عناصر الخطبة
1/حقيقة الإيمان وخطر النفاق 2/بعض آثار الإيمان وعلاماته 3/بعض صور ومظاهر ضعف الإيمان لدى المسلميناقتباس
الإيمان عقيدة راسخة، قبل كل شيء، تنتج قولا سديدا، وعملا صالحا. تنتج الحب لله ورسوله، والإخلاص في توحيد الله، واتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم-. الإيمان جد وعمل، ومثابرة ومصابرة، وحبس للنفس على ما تكره من طاعة الله، ومنع لها عما تحب من معصية الله. إن للإيمان...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي يقضي بالحق، ويحكم بالعدل، ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، يقدر الأمور بحكمة، ويحكم بالشرائع لحكمة وهو الحكيم العليم.
أرسل الرسل: (مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ)[البقرة:213].
وليقوم الناس بالقسط، ويؤتوا كل ذي حق حقه، من غير غلو ولا تقصير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وانصروا الله ينصركم وأطيعوه يثبتكم: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)[الحج: 40 - 41].
أيها الناس: إن الإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلب، ورسخ فيه، وصدقته الأعمال بفعل الطاعات، واجتناب المعاصي.
إن كل واحد يستطيع أن يقول: إنه مسلم، بل يرتقي إلى أعلى، ويقول: إنه مؤمن.
كل واحد يستطيع أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله.
المنافقون، وهم في الدرك الأسفل من النار، يذكرون الله.
المنافقون يأتون إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقولون: (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ)[المنافقون:1].
المنافقون يحلفون للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه: إنهم لمنهم وما هم منهم.
ولكن كل هذه الشهادات والأيمان لم تنفعهم، فهم في الدرك الأسفل من النار، تحت كل مشرك، وكل دهري، وكل يهودي، وكل نصراني؛ لأن هذه الشهادات والأيمان لم تصدر عن يقين وإيمان، ولا عن قبول وإذعان: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ)[البقرة: 8].
فالإيمان عقيدة راسخة، قبل كل شيء، تنتج قولا سديدا، وعملا صالحا.
تنتج الحب لله ورسوله، والإخلاص في توحيد الله، واتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
الإيمان جد وعمل، ومثابرة ومصابرة، وحبس للنفس على ما تكره من طاعة الله، ومنع لها عما تحب من معصية الله.
إن للإيمان علامات كثيرة، ذكرها الله في كتابه، وذكرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سنته؛ نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)[الأنفال: 2 – 4].
ونذكر أيضا قوله تعالى: (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ * أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ)[التوبة: 124 - 126].
فبالله عليكم -أيها المسلمون-: من منا بهذه المثابة؟
من منا إذا ذكر الله وجل قلبه خوفا من الله، وتعظيما له؟
من منا إذا تليت عليهم آيات ربهم زادتهم إيمانا، واستبشروا بها لما يجدون في نفوسهم من حلاوة التصديق بها، والامتثال لأحكامها؟
من منا قام بتحقيق التوكل على الله، والاعتماد عليه، وعدم التعلق بالمخلوقين؟
من منا أقام الصلاة على الوجه المطلوب، بالمحافظة عليها، واتقان حدودها؟
من منا قام بالإنفاق مما رزقه الله، من بذل زكاة، وسد حاجة الأهل والأقارب والمعوزين؟
لنفكر -أيها الناس-: في حال المسلمين، إننا إذا فكرنا في حال المسلمين اليوم لا في هذه الجزيرة فحسب، ولكن في جميع البلاد الإسلامية نجد مسلمين بلا إسلام، ومؤمنين بلا إيمان، إلا أن يشاء الله.
نجد ذلك من القمة إلى من لا يجد اللقمة، الكل مقصر، والكل غير قائم بما يجب عليه من حقوق لله -تعالى-، أو لعباد الله.
إننا نجد في الأمة الإسلامية تقصيرا في الإيمان واليقين، ونجد تقصيرا في الأخلاق الفاضلة، وحمايتها، ونجد تقصيرا في الأعمال.
إننا نجد تقصيرا في الإيمان واليقين؛ لأننا نجد بعص الناس، ولا سيما بعض من عاش فترة في بلاد الكفر، ونهل من صديد أفكارهم الملوثة، وثقافتهم المزيفة، نجد في هؤلاء من في قلوبهم شك وريب، فيما أخبر الله به ورسوله من أمور الغيب، تجدهم في شك من وجود الملائكة، وفي شك من وجود الجن، وفي شك من صحة رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-، لا، بل بعضهم في شك من وجود الله -تعالى- وجود خالقه، سبحان الله!.
يشك في وجود خالقه، ولا يشك في وجود نفسه.
إن كل من شك في وجود الله، يجب أن يشك في وجود نفسه أولا؛ لأنه لم يخلقه أحد سوى الله -عز وجل-.
نجد من المسلمين اليوم من إذا ذكر الله عنده لم يتحرك قلبه أبدا، ولا كأن شيئا ذكر عنده، فضلا عن أن يوجل قلبه.
نجد من المسلمين اليوم من إذا تليت عليهم آيات الله لم يزدادوا إيمانا، بل يزدادون رجسا إلى رجسهم، فيسخرون بها، ويستكبرون عن أحكامها.
نجد من المسلمين اليوم من لا يتوكلون على الله -تعالى-، وإنما يعتمدون على الأسباب المادية المحضة، اعتمادا كليا، ولهذا تجدهم لا يسيرون في طلب رزقهم على شريعة الله، ظنا منهم أن الأخذ بالطرق الشرعية يضيق موارد الرزق، فلذلك تجدهم يسعون لتحصيل الرزق بكل وسيلة، حلالا كانت أم حراما.
وتجد من المسلمين اليوم من اعتمد على أعداء الله في أمنه وسلامه، حتى آل الأمر بهم إلى أن أطاعوهم في بعض الأمور المخالفة لشريعة الله -تعالى-، والله يقول: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)[محمد: 25- 28].
نجد هؤلاء الذين أطاعوا هؤلاء الأعداء في بعض الأمور المخالفة للشريعة، إنما سلكوا هذا المسلك المنحرف لضعف توكلهم على الله، وقوة اعتمادهم على غيره.
انبهروا من قوة هؤلاء الأعداء المادية، فظنوا أن كل شيء بأيديهم، ونسوا أن الذي خلق هؤلاء هو أشد منهم قوة، وأن قوة هؤلاء المبهورين لو أرادها وجدوها في التوكل على الله -تعالى-، والأخذ بأسباب نصره، من تطبيق دينه، والتزام شريعته في أنفسهم، وفيمن ولاهم عليه؛ لأنهم إذا فعلوا ذلك كان الله معهم، ومن كان الله معه فلن يغلب: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا)[فاطر: 44].
نجد من المسلمين اليوم من لا يقيمون الصلاة، ولا يحافظون عليها، فلا يصلون مع الجماعة، ولا يأتون بشروطها وأركانها وواجباتها، فلا يبالون بالطهارة أتقنوها أم فرطوا فيها، ولا يصلون في الوقت، ولا يطمئنون في القيام والقعود، والركوع والسجود، لا، بل من الناس الذين قالوا إنهم مسلمون من لا يصلي، بل من يسخر ويستهزئ بمن يصلي.
نجد من المسلمين من هو جماع مناع لا ينفق مما رزقه الله، فلا زكاة ولا صدقة ولا إنفاق كاملا على من يجب عليه الإنفاق عليه، ومع ذلك تجده يبذل الكثير من ماله فيما لا ينفعه، بل فيما حرم الله عليه أحيانا.
إن المسلمين اليوم في حال يرثى لها، والشكوى إلى الله، تضييع لفرائض الله، وتعد لحدود الله، وتهاون في شريعة الله، ونسيان لذكره، وأمن من مكره، واعتناء بما خلق لهم، وغفلة عما خلقوا له، ولهذا سلط عليهم أعداؤهم، فاستذلوهم واستهانوا بهم، وتلاعبوا بهم سياسيا واقتصاديا، حتى صاروا كالذي: (يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ)[البقرة:171].
فإنا لله وإنا إليه راجعون.
اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا، وفي انتظار فريضة من فرائضك التي مننت بفرضها علينا.
نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، يا منان، يا بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم؛ نسألك أن تحبب إلينا الإيمان، وتزينه في قلوبنا، وترسخه فيها، وأن تكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وتباعدها عنا، وأن تهيأ للأمة الإسلامية من أمرها رشدا، ولاة صالحين، يقضون بالحق وبه يعدلون، لا يخافون في الله لومة لائم، لا يحابون قريبا لقربه، ولا قويا لقوته، وأن تحفظ علينا ديننا، وتثبتنا عليه إلى الممات، إنك جواد كريم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ... الخ...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم