عناصر الخطبة
1/ سنة الله في الغربة 2/ سمات أهل الحديث وفضائلهم 3/ السُّنّة محفوظة كالقرآن 4/ إعراض المسلمين عن ميراث نبوي رفيع 5/ الحث على طلب الحديث وتوقير المحدث 6/ تعظيم السنة وحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- 7/ صور من إجلال السلف وتوقيرهم للحديث النبوي والسنة 8/ وصايا سريعة للشباب.اقتباس
بناء الحضارات على هدي السنة والقرآن هو الانطلاقة الكبرى لمعالم النصر الحقيقي، وضمان بناء الأجيال المتماسكة الرشيدة ينطلق من سنن رسول الله، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح بها أولها، انفخوا في أوردة الشباب والأشبال أن العزة والخلود والبركة والتوفيق والهدى هو في هدي من سلف، وفي الخطى التي تحمل دثار النبوة، أوقدوا في دمائهم توقير حامل الكتاب والسنة، وعلّموهم أن طريق الرشاد والسداد على السنة الغراء وهج طريقها ضياء وفي أعطافها البركات. أيتها الأجيال العظيمة! الفخر الحقيقي ليس الشهرة في وسيلة اتصال اجتماعي، ولا بأصابع الناس وهي تشير عليك، ولا بفاقعات تزول بعد أن تؤدي غرضها من البقاء، ولكنه بالزاد الذي يكون معك في خلواتك وجلواتك وفلاواتك وبعد وفاتك أيضًا...
الخطبة الأولى:
الحمد لله خالق الخلق من عدم، كاسي العظم من لحم ودم، بارئ النسم، في العالمين جوده وفضله سرى وعم، فوق السما علاه، تقدس القدوس عن عاب وذم، له الرجا والخوف والحب ومنه فائض الكرم.
أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، الفضل والإنعام والشكران لك، أنت الذي ما خاب عبد لاذ بك، لولاك كنتُ هالكًا فيمن هلك، لولاك كل باب موصد لمن سلك، وقد رضيت بك ربًّا لا شريك لك، وقد وثقت أنه ما خاب عبد أمَّلك، فيك المرجى يا مليك كل مَن ملك، فالفضل منك ثم فيك ثم عنك ثم لك.
الدائم القيوم وهو الباقي *** تبارك اسم ربنا الخلاق
ألطافه ترى بكل نعمة *** يزفها الرحمان في إغداق
وشكرها يزيدها تجملا *** وموثق وأيما إيثاق
ثم الصلاة مع سلام دائم *** على النبي متمم الأخلاق
فأشهد أن محمد بن عبدالله عبدُ الله ورسوله وصفيه وخليله، قد تمّم الله به مكارم الأخلاق حتى غد بنوره الإظلام في إشراق، وفي هداه أصبح الشتات في تلاق، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرًا.
أما بعد:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119]، (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران:18].
تعود كل منبر أن يخطب عن كل شيء، وقد آن له أن يخطب عن أنبل شيء فأدر عليّ حديثهم يروي الظما حديثهم أسما وأصفا وأعذب
كل غربة حقيقة فطوبى لها، ولكنه طوبى لغرباء احترفوا صناعة الغربة في هذا الزمان، ولكن في سبيل الهدى والحق والنور المبين، أن تنشطر الأوقات والأعمار في سبيل أي أمر دنيوي فهو معهود ومشهود، ولكنه لا معهود ولا مشهود أن تتخسر دماء مغطاة بالصبر والجلد لتنشطر أعمارها جثوا على الركب في سبيل غاية علية عظمى.
تعودت الأضواء أن تتجمهر حول كل مشهور، وتعودت أكثر أن تتجمهر على من كانت عقولها خدمًا لأقدامها، ولكنها لم تعتد أن تتجمهر على من كانت أقدامها خدما لعقولها.
وهذه سنة الله في الغربة، أنتم عظماء! إذاً أنتم غرباء إحداهما تجرّ الأخرى، ولذا فإني أقول اخطبوا معي هؤلاء العظماء وهؤلاء الغرباء، اخطبوا معي أرواحًا ليست في الأرض وقدر أجسادها إن لم تكن في السماء، اخطبوا معي حفاظ وحي رسول الله إنكم على الهدى لمن استهدى أدلاء، ما الفضل إلا إليكم، عنكم بكم، والجاهلون لكم في العلم أعداء، وقيمة المرء في وحي يدارسه، وحلة الوحي ميراث وعلياء..
الحكمة صنوان الكتاب والحكمة سنة محمد بن عبد الله (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) [الجمعة: 2]، ولا زالت أصداء كلمات رسول الله تتناقلها الثغور ثغر يحدّث عن ثغر بسند متصل عن مثله، ولن تزال أبدًا إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين، يذهب الناس بالشاة وبالبعير وبالخبز والشعير، ويذهبون هم بميراث رسول الله يتراكض الناس حول الذهب الأحمر وحول الفضة البيضاء، وأما هم فغير مبالين، احمرت الدنيا دونها أم اصفرت، إذا سلمت لهم ما في صدورهم هل يستوون؟ الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون.
نعم نحن نعلن كما أعلنها الشافعي -رحمه الله- من قبل حيث يقول: "أهل الحديث في كل زمان كالصحابة في زمانهم"، وكان يقول: "إذا رأيت صاحب حديث فكأني رأيت أحدًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
الحديث عن أهل الحديث عن أكاليل الدهر عن تيجان الفراقد المنيرة المثيرة وما بحديثهم نضر الله وجوهم..
وأهل الحديث هم أهل النبي وإن *** لم يصحبوا نفسَه، أنفاسَه صحبوا
الثقات العدول خلفاء الرسول *** النجوم التي في صدورهم تعز على الأفول
إن هذه المجتمعات ستظل بخير وهي ترضى أن تصدر النهضات النبوية بالطريقة النبوية، ولا تزال هذه المجتمعات بخير وهي تدرك أن عزها هو بالرد إلى الأمر الأول، ولن تزال هذه المجتمعات بخير وأصحاب حديث رسول الله هم بالمحل الأرفع، وكلما اقترب الزمان من سمت وهدي محمد بن عبد الله أخرج معه زمانًا يشبه انتصاراته الدينية والدنيوية على حد سواء.
لقد مضى 1450 عامًا على أول حديث نبوي تلفظه رسول الله، فترتد أجبال مكة من ذلك الغار السحيق، فتكون كل بقاع الدنيا صدى للعبق الأول من ثغر نبي الهدى -صلى الله عليه وسلم-.
(قُمْ فَأَنْذِرْ) [المدثر: 2]، كانت إنذارًا بتدوين سُنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي أيضًا محفوظة بحفظ الله، يا لهذا الدين العظيم الذي لم يتكفل بحفظ القرآن فحسب، وإنما حفظ معه سنة محمد بن عبد الله، والديانات من حولها تُتخطف صحفها ومواثيقها، إن هذه الأمة ميراثها باقٍ والناس تتقاسمه بينها على قدر هممها وعقولها حتى هذه الساعة، ولن يمضي معين سكبه محمد بن عبد الله.
كانت أحاديث رسول الله منارًا لا يرفعه كل أحد إلا الخواص من هذه الأمة، ولذا تجد كثيرًا من أهل البدع قد حُرموا بركة هذا المعين النبوي، يحفظون كل شيء إلا سنة محمد بن عبد الله.
ميراث رفيع لا يشتريه كل أحد، ولذا كان عزيزًا على الملوك وأبناء الملوك والأغنياء والأثرياء أن ينفقوا زهرات أموالهم بحفظ حديث واحد، وأنَّى لهم ذاك، العلم النبوي لا يُشتَرى بالمال بل يُشتَرى بالأعمار، وبالتوفيق والاتباع.
يا حامل علم النبي محمد *** ما أنتم وسواكم بسواء
لكم المهابة والجلالة والنهى *** وفضائل جلّت عن الإحصاء
تسعون في طلب الحديث برفعة *** وتصبُّر وسكينة وحياء
ومداد ما تجري به أقلامكم أزكى *** وأفضل من دم الشهداء
مرحا بقوم صالحين ذوي تقى *** غر الوجوه وزين كل ملاء
وهم الذين بقاع طيبة تلقهم *** وتودهم في الله ذي الآلاء
روى الطبراني وحسنه الهيثمي عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنه دخل السوق يومًا بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنادى في الناس وقال لهم: "أراكم ها هنا وميراث رسول الله يُقسَّم في المسجد"، فذهب الناس إلى المسجد وتركوا السوق فلم يروا ميراثًا يقسم فيه، فقالوا: "يا أبا هريرة ما رأينا ميراثًا يقسم في المسجد!" قال: "فما رأيتم؟"، قالوا: "رأينا قوما يذكرون الله -عز وجل- ويقرءون القرآن، ويذاكرون بالحلال والحرام"، قال: "فذاك ميراث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
تلك المواريث النبوية لا تصلح أن توهب لكل أحد، لذا فقد اختص بها خواص الأمة كما أن ميراث كل ميت لا يناله كل أحد بل قرابته وأهله.
روى الحاكم في المستدرك وغيره "عن عكرمة قال: قال ابن عباس: "لما قُبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا شاب، قلت لشابّ من الأنصار: هلم لنسأل أصحاب رسول الله ولنتعلم منهم. فإنهم اليوم كثير، فقال: يا عجباً لك يا ابن عباس أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس من أصحاب رسول الله من فيهم. قال: فترك ذلك، وأقبلت أنا على المسألة وتتبع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وإن كنت لآتي الرجل في الحديث يبلغني أنه سمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأجده قائلاً –أي: نائماً - في منتصف النهار، فأتوسد ردائي على بابه، تسفي الرياح على وجهي التراب حتى يخرج، فإذا خرج قال: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟ هلا أرسلت إليَّ فآتيك؟ فأقول: لا، أنا أحق أن آتيك، بلغني حديث عنك أنك تحدثه عن رسول الله، فأحببت أن أسمعه منك"، ولما مضى منه الزمن قال ابن عباس: "فكان الرجل بعد ذلك يراني وقد مات أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واجتمع حولي الناس يسألوني، فيقول هذا الأنصاري لمن حوله: "هذا الفتى كان أعقل مني".
قال الحاكم عقب هذا الخبر: هذا الحديث أصل في طلب الحديث وتوقير المحدث.
"نضَّر الله عبدًا سمع مقالة لرسول الله فوعاها، ثم أداها كما سمعها".
قال ابن حبان بعد ذكره لهذا الحديث تحت عنوان "ذكر الحث على حفظ السنن ونشرها"، ثم قال: "الواجب على كل مَن ركَّب الله فيه آلة العلم أن يرعى أوقاته على حفظ السنن رجاء اللحوق بمن دعا لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ الله -جل وعلا - أمر عباده باتباع سنته، وعند التنازع الرجوع إلى ملته حيث قال: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء: 59].
أستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرًا.
أما بعد: قال أبو العباس أحمد بن سهل بن عطاء: "مَنْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ آدَابَ السُّنَّةِ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ بِنُورِ الْمَعْرِفَةِ، وَلا مُقَامَ أَشْرَفَ مِنْ مُقَامِ مُتَابَعَةِ الْحَبِيبِ -صلى الله عليه وسلم- فِي أَوَامِرِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَخْلاقِهِ، وَالتَّأَدُّبِ بِآدَابِهِ قَوْلا وَفِعْلا وَعَزْمًا وَعَقْدًا وَنِيَّةً".
وقال أبو بكر الطمستاني: "الطَّرِيقُ وَاضِحٌ وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ قَائِمَةٌ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَمَنْ صَحِبَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَعَزَفَ عَنْ نَفْسِهِ وَالْخَلْقِ وَالدُّنْيَا وَهَاجَرَ إِلَى اللَّهِ بِقَلْبِهِ فَهُوَ الصَّادِقُ الْمُصِيبُ الْمُتَّبِعُ لآثَارِ الصَّحَابَةِ".
ويقول ابن وهب -رحمه الله-: كنا عند مالك بن أنس -رحمه الله- فذكرت السنة فقال: "السنة سفينة نوح، من ركبها فقد نجا، ومن تخلف عنها غرق".
واشتهر عنه -رحمه الله- في ذلك أكثر من غيره؛ فكان إذا أراد الحديث اغتسل وتطيب ولبس أحسن ثيابه، وجلس على منصته خاشعًا، ولا يزال يبخَّر بالعود حتى يفرغ من الحديث ويقول: "أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وكان يكره أن يحدّث وهو قائم أو مستعجل، وما ذاك إلا تعظيمًا لقدر النبي -صلى الله عليه وسلم- وإجلالا لحديثه وكلامه.
وكذلك يفعلون فعن ضرار بن مرة قال: "كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُحَدِّثُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُمْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، قَالَ إِسْحَاقُ: "فَرَأَيْتُ الأَعْمَشَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحَدِّثَ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ يَتَيَمَّمُ".
وعن قتادة قال "لقد كان يستحب ألا تقرأ الأحاديث التي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا على وضوء".
وعن أبي مصعب قال: "كان مالك بن أنس لا يحدّث بحديث إلا وهو على وضوء؛ إجلالاً لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
وعن مالك بن أنس قال: "كان جعفر بن محمد لا يحدِّث عن رسول الله إلا وهو طاهر".
وعن أبي الزناد قال "كان سعيد بن المسيب وهو مريض يقول: "أقعدوني؛ فإني أعظّم أن أحدّث حديث رسول الله، وأنا مضجع على فراشي".
تلك وهذه أخبارهم في إجلال قدر رسول الله، بل إن سمعوا بحديث عن رسول الله يحدث به من أحد طاروا إليه زرفات ووحدانا.
وما كان كثيرًا، فالحديث الواحد كفيل أن تعد له مزاود السفر حتى يسمعوه من صاحبه، هذه أحاديث رسول الله تعبق في ثغورهم طابت الأنفاس والأرج.
وكل سلسلة زمنية تقدر حديث رسول الله، وتحرص على حفظ سنته، وإشاعة أنفاسه بين الناس، فهي سلسلة مباركة تمد سيرته الطويلة بالرعيل الخالد.
نقترب من سنن محمد بن عبد الله، كلما تأرجت الأفواه بالصلاة عليه، وتضمخت الخطى باقتفاء سبيله، وأما اتباع سنته فليس حكاية تتلى بل حفظًا وعلمًا وعملاً، اتباع سنته صبرًا ومجالدة وتضحية حتى نلقى صاحب السنة على الحوض، فتشرب من كفه جرعة لا يظمأ الظامئ بعدها أبدًا.
حفاظ وحي رسول الله إنكم *** على الهدى لمن استهدى أدلاء
حزتم فخارا من يدي حفاظه *** لم تقطع من كابر عن كابر
أيتها الطائفة المنصورة أيتها الفرقة الناجية، أيها الظاهرون على الحق، ثباتًا على السنة الغراء والسنن التي أتت عن رسول الله تنجو وتفلح.
يقول ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية هم أهل الحديث والسنة الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
والإمام أحمد -رحمه الله تعالى- شيخ أهل السنة والجماعة يُسأَل عن الطائفة المنصورة فيقول كما رواه ابن حجر "إن لم يكن هم أصحاب الحديث فلا أدري من هم".
حفاظ وحي رسول الله إنكم على *** الهدى لمن استهدى أدلاء
نضر الله رجال حفظوا فبلغوا، ورأوا أن من أكرم الأعطيات سنة متبعة وأحاديث مروية، أن يتخرج خمسمائة حافظ في مختلف المستويات، فهذا ما لا يعرفه أكثر الناس ولا ترتفع لهم همم أواسطهم، ولا تتناقله الأخابير الإعلامية، ولا يصدره الزمن على أن من حقه التطبيع والإشاعة والعدوة المكانية.
خمسمائة حافظ لا عيب فيهم غير أن ثغورهم بوحي رسول الله تندى وتعذب
ليس شيء في هذا الزمن أكثر غرابة وغربة من أن تصفح عن كل هذا الجنون الرياضي والسياسي والدنيوي، ثم ترجع أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما باليت أقال الناس فيك، أم سكتوا، أو رأوك مسايرًا للزمن أو رأوك خارج الأسوار.
ليس شيء في هذا الزمن أكثر غرابة وغربة من زمن يقذف عليك كل شهواته التقنية والجسدية والنفسية، ثم تنصرف راشدا إلى ساريةٍ تحفظ عندها وقتك وتتزود بها من مزادات النبوة، وما أكرم على الله من رجل يحفظ سنة نبيه!
نضر الله خبايا لا تعرفهم كل الناس *** ولكن أنفاس رسول الله تعرفهم
نضر الله رجالاً يرون أن حفظ الوقت بالسنة هو زاد الزمن، وكل زمن أو شهوة أو متاع سواه فهو غرور أو قصور.
نضَّر الله شبابًا أنفقت أجمل أعمارها فحملت على عاتقيها شرف سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أما زهور الأعمار فأسهل شيء أن تحرق بالغدو والرواح وطلب الدنيا والأقوات، وهذا قدر أكثر الناس فما هم ولو حرصت بحافظين.
وكان أبو بكر بن عياش يقول: "لو سقط من أحدكم درهم لظل يومه يقول: إنا لله، ذهب درهمي وهو يذهب عمره، ولا يقول: ذهب عمري، وقد كان لله أقوام يبادرون الأوقات، ويحفظون الساعات، ويلازمونها بالطاعات.
إذا تغلغل فكر المرء في طرف من مجد غرقت فيه خواطره...
حفاظ وحي رسول الله، إنكم على الهدى لمن استهدى أدلاء، نضر الله وجوههم..
قال سفيان بن عيينة بعد روايته لحديث: "نضَّر الله امرأً سمع منا شيئاً فبلّغه كما سمعه" قال -رحمه الله- "ليس من أهل الحديث أحد إلا وفي وجهه نظرة لهذا الحديث".
حفاظ وحي رسول الله إنكم على الهدى لمن استهدى أدلاء..
إن النهضات الحضارية لا تقوم إلا على ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، وأما الزبد فأبشركم أنه سيذهب جفاء.
حضارة الكتاب والسنة يجب أن تكون النهضة القادمة من سبيلها، وكل سبيل حائد عنها فهو خسران للماضي وللحاضر أيضًا.
بناء الحضارات على هدي السنة والقرآن هو الانطلاقة الكبرى لمعالم النصر الحقيقي، وضمان بناء الأجيال المتماسكة الرشيدة ينطلق من سنن رسول الله، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح بها أولها، انفخوا في أوردة الشباب والأشبال أن العزة والخلود والبركة والتوفيق والهدى هو في هدي من سلف، وفي الخطى التي تحمل دثار النبوة، أوقدوا في دمائهم توقير حامل الكتاب والسنة، وعلّموهم أن طريق الرشاد والسداد على السنة الغراء وهج طريقها ضياء وفي أعطافها البركات.
وصايا سريعة..
يا كل محب لرسول الله أدم محبتك وأكرمها بالاتباع (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [آل عمران: 31].
يا كل حافظ لسنة رسول الله الحفظ الذي لا يبنى عليه عمل حجة لا محجة.
أيها القائمون على السنة هنيئًا لكم أعمارًا مضافة إلى أعماركم، وأنفاسًا مصحوبة بعد مماتكم، أما النية الحسنة فهي أيها القائمون قنطرة للبركة باركها الله وبارككم وأصلح القصود والأعمال.
أيتها الأجيال العظيمة الفخر الحقيقي ليس الشهرة في وسيلة اتصال اجتماعي، ولا بأصابع الناس وهي تشير عليك، ولا بفاقعات تزول بعد أن تؤدي غرضها من البقاء، ولكنه بالزاد الذي يكون معك في خلواتك وجلواتك وفلاواتك وبعد وفاتك أيضًا.
كل شهرة دنيوية فهي زائلة إلا الذكر الحسن والثناء الطيب.
وَإِنَّما المَرءُ حَديثٌ بَعدَهُ *** فَكُن حَديثاً حَسَناً لِمَن وَعى
وكن رجلاً إن أتوا بعده *** يقولون : مرَّ وهذا الأثرْ
إبراهيم عليه السلام يقول (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) [الشعراء: 84].
نعم المطية للفتى آثار
لا ترغبن عن الحديث وأهله*** فالرأي ليل والحديث نهار
اللهم صلّ وسلم على عبادك ونبيك محمد بن عبدالله، وارض اللهم عن صحابته أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم