حقوق الطفل في الإسلام -1

عبد الرحمن بن محمد بوكيلي

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/أحوال الأطفال في العالم 2/حقوق الطفل قبل الحمل 3/حقوق الطفل بعد الحمل 4/حقوق الطفل بعد ولادته.

اقتباس

فمن أبرز حقوق الأطفال التي تحدث عنها القرآن الكريم بعد ولادتهم حق الحياة، يقول الحق -سبحانه-: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)[التكوير: 8-9], كما حفظ الإسلام هذا الحق للأطفال ولو كانوا أبناء...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[ الأحزاب: 70 – 71 ].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.

 

عباد الله: يتحدث الناس في هذه الأيام عن الطفل وحقوقه، وتعقد الأمم المتحدة دورة خاصة لمناقشة حقوق الأطفال في العالم, وإن الحدث في حد ذاته يثير الاستغراب؛ لأن الناظر الذي يرى ويتأمل أحوال الأطفال في العالم كله يجدهم قد وصلوا حالة من الضياع والضلال والاضطهاد والظلم لم يسبق أن عرفها الإنسان في التاريخ, وأنا هنا أتحدث عن الأطفال كلهم، بما في ذلك أطفال ما يسمى بالدول المتحضرة, أطفال أوربا وأمريكا؛ لأن أحوال أولئك لا تعدو أن تكون أحوال إنسان ضال تائه معذب؛ أطفال لا يعرفون حنان الأمومة ولا عطف الأبوة, أطفال محرومون من هداية الله -تبارك وتعالى-, ينشؤون ويكبرون على عبادة غير الله، أما أطفال العالم الثالث أطفال المسلمين فإنهم يشهدون في الديار المقدسة حالة رهيبة من الإبادة؛ لكونهم مشروع مقاومة كما ذكرنا أكثر من مرة.

 

وكل هذا الذي يحصل من ضلال أولئك وتشريد هؤلاء ترعاه ما يسمى بالأمم المتحدة، ترعاه سياسيا وتوجيهيا وفكريا؛ لأن هذه المؤسسات -إخوتي الكرام- لها هدف واضح، هو أن يعيش العالم تحت سيطرتها وتوجيهها وهيمنتها، عن طريق المواثيق والمؤتمرات والتوجيهات, إنها مشاريع هيمنة حضارة مادية صرفة.

 

وأقف -إخوتي الأعزاء- لأُذَكِّر فحسب, وإن كان عدد من إخوتنا وأخواتنا ينبهون على أن هذه الأمور التي نذكر بها هي أمور للأسف غائبة في صفوفنا، بمعنى أن هذا الذي نسميه تذكيرا أصبح تعليما أساسيا, قلت: أقف لأذكر بمجموعة من الحقوق الكبرى التي ضمنها الحق -سبحانه- لهؤلاء الأطفال في العالم كله.

 

أما مرحلة ما قبل الحمل؛ فمن الأمور العظيمة في هذا الدين أنه اهتم بالأطفال قبل الحمل, قبل أن يوجدوا, ولعل أبرز حق وأعظمه ضمنه الله للطفل في هذه المرحلة هو اختيار والديه بعضهما لبعض؛ أن تختار المرأة الرجل وأن يختار الرجل المرأة, ولا أحد يكره على الزواج, هذا الدين العظيم جعل الرجل لا يكره, ولا أحد يمكنه أن يلزمه بالزواج، سواء كان أباه أو أمه أو الحاكم, كذلك الأمر بالنسبة للبنت لا تلزم, ولا يمكن أن يلزمها أحد؛ لذلك قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: "والبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وإذْنُهَا صُمَاتُهَا"(رواه الترمذي وصححه)؛ فتستأذن لأنها بحيائها ورقتها قد لا تصرح، لكن حالها وصمتها وأسارير وجهها تبين لولي أمرها أنها راضية وراغبة في الزواج.

 

فمن حق الطفل على أبيه أن يختار أمه؛ روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "تُنْكَحُ النّسَاءُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ", وروت عائشة -رضي الله عنها- أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: "تَخَيَّروا لِنُطَفِكُم"(رواه ابن ماجة والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن والسيوطي في الجامع الصغير وصححه).

 

ومما يزيد هذا الكلام نفاسة وقيمة بيان ربنا في القرآن الكريم أن الذرية لها تأثر كبير بآبائها، فيقول الحق -سبحانه-: (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[آل عمران: 34], فعندما تُسأل: من أين هذه الثمرة؟ تقول: "من هذه الشجرة", فلا تظنن الإنسان مقطوع الصلة بوالديه وأجداده وتاريخه.

 

وهل يرجى لأطفال كمال *** إذا رضعوا ثدي الناقصات

 

كما أن من حقه على أمه وذويها اختيار الأب الفاضل؛ أخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه عن أبي هُرَيرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  -صلى الله عليه وسلم-: "إذا خطبَ إليكُمْ من ترضونَ دينهُ وخلقهُ فزوِّجوهُ؛ إلاَّ تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرضِ, وفسادٌ عريضٌ", فلا تُزوج لمشرك أو ملحد لا يعطي وزنا للدين، قال -تعالى-: (وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ)[البقرة: 221], كما لا تزوج لفاسق غارق في المعاصي والمنكرات، صح عن الإمام الشعبي قوله: "من زوج كريمته من فاسق؛ فقد قطع رحمها".

 

وأما أثناء الحمل فقد تحدث الحق -سبحانه- عن جملة من الحقوق المرتبطة بالطفل حال كون أمه حاملا به, على رأس ذلك أن تكون حاملا في بيت زوجها، وأن ينفق عليها، وأن يعتني بها مهما كانت الظروف حتى تضع حملها، (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)[الطلاق: 4], فالطفل في بطن أمه شديد التأثر بحالها، فإذا كانت قلقة ومضطربة ومتعبة فإن نصيبا من ذلك يناله؛ لذلك كان الغالب على أبناء الأسر المضطربة الاضطراب وعدم الاستقرار والانحراف, والعكس بالعكس.

 

ومن أعظم ما ضمنه الله -تعالى- للطفل وهو في بطن أمه حق الحياة، فمنذ أن تبدأ نبتته في الأحشاء فهو إنسان لا يجوز للدنيا كلها أن تسقطه, فمما بايع عليه الرسول -عليه الصلاة والسلام- النساء عدم الاعتداء على حياة أجنتهن، قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ)[الممتحنة: 12].

 

ويتعزز هذا الحق ولو كان الجنين من الزنا، روى الإمام مالك في الموطأ عن عبد اللّه بن أبي مُلَيْكة أن امرأةً أتت النبي فأخبرته أنها زنت وهي حامِلٌ، فقال لها رسول اللّه: "اذهبي حتى تَضَعِي", لماذا لم يطبق عليها الحد فورا؟؛ لأنها ليست وحدها، إن هناك إنسان آخر في أحشائها, فلما وضعَتْ أتته، فقال لها: "اذهبي حتى تُرضعي"، فلما أرضَعَتْ أتته, فقال لها: "اذهبي حتى تَسْتَودِعيْه"، فاستودَعَتْه، بمعنى جعلته عند من يحفظه ويرعاه، ثم جاءته فأمر بها فأُقيم عليها الحدّ.

 

ويستغرب الإنسان من سؤال الكثير من إخوتنا المسلمين عن الإجهاض، فيقول السائل: إن رزقي لا يكفي فهل يجوز لي الإجهاض؟! سبحان الله! هل اطلعت على رزقك؟! وإذا كان رزقك كذلك، فهل اطلعت على رزق الجنين وما أعده الله له؟! ألم تقرأ قوله –تعالى-: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ)[الأنعام: 151], فالفقر حاصل واقع، رغم ذلك لا يجوز الإجهاض، وقوله -تعالى-: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا)[الإسراء: 31], فالإملاق متوقع رغم ذلك لا يجوز الإجهاض, فلا في حالة الفقر الواقع ولا في حالة الفقر المتوقع يجوز إجهاض الجنين والاعتداء على حياته, فما الحل إذًا؟ إنه الصبر والتوكل على الله -تعالى- والتفكير في توسيع أبواب الرزق، عوض الوقوع في أحابيل الشيطان.

 

وللطفل في الإسلام حقوق بعد ولادته، منها:

حق الحياة: فمن أبرز حقوق الأطفال التي تحدث عنها القرآن الكريم بعد ولادتهم حق الحياة، يقول الحق -سبحانه-: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)[التكوير: 8، 9], كما حفظ الإسلام هذا الحق للأطفال ولو كانوا أبناء الكافرين المحاربين، قال –تعالى-: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)[البقرة: 190], فلا يقاتَل ولا يُقْتَل الأطفال لأنهم لا يُقاتِلون, في صحيح مسلم عن بريدة -رضي اللّه عنه- قال: كان رسول اللّه إذا أمّرَ أميرًا على جيشٍ أو سريةٍ أوصاه في خاصّتِه بتقوى اللّه -تعالى- ومَنْ معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: "اغزوا باسْمِ اللّه في سَبِيلِ اللَّهِ، قاتِلُوا مَنْ كَفَرَ باللّه، اغْزُوا وَلا تَغُلُّوا ولا تَغْدِرُوا وَلا تُمَثِّلوا, وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا", إن الإسلام دين هداية لا دين إبادة، والأطفال رغم كونهم أبناءَ كفارٍ إلا أنهم مشروعُ هداية.

 

ومنها: حق الاعتبار والكرامة؛ فيفرح به عند ولادته سواء كان ذكرا أو أنثى، ويذكر الله -تعالى- ويشكر، ويعبر عن ذلك بعقيقة في يوم سابعه، ويكرم بكرم الله -تعالى-.

 

ومنها: حق الاسم الحسن؛ فيسمى اسما حسنا، وذلك لأن الاسم جزءٌ من شخصية الإنسان، وقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يحب الأسماء الجميلة، ويكره القبيحة ويبدلها, ففي صحيح مسلم والترمذي وغيرهما عن ابن عمر -رضي اللّه عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- غيَّرَ اسم عاصية، وقال: "أنت جميلة", وفي رواية لمسلم -أيضًا- أن ابنةً لعمرَ كان يُقال لها: عاصية، فسمَّاها رسول اللّه جميلة, وفي صحيح مسلم كذلك عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ قَالَ: سَمّيْتُ ابْنَتِي بَرّةَ، فَقَالَتْ لِي زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ: إِنّ رَسُولَ اللّهِ نَهَىَ عَنْ هَذَا الاِسْمِ، وَسُمّيتُ بَرّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ -عليه الصلاة والسلام-: "لاَ تُزَكّوا أَنْفُسَكُمُ؛ اللّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرّ مِنْكُمْ"، فَقَالُوا: بِمَ نُسَمّيهَا؟ قَالَ: "سَمّوهَا زَيْنَبَ".

 

فيسمى المولود محمدا أو أحمد أو حميدة أو ما اشتق من ذلك، أو يسمى عبد مع إضافة اسم من أسماء الله -تعالى-، مثل عبد الله وعبد الرحمن وعبد الرحيم وعبد الرزاق، ففي صحيح مسلم عن ابن عمر -رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه -عليه الصلاة والسلام-: "إنَّ أحَبَّ أسْمائكُمْ إلى اللّه -عَزَّ وَجَلَّ- عَبْدُ اللّه وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ", أو يسمى اسما يرمز إلى خير، من مثل عمر ومصعب وصلاح الدين وخالد وسعد وفاطمة وزينب وعائشة وأسماء، مما يحمل معنى سليما ويرمز إلى شخصية عظيمة, كما ينبغي تجنب الأسماء القبيحة من مثل الخمار وحادة وعبد النبي.

 

ومن السنة -معشر الإخوة- أن نبدل أمثال هذه الأسماء القبيحة، ففي سنن أبي داود بإِسناد جيد وابن حبان في صحيحه عن أبي الدرداء -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه -عليه الصلاة والسلام-: "إنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيامَةِ بأسْمائكُمْ وأسماءِ آبائِكُمْ، فأحْسِنُوا أسْماءَكُمْ".

 

ومن حقوق الطفل بعد ولادته: حقه في الرضاع؛ فالأفضل أن ترضعه والدته بما فيه الكفاية، قال -تعالى (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)[البقرة: 233], فالرضاع الطبيعي هو أجود أنواع الرضاع للطفل وللأم، فلا حليب يناسب الطفل كحليب أمه، كما أن زهد الأمهات في ذلك خلاف الطبيعة مما يسبب أمراضا يعلمها المتخصصون، علاوة على ذلك لا يخفى أن رضاع الأم يكون ممزوجا بعطفها وحنانها ودفء أحضانها، وفي ذلك غذاء عاطفي رفيع، الحاجة إليه ليست أقل من الحاجة إلى الطعام والشراب.

 

ومنها: حقهم في الملاعبة والمداعبة: فقد كان محمد -عليه الصلاة والسلام- بالرغم من مسؤولياته وأثقاله يداعب ويلاعب أبناءه وأبناء المسلمين, روى البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم -رحمهم الله- عن أَنَس بن مَالِكٍ قال: كَانَ رَسُولُ الله -عليه الصلاة والسلام- يُخَالِطُنَا حَتَّى كَانَ يقُولُ لأَخٍ لي صَغيرٍ: "يَا أَبَا عُمَيرٍ! مَا فَعَلَ النُّغَيرُ؟"، وقد بوب البخاري لهذا الحديث بقوله: "باب الانبساط إلى الناس", ورُوي عن جابر قال: دخلت على النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو حامل الحسن والحسين على ظهره وهو يمشي بهما فقلت: نعم الجمل جملكما، فقال رسول الله: "ونعم الراكبان هما", فليس من الديانة ولا الرجولة دوام الانقباض والسكينة مع الأطفال؛ لما يخلفه ذلك من الانطواء على ذواتهم, وعدم كشفهم لنواياهم وانشغالاتهم.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

ومن ذلك: حق المراقبة؛ نعم، إن مراقبة الطفل وحسن متابعته من حقه على أبويه؛ لأن في ذلك صلاحه ونجاته، فإنه لا يعقل أن يترك للطفل الحبل على الغارب بدعوى الحرية والتفتح, لا بد قبل ذلك من أن يكون مزودا بشيء من العلم والخبر؛ مما يمكنه من معرفة منفعته ومضرته، أما أن يُلقى منذ نعومة أظفاره في يم الفتن والشهوات والأمواج العاتية فيُنتظر منه السداد، فهذا من قبيل العبث والحماقة.

 

لا يخفى على الإخوة أن المؤتمرات الدولية للطفولة لا تفتأ تدندن حول إتاحة الحرية للأطفال دون ضوابط، مما ينشئ أجيالا متحررة من الدين ومن الأخلاق ومن كل خير؛ لأن كل ذلك يحول دون انطلاقهم نحو الرغبات والملاهي, وليس غريبا أن تنحو المؤتمرات الدولية برعاية الأمم المتحدة هذا المنحى؛ ما دامت أنها خادمة لما تريده الصهيونية من إخراج أجيال لا تعرف الصلة بالله.

 

وإنه لا يضرنا أن يكون هذا دأبهم؛ لأن طريقة حياتنا ومنهج التعامل مع أنفسنا وأبنائنا لا نأخذه منهم، وإنما نستقيه من كتاب الله وسنة رسوله، ومن حقنا على العالم كله أن يحترم اختيارنا وأن يراعي خصوصياتنا.

 

إنه -معشر المؤمنين- لازم علينا أن نراقب أبناءنا في مدخلهم ومخرجهم، في جدهم وهزلهم، في واجباتهم المدرسية والتعبدية، ولا بد من معرفة أصدقائهم ومرافقيهم، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يخبر أن هذا مما سنسأل عنه يوم القيامة, ففي الحديث المتفق عليه عَنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ أنّ رَسُولَ الله -عليه الصلاة والسلام- قال: "كُلّكُم رَاعٍ، وكُلّكُم مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ".

 

أيها الإخوة الأعزاء: يحول الوقت دون استرسالنا في قضايا الموضوع، فنكتفي بما ذكر على أمل أن نتابع في الجمعة المقبلة بحول الله -تعالى-.

 

فنسأله -سبحانه- أن يصلح أحوالنا وأحوال أبنائنا، والحمد لله رب العالمين.

 

المرفقات

حقوق الطفل في الإسلام -1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات