عناصر الخطبة
1/من أهم آداب المسلم وأعظم مطالبه 2/فضائل حُسن الخُلق 3/ من أخلاق المسلم العالية وآدابه الشريفة 4/تعريف السلف لحُسْن الخلق.اقتباس
من أخلاق المسلم العالية وآدابه الشريفة؛ أن يعفو عمَّن ظلمه، وأن يُحْسِن إلى مَن أساء إليه، وأن يَكْظم غيظه، فلا غضب إلا عند انتهاك حرمات الله، ولا انتصار للنفس، بل يحلم ويعفو ويصبر ويحتسب، وينفق في السراء والضراء، ابتغاء مغفرة الله ورضوانه....
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله مُوفِّق مَن شاء مِن عباده للأخلاق الفاضلة والأعمال الحسنة الشريفة، ومُلهمهم ورازقهم الصبر عليها، ومُبتلي آخرين بأخلاق دنيئة وسيئة، قد زينت لهم وفق إرادته الكونية، وعلى مقتضى حكمته وعدله، فسبحانه من ملك عظيم فاوت بين عباده في أخلاقهم وأعمالهم، كما فاوت بينهم في أشكالهم وأعمارهم وأرزاقهم، أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو العرش المجيد فعَّال لما يريد، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله؛ نبي شهد له مولاه بأنه على خُلق عظيم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا مضرب المثل في الأخلاق الفاضلة والأعمال الحسنة، وكذا من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: فإن حُسن الخُلق من أهم آداب المسلم وأعظم مطالبه، وذلك لعِظَم ثوابه عند الله، ولما يحصل من الصلاح والأمن والسرور بين البشر، فعن النواس بن سمعان -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن البر والإثم؟ فقال: "البِرّ حُسْن الخُلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس".
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاحشًا ولا متفحشًا، وكان يقول: "إن مِن خياركم أحسنكم أخلاقًا".
وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حُسْن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء"، وفي رواية: "وإنَّ صاحب حُسْن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة"، وروى أبو داود مختصرًا: "ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكثر ما يُدْخِل الناس الجنة؟ فقال: "تقوى الله وحُسْن الخلق"، وسئل عن أكثر ما يُدْخِل الناس النار؟ فقال: "الفم والفرج".
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن من أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلقًا، وألطفهم بأهله"، فيا من يريد البر، وأن يكون من خيار المسلمين؛ عليك بحُسْن الخُلق، ويا من يريد أن يثقل ميزانه وأن يبلغ في المنزلة درجة الصائم القائم عليك بحُسْن الخُلق، ويا من يريد أن يكون من أكمل المؤمنين إيمانًا، ومن أكثر من يدخل الجنة؛ عليك بتقوى الله وحسن الخلق.
أيها المسلمون: ولا يخفى عليكم أيضًا -وإنما أذكركم- أن من أخلاق المسلم العالية وآدابه الشريفة؛ أن يعفو عمَّن ظلمه، وأن يُحْسِن إلى مَن أساء إليه، وأن يَكْظم غيظه، فلا غضب إلا عند انتهاك حرمات الله، ولا انتصار للنفس، بل يحلم ويعفو ويصبر ويحتسب، وينفق في السراء والضراء، ابتغاء مغفرة الله ورضوانه، ودخول جناته؛ قال -تعالى-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[سورة آل عمران:134].
وقال -تعالى-: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)[سورة الشورى:40]، وعن أبي ذر ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخَالِق الناس بخُلُق حسن".
وأخرج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث أسامة بن شريك قال: قالوا: يا رسول الله، ما أفضل ما أُعْطِي المرء المسلم؟ قال: "الخُلُق الحَسَن".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)[سورة فصلت: 34- 35].
بارك الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي رفع قدر أوليائه بما يسَّر لهم من حُسْن الخلق، فجعل أكملهم إيماناً أحسنهم خُلقاً، فسبحانه مِن مَلِك عظيم دلَّ عباده على أخلاق فاضلة وشريفة، تُورِث المحبة والتآلف والتآزر، وحذَّرهم من أخلاق سيئة دنيئة، تورث الشحناء والعداوة والبغضاء، أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فما أعظم ألوهيته! وما أغلى محبته! وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، قدوتنا في مكارم الأخلاق، ومعالي الشِّيَم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى-، وجاهدوا أنفسكم على حُسْن الخلق، فما أكثر الآيات والأحاديث التي تُرشدنا إلى حُسْن الخُلق وتُرغِّبنا فيه، وكفى ترغيبًا في حسن الخلق أنه مِن أثقل الأعمال في الميزان، وأنه يُورِث المودة والوئام، ويزيل الشحناء والعداوة، ويطفئ الفتن.
ومما جاء عن السلف -رحمة الله عليهم- في بيان حُسْن الخلق ما رُوِيَ عن الحسن أنه قال: "حسن الخلق: الكرم والبذلة والاحتمال"، وعن الشعبي أنه قال: "هو البذلة والعطية والبِشْر الحسن"، وعن ابن المبارك أنه قال: "هو بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى".
وقال الإمام أحمد: "حُسن الخُلق أن لا تغضب ولا تحقد"، وعنه أنه قال: "حُسن الخُلق أن تحتمل ما يكون من الناس"، وقال بعض أهل العلم: "حُسن الخُلق: كظم الغيظ لله، وإظهار الطلاقة والبِشْر إلا للمبتدع والفاجر، والعفو عن الزالين إلا تأديباً، وإقامة الحد، وكفّ الأذى عن كل مسلم ومعاهد إلا تغيير منكر، وأخذٍ بمظلمة لمظلوم من غير تعدٍّ".
أيها المسلمون: وحيث تجلَّت لنا هذه الآداب العالية، والأخلاق الشريفة، فعلينا أن نعتني بها غاية الاعتناء، حتى تكون سجيةً لنا وخُلقًا، ولنحذر مما يناقضها ويُبْطلها من أخلاق سيئة و أعمال دنيئة، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره، التقوى هاهنا التقوى هاهنا"، ويشير إلى صدره ثلاث مرات"؛ بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم؛ كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعِرْضه".
اللهم ارزقنا حُسْن الخلق، واجعله سجية لنا، اللهم ثقِّل به موازيننا وأعظم به أجورنا، واجعل أحسن أعمالنا خواتيمها، واجعل ختام أمرنا مغفرتك ومرضاتك ودخول جناتك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم