حسبنا الله ونعم الوكيل تكفينا

الشيخ د محمد أحمد حسين

2023-03-10 - 1444/08/18 2023-03-12 - 1444/08/20
عناصر الخطبة
1/الله ناصر المؤمنين الصادقين وكافيهم 2/اضطراب مكاييل العالم تجاه قضايا المسلمين 3/تحية إعزاز وإكبار للشهداء والأسرى والمعتقلين 4/زيف ادعاء أن شهر رمضان شهر فوضى واضطراب 5/النصيحة باغتنام شهر الخيرات والرحمات

اقتباس

مِنْ علياءِ هذا المنبرِ الشريفِ، نُوجِّه التحيةَ لأسرانا البواسل، ولحرائرنا الأسيرات المجيدات، اللواتي وقفنَ بجانب رجالهنَّ، ورُبَّما تميَّزت الفلسطينيةُ في هذه الأرض المبارَكة فداءً، وعطاءً، وتضحيةً، في سبيل غايات نبيلة، إنَّها الغايات التي تقصر دونها الهِمَم العالية...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله؛ وعَد المؤمنينَ بنصره، وتوعَّد الكافرين بخزيه وقهره، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، له المُلكُ وله الحمدُ وهو على كل شيء قدير، وأشهد أنَّ سيدنا وحبيبنا، محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، وصَفِيُّه من خَلقِه وخليلُه، صلى الله عليه، وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومن سار على نهجهم، واقتفى أثرهم، واتبع سنتهم إلى يوم الدين، والصلاة والسلام على الشهداء والمكلومين، والأسرى والمعتقَلين، والركع السجود في المسجد الأقصى المبارَك، وكل راكع في ديار المسلمين.

 

وبعد، أيها المسلمون، يا أبناء بيت المقدس وأكناف بيت المقدس: يقول الله -تعالى- في محكم كتابه العزيز: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)[آلِ عِمْرَانَ: 173]، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ إذا هجَرَنا القريبُ، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ إذا خذَلَنا بنو جِلْدَتِنا، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ إذا تخلَّى المسلمون عن مجدهم وكرامتهم ومقدساتهم، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ إذا أمعن الأعداء في دمائنا، وفي أرضنا، وفي مقدَّساتنا، وفي ممتلكاتنا، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ في كل آنٍ وحِينٍ.

 

يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: لا يخفى على واحد منكم، ولا يخفى على أبناء عروبتنا، ولا على أبناء ديننا، لا بل على العالَم أجمع، ما يتعرَّض له أبناء الشعب الفلسطيني في هذه الديار المبارَكة، من عدوان يستهدف أبناء هذا الشعب، صغارًا وكبارًا، أطفالًا وشبابًا ورجالًا، ونساء وشيوخًا، لا يخفى على هذا العالَم اليوم ما يقوم به هذا العالَم في تعامُلِه مع قضايا الشعوب في هذه الدنيا، وفي هذه المعمورة؛ إذ يتعامل العالم بمكاييل مختلفة، وموازين متعددة، ومع الأسف الشديد ما عدت تسمع منهم إلا أنهم يشعرون بالقلق، أو يشعرون بالحزن لما يجري في هذه الديار المبارَكة، ولا يزيد أبناء العروبة أو أبناء المسلمين في منظَّماتهم ومؤسَّساتهم ودولهم وحكوماتهم على بيانات الشجب أو الاستنكار، أو الاستغراب، أو غير ذلك من هذه الكلمات أو هذه المصطلحات، التي لا تُغيِّر من الواقع شيئًا.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ كلما ارتقى الشهداء إلى العلا والمعالي، يَشكُون إلى ربهم ظلمَ الظالمينَ، وحقدَ الحاقدينَ، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ كُلَّما أمعَن الأعداءُ في عذابات الأسرى والمعتقَلينَ، الذين يريدون حرمانهم حتى من أبسط الحقوق الإنسانيَّة، التي يعامل بها أسير الحرب، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ كلما أمعَن المستوطنون والمتطرفون وجماعات الهيكل المزعوم في عدوانهم على المسجد الأقصى المبارَك، أُولى القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث المساجد التي لا تُشَدّ الرحالُ إلَّا إليها، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ من أرض الإسراء والمعراج، التي باركها الله وبارك ما حولها، وجمع أنبياء الله ورسله ليؤمَّهم نبيكم -عليه الصلاة والسلام-؛ إيذانًا بأن القيومة على هذا المسجد وعلى هذه الديار هي لنَبِيِّ الإسلامِ، ولأُمَّتِه من أبناء المسلمين، إلى أن يرث الله الأرض وما عليها؛ فحسبنا الله ونعم الوكيل، وهو الناصر للمستضعَفين، وهو جابر كسر المكسورين، وهو ناصر الضعفاء رغم قِلَّة الإمكانيات، وضعف الأحوال؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- هو مالك هذا الكون، وإنَّما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له: كن فيكون.

 

اللهم يا مالِكَ الكون، ويا ربَّ العالَمِينَ، ويا مَنْ مِنْ أسمائك الجبار والمنتقم، نسألك بحولك وقوتك أن تؤيد أبناء المسلمين، المرابطين في هذه الديار، والقابضين على الجمر من أجل رعاية مقدساتك، ومن أجل رفع راية الحق، التي ارتفعت يوم أسريت بنبيك -عليه الصلاة والسلام- إلى هذا المسجد الأقصى المبارَك، من المسجد الأول على وجه هذه الأرض، إلى المسجد الثاني على هذه الأرض، اللذان بنيا وأقيما لتوحيدك ولعبادتك وللصلاة فيها لوجهك الكريم؛ إنك يا مولانا بالإجابة جدير، وعلى كل شيء قدير، نلوذ بجنابك يا ربَّ العالمينَ.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: الشهداء الذين ارتقوا ويرتقون يوميًّا في هذه الديار المقدَّسة، هم أحياء عند ربهم يرزقون، فلا تقولوا فيهم إنهم أموات، ولكنهم أحياء عند ربهم يرزقون، ولذلك قال الله لنا ولكل العالَم: (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ)[الْبَقَرَةِ: 154]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: يقول: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 169-170]؛ فرحمة الله وبركاته على أرواح كل الشهداء الأبرار، الذين لحقوا بقوافل الشهداء، ينيرون للمسلمين طرق الهداية والنور، ويقولون للعالم أجمع: إنهم يدافعون عن حقوقهم، وإنهم يذودون عن أرضهم ومقدساتهم، وعن أعراضهم، وعن كرامة الأمة جمعاء، لا بل عن كرامة كل حر في هذا العالم؛ فرحمة الله وبركاته على أرواحهم الطاهرة، وسنقيم على أرواحهم الطاهرة صلاة الغائب، في هذه الرحاب الطاهرة، طهارة دمائهم، وطهارة أرواحهم، وطهارة عزتهم وكرامتهم.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ على كل بلاء ينزل بأنفسنا، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ على كل بلاء يصيب أرضنا وحجرنا وشجرنا، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ، وهو الذي أنزل على نبيِّه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- حينما خرج في عقب غزوة أحد، هو والصحابة الكرام متتبعينَ آثارَ أبي سفيان، وجيش قريش، حينما التقاهم المنافقون والأعراب وقالوا لهم: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ)[آلِ عِمْرَانَ: 173]، فكان الجواب من رب العالمين: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ)[آلِ عِمْرَانَ: 173-174].

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: ومِنْ علياءِ هذا المنبرِ الشريفِ، نُوجِّه التحيةَ لأسرانا البواسل، ولحرائرنا الأسيرات المجيدات، اللواتي وقفنَ بجانب رجالهنَّ، ورُبَّما تميَّزت الفلسطينيةُ في هذه الأرض المبارَكة فداءً، وعطاءً، وتضحيةً، في سبيل غايات نبيلة، إنَّها الغايات التي تقصر دونها الهِمَم العالية.

 

أيها المسلمون: نُوجِّه لهم تحيةَ الإعزاز والإكبار، داعينَ أبناءَ الوطن كافَّةً بكل أطيافهم وانتماءاتهم وتوجُّهاتهم أن يكونوا صفًّا واحدًا في نصرة قضاياهم العادلة، وأن يكونوا كذلك صفًّا واحدًا في مواجَهة ما تتعرض له مقدساتهم، وما يعترض حقوقهم، الذي وصل الأمر فيه إلى حد التآمر، وإلى حد الإهمال، والنفاق، من قبل هذا المجتمع الدوليّ العالميّ.

 

أيها المسلمون يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: نقول هذا لكم لأنَّنا وأنتم على يقين بأننا بشارة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، حينما سأله الصحابي الجليل: "يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِ ابْتُلِينَا بَعْدَكَ بِالْبَقَاءِ أَيْنَ تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: "‌عَلَيْكَ ‌بِبَيْتِ ‌الْمَقْدِسِ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَنْشَأَ لَكَ ذُرِّيَّةٌ يَغْدُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَيَرُوحُونَ" أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد لا نبي بعده، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، أدَّى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة، وتركنا على بيضاء نقية، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.

 

وبعد أيها المسلمون: تسمعون وتُتابِعون في إذاعات كثيرة من هذا العالَم، تخوُّف بعض الدول، أو بعض الحكومات، أو بعض الشعوب والمسؤولين من الفوضى في شهر رمضان، هؤلاء الذين يحاولون شيطنة شهر رمضان، شهر الخير، شهر الصيام، شهر القرآن، شهر العزة الإيمانية والإسلاميَّة، شهر الصيام الذي يؤدِّي المسلمون فيه، ومن المسلمين أهل هذه الديار المبارَكة، الذين يرون في شهر رمضان موسمًا للخير، وموسمًا للعبادة، يتزوَّدون فيه بالتقوى، وبكافَّة صنوف أعمال الخير، هذا الشهر الكريم الفضيل، الذي فيه ليلة هي خير من ألف شهر، فاحرِصوا -أيها المسلمون- أن تكونوا في رمضان وخارج رمضان، أبناء الشعب الخالص المخلص، الذي يعتز بعقيدته ودينه، وبعبادته ومقدساته، فشدوا الرحال دائمًا إلى المسجد الأقصى المبارَك، الذي بارَك اللهُ فيه وبارك حوله، واعمروه في رمضان وفي خارج رمضان، فأنتم أولياؤه المتقون، وأنتم أصحابه المخلصون، أنتم سدنته الأوفياء، وحراسه الأمناء، أنتم نعم أنتم، الذين تحملون الأمانة، وتؤدُّونها على خير وجه؛ (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)[النِّسَاءِ: 58]، فنعم أنتم الذين تحفظون الأمانات، وتحفظون الخير، وتتبعون هدي حبيبنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.

 

اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأعلِ بفضلكَ كلمتَي الحق والدين، واجعلنا واكتبنا من المرابطين في المسجد الأقصى إلى يوم الدين، اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.

 

اللهم اهدِ المسلمينَ لِمَا فيه خيرُ الدينِ، اللهم أعزَّهم وانصرهم نصرَكَ المؤزَّرَ المبينَ، واحفظنا يا ربَّ العالمينَ، بحفظك الذي لا يضام، وبعينك التي لا تنام.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، واختم أعمالنا بالصالحات، وأنتَ يا مُقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ.

 

 

المرفقات

حسبنا الله ونعم الوكيل تكفينا.doc

حسبنا الله ونعم الوكيل تكفينا.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات