حصار غزة

سامي بن عبد العزيز الماجد

2011-03-07 - 1432/04/02
التصنيفات: الأحداث العامة
عناصر الخطبة
1/ حصار غزة يفضح أخلاق المجتمع الدولي 2/ حصار غزة يفضح الإعلام المتغرِّب 3/ مشروع الصلح المطروح 4/ استلهام معاني الصمود والنصر من حصار غزة

اقتباس

فإن مما لم يفهمه الصهاينة من اليهود وأعوانِهم النصارى، أن استشهاد آحاد الأمة حياة لمجموعها، وأن دماءها صانعة للعزة، وأن شدةَ الظلمة باعثة للوعي واليقظة. ماذا جرى بعد مقتل الشيخ القعيد أحمد ياسين؟ ألم تنفجر الفلُّوجةُ في وجه الأمريكان، وعمت الثورة الشعبية وسط وجنوب العراق؟.

 

 

 

 

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي وصية الله للأولين والآخِرين.

أيها المسلمون: حصار غزة حصارٌ لمنْبِت الكرامة والثباتِ على القيم والمبادئ، حصار غزة هو إفلاس العدو وظهور عجزه، وتعريةٌ لأخلاقه، حصار غزة ضريبة المقاومة المشروعة، هو ضريبة أن تقول للعدو: لن أقبل المساومة على قضيتي.

حصار غزة قتل جماعي على الطريقة اليهودية، تمالأ عليه العدو مع عملائه، على إهلاك الحرث والنسل، على قتل الشيوخِ والمرضَى، والأطفال والنساء، كل ذلك من أجل أن فيهم من أبى أن يتابعَ العدوَّ في خطته، وأن يتخلى عن حقه في مقاومته.

ما حوصرت غزةُ وحدها؛ ولكن حوصرت معها أخلاقُ المجتمع الدولي بهيئاته ومنظماته، فحصَرتها في الأخلاق النفعية الرخصية، وعرّت ما وراءها من أهداف سياسية، ومطامعَ قومية.

هذه الأخلاق النفعية تقول لك: إذا رأيت قضيةَ إنسانيةً ينافح عنها الغربُ في إقليم من الأقاليم، ويطالب فيها باحترام حقوق الإنسان، ففتِّش عما وراء ذلك من مطامع وأهداف.

وإلا فما الفرق بين غزةَ ودارفور؟ ما الذي جعل قضية دارفور قضيةً إنسانية صرفة، مع أن سببَ تأزم قضيتِها تمردُ جماعةٍ مسلحة فيها؟ وما الذي جعل قضية غزة مسؤولية جماعةٍ مسلحة أبتْ أن تتنازل عن حقها في المقاومة؟ تضحكُ وأنت ترى هذه المفارقات العجيبة، وتبكي وأنت ترى العقل العربي قد غدا أُلعوبةً للإعلام الغربي ولأذنابه من قنواتنا العربية، تحاول جهدها أن تَصيغَ العقل العربي عقلاً جمعياً يتأول الأحداث والقضايا بالمنطق الغربي الأعور الذي لا يريد أن يرى إلا نصفَ الحقيقة ليشوِّه به نصفَها الآخر!.

سأدع لغةَ العاطفة، وأسلوبَ الخطبِ الرنانة العنترية، التي تقول الشيء ولا تستطيع أن تفعله، وتحاول التغريدَ خارج سرب قدرتها، سندع كلَّ هذا إلى اللغة التي يطالبنا بها من يدَّعي العقلانية من رموز الإعلام العربي، سندعها إلى لغة العقل والمنطق؛ غير أن هذه اللغة لا يحتكرها المنطق الغربي، ولا تقاس بمعياره، وليس بالضرورة أن نتابع المنطق الغربي حتى نوصفَ بالعقلانية الواقعية.

إن لغة الغرب في وسائله الإعلامية في مثل هذه القضايا تعتمد كثيراً على خطاب العاطفةِ؛ لتهييج شعوبه وإثارتها على المسلمين؛ ولخدمة المطامع الصهوينية.

إن خطاب العقل يقول: إن من ظلْم الحقيقة وتشويهها أن تتطلبها من لسان عدوك، أو من يُتَّهم بالتعاطف معه، فضلاً عن نصرته ومظاهرته.

وخطاب العقل يقول - كما كنتم ترددون أيها الإعلاميون-: يجب أن تُدان الجريمة أياً كانت أسبابها ودواعيها... كنتم تقولون لنا: أدينوا الجريمة من غير أن تقولوا: ولكن!.

حين وقعت أحداثُ الحادي عشر من سبتمبر قال بعضنا: لقد جنَت أمريكا على شعبها بسياستها الخارجية الخرقاء، فقال إعلاميونا: أدينوا الحدث... أدينوا الجريمة بكل وضوح، ولا تُتبِعوها بـ(لكن) المحذورة دولياً... ووقعت تفجيرات مدريد، فرفعوا عقيرتهم بأن أدينوا الحدث الإجرامي، ودعوكم من أسبابه وذرائعه...

ونحن -مع إدانة ذلك- نُدين هؤلاء الأعلاميين بأنهم وقعوا فيما أنكروه على غيرهم، بل وقعوا في شرٍّ من ذلك، كان أولئك الذين انتقدهم الإعلاميون يستنكرون تلك الحوادث والتفجيرات غير أنهم كانوا يستدركونها بـ(لكن).

أما هؤلاء الإعلاميون فلم يُدينوا حصار غزة الإدانة الواجبة، فلم يقولوا: هي جريمةٌ أياً كانت أسبابها وإرهاصاتها؛ لم يصرخوا بها في وجه الإعلام الغربي، ولم يثيروها قضيةً إنسانيةً تستدعي أطياف الأمم المختلفة لإغاثتها ولو بالدوافع الإنسانية الصرفة؛ لم يقولوا شيئاً من هذا مطلقاً، بل قالوا -وهذا الذي استطاعوا أن يقولوه-: إن المسؤول عن الحصار هي حماس، وليست إسرائيل!.

هذه لغة جاءت بطريقة إبراء ذمة العدو، جاءت تستبطن أعذار دولة إسرائيل فيما فعلتْ، وفي نغمتها ما يدل صراحة أن الإدانة يجب أن توجّه لحماس، وليس لإسرائيل!.

ومع هذه اللغة العجيبة، والمنطق الأخرق، صرنا نترحم على أسلوب الإدانة المستدركة بـ (لكن)، هذا الأسلوب الذي يطل به علينا هؤلاء الإعلاميون العرب هو أسلوب مستورد من الأنظمة الغربية المظاهِرة لليهود على إخواننا في فلسطين، باللغة نفسها، والنغمة ذاتها.

ولا يعنينا هنا الدفاع عن حماس في تصرفاتها، فما كل سياساتِها نوافقها عليها؛ وإنما المقصود هنا هو تعرية هذا الخطاب المتعقلِن الذي يُنكر على غيره ما يفعل أشد منه.

ويمارس هذا التيار الإعلامي التغريبي مع هذا التناقض تزييفاً للحقائق، أو تعامياً عنها -هذا عند إحسان الظن بهم-؛ ليقولوا: إن فصائل المقاومة في غزة هي التي أثارت حفيظةَ اليهود، وهي بدأتهم أول مرة بالتحريش بصواريخ الخردة! وُمؤدَّى هذه الأكذوبة أن هذا الحصار كان ردة فعل، وكان دفاعاً عن النفس، وليس إجراماً مبتدأً!.

نعم! لقد اطلقت فصائل المقاومة بضعة صواريخ على المغتصبات اليهودية؛ ولكنها كانت جواباً وردة فعل على الجرائم اليهودية البشعة التي راح ضحيتها أكثرُ من عشرين نفساً من أبطال غزة؛ ولا يعنينا هنا أن نوافقها على هذا التصرف أو نخالفها، بقدر ما يعنينا إيضاح الحقيقة التي يزيفها بعض الإعلاميين المتغربين؛ لقد كانت بين الطرفين هُدنٌ كان اليهود ينقضونها كل مرة، ونقض العهود من خلقهم فيما حكاه عنهم القرآن: (أوَكُلَّما عاهَدوا عهْدَاً نبَذَه فريقٌ مِنهم؟) [البقرة:100]، ولا يستغرب هذا مِن مَن طبعه إيقاد النار للحرب، والسعيُ في الأرض فساداً، (كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [المائدة:64].

أيها الأحبة في الله: ومع شدة الحصار وقسوةِ المعاناة تلوح لأذهان بعضنا حلول السلام والمهادنة، والصبر على سوء الحال درءاً لما هو أشد منه. ولكن السؤال: هل هذه الحلول ستجدي؟ وهل سترد حقاً مستلباً؟ وهل سترد كرامةً مهضومة، وعزة مفقودة؟ لماذا لا نتساءل ونحن نطرح هذه الحلول: أي سلام يريده العدو الصهوني؟ وهل ستنتهي أطماعه إلى ما انتهت إليه يده الغاصبة لو عرض عليه السلام أو الصلح؟.

إن العدو يناور إخواننا بمنطق القوة، فهل تراه يتنازل عن بعض مطالبه؟ وهل سيرد للمسلمين اراضيهم المغتصبة؟ مخدوع من ظن أن مشروع السلام يرفع المحنة عن إخواننا في فلسطين، ومخدوع من يظن أن العدو سيبادر للسلام من أجل إنقاذ حياة شعب مستضعف، إنه لن يرضى بالسلام إلا مستبطَناً بالخنوع والتنازل والاستسلام.

قد يأتي الصلح المؤقت حلاً مطروحاً؛ لكن الفرق بينه وبين السلام كالفرق بين السَنة الشمسية والسنة الضوئية. مَن يختصر حل المشكلة في سلام دائم فإنما يفكر بسذاجة، ويمارس تبسيطاً للقضايا الكبرى، وصدق الشاعر:
وإذا لم يكن من الموت بُدٌّ فمن العجز أن تموت جبانا

إذا كان لمشروع الصلح منجَزاتٌ تذكر، فإن للمقاومة القائمة اليوم منجزاتٍ لا يمكن أنْ تُنْسى، فلولا فضل الله ولطفه، ثم هذه المقاومة، لابتلع اليهود أرضنا فلسطين لقمة سائغة، ليأتي الدور على البقية.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

أما بعد: فإن مما لم يفهمه الصهاينة من اليهود وأعوانِهم النصارى، أن استشهاد آحاد الأمة حياة لمجموعها، وأن دماءها صانعة للعزة، وأن شدةَ الظلمة باعثة للوعي واليقظة. ماذا جرى بعد مقتل الشيخ القعيد أحمد ياسين؟ ألم تنفجر الفلوجة في وجه الأمريكان، وعمت الثورة الشعبية وسط وجنوب العراق؟.

إنها معادلة يصعب على النازيين الجدد استيعابُها، وظنوا أن الأمر يتوقف على رسم الخرائط والخطط، ثم تأتي مرحلةُ الحصاد، فإذا بهم عجزوا عن تأمين المناطق خارج العاصمة كابول، وأغرقتهم العراق في مستنقعاتها، ولفَظتهم غزة من أحيائها.

والمحاصرون اليوم في غزة يمثلون(الرمزية) للثبات على المبدأ، والوعي بمخططات العدو، وتفويت الفرص على مشاريع(الاستسلام)، والتصدي لمشاريع (التهويد) في القدس؛ بل يقومون نيابةً عن الأمة الغافلة بمقاومة المحتل وتعويق (مشاريعه) الصهيونية في المنطقة. كذلك نحسبهم، ولا نزكي على الله أحداً. ولهذه المعاني والاعتبارات حوصروا، ولهذه المواقف الواعية والمتصلبة حوربوا، ولهذا يُراد لهم أن يركعوا كما سجد غيرُهم؟!.

ومن هنا فإن نصرة هؤلاء، والوقوف إلى جانبهم في محنتهم اليوم، هي نصرة لقضيتنا الكبرى(قضية فلسطين)، وهي(مدافعة) لخطط المستعمرين، قبل أن تكون نصرةً للفلسطينيين.

 

 

 

 

 

 

المرفقات

غزة1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات