حقوق العباد

حمزة بن فايع آل فتحي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ تفشي أكل المال الحرام وبعض الأحاديث المحذرة من ذلك 2/ التوبة من أكل المال الحرام وكيفية ذلك 3/ استجابة دعاء الضعفة والمساكين المظلومين

اقتباس

لقد أعماه الطمع وحب الدنيا عن تحسس نار الآخرة، أو استشعار أليم الجزاء والحساب، وأن العبد ليؤاخذ يومئذ على حقير المال، وتافه الحقوق والسلع، فكيف بمن يأكل آلافا، ويختط مخططات، ويبتلع أوقافاً وأمانات؟...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

 

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70 - 71].

 

معاشر المسلمين: إن تعجبوا؛ فاعجبوا من مسلم يدعي الإسلام، ويتشدق بتقوى الله، ثم هو يلتهم المال التهاماً من سائر الوجوه دون خوف أو مراقبة! أكل أموال اليتامى! واعتدى على أرض جاره! اغتصب حق المساكين والضعفة!

 

لقد أعماه الطمع وحب الدنيا عن تحسس نار الآخرة، أو استشعار أليم الجزاء والحساب، وأن العبد ليؤاخذ يومئذ على حقير المال، وتافه الحقوق والسلع، فكيف بمن يأكل آلافا، ويختط مخططات، ويبتلع أوقافاً وأمانات؟ قال تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراًّ يَرَهُ) [الزلزلة: 7 - 8].

 

ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه تعالى-: "خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر، ففتح الله علينا فلم نغنم ذهباً ولا ورقاً، غنمنا المتاع والطعام والثياب، ثم انطلقنا إلى الوادي ومع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبد له، وهبه له رجل من جُذام يدعى رفاعة بن زيد من بني الضبيب فلما نزلنا الوادي قام عبد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يحل رحله فرمي بسهم، فكان فيه حتفه، فقلنا، هنيئاً له الشهادة له الشهادة يا رسول الله، فقال رسول الله -صلى لله عليه وسلم-: "كلا، والذي نفس محمد بيده! إن الشملة لتلتهب عليه نارا. أخذها من الغنائم يوم خيبر، لم تصبها المقاسم" قال: ففزع الناس، فجاء رجل بشراك أو شراكين، فقال: يا رسول الله أصبت يوم خيبر؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "شراك أو شراكان من نار".

 

أخي جامع المال: إن ريالاً تلتهمه من الحرام، تلتهم معه النار، وإن جسداً تغذيه بالسرقات النار أولى به، وأن بيتاً تشيده بمظالم الناس لتشيد نظيره في جهنم، وفي قصة سعيد بن زيد مع أروى بنت أريس، وأنه قال لمروان بن الحكم: كيف آخذ أرضها وقد سمعت عن رسول الله ما سمعت! قال: وما سمعت من رسول الله؟ قال: سمعت رسول الله يقول: "من أخذ شبرا من الأرض ظلماً طوقه إلى سبع أرضين" فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا، فقال: "اللهم إن كانت كاذبة فعمِّ بصرها، واقتلها في أرضها، قال فما ماتت حتى ذهب بصرها، ثم بينما هي تمشي في أرضها، إذ وقعت في حفرة فماتت وفي رواية كانت تقول أصابتني دعوة سعيد بن زيد"، وروى مسلم في صحيحه عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة" فقال له رجل: وإن كان شيئاً يسيرا يا رسول الله؟ قال: "وإنّ قضيباً من أراك".

 

وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم، هو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان" قال عبد الله: ثم قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مصداقه من كتاب الله: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناًّ قَلِيلاً) [آل عمران: 77].

 

عباد الله: لعل هذه الأحاديث أن تقرِّع مسامعنا، وتوقظ ضمائرنا، فنعود إلى الله ونحدث توبة قبل الممات، ونتحرر من حقوق الناس ومظالمهم، فرب مطعم حرام يحرم به العبد التوفيق ولذة العبادة، ورب منزل فسيح بُني من حرام، يشقى به في الآخرة، ويموت وربه عليه غضبان.

 

من يطيق -يا مسلمون- "طوُقِّه من سبع أرضين" هل يستطيع أحدنا حملان سبع أرضين؟ وهل يتحمل سبع أرضين كالطوق في عنقه؟!

 

إن ذلك لمفزع عجيب! فاعتبروا يا أولى الأبصار.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أيها الإخوة الكرام: تحللوا من مظالم الناس، وردوا الحقوق إلى أهلها، ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم، واحرصوا على الطيبات، واجتنبوا الخبائث؛ روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه".

 

كيف تعان أمة أكلَ قويها ضعيفها، وبخس غنيها فقيرها، وضيع حق يتيمها ومسكينها؟! روى ابن ماجة في سننه بسند حسن عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "لما رجعت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مهاجِرة البحر، قال: "ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟" قال فتية منهم: بلى رسول الله، بينما نحن جلوس مرت بنا عجوز من عجائز رهابينهم، تحمل على رأسها قُلةً من ماء، فمرت بفتى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها، فانكسرت قلتها، فلما ارتفعت التفتت إليه، فقالت: "سوف تعلم يا غُدَر إذا وضع الله الكرسي، وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم أمري وأمرك عنده غدا!" قال: يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صدقتْ، صدقتْ كيف يقدِّس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم؟!".

 

أما والله إن الظلم لؤمٌ *** وما زال المسيء هو الظلومُ

إلى ديان يوم الدين نمضي *** وعند الله تجتمع الخصومُ

ستعلم في الحساب إذ التقينا *** غداً عند الإله من الملومُ؟

 

أيها الإخوة: قد يشق على الضعفة والمساكين أخذ حقوقهم، ومغالبة الظلمة، ولكن لا يشق عليهم الابتهال إلى الله، ورفع الأيدي، وتسديد السهام الحارة، لمحق المغصوب والمسروق وتنغيص الحياة، وكساد التجارة، وتدمير الجاه، وفي الصحيحين: عندما بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معاذاً إلى اليمن، قال له: "واتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب"، وفي الحديث الآخر الصحيح: "إن الله يرفعها فوق الغمام، ويقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين"، وروى أحمد بسند حسن: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "دعوة المظلوم"، وتأمل عظمتها عند الله، وأن الله نصيرها وعضيدها، مهما نسيت وبلغت بك الهناءة, وطالت بك الراحة والسعادة فالحذر الحذر!

 

لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا *** فالظلم آخره يأتيك بالندم

نامت عيونك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعين الله لم تنم

 

فاتقوا الله -عباد الله- وراقبوه وردوا الحقوق إلى أهلها، واعلموا أن الله لم يجعل رزقكم فيما حرم عليكم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].

 

اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، واغننا بفضلك عمن سواك...

 

وصلوا وسلموا -يا عباد الله- على من أمركم الله -تعالى- بالصلاة والسلام عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56].

المرفقات

حقوق العباد

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات