حقوق الآمِرين بالمعروف

محمد بن عبدالرحمن العريفي

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ميزة الأمة وشرط التمكين وواجب الجميع 2/ مراحل هذه الشعيرة 3/ الآثار والعقوبات المترتبة على تركها ودَوْر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في درئها 4/ الاعتداءات الآثمة على رجال الهيئة ودَوْر الصحافة والمسلسلات فيها بانتقاص قدر رجال الهيئة 5/ الواجب تجاه رجال الهيئة المرتقين حاليا علما وسلوكا والتحذير من العبث بهم وبالشعيرة 6/ حصار دماج من قِبَل الحوثيين

اقتباس

لو أنَّ رجال الهيئةِ حُفِظَتْ لهم هيئتُهم وهيبتهم، ونُصِحَ مَن يقع في خطأ منهم، وبُيِّنَ له خطؤه، وقيل له الفعل الصحيح! وهم -ولله الحمد- من فترة طويلة تقام لهم الدورات التدريبية في فنون التعامل مع الناس، وفي فنون المحاورة، وفي فنون الإقناع، ويُنبَّهون على عدد من الأمور، والآن؛ جُل رجال الهيئات هم خريجون للشريعة وأصول الدين، وعدد كبير منهم من حمَلَة الشهادات العليا والماجستير والدكتوراه ..

 

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله -تعالى- من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جَلَّ عن الشبيه والمثيل والكفء والنظير، وأشهد أن محمدا عبدُهُ ورسولُه، وصفيُّه وخليله، وخِيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله ربه رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، فهدى الله -تعالى- به من الضلالة، وبصَّر به من الجهالة، وكثَّرَ به بعد القلة، وأغنى به بعد العَيْلة، ولمَّ به بعد الشتات، وأمَّنَ به بعد الخوف.

فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطيِّبين، وأصحابِهِ الغُرِّ الميامين، ما ذكره الذاكرون الأبرار، وما تعاقَبَ الليلُ والنَّهار. ونسأل الله -تعالى- أن يجعلنا جميعا من صالح أمَّتِهِ، وأنْ يحشرَنا يوم القيامة في زمرته.

أما بعد: أيها الإخوة المسلمون، إنَّ من الشعائر العظيمة التي أوجبها الله -تعالى- على جميع الأمم وأوجبها الله -تعالى- أيضا على أمتنا، بل جعلها الله -تعالى- ميزة وصفة لنبينا محمد -عليه الصلاة والسلام- لمــــَّا ذُكر خبرُه في الكتب السابقة في التوراة والإنجيل، وجعلها الله -تعالى- ميزة وصفة لأمتنا، بل جعلها الله -تعالى- شرطا لمن أراد أن يمكَّن في الأرض، تلك الشعيرة العظيمة التي لعن الله -تعالى- فريقا من بني إسرائيل لما عطلوها.

وبيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّ مَن ترك هذه الشعيرة حِيلَ بين دعائه وبين أن يجيبه الله -تعالى- عليه، هذه الشعيرة العظيمة هي التي قال الله -تعالى- فيها: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [آل عمران:104]، ومدَحَ اللهُ -تعالى- أمتنا، وقال -جل في علاه-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)، أنتم خيرٌ من قوم نوح -عليه السلام-، وخير من قوم عاد، وخير من قوم ثمود، أنتم خير أمة؛ ثم بين الله -تعالى- السبب فقال -جل وعلا-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110].

ولما تكلم ربنا -جل وعلا- عن أحوال الأمة السابقة ذكر لنا من أحداثهم قصصاً وعِبَراً، وبيَّن الله -جل وعلا- أنه لعَن بني إسرائيل بسبب تركهم لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال سبحانه و-تعالى-: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة:78-79].

فبين الله -جل وعلا- أن سبب لعنتهم أن الجار كان يرى جاره على منكر، والصدِيق يرى صديقه، والولد يرى أباه، والزوجة ترى زوجها، جعل بعضهم يرى على بعضهم منكرات ثم لا يتحرك لسانه، ولا تتحرك يده؛ بل أيضا طُبع على قلبه فأصبح القلب يرى هذه المنكرات حتى تعوَّد عليها، فلم يعد يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر.

وبيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- عِظَمَ هذه الشعيرة، وبين أنها عامة في وجوبها على كل من له عقل يرشده، فقال -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه مسلم، قال -عليه الصلاة والسلام-: "مَن رأى منكم منكرا"، أيّ منكرٍ، سواء كان منكراً في مجلس، أو منكر يتعلق بالمال، أو يتعلق بالألفاظ، أو في بيع أو شراء أو غير ذلك، من رأى منكم منكرا في لباس أحد، أو في طريقة طعامه أو شرابه أو في طريقة تعامله، "مَن رأى منكم منكرا"، ماذا يفعل؟ قال: "فلْيُغَيِّرْهُ بيده"، إن كانت له سلطة ،كالأب على أولاده، والزوج على زوجته، والمدير في إدارته، والملك في شعبه، والوزير في وزارته؛ فمن كانت له سلطة فيجب عليه أن يغير المنكر بيده، بأن يصدر القرارات، بأن يمنع فلانا من الدخول، بأن يفصل فلانا إذا كان يفعل المنكر، "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده".

ثم بين -عليه الصلاة والسلام- المرحلة التي بعدها فقال: "فإن لم يستطع" أن يغيره بيده؛ لأنه ليست له سلطة أو مكنة أو منصب، أو يخشى ضررا يلحقه من جراء إنكاره، قال: "فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه"، ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: "وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".

إن لم يستطع أن ينكر بيده فينتقل إلى اللسان، ويتضمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن ينكر بلسانه قولا أو كتابة، أو برفع الأمر إلى من يستطيع أن ينكر، المهم أن يفعل ما يستطيع في سبيل الحيلولة بين هذا المنكر وبين أن يستمر صاحبه فيه.

ولما وصف ربنا -جل وعلا- نبينا -عليه الصلاة والسلام- في كتب الأمم السابقة التي أمروا فيها بالإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، قال الله -جل وعلا-: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) [الأعراف:157].

ذكر خبره، وذكرت صفته، وأمروا باتباعه، فهو الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، ماذا يفعل؟ (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [الأعراف:157]؛ فجعل الله -تعالى- منذ الأزل، منذ الكلام في كتب الأمم السابقات، جعل أبرز صفة لنبينا ولأمته مِن بعده الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقال الله -جل وعلا-: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ) [الحج:41]، وماذا يفعلون؟ (وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) [الحج:41]، فبالأمر بالمعروف وبالنهي عن المنكر يكون بقاء الأمن في البلاد، ويكون بقاء العز، ويرتفع شأن الإسلام، وتبقى راية التوحيد، كلما كان الناس يشتغلون فعلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

بل بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الناس إذا سكتوا عن الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر أوشك الله -تعالى- أن يعمهم جميعا بالعذاب، أن يعم الصالح والطالح، أن يعم الآمر بالمعروف والساكت عنه، قال -عليه الصلاة والسلام-: "لتأْمُرُنَّ بالمعروف، ولَتَنْهَوُنَّ عن المنكر، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض"، يعني: يقع الشقاق والخلاف والخصومات بين الناس، قال: "أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض، ثم يدعو خيارُكم فلا يستجاب لهم"، يدعو العُبَّاد والقُوَّام والصائمون والقُرَّاءُ والصالحون والمتصدِّقُون يدعو خياركم، يدعون الله أن يرفع عنهم البأس، أن ينزل عليهم القطر، أن يعمهم بالخير، أن يرخص الأسعار، أن يبعد عنهم الشقاق والنفاق والخصومات، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم.

متى يحال بين دعاء الناس وبين أن يستجاب؟ لمـــَّا يترك الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك بحديث أوضح فقال: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه"، صار الإنسان يدخل إلى البقَّال ويرى المنكر ثم يتكلم ولا ينكر، يدخل المجلس ويرى المنكر، يدخل إلى موقع في الانترنت ويرى أخطاء ومنكرات من الأعضاء ثم لا ينصح ولا ينكر، يراه على ولده، على زميله في العمل، "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده".

وبيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك بضرب مثل يصلح لأن يفهمه الإنسان؛ لأجل أن يفقه أن المنكرات إذا انتشرت جعل ينزل العذاب على الصالح والطالح، على فاعل المنكر وعلى من فَعَلَ منكرا آخر بسكوته عن الإنكار، فقال -عليه الصلاة والسلام-، كما في الصحيح: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثَلِ قومٍ استهموا في سفينة"، يعني: أتى مجموعتان من الناس إلى شاطئ البحر أرادوا أن يصطحبوا في سفينة، وهم مجموعتان، فاستهموا، يعني عملوا قرعة بينهم، فالسفينة فيها مكانان، فيها القبو في الأسفل، وفيها الأعلى الذي يتعرض للشمس والهواء الطيب، فالكل يريد المكان الحسَن، فاستهموا، يعني عملوا قرعة.

قال: "فأصاب بعضهم أسفلها وبعضهم اعلاها"، أبحرت السفينة، كان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء، إذا أرادوا ماء لغسل آنيتهم أو غسل ثيابهم أو ما شابه ذلك، أرادوا ماء من البحر ولو يسيرا، صعدوا فمروا على من فوقهم، صعدوا بآنيتهم لأجل أن يلقوها في البحر ليستخرجوا الماء، فمروا على من فوقهم، يعني سببوا لهم إزعاجا.

فقال بعضهم، الذين في الأسفل، وقد رأوا أنهم أحرَجوا الذين في الأعلى، فأرادوا أن يبحثوا عن حل يزيلوا به الإحراج عن الذين في الأعلى، فقال بعضهم: لو أننا أحدثنا في نصيبنا هذا خرقا فلن نؤذي من فوقنا! ما دام أن الأسفل هو نصيبنا، وقد دفعنا ثمنه، ونحن الذين نتحكم فيه، إن شئنا جلسنا فيه وإن شئنا خرجنا وإن شئنا بعناه، ما دام أنه نصيبنا فلنا الحق في التصرف فيه! "لو أننا أحدثنا في نصينا هذا خرقا ولم نؤذ مَن فوقنا".

قال -عليه الصلاة والسلام-: "فإن هم تركوهم وما أرادوا"، يعني الذين في الأعلى إن قالوا للذين في الأسفل: هذا مكانكم إن شئتم أخرِقوه، وإن شئتم بيعوه أو أجِّروه، افعلوا به ما تشاءون، إن هم تركوهم وإن أرادوا أن يثقبوا السفينة في الأسفل، "هلكوا وهلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا".

وهكذا سفينة المجتمع؛ إذا سكت الناس عن إنكار المنكرات، وبدأت النساء يتساهلن في حجابهن، وبدأ الناس يتساهلون فيما يتعلق بالأموال، أو فيما يتعلق بالتدخين، أو تعاطي المخدرات، أو الغيبة وآفات اللسان والكذب، والتقصير في حقوق الزوجة والأولاد، إلى غير ذلك؛ وهذا يترك الصلاة، وهذا يتعرض لأعراض الناس، وهذا يفعل ما يفعل، وهذا يحتال، وهذا يسرق، وهذا يرتشي، إذا ترك الناس أن ينكروا بعضهم على بعض، غرقت هذه السفينة، وأوشك الله -تعالى- أن يعمهم جميعا بعقاب من عنده.

أيها المسلمون: ولقد هيَّأ الله -تعالى- في بلادنا هيئة خاصة عُمرها يعد بعشرات السنين، هيئة لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لترتيب ذلك، لأجل أني إذا رأيت منكرا في السوق أو في جامعة أو في غيرها ثم لم أستطع أن أنكر لأني لست صاحب سلطة فإني أتوجه إلى هذه الهيئة، فهم أصحاب السلطة، فيأتون ويُنْكِرُون عليها.

وللهيئات، هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولله الحمد، أثر واضح في حفظ خصوصية هذا البلد، وتميزه، وأن الله -تعالى- قد جعله قبلة للمسلمين، وله خصوصيته التي يعلمها ويشعر بها ويقتضي بها كل المسلمين في العالم، ويتمنون لو كانوا في التمسك مثله.

هذه الهيئة التي كان لها الأثر الكبير في إنكار كثير من المنكرات، واستخراج عدد كبير من القرارات من أُولي الأمر، لأجل إنكار منكرات كبيرة، لاحظنا خلال الأشهر الماضية تعرضا لبعضهم، وإسقاطا لهم من أعين الناس.

فتارة تسمع أن رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -رحمه الله- في أحد مراكز أبها يُقتَل، وقبل أيام أحد الشباب يأتي إلى عضو هيئة ورجل ملتح وكبير في السن وطالب للعلم، يأتي إليه شاب من الشارع يلقي عليه قنبلة ملوتوف يؤدي به إلى حريق في صدره وفي وجهه وفي أجزاء من جسده، وقبل أيام أيضا تُحرَق سيارات للهيئة، وقبل أيام أيضا يقبل مجموعة من الناس على مركز من مراكز الهيئة ويقتحمونه ويُضْرَبُ الأعضاء، وهم خريجو شريعة وأصول دين، وأئمة مساجد، وخطباء، وطلبة علم...

بالله عليكم! مَن الذي أسقط الهيئات من أعين الناس؟ مَن الذي جعل الناس يجرؤون على هذا الشخص الملتحي فتُلقَى عليه زجاجة ملوتوف، أو يرفع أحدٌ يده إليه ضاربا؟ مَن الذي نزع الهيبة أصلا من قلوب الناس من هؤلاء الصالحين؟! بينما بقيت الهيبة لشرطي المرور لا تستطيع أن ترفع عينك في عينه، بقيت الهيبة للشرطة، بقيت الهيبة للمباحث، متى سمعنا أن مجموعة من الناس دخلوا على مركز من مراكز الشرطة ثم ضربوا أحد الضباط، متى سمعنا ذلك؟! متى سمعنا أنهم مروا على حارس، حتى لو كانت بينهم وبينه مشكلة، حارس عند شرطة أو غير ذلك، ثم ألقوا عليه زجاجة ملوتوف؟!.

مع أني لا أدعو إلى هذا أبداً، لكن؛ مَن الذي أسقط هيبة الهيئات من أعين الناس؟ من الذي أسقطها وهم هيئة لحفظ الأمن في البلاد، هيئة رسمية لحفظ الأمن، كما أن الشرطة هيئة رسمية لحفظ الأمن في البلاد، والمباحث هيئة رسمية لحفظ الأمن، والمرور أيضا، وغير ذلك؛ لكن، من الذي أسقط هيبة هؤلاء أعضاء الهيئات حتى بدأ يأتي إليهم بعض الفُسَّاقِ ويؤذونهم؟!.

الجواب على ذلك تجده في أعمدة بعضِ الصُّحُف، في الانتقاد الصريح القبيح، بألفاظ أحيانا سوقية مِن كُتَّابٍ امتلأت قلوبهم غيظا وحقدا على أعضاء الهيئات، وودُّوا لو تُلغَى الهيئة بحيث يفعل ما يفعل من المنكرات، دون أن يجد عضو هيئة يقول له: اتق الله واخرج من السوق ولا تغازل البنات!.

بعض الناس يشتهي أن يمر في السوق ويرى النساء متبرجات، يشتهي أن يوظِّف عنده مَن شاء من السكرتيرات، ولو قال إن الهيئة ستقبض عليك وتمسكك، يشتهي أن يقف عند جامعة أو عند مدرسة ويُركب البنت التي قام بإغوائها عبر الهاتف أشهراً عديدة، يتمنى أن تركب معه دون أن يخاف من عضو الهيئة أن يكون واقفاً ويقول له: ممنوع! أو يخاف أو تخاف هذه الفتاة منهم، يشتهي ذلك؛ أو يشتهي أن تُبتَزَّ الفتيات بصُوَرٍ أمسكها عليها، أو تسجيلات سجَّلَها عليها، دون أن تقول الفتاة له: سوف أشتكيك إلى الهيئة.

يشتهي أن يكون هذا المارد الذي يخشى منه في كل موطن يشتهي أن يقضي عليه حتى يفعل ما يشاء من المنكرات، الهيئة تحول بين بعض الناس وبين شهواتهم، صاحب شهوة الهيئة تحول بينه وبين شهوته، فكيف تريده أن يحبهم أو أن يعظمهم أو أن يحفظ قدرهم أو أن يمدحهم أو أنْ يُثني عليهم وهم الذين يحولون بينه وبين شهوة المال المحرم، أو شهوة الفرج، أو غير ذلك من الأمور. كيف تريده أن يحبهم؟!.

لما بدأ بعض كُتَّاب الصحف -مع الأسف!- ينتقصهم، ويسوق التعليقات إليهم، ويهيج الناس كل من يقع، يبدأ يقول: الهيئة هذه عملت لنا مشاكل، الهيئة هذه لا يستحقون الاحترام، يبدأ يهيج الناس، يمارس نوعاً مِن التعبئة في قلوب الناس على أعضاء الهيئات.

هذا كوم، وبعض المسلسلات -مع الأسف!- والتي لا تبث في قناة CNN أو FoX أو غيرها، تبث مع الأسف في قنوات تنسب إلى السعودية، ولا أريد أن أسميها، يملكها أقوام سعوديون، أو ربما أحيانا في الإعلام الرسمي، وإذا بهم يصورون الإنسان الملتحي -سواء الذي يأمر بمعروف وينهى عن منكر، أو ينصح الناس، أو يحول بينه وبين المنكرات- وإذا بهم يصورنه بهيئة مضحكة في شكل غترته وهيئة ثوبه، وهيئة لحيته، وطريقة أكله، وطريقة كلامه، وطريقة مشيته، فيكون هذا الرجل أضحوكة للناس.

وبالتالي، لما يراه يجلس يحقق مع شاب قبض عليه في خلوة محرمة مع فتاة أو مع متعاطي مخدرات أو غير ذلك، لما يبدأ يحقق تكون الصورة الذهنية عند الجالس عند هذا الشاب أو المتعاطي صورة أصلا صورة مزدراة لهذا العضو الذي أمامه، فيقول في نفسه: هذا أصلا لا يستحق الاحترام؛ بسبب التعبئة التي مارستها هذه الصحف أو تلك المسلسلات؛ لذلك لا نستغرب أن يقع مثل هذا، وهذا طبيعي في الناس، لو مُورست أنواع من التعبئة ضد الشرطة لما استغربنا أن يأتي بعض المراهقين يضرب شرطي.

لو خرج مسلسل فيه عدد من المشاهد لشباب يسوقون السيارة فيوقفهم الشرطي ثم ينزلون ويضربونه ويذهبون، لو طُبق ذلك في عدد من المسلسلات لَتَرَيَنَّ ذلك في الواقع حتماً؛ لأن الناس يتأثرون عبر العقل الباطن دون أن يشعروا بتأثرهم؛ فالذي يمارس التعبئة ضد الهيئات حتى أسقط هذا الإنسان الملتحي الملتزم طالب العلم إمام المسجد، أسقطه من أعين الشباب والمراهقين، وبدؤوا يرونه من خلال مسلسلات وقراءات وانترنت، يُضحَك عليه ويُستهزأ به، عندها لا تعجب أن يسقط من أعينهم فيمد أحدهم يده إليه، أو يلقي عليه قنبلة ملوتوف، أو قل غير ذلك، لا تعجب من ذلك.

لكن؛ لو أنَّ رجال الهيئة حُفِظَتْ لهم هيئتهم وهيبتهم، ونُصِحَ مَن يقع في خطأ منهم، وبُيِّنَ له خطؤه، وقيل له الفعل الصحيح! وهم -ولله الحمد- من فترة طويلة تقام لهم الدورات التدريبية في فنون التعامل مع الناس، وفي فنون المحاورة، وفي فنون الإقناع، ويُنبَّهون على عدد من الأمور، والآن؛ جُل رجال الهيئات هم خريجون للشريعة وأصول الدين، وعدد كبير منهم من حمَلَة الشهادات العليا والماجستير والدكتوراه، وأنا مسؤول عن هذا الكلام، علاقتي بهم قوية، وألقي عندهم عدداً من الدورات، وألتقي بهم.

أما ما يذكر عن أعضاء الهيئات من أخطاء من عوام، فهذا كان قبل 15 سنة و20 سنة، كما كان موجوداً في عدد من الأجهزة، ليس فقط في الهيئات.

لذلك ينبغي أن يُحَذَّرَ -أيها المسلمون- من العبث بهذه الشعيرة، شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا عُبث بها وأسقطت من أعين الناس، وأصبح الناس إذا أُنْكِرَ عليهم منكر علَّقوا عليه وتضاحكوا منه ولم يعظموه، يُخْشَى -والله!- كما بين النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أن يوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده"، إذا أسقط الرسميون ثم أسقط من يجئ بعدهم.

أسأل الله -تعالى- أن يصلح أحوالنا، أسأل الله -تعالى- أن يرد كيد المفسدين في نحورهم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله الجليل العظيم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه،واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخلانه ومن صار على نهجه واقتفى أثره واستنى بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد: أيها الإخوة الكرام: إن إخوة لنا في اليمن في "دماج" خلال هذه الأيام، وهم مجموعة من طلبة العلم من طلبة الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله -تعالى-، ممن ثنوا رقابهم على طلب العلم، وأقبلوا إليه إلى هذا الموضع من أماكن عدة من العالم، فيهم أقوام أقبلوا من جهات أوربا ومن جهات متعددة من العالم، أقبلوا منذ سنين، وبعضهم تزوج في اليمن، وبعضهم أحضر زوجته وصار له أطفال.

وهم يربُون على أكثر من أربعة آلاف أسرة، كل أسرة فيها عدد كبير ما بين أطفال من أولاد وبنات وزوجات، وهم الآن محاصرون، يحاصرهم الحوثيون في اليمن، يحاصرونهم الآن من أكثر من شهر ونصف، حتى قلت عندهم الأغذية وحليب الأطفال، وبعضهم كبارٌ في السن، وجلهم من طلبة العلم الذين تفرغوا من أجل طلب العلم.

نسأل الله -تعالى- أن ينصرهم، نسأل الله -تعالى- أن يرفع عنهم، نسأل الله -تعالى- أن يمكنهم، ونسأل الله -تعالى- أن يرينا عجائب قدرته في كل من يضيِّق على المسلمين، نسأل الله أن يرينا عجائب قدرته في كل من يضيِّق على المسلمين، أو يحارب عقيدتهم، أو يحارب الإسلام.

 

 

 

 

 

 

المرفقات

الآمِرين بالمعروف

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات