صلاحه وفساده، أخرج أحمد من حديث ابن مسعود قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سمعت جيرانك يقولون: قد أحسنتَ فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت فقد أسأت".

 ‌

أخرج الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره".

 ‌

بل عد النبي -صلى الله عليه وسلم- الجار الصالح من السعادة، وجار السوء من الشقاء؛ أخرج الحاكم في مستدركه من حديث سعد قال -صلى الله عليه وسلم-: "أربع من السعادة: المرأة الصالحة والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء، وأربع من الشقاء: المرأة السوء، والجار السوء، والمركب السوء والمسكن الضيق".

 ‌

ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ بالله من جار السوء ويأمر بالاستعاذة منه، أخرج النسائي من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "تعوذوا بالله من جار السوء في دار المقام، فإن الجار البادي يتحول عنك".

 

روى البيهقي بسنده عن الحسن قال: قال لقمان: "يا بني حملت الجندل والحديد وكل ثقيل فلم أحمل شيئاً أثقل من جار السوء".

 

أيها المؤمنون: ومع هذا، فمن ابتلي بجار سوء فعليه أن يصبر وأن ينصح له؛ فإن ذلك من حقه عليه، حتى يقضي الله بينهما، ولهذا أخبر المصطفى أن الله يحب الجار الذي يصبر على أذى جاره، أخرج أحمد من حديث أبي ذر قال -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يشنؤهم الله: وذكر من الثلاثة الذين يحبهم الله: الرجل يكون له الجار يؤذيه فيصبر على أذاه حتى يفرق بينهما موت أو ظعن".

 ‌

ولما جاء رجل إلى ابن مسعود فقال له: إن لي جارا يؤذيني ويشتمني ويضيق عليّ، فقال "اذهب فإنه عصى الله فيك فأطع الله فيه".

 

عباد الله: إن الجار حقه عظيم، ولهذا كان جبريل -عليه السلام- يكثر من الوصاية بالجار حتى ظن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أن الله سيجعل للجار نصيبًا مقدّرًا في ميراث جاره؛ أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة قال –صلى الله عليه وسلم-: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه".

 ‌

وأوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- الجار بأن يصل جاره بالهدية، وكذا في المأكل والمشرب، أخرج مسلم من حديث أبي ذر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "يا أبا ذر! إذا طبخت فأكثر المرق وتعاهد جيرانك".

 ‌

وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "يا نساء المسلمات! لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة".

 

اللهم أعنا على أداء حق الجار على الوجه الذي يرضيك عنا، أقول قولي هذا ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ....

 

أما بعد فيا أيها الناس: وعودا على بدء؛ فإن من عظيم حق الجار أن الشارع الحكيم نفى الإيمان عن الجار الذي يؤذي جاره؛ أخرج الحاكم من حديث ابن عباس قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه". ‌

 

وقد تُوعِّد مؤذي الجار بالنار أخرج أحمد من حديث أبي هريرة قال: قال رجل: يا رسول الله! إن فلانة يُذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: "هي في النار"، قال: يا رسول الله فان فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها وأنها تصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها بلسانها قال: "هي في الجنة".

 

وعلى العكس جعل المحسن إلى جاره من المؤمنين، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره".

 

أيها المسلمون: إن من أعظم الأذية انتهاك عرض الجار، وذلك بالاعتداء على زوجه وولده إما بالضرب أو بما لا يليق خُلقًا، وبالاطلاع على عوراته، وكشف ستره بالنظر إليه وإلى أهله سرًّا وهم لا يعلمون.

 

 أخرج البخاري من حديث أبي شريح قال -صلى الله عليه وسلم-: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن" قيل من يا رسول الله؟؛ قال: "الذي لا يأمن جاره بوائقه" يعني غدرَه واعتداءه سرًّا، وذلك أن المطلوب منه نصرُه وستر عيوبه وخلله، فإذا جاء خلافُه عظمت المصيبة.

 

ولقد كان حفظ الجوار من مكارم الأخلاق حتى في الجاهلية قال عنترة:

وأغض طرفي إن بدت لي جارتي ***حتى يواري جارتي مأواها

 

وقال حاتم الطائي:

ناري ونار الجار واحدة *** وإليه قبلي تنزل القدر

ما ضر جارا لي أجاوره*** أن لا يكون لبابه ستر

أغضي إذا ما جارتي برزت ***حتى يواري جارتي الخدر

 

وأنشد أحمد الحراني:

والجار لا تذكر كريمة بيته ***واغضب لابن الجار إن هو أغضبا

واحفظ أمانته وكن عزا له *** أبدا وعما ساءه متجنبا

كن لينا للجار واحفظ حقه***كرما ولا تك للمجاور عقربا

 

ولو تساءل المسلم: ما الإحسان الذي يكون للجار، نقول: اسمع ابن حجر يصف ذلك قال ابن حجر: "وقد ورد تفسير الإكرام والإحسان للجار وترك أذاه في عدة أحاديث أخرجها الطبراني من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده والخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وأبو الشيخ في كتاب التوبيخ من حديث معاذ بن جبل قالوا: يا رسول الله: ما حق الجار على الجار؟ قال: "إن استقرضك أقرضته، وإن استعانك أعنته، وإن مرض عدته، وإن احتاج أعطيته، وإن افتقر عدت عليه، وإن أصابه خير هنيته، وإن أصابته مصيبة عزيته، وإذا مات اتبعت جنازته، ولا تستطيل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذيه بريح قِدْرك إلا أن تغرف له، وإن اشتريت فاكهة فأهدِ له، وإن لم تفعل فأدخلها سرًّا، ولا تُخرِج بها ولدك ليغيظ بها ولده وألفاظهم متقاربة والسياق أكثره لعمرو بن شعيب وفي حديث بهز بن حكيم "وإن أعوز سترته"، وأسانيدهم واهية لكن اختلاف مخارجها يشعر بأن للحديث أصلاً، ثم الأمر بالإكرام يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فقد يكون فرض عين، وقد يكون فرضَ كفاية، وقد يكون مستحبا، ويجمع الجميع أنه من مكارم الأخلاق". اهـ.

 

أيها المؤمنون: لنحفظ حق الجار الذي أصبح كثير منا لا يعرف جاره، ولا يعرف اسمه، فضلا عن أن يُحسن إليه، ويتشاجر الجاران ربما بسبب شجار أطفال أو شيء تافه، وما ذاك إلا لقلة معرفة حق الجار.

 

اللهم أحسن جوارنا في الدنيا والآخرة، اللهم وفقنا للعمل بما يرضيك وجنبنا ما يسخطك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين.. اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين.. اللهم وفقنا لهداك..

 

 

 

المرفقات

الجار3

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات