حقوق الإنسان (3) مزاعم وحقائق

عبد العزيز بن عبد الله السويدان

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/موازين الغرب في التعامل مع حقوق الإنسان 2/ميزان الإسلام في التعامل مع حقوق الإنسان 3/محاربة الإسلام للعصبية الجاهلية (قصص) 4/ضوابط المساواة في الإسلام 5/تربية الصحابة على العدل (قصص) 6/قصص رائعة في تعامل الإسلام مع غير المسلمين 7/حقوق غير المسلمين في الإسلام 8/الحكم الشرعية في مشروعية العبادات 9/أهداف إنشاء محكمة الجنائية الدولية

اقتباس

إن الحديث عن المساواة في الإسلام لم يكن حديثا نظريا مجردا، فيوم كان الإسلام في عز تألقه، يوم كان المسلمون أشد ما يكونوا تطبيقا لدينهم، كانت المساواة أصلا في التعامل، وكان العدل مطبقا تطبيقا عمليا واقعيا، بخلاف ما هو حاصل في العالم الغربي اليوم يتكلمون عن الحقوق والعدل والمساواة، وهم أول من ينتهكون الحقوق!. بل هم يخوضون خوضا في الظلم والاستبداد والقهر والجور، فيمتصون خيرات الناس، كي...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

 

أما بعد:

 

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

ذكرنا في مقام سابق: أن الحديث عن المساواة في الإسلام لم يكن حديثا نظريا مجردا، فيوم كان الإسلام في عز تألقه، يوم كان المسلمون أشد ما يكونوا تطبيقا لدينهم، كانت المساواة أصلا في التعامل، وكان العدل مطبقا تطبيقا عمليا واقعيا، بخلاف ما هو حاصل في العالم الغربي اليوم يتكلمون عن الحقوق والعدل والمساواة، وهم أول من ينتهكون الحقوق!.

 

بل هم يخوضون خوضا في الظلم والاستبداد والقهر والجور، فيمتصون خيرات الناس، كي تنعم شعوبهم، ويمارسون القهر والتخويف ليضمنوا مكاسبهم، ومكاسب أوليائهم، يهودا كانوا أو نصارى، ويدعمون دولة ظالمة مستبدة، تنتهك حقوق الناس؛ لأنها تخضع لهم، ويحاربون أخرى معتدلة تحفظ حقوق الناس؛ لأنها تتمرد عليهم.

 

فليس لهم ميزان واحد للتعامل، بل لديهم عدة موازين يقيسون بها الأمور، بحسب مصالحهم، بكل جشع وأنانية، يتحكمون في الشعوب، ويجعلون قرار الحسم في مصير أي دولة، أو شعب، محصورا على أهواء خمس دول متربعة على مجلس ظالم، لا يراعي دين الله، بل هو مكرس لخدمة مصالح تلك الدول يسمونه: "مجلس الأمن"..

 

أما رسول الله خير البشر -صلى الله عليه وسلم- فإنه لما حكم بالإسلام عدل، فلم يحاب، بل أعطى كل ذي حق حقه، ولم يقدم حتى قرابته في ذلك، ولا أقرب الناس إليه؛ فعن أبي هريرة قال: لما أنزلت هذه الآية: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء: 214] دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قريشا، فاجتمعوا فعم وخص، فقال: "يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئا، غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها"[أخرجه مسلم في صحيحه].

 

وحين أنكر زعماء العرب هذا المبدأ، مبدأ المساواة، وأنفوا أن يجلسوا مع بلال الحبشي وسلمان الفارسي، وصهيب الرومي -رضي الله عنهم-، واشترطوا على رسول الله أن يطردهم عنه، ليحضروا مجلسه، ويسمعوا وعظه؛ رفض ذلك صلى الله عليه وسلم.

 

فعرضوا عليه أن يجعل لهم يوما وأولئك يوما، وكاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يستجيب لرغبتهم طمعا في استمالتهم للإسلام، عندئذ نزل الوحي يوجه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنعام: 52].

 

وحينما أصابت محمدا الإنسان لحظة ضعف بشري، فانصرف عن الرجل الفقير ابن أم مكتوم إلى الوليد بن المغيرة سيد قومه، اجتهادا منه عليه الصلاة والسلام، وحرصا على الاسلام في نظره، لمصلحة الدعوة، عاجله العتاب الشديد الذي يشبه التأنيب، ليرد للمساواة المطلقة معيارها الكاملة: (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى)[عبس: 1-2].

 

لقد كانت العصبية الجاهلية القائمة على التفريق على أساس الجنس والعرق والعنصرية، سائدا في الجزيرة العربية، يصرخ فيها، فجاء الإسلام بعدله وانصافه الإلهي ليلغي هذا الخلق الجاهلي، والعرف الأخرق، قال صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية" [أخرجه أبو داود].

 

وعندما سئل عليه الصلاة والسلام: أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟ قال: "لا، ولكن من العصبية أن ينصر الرجل قومه على الظلم" [رواه أحمد وابن ماجة].

 

وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَعَانَ قَوْمَهُ عَلَى ظُلْمٍ فَهُوَ كَالْبَعِيرِ الْمُتَرَدِّي، فَهُوَ يُنْزَعُ بِذَنَبِهِ"[رواه الإمام أحمد].

 

قال الخطابي في ذلك الذي يعين قومه على الظلم: "معناه أنه قد وقع بالإثم، وهلك؛ كالبعير إذا تردى في بئر، فصار ينزع بذنبه، ولا يقدر على الخلاص".

 

هذا هو قبح الظلم، وبخس الحقوق.

 

حدد الإسلام المساواة بضابط واحد فقط، لا مكان فيه لنسب ولا حسب ولا عرق ولا لون، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله -عز وجل- قد أذهب عنكم عُبيَّة –كبر- الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي، وفاجر شقي" هكذا هم "أنتم بنو آدم وآدم من تراب، ليدعنّ رجال فخرهم بأقوام، إنما هم فحم من فحم جهنّم، أو ليكوننّ أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن" [رواه أحمد وأبو داود، واللفظ له].

 

فالناس في التفضيل سواسية إلا بالتقوى، هذا وعظه صلى الله عليه وسلم، وهو وعظ فريد ليس كغيره من أنواع الوعظ، فالوعظ في كل عصر يأتي من الكثيرين؛ لأن الوعظ مجرد كلام، الكل يعظ، حتى فرعون كان يعظ قومه: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) [غافر: 26] حتى فرعون!!.

 

أما في هذا الزمان فما أكثر الواعظين، يأتون ويذهبون، وتبقى سمعتهم: بوش، بلير، بوتين، رؤوس وأعضاء البرلمان في بلادهم والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن الكل يعظ، ولكن من يطبق؟  الكلام سهل، ولكن كما قيل:

 

والقول إن لم يقرن الفعل به *** تصديقه فهو الحديث المفترى

 

أما النبي -صلى الله عليه وسلم- فشيء آخر؛ روي عن أبي ذر أنه قال: "قاولت رجل عند النبي -صلى الله عليه وسلم- أي تكلمت معه من القيل والقال- فقلت له: يا ابن السوداء، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "طف الصاع، طف الصاع، فإنك ليس بخير من أحمر وأسود إلا أن تفضله بتقوى".

 

فقال أبو ذر -رضي الله عنه-: "فاضطجعت وقلت للرجل: قم فطأ على خدي"[رواه ابن المبارك وأحمد].

 

هذه هي تربية النبي -صلى الله عليه وسلم- لصحابته، وهذا هو امتثالهم لنصحه وإرشاده.

 

أما قوله: "طف الصاع" فالمراد به نقصان الصاع عن الابتلاء، فهو ناقص، والمعنى: كلكم في الانتساب إلى أب واحد في منزلة واحدة في النقص والتقاصر عن غاية التمام.

 

"طف الصاع" شبههم بالمكيل الذي لم يبلغ المكيال، ثم أعلمهم أن التفاضل ليس بالنسب، ولكن بالتقوى.

 

فالإنسان في أصله ليس له فضل على أخيه الإنسان مهما بلغ فيما تعارفه الناس بينهم من ميزة في النسب، أو اللون، أو المال، أو الجاه، هذه الأعراق التي يفتخر بها الناس لا تعدل في ميزان الله ولا حتى جناح بعوضة.

 

والفخر على أساسها من الجاهلية لا من الإسلام، وإن الذي يعدل عن الله شيء واحد: "التقوى" "الخوف من الله" عن أبي مسعود الانصاري قال: "كنت أضرب غلاما لي، فسمعت من خلفي: "اعلم أبا مسعود اللَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ" فالتفت، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله، فقال: "لو لم تفعل للفحتك النار".

 

بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ، لم يكن ليترك الظلم دون إحقاق الحق، بأسلوب إيماني تربوي عجيب، لم يقل: كف عن ضربه يا أبا مسعود، وله ذلك لو شاء صلى الله عليه وسلم.

 

وإنما جاء النهي ضمن عبارة إيمانية بليغة: "اعلم أبا مسعود اللَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ".

 

يحيي المراقبة الذاتية، يذكر بعظمة الله -تعالى- وقدرته وعدله وقسطه: "اعلم أبا مسعود اللَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ".

 

حتى المعاهد نصرانيا كان أو حتى يهوديا العدل قائما معه أيضا، فميزان الله عند المسلمين واحد؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كما في السنن: " من ظلم معاهدا أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة".

 

ولذلك كان اليهود يأتون إليه صلى الله عليه وسلم للفصل فيما بينهم، لعلمهم بعدل الإسلام، وهكذا ربى النبي –صلى الله عليه وسلم- صحابته على هذا العدل الرباني، عندما خرج عمر الفاروق إلى الحج، حج معه الملك المبجل ملك غسان: "جبلة بن الأيهم" فبينما هو يطوف بالبيت، وطئ إزاره رجل من بني فزارة، فانحل إزاره، فرفع جبلة يده فهشم أنف الرجل، فاستعدى عليه الفزازي عمر، فبعث إلى جبل، فقال له: ما هذا؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين إنه تعمد حل إزاري، ولولا حرمة الكعبة لضربته بين عينيه بالسيف.

 

فقال عمر: قد أقررت، فإما أن ترضي الرجل، وإما أقدته منك، قال جبلة: تصنع بي ماذا؟ قال عمر: آمر بهشم أنفك كما فعلت، قال: كيف ذلك وهو سوقة وأنا ملك؟ قال عمر: إن الإسلام جمعك وإياه فلست تفضله إلا بالتقوى، قال جبلة: قد ظننت أني أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية، قال عمر: دع عنك هذا، فإنك إن لم ترض الرجل أقدته منك.

 

قال: إذاً أتنصر، قال: إن تنصرت ضربت عنقك، فإنك قد أسلمت، فإن ارتددت قتلتك، فلما رأى الجد من أمير المؤمنين عمر، قال: أنا ناظر في هذا ليلتي.

 

وقد اجتمع بباب من حي هذا وحي هذا خلق كثير، حتى كادت تكون بينهم فتنة، فلما أمسى أذن له عمر في الانصراف، حتى إذا نام الناس، فحمل بخيله ورواحله إلى الشام، فأصبحت مكة خالية منهم، فلما أتى الشام تحمى بخمسمائة رجل من قومه، حتى أتى القسطنطينية فارتد وتنصر هو وقومه.

 

العدالة والمساواة في الإسلام لا تفاوض، ولا تقدم أحدا على حساب الآخر، ولا تفرق بين الناس إلا بميزان واحد، ميزان الحق الإلهي، ولا تقيم موازين العنصرية والمصالح الشخصية، ولا تستخدم وسائل الغدر والخيانة والتسلط، كما هو حاصل في عالم السياسة اليوم.

 

بل الفضل الأكبر لذي التقوى، وحتى التقي لو أخطأ لعوقب على خطئه، كغيره من الناس.

 

نعم، حتى التقي، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- مقالته العظيمة التي جمع الناس من أجلها، حتى تكون له منهجا واضحا في الحياة من بعده: "والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".

 

في صحيح البخاري عن عروة: أن امرأة من بني مخزوم من أشراف قريش سرقت في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة الفتح، ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه، قال عروة: فلما كلمه أسامة، تلون وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من شدة الغضب: "أتكلمني في حد من حدود الله؟".

 

قال أسامة: استغفر لي يا رسول الله، هل اقتصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذا الكلام؟

 

لما كان العشي قام خطيبا كي يسمع الناس جميعا ما يقوله؛ لأن الخطب جلل وعظيم، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".

 

ثم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتلك المرأة فقطعت يدها، فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت، قالت عائشة: فكانت تأتي بعد ذلك، فأرفع حاجتها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

أما في المال، فلم ينس الإسلام حقوق غير المسلمين فضلا عن المسلمين؛ روى أبو عبيد عن سعيد بن المسيب: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تصدق على بيت من اليهود، ثم أجريت عليهم الصدقة من بعده.

 

بعض الناس يظن أن نظام التأمين الاجتماعي الغربي الذي يستفيد منه المسلمون المهاجرون ليس له مثال أبداً، وهو قصور في الإطلاع والمعرفة.

كتب الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله في البصرة، فقال: "وانظر من قبلك من أهل الذمة من كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه".

 

من أهل الذمة، وبهذا كفل الإسلام كافة الحقوق المالية لرعايا الدولة الإسلامية دون تمييز، فيعطى الذمي فيها من الخير مثلما يعطى المسلم.

 

وقد فسر بعض أهل العلم الجار الجنب في قوله تعالى عندما أوصى: (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ)[النساء: 36] أي الجار اليهودي، أو النصراني، أو نحوه من الأجانب.

 

أيها الإخوة المسلمون: إننا نرى ضمان الحقوق في دين الإسلام في صورة عملية تطبيقية مشاهدة في أكبر فريضة إسلامية بعد الشهادتين.

 

في فريضة الصلاة، في المسجد، حيث تقام صلاة الجمعة والجماعة، في مشهد تذوب معه كل الفوارق التي تميز بين الناس، فمن ذهب إلى المسجد أولا أخذ مكانه في مقدمة الصفوف، ولا يرضى الله -تعالى- عن أحد أن يدفعه للخلف، مهما كان فقيرا ضعيفا، أو حتى صغيرا في السن.

 

ومن ذهب متأخرا إلى المسجد تأخر مكانه مهما كان منصبه وجاهه، وما يفعله بعض الناس من حجز الأماكن قبل وصولهم ليس من الدين في شيء.

 

وفي المسجد تزول العصبيات، ويختفي الحجاب، فيلتقي الأبيض بالأسود، والعربي بالأعجمي، والشريف بالوضيع، والغني بالفقير، والعالم بالأمي، والحاكم بالمحكوم، لا فرق بين واحد والآخر، كلهم سواسية أمام الله، يلتقون على صعيد واحد من العبودية لله -عز وجل-.

 

الخشوع والخضوع بين يدي ربهم، لا فرق بينهم في قيامهم وركوعهم وسجودهم، قبلتهم واحدة، وكتابهم واحد، وربهم واحد، حركاتهم واحدة، وصوتهم واحد، خلف إمام واحد، مظهر عجيب، لا ولن تراه في حياة المشركين أبدا.

 

درس لهم في معاني العدل والمساواة على أرض الواقع، جمع الله قلوب المسلمين على الحق، ووحد صفوفهم على البر والتقوى.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه غفور رحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

 

وبعد:

 

فعندما نشأت المحكمة الجنائية الدولية قبل ما يقارب السبعة أعوام، استبشرت بها الدول العظيمة، يحيى العدل .. آن الأوان أن ننتصر من ظلم الدول الكبرى، كلٌ فرحان!.

 

وبمرور الوقت بدأت تتضح معالم الوجه الكالح لهذه المحكمة، وعلم الضعفاء أنها مجرد أداة في يدي القوى الكبرى الغربية، لتركيع من لا يخضع لهم.

 

ولذلك طلبت دولة مثل أمريكا إعفاء جنودها ومسئوليها من أحكام هذه المحكمة، فاستجابت لهم، ولما توالت الطلبات على المدعي العام في تلك المحكمة، حتى بلغت أكثر من أربعين طلبا من منظمات حقوقية عربية ودولية، تتعلق بمآسي العراق، والخسائر البشرية، جراء الاحتلال الأمريكي، رفض المدعي العام تلك الدعوات، بحجة ضعف الأدلة.

 

ثم تكرر الأمر خلال العدوان الصهيوني الأخير على غزة، مشفوعة تلك الطلبات بأدلة دامغة بالصوت والصورة على جرائم اليهود، واستخدامهم الأسلحة الكيماوية المحرمة، وأسلحة الدمار الشامل، وفسفور أبيض ضد المدنيين الأبرياء، رفضها المدعي العام بحجة نفسها الأدلة غير كافية!.

 

ثم أضاف -عليه من الله ما يستحق- أن العراق وإسرائيل لم تنضم معاهدة روما المنشأة للمحكمة، فلما جاء موضوع الرئيس عمر البشير، وبالرغم أن السودان ليس عضوا في المحكمة، وإذا بالمدعي يصدر مذكرة اعتقال للرئيس البشير!.

 

طيب: ماذا عن الأدلة هل هي متوفرة هذه المرة؟

 

قال: نعم، فإذا بالأدلة مجرد شهادات لمنظمات إنسانية غربية، في حقيقتها أجهزة استخبارات!.

 

أين المحكمة من جرائم بوش وأولمرت وباراك من السفاحين القتلة الذين سفكوا دماء عشرات الآلاف، وشردوا وهدموا وأحرقوا وأرعبوا الصغار هل البشير أكثر إجراما منهم؟!

 

انها العدالة الغربية في أوج فاعليتها.

 

أما الإسلام فعالم آخر بعيدا عن الوحشية والظلم الاستبداد؛ كما قال تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: 8].

 

أيها الإخوة المسلمون: لو عددنا مأثر الإسلام في تعامله مع أهل الذمة، وإن كان الإسلام حازما في التأكيد على علو كلمة الله -تعالى- إلا أنه في الوقت ذاته كان في أحكامه المتعلقة بهم عدلا رحيما متسامحا كريما.

 

بل جاءت النصوص بوجوب العدل في معاملتهم، والترغيب في الإحسان إليهم، ومن صور ذلك: حمايتهم، وحسن جوارهم، وعيادة مريضهم، وجواز الصدقة والوقف على فقراءهم، ومنحهم حرية التنقل والتكسب والاتجار، داخل دار الإسلام.

 

كل ذلك معروف في الشريعة بخلاف ما يفعله المتنصرون في الأمم الأخرى بالمنهزمين، إذا انتصر أولئك القوم أبادوا، وهجروا، واستغلوا الموارد، وجهلوا الشعوب، وقهروا بغير حق.

 

إن التاريخ ليشهد أن قضية حقوق الإنسان لم تشهد في تاريخ البشرية كلها ازدهارا كازدهارها في عصر الإسلام.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين...

 

 

 

 

 

المرفقات

الإنسان (3) مزاعم وحقائق

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات