عناصر الخطبة
1/ اختصاص يوم الجمعة بأمة الإسلام 2/ تحذير المسلمين من الاغترار بالغرب 3/ بعض ميزات يوم الجمعة 4/ أهمية تعظيم هذا اليوم وإعطائه قدرهاقتباس
حقيقة يجب أن تعمل الأمة من أجلها, هذه الأمة عندما تلتزم بكتاب الله -تعالى- وبهدي سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- تكون متبوعة لسائر الأمم, ولن تكون تابعة لأمة من الأمم, وخاصة من ..
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: إن يوم الجمعة يومُ عيد المسلمين, أكرم الله -عز وجل- به أمة سيدنا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, بعد أن أضلَّ عنه اليهود والنصارى؛ جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة وحذيفة -رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "أَضَلَّ اللَّهُ عَنْ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا, فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ, وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الأَحَدِ, فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا اللَّهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ, فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالأَحَدَ, وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ, نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا, وَالأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الخَلَائِقِ" [رواه مسلم].
وفي رواية عند ابن ماجة: "أَضَلَّ اللَّهُ عَنْ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا, كَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ, وَالأَحَدُ لِلنَّصَارَى, فَهُمْ لَنَا تَبَعٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ, نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا, وَالأَوَّلُونَ الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الخَلائِقِ".
يا عباد الله: تفكَّروا في قول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "فَهُمْ لَنَا تَبَعٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
هذه حقيقة يجب أن تعمل الأمة من أجلها, هذه الأمة عندما تلتزم بكتاب الله -تعالى- وبهدي سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- تكون متبوعة لسائر الأمم, ولن تكون تابعة لأمة من الأمم, وخاصة من ضربت عليهم الذلَّة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله, لن تكون تابعة لأمة لعنت على لسان داود وعيسى بن مريم -عليهما الصلاة والسلام-؛ كما قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ) [المائدة: 78].
ولن تكون هذه الأمة متبوعة إلا بعودتها إلى كتاب الله -تعالى- والعمل به؛ لأن الله -تعالى- شهد لها بالخيريَّة عندما كانت ملتزمة, قال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) [آل عمران: 110].
يا عباد الله: كونوا على بصيرة من أمركم, ولا تغترُّوا بالغرب الذي يزعم أنه يدافع عن حقوق الإنسان, والله الذي لا إله غيره ما هي إلا حرب على الإسلام والمسلمين, ما هي إلا حرب صليبية, وربُّنا -عز وجل- بيَّن لنا ببيان واضح في القرآن بقوله تعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) [البقرة: 120].
عليكم -يا عباد الله- أن تنضبطوا بضوابط الشريعة, واحذروا الهوى, واسمعوا إلى ورَّاث سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, اسمعوا للعلماء الربَّانيِّين, العاملين بما علموا, الذين لا يخشون في الله لومة لائم, الذين جعلوا هدفهم: إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي, اسمعوا لعلمائكم الذين يحرصون على سلامة دينكم ودنياكم, فالله -تعالى- أمرنا جميعاً بقوله: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [الأنبياء: 7].
عظِّموا ورَّاث سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, واحذروا ممن يطعن فيهم؛ لأن الناس إذا انفضوا عن علمائهم اتخذروا رؤوساً جهالاً فضلُّوا وأضلُّوا.
أيها الإخوة الكرام: هذا اليوم العظيم الذي أكرمنا الله -عز وجل- به له ميزات ربما أن يكون الكثير من المسلمين في حالة غفلة عنها, من ميزات يوم الجمعة:
أولاً: يوم الجمعة هو خير الأيام, روى الإمام مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ, فِيهِ خُلِقَ آدَمُ, وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ, وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا, وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ".
ثانياً: يوم الجمعة هو يوم المغفرة, روى الإمام مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "مَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ, فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ, ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ, ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ, غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى, وَفَضْلُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ".
وروى الإمام البخاري عن سلمان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "لا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ, وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ, وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ, ثُمَّ يَخْرُجُ فَلا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ, ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ, ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ, إِلا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى".
ثالثاً: يوم الجمعة يومٌ عظيم أجره, روى الإمام أحمد وأبو داود عن أوس بن أوس الثقفي -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- يقول: "مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ, ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ, وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ, وَدَنَا مِنْ الإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ, كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا".
رابعاً: يوم الجمعة هو يوم الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, روى الإمام أحمد وأبو داود في سننه عن أوس بن أوس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ, فِيهِ خُلِقَ آدَمُ, وَفِيهِ قُبِضَ, وَفِيهِ النَّفْخَةُ, وَفِيهِ الصَّعْقَةُ, فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلاةِ فِيهِ, فَإِنَّ صَلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ, قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ -يَقُولُونَ بَلِيتَ-؟ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ -عز وجل- حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ".
خامساً: يوم الجمعة فيه ساعة الاستجابة, روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: "فِيهِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ".
سادساً: يوم الجمعة هو اليوم الذي يُشفق منه كلُّ مخلوق ما عدا الثقلين, روى الإمام أحمد وابن ماجة عن أبي لبابة بن عبد المنذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الأَيَّامِ وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ, وَهُوَ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ, فِيهِ خَمْسُ خِلالٍ: خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ, وَأَهْبَطَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ إِلَى الأَرْضِ, وَفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ, وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا الْعَبْدُ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ, مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا, وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ, مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلا سَمَاءٍ وَلا أَرْضٍ وَلا رِيَاحٍ وَلا جِبَالٍ وَلا بَحْرٍ إِلا وَهُنَّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ".
وفي رواية: "إلا الثقلين: الجن والإنس".
ففي يوم الجمعة تقوم الساعة التي وصفها ربُّنا -عز وجل- بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد) [الحج: 1 - 2].
والعجيب أن جميع المخلوقات غير المكلَّفة تخاف من أهوال يوم القيامة الذي يكون يومَ الجمعة؛ كما أخبر سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- إلا الإنس والجن, وهم المكلَّفون والمحاسبون يوم القيامة!
يا عباد الله: هذا هو يوم الجمعة كما يعرِّفنا عليه سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, هذا هو يوم الجمعة في ديننا, يوم الجمعة يومُ عيد, ويومُ أنس وفرحة للأسرة, ويومُ راحة واستجمام, يومٌ يجتمع فيه أفراد الأسرة, ويومُ إقبال على الله -تعالى-, ويومُ أمنٍ وأمان, ويومُ صلاة وسلام على سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, ويومٌ ينادي فيه المنادي: (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الجمعة: 9] يومٌ ليلته زهراء, ويومه أغرُّ.
لذلك كان من الواجب على الأمة أن تعظِّم هذا اليوم المعظَّم عند الله, قال تعالى: (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32].
ولكن ما الذي حصل؟
لقد جُعل يوم الجمعة وخاصة عند صلاة الجمعة يومَ رعب وخوف واضطراب, لقد دخل الرعب والخوف إلى قلوب النساء والأطفال والرجال العقلاء, خوفاً من سفك الدماء, خوفاً من تيتُّم الأطفال وترميل النساء, خوفاً من الفوضى, خوفاً من الأشرار والفجار الذين يستغلون هذه الأوقات للفساد والإفساد.
لقد تحوَّل يوم الخير والبركة والسعادة والطمأنينة إلى خوف ورعب وخشية من سفك الدماء, بالله عليكم هل هذا يرضي ربَّنا -عز وجل-؟
ماذا سنقول لربِّنا -عز وجل- إذا كان الواحد منا سبباً لترك صلاة الجمعة من قبل بعض المسلمين؟
يا عباد الله: أناشدكم الله -تعالى-, ارجعوا إلى كتاب ربِّكم -عز وجل-, وإلى هدي نبيِّكم -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, وضعوا أموركم كلَّها في ميزان الإسلام, فإن أبيتم لا قدر الله -بسبب سوء الظن بالعلماء العاملين بأنهم باعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل- فلا أقلَّ أن تضعوا أموركم في ميزان العقل السليم الذي يبحث عن الخير والسعادة والحرية والكرامة، والوصول إلى الحق, وأن يقدِّر المفسدة والمصلحة تقديراً صحيحاً سليماً, وبعدها يرجِّح المصلحة على المفسدة.
أقول هذا القول, وأستغفر الله العظيم لي ولكم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم