حفلات التخرج: الواقع والمأمول

الشيخ أ.د عبدالله بن محمد الطيار

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ كثرة تنظيم حفلات التخرج في المجتمع 2/ ضوابط مهمة في إقامة حفلات التخرج 3/ بعض صور الانحرافات المذمومة في حفلات التخرج 4/ ضرورة ضبط الحفلات بضوابطها الشرعية.

اقتباس

كل والدٍ ووالدةٍ يسعدان برؤيةِ أبناءهِم وبناتهم وهم يحملون مشاعلَ العلمِ ويرتقون لمصافِّ التميّزِ والتفوقِ والنجاحِ، إلا أن هناك مظاهرَ غريبةً ما زالتْ تدبُّ في أوساطِ مجتمعِنا -وقد حذْرنَا منها مراراً وتكراراً-، فوجودُ الإسرافِ والتبذيرِ وحصولُ بعضِ المخالفاتِ الشرعيةِ، وقد حلَّت محلَّ الشكرِ للمنعمِ -جلَّ وعلا- للتعبيرِ عن هذا التفوقِ والنجاحِ، وقد تنامي مع ذلك المبالغةُ في حفلاتِ النجاحِ والتخرجِ في كثيرٍ من مراحلِ التعليم.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدالله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون والمؤمنات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

 

عباد الله: في نهايةِ كلِّ عامٍ دراسي، تبدأُ الكلياتُ والمدارسُ للبنين والبنات تجهيزَ احتفاليةِ نهايةِ العامِ لتكريمِ الطلابِ والطالباتِ المتفوقينَ دراسياً، والمتخرجين في السنةِ الأخيرةِ من دراستهِم، والذي أصبح مظهرًا مجتمعيًّا يراهُ ويعيشه الجميع.

 

وهذا ما دامَ داخلَ أسوارِ المدرسةِ وبإشرافٍ مباشرٍ منهَا فلا إشكالَ في ذلك، ما دام بعيداً عن التشبِه المذمومِ، والغالب أن كل احتفال داخل المدرسة يسلم من المحاذير الشرعية لتمام الضبط والمتابعة من المدرسة.

 

ولا شكَّ أنَّ تكريمَ الناجحينَ والخريجينَ من الطلابِ والطالباتِ في حفلاتِ النجاحِ والتخرجِ ومشاركتِهم في حفلِ تكريمهِم وإدخالِ السرورِ عليهِم وإهداءِ الهدايا والجوائزِ لهم، من أعظمِ العباداتِ وأجَلِّ القُرباتِ، إذا احتسبهَا المسلمُ كتب اللهُ له في ذلك أجرًا عظيمًا، وفيه أيضاً اتباعٌ للسنةِ، فقد ورد عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يَهدي ويُهدَى لهُ، ويَقبلُ الهديةَ، ويُثيبُ عليهَا، وهو القائل: "تهادوا تحابُّوا" (رواه البخاري في الأدب المفرد)، والقائل: "أجيبوا الداعي ولا تردوا الهدية" (رواه أحمد وصححه الألباني).

 

عباد الله: إن فرحَ أبنائنِا من الطلابِ والطالباتِ بالنجاحِ والتخرجِ هو أمرٌ فطريٌّ جِبِلّي، وإذا قُرِن ذلك بشكرِ اللهِ -جلَّ وعلا- انقلبَ هذا الفرحُ إلى عبادةٍ؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.." (متفق عليه)، ولأنه -جل وعلا- هو صاحب الفضلِ عليهم في تفوقِهم ونجاحِهم، وصدق الله العظيم: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) [النحل: 53].

 

والشريعةُ لم تأتِ لحرمانِ المسلمِ من الفرحِ والسرورِ والبهجةِ، بل جاءت مرغبةً بذلك، وقد وضعتْ ضوابطَ سهلةً ميسرةً لتنظيمَ ذلك الفرح، بحيث لا يخرجُ عما يرتضيه الله -جلَّ وعلا-، قال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأعراف: 32].

 

وكل والدٍ ووالدةٍ يسعدان برؤيةِ أبناءهِم وبناتهم وهم يحملون مشاعلَ العلمِ ويرتقون لمصافِّ التميّزِ والتفوقِ والنجاحِ، إلا أن هناك مظاهرَ غريبةً ما زالتْ تدبُّ في أوساطِ مجتمعِنا -وقد حذْرنَا منها مراراً وتكراراً-، فوجودُ الإسرافِ والتبذيرِ وحصولُ بعضِ المخالفاتِ الشرعيةِ، وقد حلَّت محلَّ الشكرِ للمنعمِ -جلَّ وعلا- للتعبيرِ عن هذا التفوقِ والنجاحِ، وقد تنامي مع ذلك المبالغةُ في حفلاتِ النجاحِ والتخرجِ في كثيرٍ من مراحلِ التعليم.

 

ومما ساعدَ على انتشارِ هذه الحفلاتِ حرصُ أولياءِ الأمورِ على إقامتِها بما فيها من تكاليفَ وتبذيرٍ وإسرافِ، فالمقتدرُ يبادرُ وقلبُ الفقيرِ ينكسرُ ويحزنُ ويضطَّرُ إلى تحمُّل ما لا تطيقُ أُسرتُه في دفعِ قيمةِ تلك الاحتفالاتِ والأطباقِ والهدايا والملابسِ وزخرفةِ القاعاتِ وردهاتِ الاستراحاتِ، وفي ذلك عدمُ مراعاةٍ لمشاعرِ هؤلاءِ الفقراءِ وحالتِهم الماديةِ.

 

وهذا خلافُ ما جاءَ به الإسلامُ من الحثِّ على التواضعِ والشعورِ بظروفِ الآخرين، وحبِّ الخيرِ لهم، وعدمِ التعالي عليهِم، والظهورُ والتباهي أمامهم بما لا يطيقون، فالمجتمعُ المسلمُ لبنةٌ واحدةُ، ومراعاةُ ظروفِ الآخرين من ذوي الدخلِ المحدودِ أمرٌ منشودٌ، والمسلمُ الحقُّ هو الذي يعي قولَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمنُ أحدُكم حتى يحبَّ لأخيهِ ما يحبُّ لنفسه" (متفق عليه).

 

عباد الله: إنَّ الأصلَ في حفلاتِ التخرجِ الإباحةُ، إذا ضُبطتْ بالضوابطِ الشرعيةِ ولم يترتبْ عليها مخالفاتٌ شرعيةٌ أو منكراتٌ ظاهرةٌ، فإذا ترتبَّ عليها ذلك انقلبَ الحُكمُ إلى التحريمِ، والقاعدةُ في ذلكَ "ما أدى إلى الحرام فهو حرام"، و"درءُ المفاسدِ مقدمٌ على جلبِ المصالحِ".

 

وإنَّ من المؤسفِ حقًّا ما نسمعُه عن بعضِ التجاوزاتِ والمخالفاتِ التي تحصلُ في تلك الاحتفالاتِ وخاصةً في جانبِ الطالباتِ، ومن ذلك:

1- استئجارُ قاعاتٍ أو استراحاتٍ بأسعارٍ مبالغٍ فيها.

2- دفعُ مبالغَ عاليةً لمصممي هذا الحفل.

3- شراءُ هدايا وجوائزَ غاليةِ الثمنِ للخريجينَ والخريجاتِ.

4- شراءُ زهورٍ وورودٍ كثيرةٍ متنوعةِ الأشكالِ والألوانِ دون داعٍ .

5- شراءُ حلوياتٍ وشيكولاتاتٍ بكمياتٍ كبيرة.

 

6- عملُ بوفيهاتٍ مفتوحةٍ تحتوي على الكثيرِ من أصنافِ المأكولاتِ والمشروباتِ والتي - في الغالب - تهدرُ وتلقى في الزبالاتِ.

 

7- ما يكونُ في تلك الحفلاتِ من حصولِ غناءٍ وموسيقى وربما وصل الأمرُ إلى الرقصِ مع الغناء، وكلُّ ذلكَ لَهْوٌ محرَّم، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليكونَنَّ أقوامٌ من أمتي يستحلِّون الحِرَ والحريرَ، والخمرَ والمعازفَ" (رواه البخاري). قال ابنُ تيميةَ -رحمه الله-: "مذهبُ الائمةِ الأربعةِ أنَّ آلاتِ اللهوِ كلَّها حرامٌ".

 

8- ما يحصلُ من بعضِ الطالباتِ من لُبسِ الألبسةِ الضيقةِ والشفافةِ، وهذا لا يليقُ أبداً بأي فتاةٍ مسلمةٍ تخافُ ربَّها.

 

9- تصويرُ تلك الحفلاتِ - في بعضِ الأحيانِ – من قبلِ بعضِ النساءِ سواءً عن طريقِ الفيديو أو التصويرِ العادي، وهذا عملٌ محرمٌ شرعاً، ولا تُؤمَنُ عاقبتُه إذا وقعَ في أيدٍ غير أمينةٍ، فتجنُّبه أسلمُ وأحفظُ للأعراض، وأبرأُ للذمة.

 

10- ما يترتبُ على بعضِ تلكِ الحفلاتِ من سهرٍ إلى وقتٍ متأخرٍ يوصلُ إلى تضييعِ صلاةِ الفجر.

 

11- قد يصاحبُ هذهِ الحفلاتِ بعضُ البدعِ الواردةِ لنا من الغربِ؛ ألا وهي لُبس عباءةِ وقبَّعةِ التخرًُّج، أو ما يسمى بـ "الروبِ" المخصَّصِ لهذا الحفلِ، وقد أفتت اللجنةُ الدائمةُ للإفتاء بأنَّه لا يجُوزُ لُبسها عند التخرجِ؛ لأنه من ألبسةِ النصارى.

 

إلى غيرِ ذلك من صورِ المخالفاتِ والمنكراتِ التي تعتري تلك الحفلاتِ، وما يرافقُها من إسرافٍ مقيتٍ وتبذيرٍ صارخٍ، وهذا كلُّه مناقضٌ لقولهِ -جلَّ وعلا-: (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأنعام: 141]، ويناقضُ أيضاً شكرَ اللهِ -جلَّ وعلا- على نعمةِ المال.

 

عباد الله: إنَّ تلكَ الحفلاتِ قد بدأتْ تأخذُ مساراً خاطئاً بعيداً عن هدفِها الحقيقي، - ألا وهو إشعارُ الناجحِ والمتفوقِ والمتخرجِ بقيمةِ ما حصَّله من العلم الشرعي والعام، والذي يوصلُه -بإذن الله تعالى- إلى هدفِه المنشود، ألا وهو خدمةُ دينِه ووطنِه وأمتِه-، بل باتتْ تلكَ الحفلاتُ محورَ جدلٍ بما اتخذتُه من طابعِ المبالغةِ في كلِّ شيءٍ يُقَامُ فيها، وأصبحتْ تحملُ مفهومَ الاحتفالِ فحسبْ بعيداً عن الهدفِ الاساسي الذي من أبرزِه تحقيقُ الإنجازاتِ والتقدمِ العلمي للخريجينَ والخريجاتِ.

 

فيجبُ على الجميعِ التعاونُ فيما بينهم للتصدي لمثلِ تلكَ الحفلاتِ التي يُتوسعُ فيها بمثلِ ما ذكرنا، ووضعِ حدٍ لها حتى لا تتفاقمُ وتُصبحُ حتماً لازماً، فيترتبُ عليها الكثيرُ من التبعاتِ والسلبياتِ التي تصيبُ المجتمعَ بأسرِه وهو في غنًى عنها.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِين)[القصص:77].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الداعي إلى جنته ورضوانه، صلى الله عليه وآله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: فاتقوا الله -جل وعلا-، واعلموا أنَّ حفلاتِ التخرجِ لم تقفْ عندَ إقامةِ حفلٍ بسيطٍ وميسرٍ للتعبيرِ عن سعادةِ الطلابِ والطالباتِ بالتخرجِ، بلْ وصلَ بعضُها إلى مضاهاةِ حفلاتِ الزواجِ، حتى تضرَّرَ منها كثيرٌ من أولياءِ الأمورِ ممن أحوالُهم الماديةُ لا تساعدُهم على تقديمِ المالِ اللازمِ لأبنائِهم وبناتِهم للمشاركةِ في تلكَ الحفلاتِ، فيضطرُّ مُكْرهاً إلى دفعِ المطلوبِ منهُ حرصاً على تحسينِ صورةِ ابنتِه بين زميلاتِها، ومجاراةً لهم.

 

واعلموا بارك الله فيكم أنَّ تلك الحفلاتِ إذا اشتملتْ على منكرٍ فلا يجوزُ حضورُها ولا دعمُها ولا تأييدُها ولا المشاركةُ فيها، بل الواجبُ إنكارُهَا ومقاطعتُها، وصدق الله العظيم: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)[الفرقان: 72].

 

وعلى كل ولي أمرٍ أن يحفظَ أبناءَه وبناتِه من الوقوعِ في المحذورِ، وليحذرْ ويُحذرْ من المشاركةِ في هذه الحفلاتِ التي تصاحبُها المنكراتُ، وربَّ موقفٍ حازمٍ من ولي أمرٍ يمنعُ بنتَه من المشاركةِ يؤدي إلى امتناعِ الجميعِ، فإن أصرَّت البنتُ على الاحتفالِ فليضعْ لها احتفالاً خاصاً يتولاه بنفسِه ويسلمُ من المحاذيرِ الشرعيةِ.

 

وقد صدرتْ عدةُ تعاميمَ من جهاتِ الاختصاص بمنعِ حفلاتِ التخرجِ خارجَ المدرسةِ، ولذا يتأكدُ الحزمُ والمتابعةُ ومنعُ ذلك، وإذا لزم الأمرُ فيكونُ الاحتفالُ داخلَ المدرسةِ وتحتَ إشرافها منعاً للظواهرِ السلبيةِ والمنكراتِ الظاهرةِ.

 

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56].

 

 

المرفقات

التخرج الواقع والمأمول

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات