حقيقة الإيمان وعلاماته

صالح بن فوزان الفوزان

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/المقصود بالإيمان وماهيته 2/بعض الصور والمظاهر المخلة بالإيمان 3/عقيدة أهل السنة في زيادة الإيمان ونقصانه

اقتباس

الإيمان الصحيح: اعتقاد بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي، له أركان ستة، هي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره. وله بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، أعلاها: قول: "لا إله إلاّ الله"، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان. فالذي...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله ذي الفضل والإحسان، يمنُّ على من يشاء بهدايته للإيمان، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له: (يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن: 29]. وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله، أرسله إلى كافة الثقلين الإنس والجان، صلىَّ الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلَّم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

 

أيها الناس: اتَّقوا الله -تعالى- وكونوا من المؤمنين الصادقين الذين تصدّق أعمالهم أقوالهم، فليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكنّه ما وقر في القلوب، وصدّقته الأعمال، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)[الصف: 2 - 3].

 

والإيمان الصحيح: اعتقاد بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي، له أركان ستة، هي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.

 

وله بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، أعلاها: قول: "لا إله إلاّ الله"، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان.

 

فالذي يقول بلسانه: إنه مؤمن، ويشهد أن لا إله إلاّ الله، وأن محمّداً رسول الله، ويعمل الطاعات بجوارحه، فيصلي ويزكي ويصوم ويحج، إلى غير ذلك من الأعمال، لكنه لا يعتقد ذلك بقلبه ولا يصدق؛ فهذا منافق النفاق الأكبر المخرج من الملّة، وهو شر من الكافر الخالص، قال الله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)[البقرة: 8 - 10].

 

ومثل هذا تنكشف حقيقته، ويظهر نفاقه عند الامتحان، ومواجهة الشدائد، قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ) [العنكبوت:  10].

 

وهذا ليس له موقف ثابت، بل هو يتذبذب، يكون مع المؤمنين إن كان لهم فتح من الله، ويكون مع الكافرين إن كان لهم نصيب من الظهور والغلبة المؤقتة بسبب وقوع خلل في المسلمين، قال الله -تعالى- في وصفهم: (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النساء: 141].

 

وعندما يدعى إلى التحاكم إلى كتاب الله، وسنة رسوله، فإنه لا يستجيب إلاّ إذا كانت القضية في صالحه، كما قال تعالى: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ) [النور: 48 - 49].

 

وعندما يدعو الداعي للجهاد في سبيل الله، وبذل الأنفس والأموال، يصيبهم الذعر، ويغشاهم الجبن: (تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ)[الأحزاب: 19].

 

يألفون المنكرات، ويكرهون الطاعات، ويقبضون أيديهم عن الإنفاق والصدقات، كما قال تعالى: (يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة: 67].

 

عباد الله: ومن اعتقد بقلبه، ونطق بلسانه، لكنه لم يصدق اعتقاده، وقوله بالعمل، فإن كان قوله وعمله يخالف، ويناقض الشهادتين، كالذي يستغيث بالموتى، ويذبح للقبور، ويدعو الموتى، باسم الأولياء والصالحين، فهذا مشرك كافر بالله -عزّ وجلّ- لا ينفعه نطقه بالشهادتين، ولا انتسابه للإسلام، ولا تصح منه عبادة، حتى يتوب إلى الله، ويخلص دينه لله، قال الله -تعالى-: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) [النور: 2 - 3].

 

وكذا من يقول: إنه مسلم، ويشهد أن لا إله إلاّ الله، ولكنه لا يؤدي أركان الإسلام، فلا يصلي ولا يزكي ولا يصوم ولا يؤدّي فريضة الحج، فهذا ليس بمسلم، ولا ينفعه النطق بالشهادتين، ولا انتسابه إلى الإسلام؛ لأنه لم يؤدّ حق الشهادتين، ولم يقم بفرائض الإسلام، وقد حكم الله ورسوله بكفر تارك الصلاة والزكاة، قال تعالى في الكفار: (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ) [التوبة: 5].

 

وقال: (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) [التوبة: 11].

 

فدلَّ ذلك على أن من لم يقم الصلاة، ويؤدِّ الزكاة، لا يخلى سبيله بل يقتل، وليس من إخواننا المؤمنين، بل هو من الكافرين.

 

وقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر".

 

وقال عليه الصلاة والسلام: "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة".

 

والصلاة هي عمود الإسلام الذي يقوم عليه، فمتى فقد العمود لم يقم للعبد إسلام صحيح، والزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله -عزّ وجلّ-، وقد قاتل صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقيادة أبي بكر الصديق مانعي الزكاة، واعتبروهم مرتدين، وسموا حروبهم حروب الردة، وهم يقولون: "لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله".

 

وأما من ترك شيئاً من الطاعات الأخرى التي هي من مكملات الإسلام وحقوقه، أو ارتكاب شيئاً من المعاصي التي هي دون الشرك، وليست من نواقض الإسلام، فهذا لا يعتبر كافراً، وإنما يعتبر مؤمناً ناقص الإيمان، وهذا النقص يتفاوت بتفاوت المعصية التي ارتكبها، فإن كانت كبيرة من كبائر الذنوب، كالزنا والسرقة، وقتل النفس، وشرب الخمر، وغير ذلك من الكبائر، وهو يعترف بتحريمها، ولم يستحلها، فهذا يعتبر فاسقاً ساقط العدالة، معرّضاً للوعيد، ويقام عليه الحد الواجب إقامته على من فعل تلك الكبيرة.

 

هذا ما عليه أهل السنة والجماعة في الحكم على مثل هذا، فهو مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، وإن كانت معصيته لا تصل إلى حدّ الكبيرة، فهي تنقص إيمانه ويأثم بها، لكنه لا يحكم بفسقه، إلاّ إن أصرّ عليها واستدامها، أو جاهر بها، فإن الإصرار على الصغيرة قد يصيّرها كبيرة.

 

وكما أن الإيمان يزول بزوال أصله أو يزول كماله بالمعصية، بحسب تفاوتها في القبح والذم، فإنه يزيد بالطاعة وينمو ويعظم، كما قال تعالى: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى) [مريم: 76].

 

وقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال: 2].

 

وقال الله -تعالى-: (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [التوبة: 124].

 

فاحرصوا -رحمكم الله- على فعل ما يزيد به إيمانكم من الطاعات، وترك ما ينقص به من المعاصي والسيئات.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحجرات: 14- 15].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

 

 

 

المرفقات

حقيقة الإيمان وعلاماته.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات