حقوق الأخوة في الإسلام

إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني

2025-03-14 - 1446/09/14 2025-04-12 - 1446/10/14
عناصر الخطبة
1/عناية الإسلام بتحقيق الألفة والوئام بين المسلمين 2/عظم حق المؤمن على أخيه المؤمن 3/من حقوق الأخوة في الإسلام 4/ قبول النصيحة والعمل بها 5/ التماس العذر للمخطئ 6/الحرص على قضاء حوائج الناس.

اقتباس

المسلم ضعيف بنفسه، قوي بإخوانه، يُذكّر أخاه فيجتمعون على الطاعة، ويُثبته على الحق ويُشجِّعه ويُعينه، فالمؤمن يحبُّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، يفرح لفرحه، ويحزن لحزنه، ويعينه على ما أهَمَّه من أمور الدنيا والآخرة، يحفظه في غيبته ولا يتأخَّر عن مساعدته، يذكره بالثناء الحسن في حضوره وفي غيبته، يستر عورته فلا يغتابه.

الخُطْبَة الأُولَى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأوَّلين والآخرين وقيوم السماوات والأرَضين، أرسل رُسُلَه حجةً على العالمين ليحيا من حيي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة.

 

وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسولُه، البشير النذير، والسراج المنير، ترك أمته على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات ربي وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار، وصلوات ربي وسلامه عليه ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصلوات ربي وسلامه عليه ما غفل عن ذكره الغافلون، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واستنَّ بسُنته إلى يوم الدين.

 

 أما بعد: عباد الله: اتقوا الله وأطيعوه، وابتدروا أمره ولا تعصوه، واعلموا أن خير دنياكم وأخراكم بتقوى الله -تبارك وتعالى-؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2- 3]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق: 5]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا)[الأنفال: 29]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70- 71].

 

عباد الله: إن من مقاصد الإسلام ومبادئه العظام تحقيق الألفة والوئام بين أهل الإسلام؛ قال الله -جل جلاله-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 71].

 

فأمة الإسلام المستمسكة بأوامر الله -جل جلاله- أمةٌ مرحومةٌ يسودها التوافق والأخوة والنصرة واجتماع كلمة المسلمين على الحق، هو سبيل قوتها وعزتها ونصرتها؛ قال الله -جل جلاله-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)[محمد: 7 - 9].

 

عباد الله: ربنا العظيم جمع أمة الإسلام على الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- فألَّف بينهم وجمع كلمتهم، ولقد امتنَّ الله على رسوله بجمع قلوب أصحابه، قال ربي -جل جلاله-: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[الأنفال: 62، 63]، اللهم ألِّف بين قلوبنا يا رب العالمين.

 

عباد الله: حين تشتد غربة الإسلام يحتاج المسلم إلى أخيه حاجةً ملحةً ليُثبِّته ويُذكِّره، أو لم تسمع بقول عبد الله بن رواحة لأبي الدرداء -رضي الله عنهما-: "هيا بنا نؤمن ساعة، فإن القلب أسرع تقلُّبًا من القدر إذا استجمعت غليانًا".

 

ألم تسمع ما قال معاذ لصاحبه وهو يذكره: "اجلس بنا نؤمن ساعة"؛ بل إن كليم الله موسى -عليه الصلاة والسلام- لما أراد أخاه هارون في دعوته ورسالته إنما أراده ليكون مُعينًا له ومُثبِّتًا ومُذكِّرًا، قال الله -جل وعلا-: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا)[طه: 29 - 35].

 

عباد الله: المسلم ضعيف بنفسه، قوي بإخوانه، يُذَكِّر أخاه فيجتمعون على الطاعة، ويُثبّته على الحق ويُشجِّعه ويُعينه، فالمؤمن يحبُّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، يفرح لفرحه، ويحزن لحزنه، ويعينه على ما أهَمَّه من أمور الدنيا والآخرة، يحفظه في غيبته ولا يتأخَّر عن مساعدته، يذكره بالثناء الحسن في حضوره وفي غيبته، يستر عورته فلا يغتابه.

 

والمؤمنة تقوى بأختها، تذكرها وتثبتها، يتعاونون على حفظ كتاب الله -جل وعلا- ومدارسته، ويتعاونون على نشر الفضائل في مجتمعاتهم، تُثبِّت الأختُ المحتشمةُ أختَها فتقوى بها.

 

عبد الله: من أسباب نجاة العبد في الدنيا والآخرة حسنُ اختيار أخيه، فعن أبي سعيد الخُدْري -رضي الله عنه- قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامَك إلا تقيٌّ"، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "المرءُ مع مَنْ أحَبَّ".

 

عباد الله: إن من حقوق الأخوة في الإسلام: الحرص على إسعاده وتبشيره وإدخال السرور عليه، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أيُّ الناس أحَبُّ إلى الله؟ وأيُّ الأعمال أحَبُّ إلى الله -عز وجل-؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أحَبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس، وأحَبُّ الأعمال إلى الله سرورٌ تُدخِلُه على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تطرد عنه جوعًا، أو تقضي عنه دينًا".

 

وهكذا كان حبيبنا -صلى الله عليه وسلم-، فلقد بَشَّر أبا بكر وعمر وعثمان بالجنة، وبَشَّر كعب بن مالك بتوبة الله عليه، وعن عبدالله بن أبي أوفى أن رسولنا -صلى الله عليه وسلم- بَشَّر أُمَّنا خديجةَ -رضي الله عنها- ببيتٍ في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.

 

فالحرص على إدخال السرور بين الأهل والأحباب وتبادل الأخبار المبشرة المثبتة من انتشار الخير بين الناس وما أكثره! إياكم أن يموت صوت الخير في مجتمعاتكم، والبعد غاية البعد عن بثِّ الهوان في الناس وتثبيطهم عن العمل لدينهم؛ فدينكم منصور بنصر الله -جل جلاله-، وتذكَّرُوا على الدوام قول الله: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)[آل عمران: 139- 140].

 

واعلم -رعاك الله- أن الأخوة الحقيقية هي التي تقود إلى الجنة بأيّ وسيلة، فيجب علينا جميعًا تربية النفس ومن تحت اليد على قبول النصيحة؛ بل وطلبها وقبولها والفرح بسماعها؛ لأنها بحق دليل المحبة، وهذا فاروق الأمة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يعلنها صريحةً ويصدع بها: "رحم اللهُ امرأً أهدى إليَّ عيوبي".

 

ولقد كان حبيبكم وإمامكم وقدوتكم محمد -صلى الله عليه وسلم- يأمر أُمَّتَه بالمعروف وينهاهم عن المنكر بشتى الوسائل، واسمع خبر أبي مسعود البدري -رضي الله عنه- يقول: كنت أضرب لي غلامًا بالسوط، فسمعت صوتًا من خلفي يقول: "اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود"، فلم أفهم الصوت من الغضب، فلما دنا مني إذا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام"، قلت: يا رسول الله، هو حُرٌّ لوجه الله، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "لو لم تفعل لَلَفَحَتْكَ النارُ" أو "لَمَسَّتْكَ النارُ"، فقلت: والذي بعثك بالحق، لا أضرب عبدًا بعده، فما ضربت مملوكًا بعد ذلك اليوم.

 

يا أخي: قبول النصيحة والعمل بها علامةُ توفيقٍ، والتكبُّر على النصيحة وردُّها علامةُ خذلان وخسران، ويخشى العبد أن يكون ممن قال الله فيهم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ)[البقرة: 206]، فلنتأمل في أنفسنا.

 

وأهمس في أُذُن كل ناصح الرفقَ؛ فما كان الرفق في شيء إلا زانه، وإلى كل من كُتبت له النصيحة احمد الله أن سخَّر لك مَن يدلك على طريق نجاتك.

 

من حقوق الأخوة في الإسلام ما روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"؛ فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إن كان ظالمًا، كيف أنصره؟ قال: "تحبسه أو تمنعه من الظلم؛ فإن ذلك نصره".

 

فالوقوف مع أخيك وقت ضعفه نصرة، وهذا خيرُ مُعَلِّم للبشرية، لما جيء برجل من الصحابة يُجلد في الخمر مرارًا، قال رجل من القوم: "اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به!"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تلعنوه؛ فما علمته إلا أنه يحب الله ورسوله"، وفي رواية: "لا تعينوا الشيطان على أخيكم".

 

وهذا حاطب بن أبي بلتعة في لحظة ضعف وبينما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متوجِّهًا لفتح مكة، وقد أمر أصحابه أن يكتموا أمره، فخالف حاطب أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكتب كتابًا لقريش يخبرهم بما أجمع عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال المصطفى -عليه الصلاة والسلام- له: "ما حملك على هذا يا حاطب؟"، فقال: يا رسول الله، وَاللَّهِ مَا بِي إِلَّا أَنْ أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، أَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَّا لَهُ هُنَالِكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ. لحظة ضعف، قال عمر: دعني فلأضرب عنقه؛ فإن الرجل قد نافق، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-، هذا الرفيق بالأمة يقول ويعلمنا: "وما يدريك يا عمر، لعلَّ الله اطَّلَع على أهل بَدْر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم".

 

من حقوق الأخوة في الإسلام: الدفاع عن بعضهم في حضورهم، ويتأكد ذلك في غيبتهم، ففي الحديبية أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- عثمان بن عفان ليفاوض قريشًا، فتأخر عثمان، فقال المسلمون قبل أن يرجع عثمان، وقلوبهم تتوق شوقًا لبيت الله الحرام: "خَلَص عثمان من بيننا إلى البيت فطاف به"، فقال رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "ما أظُنُّه طاف بالبيت ونحن محصورون"، قالوا: وما يمنعه يا رسول الله وقد خلص، قال: "ذلك ظني ألا يطوف بالكعبة حتى يطوف معنا"، فصدق ظَنُّ المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.

 

ما أحوجنا اليوم في مجالسنا أن نذبَّ عن أعراض المسلمين والمسلمات! فهذا حقُّ المسلم على أخيه، فلا نتَفَكَّه بسماع أخبارهم التي يكرهون، أو السكوت عما يُفتَرى عليهم، فعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- عن نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "ما من امرئ مسلم يردُّ عن عرض أخيه إلا كان حقًّا على الله أن يردَّ عنه نار جهنم يوم القيامة".

 

فإذا جلست في مجالس تُدار بغيبة المسلمين ونميمتهم، فدَافِع عن عِرْض أخيك، فإن لم تستطِع فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين.

 

بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقتصر دفاعه عن صحابته، واسمع هذا الخبر العجيب، من عجائب الأخبار أن رسولنا -صلى الله عليه وسلم- دافع عن ناقته القصواء يوم الحديبية يوم أن توقفت عن المسير فلم تتحرَّك، فقال الناس: "خَلأتِ القَصْواء"؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما خلأَت، وما هو لها بخُلُق، ولكن حَبَسها حابِسُ الفيل"؛ أي: منعها الله -جل جلاله-، لم يرضَ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتكلم في ناقته في حضرته ودافع عنها، ألا يكون المسلم أعَزَّ علينا؟!

 

من حقوق الأخوة في الإسلام: التماس العذر للمخطئ، فأنت لا تدري ما هي ظروف الناس ولا مشكلاتهم، فهذا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- لما كسرت أُمُّنا عائشة الصحفةَ التي أرسلتها إحدى زوجاته وفيها طعام، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "غارت أُمُّكم، غارت أُمُّكم، صحفة بصحفة وطعام بطعام".

 

فلنقل عَلَّه كان مشغول البال مجهود البدن عنده من الأمور... قال الله -جل جلاله-: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[الأعراف: 199].

 

ومن حقوق المسلمين بعضهم على بعض: الحرص على قضاء حوائجهم، قال عليّ -رضي الله تعالى عنه-: "إن الله خلق خلقًا من خلقه لخلقه، فجعلهم للناس وجوهًا، وللمعروف أهلاً، يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون يوم القيامة".

 

ومن الحقوق التي فرَّط فيها كثير من الناس: نسيان الفضل عند الخصام والنزاع، والله يقول في الزوجة التي طَلَّقها زوجها قبل الدخول ولم يكن بينهم عشرة: (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)[البقرة: 237]، فكيف بمَنْ جمعتهم سنين وفرقتهم خصومة؟! (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)[البقرة: 237].

 

ومن الحقوق التي ينبغي ألا يغفل عنها الدعاء والتواصي به، يقول أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "إني لأستغفر لسبعين من إخواني في سجودي بأسمائهم وأسماء آبائهم".

 

والمصطفى -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكَّل به: آمين ولك بمثله"، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الحشر: 10].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين.

 

أما بعد: إن من أوثق الحقوق بين المسلمين التواصي بينهم بالحق، وتثبيت كل واحد منهم بالآخر، وبث التفاؤل في نفوس المسلمين، والسعي في إصلاح شؤون دينهم ودنياهم وآخرتهم.

 

يقول يحيى بن معاذ: "ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تمدحه فلا تذمه".

 

اللهم ألِّف بين قلوبنا، واجمعنا على الحق يا رب العالمين.

 

اللهم اجعلنا مُعظِّمين لأمرك، مؤتمرين به، واجعلنا معظمين لما نهيت عنه منتهين عنه، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

 

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تعز الإسلام والمسلمين، وأن تذل الشرك والمشركين، وأن تدمر أعداء الدين، وأن تنصر من نصر الدين، وأن تخذل من خذله، وأن توالي من والاه بقوتك يا جبار السماوات والأرض.

 

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى.

 

اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود، وجازهم خير الجزاء، اللهم اقبل من مات منهم، واخلفهم في أهليهم يا رب العالمين.

 

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واجمع كلمتهم على ما يرضيك يا رب العالمين، اللهم بواسع رحمتك وجودك وإحسانك يا ذا الجلال والإكرام، اجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحومًا، وتفرُّقنا من بعده تفرُّقًا معصومًا.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وجازهم عنا خير الجزاء، اللهم من كان منهم حيًّا فأطل عمره وأصلح عمله وارزقنا بره ورضاه، ومن سبق للآخرة فارحمه رحمةً من عندك تغنيهم عن رحمة من سواك.

 

اللهم ارحم المسلمين والمسلمات، اللهم اغفر لأموات المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، اللهم جازهم بالحسنات إحسانًا، وبالسيئات عفوًا وغفرانًا، يا رب العالمين.

 

اللهم احفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك، ووفِّقْنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك.

 

اللهم أصلحنا وأصلح ذريتنا وأزواجنا وإخواننا وأخواتنا ومن لهم حقٌّ علينا يا رب العالمين.

 

اللهم ثبتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين، اللهم كن لإخواننا المسلمين في كل مكان، اللهم كن لهم بالشام وكل مكان يا رب العالمين.

 

اللهم إنا نسألك بأنك أنت الصمد تصمد إليك الخلائق في حوائجها، لكل واحد منا حاجة لا يعلمها إلا أنت، اللهم بواسع جودك ورحمتك وعظيم عطائك، اقضِ لكل واحد منا حاجته يا أرحم الراحمين.

 

اللهم اغفر لنا في جمعتنا هذه أجمعين يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وجازهم عنا خير ما جزيت والدًا عن والده، اللهم كان منهم حيًّا فأطل عمره وأصلح عمله وارزقنا بره ورضاه، ومن كان منهم ميتًا فارحمه برحمتك التي وسعت كل شيء وجميع أموات المسلمين يا أرحم الراحمين.

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180 - 182]، وصلِّ اللهم وسَلِّم وبَارِك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

المرفقات

حقوق الأخوة في الإسلام.doc

حقوق الأخوة في الإسلام.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات