عناصر الخطبة
1/سبب تأخر النبي عن وفد ثقيف 2/حال الناس مع القرآن اليوم 3/من بركات القرآن على أصحابه 4/حث السلف على الإكثار من قراءة القرآن 5/برنامج عملي للمحافظة على قراءة القرآن.اقتباس
ومِنَ الْحِرْمَانِ الْكَبِيرِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ تِلَاوَةَ صَفْحَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمُصْحَفِ تَأْخُذُ دَقيقَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ يَضِيقُ وقْتُكَ عنْ دقائِقَ خِلالَ ألفٍ وأربعِمائةٍ وأربعِيْنَ دَقيقَةً يَومِيًا, وبَعْضُنَا لَا يُعْطِي الْقُرْآنَ إِلَّا لَحَظَاتٍ يَسِيرَةً مِنْ وَقْتَهُ، وَيَعْتَذِرُ لِنَفْسِهِ بِأَنَّهُ مَشْغُولٌ, بَيْنَمَا لَا يَعْتَذِرُ عَنِ الْجَوَّالِ وَالْأَكْلِ وَالنَّوْمِ وَالتَّرْفِيهِ بِأَنَّهُ مَشْغُولٌ...
الْخُطبَةُ الْأُولَى:
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِخَيْرِ الكُتُبِ والشَّرَائِعِ وَأَوْفَاهَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، عَزَّ رَبًّا وَجَلَّ إلَهًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، الْمَبْعُوثُ بِأَكْمَلِ الْمِلَلِ وَأَزْكَاهَا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلهِ وَأَصْحَابِهِ، أَعْلَمِ الْأُمَّةِ وأتقَاهَا وَأَهْدَاهَا، وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ مَا تَعَاقَبَتِ الْأيَّامُ، وَبَلَغَتْ مُنْتَهَاهَا.
أَمَّا بَعْدُ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفْدُ ثَقِيفٍ، فَوَاعَدَهُمْ كلَّ لَيلةٍ يُحَدِّثُهمْ, فَأَبْطَأَ عَلَيْهِم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَالوا: لَقَدْ أَبْطَأْتَ عَنَّا الْلَّيْلَةَ!, صِدْقٌ في القَولِ والتعامُلِ، لكنَّ الذيْ جاءَ بالصِّدْقِ أصْدَقُ منهمْ، فلمْ يُجامِلْهُمْ؛ لأنَّ الذيْ أخَّره أمرٌ أهَمُّ، إنهُ غِذاؤُهُ، ليسَ غذاءَ بَطْنِهِ، بلْ غِذاءُ قَلبِهِ, اسمَعْ لِسبَبِ التأخيرِ الوَجِيهِ, قَالَ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :"إِنَّهُ طَرَأَ عَلَيَّ جُزْئِي مِنَ الْقُرْآنِ؛ فَكَرِهْتُ أَنْ أَجِيءَ حَتَّى أُتِمَّهُ"(سنن أبي داود).
وِرْدُكَ القرآنيُّ اليَومِيُّ أَهمُّ مِن غَدائِكَ وَعَشَائِكَ, فَاِجْعَلْ لِلْقُرْآنِ نَصِيبًا مِنْ يَوْمِكَ، لَا تَتَنَازَلْ عَنْهُ أَبَدًا؛ حَتْمًا سَتَجِدُ الرَّبِيعَ فِي قَلْبِكَ، وَالْأُنْسَ فِي يَوْمِكَ، بَلْ فِي دُرُوبِ حَيَاتِكَ (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ)[المزمل: 20].
ومِنَ الْحِرْمَانِ الْكَبِيرِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ تِلَاوَةَ صَفْحَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمُصْحَفِ تَأْخُذُ دَقيقَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ يَضِيقُ وقْتُكَ عنْ دقائِقَ خِلالَ ألفٍ وأربعِمائةٍ وأربعِيْنَ دَقيقَةً يَومِيًا.
وبَعْضُنَا لَا يُعْطِي الْقُرْآنَ إِلَّا لَحَظَاتٍ يَسِيرَةً مِنْ وَقْتَهُ، وَيَعْتَذِرُ لِنَفْسِهِ بِأَنَّهُ مَشْغُولٌ, بَيْنَمَا لَا يَعْتَذِرُ عَنِ الْجَوَّالِ وَالْأَكْلِ وَالنَّوْمِ وَالتَّرْفِيهِ بِأَنَّهُ مَشْغُولٌ, (وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)[الفرقان: 30].
إِنَّهُ كَلَاَمُ اللهِ, يَوْمٌ مَعَ الْقُرْآنِ اطْمِئْنَانٌ، وَيَوْمٌ بِلَا قُرْآنٍ حِرْمَانٌ، قَالَ رَبُّنَا الرَّحْمَنُ: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد: 28].
ألا تُرِيدُ أَنْ تَتَيَسَّرَ أُمُورُكَ؟ ألا تُرِيدُ تَفْريجَ هُمومِكَ؟ هَلْ تُرِيدُ الشِّفَاءَ مِنْ أَوْجَاعِكَ؟! اجعَلِ الْقُرآنَ أَنِيسَكَ؛ لِيَكُونَ شَفِيعَكَ (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)[طه: 2], وقدْ عَلَّمَنَا الْقُرآنُ كَيْفَ نَصْنَعُ لِأَنفُسِنَا جَنَّةً مَقَرُّهَا قُلُوبُنَا، تَسِيرُ مَعَنَا أَيْنَمَا حَلَلْنَا؛ لأنَّ الْقَلْبَ بِلَا قُرْآنٍ صَحْرَاءُ قَاحِلَةٌ.
وبقَدْرِ حُبِّك لِرَبِّك يكونُ إقْبالُكَ على كَلامِهِ, قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: "لَا تَبْلُغُوا ذِرْوَةَ هَذَا الْأَمْرِ حَتَّى لَا يَكُونَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ، وَمَنْ أَحَبَّ الْقُرْآنَ فَقَدْ أَحَبَّ اللهَ"(حلية الأولياء), (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ)[فاطر: 29].
ولقَدْ كانَ الصالحونَ قَبْلَنا يَرَوْنَ التَّيسيرَ في يَوْمِهِمْ إذا قَرَؤُوا وِرْدَهُمْ, فهذا العالِم العابِدُ العِمادُ ابنُ قدامةَ الَمَقْدِسيُّ يُوْصِي بِكَثْرَةِ قِرَاءةِ الْقُرْآنِ حَتَّى وَقْتَ السَّفَرِ، وَقَالَ لتِلْميذِهِ الضياءِ ابنِ قُدامَة: "لَا تتركْهُ؛ فَإِنَّهُ يَتَيَسَّرُ لَكَ الَّذِي تَطْلُبُهُ عَلَى قَدْرِ مَا تَقْرَأُ", قَالَ الضياءُ: "فَرَأَيْتُ ذَلِكَ وَجَرَّبَتْهُ كثيرًا، فَكُنْتُ إِذَا قَرَأْتُ كثيرًا تَيَسَّرَ لِيَ مِنْ سَمَاعِ الْحَديثِ وَكِتَابَتِهِ الْكَثِيرُ، وَإِذَا لَمْ أَقْرَأْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لِي"(ذيل طبقات الحنابلة).
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ: "نَدِمْتُ عَلَى تَضْيِيعِ أَكْثَرِ أَوْقَاتِي فِي غَيْرِ مَعَاني الْقُرْآنَ"(العقود الدرية)؛ أفَطِنْتَ لقَولِهِ: "تَضْيِيعِ أَكْثَرِ أَوْقَاتِي", فَمَاذا نَقُولُ نَحنُ؟! فاللهم لا تَمْقُتْنا.
وإِذَا كِبَرِ الْإِنْسَانُ، وَرَقَّ عَظْمُهُ، وَضَعُفَتْ قُوَاُهُ؛ عِنْدَهَا يَنْدَمُ عَلَى تَكَاسُلِهِ عَنْ بَعْضِ الْعِبَادَاتِ, لَنْ يَصُومَ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ، وَلَنْ يَسْجُدَ إِلَّا بِجَهْدٍ، وَحُروفَ الْمُصْحَفِ لَا يَرَاهَا, وإِنَّمَا الْعَمَلَ فِي النَّشَاطِ وَالشَّبَابِ، فَاِسْتَبَقُوا الْخَيْرَاتِ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على النبيِّ المصطفَى، أما بعْدُ:
فيَا عَبدَ اللهِ: هَلْ مَا زِلْتَ هَاجِرًا لِلْقُرْآنِ وَالنُّورِ وَالْهُدَى وَالرَّحْمَةِ؟! أغْلِقِ تَصَفُّحَ التَّطْبِيقَاتِ وَالصَّفَحَاتِ، وَافْتَحْ صَفْحَاتِ الْمِصْحَفِ ساعَةً باليَومِ، وَاِلْتَزِمَ ذَلِكَ عَلَى الدَّوَامِ، ثُمَّ انْظُرْ إِلَى تَتَابُعِ الْفُتُوحَاتِ.
ابْدَأْ يَوْمَكَ بِقِرَاءةِ صَفْحَةٍ؛ فَإِنَّ رَبَّ الْعِزَّةِ وَالْجَلَاَلِ يَقُولُ: "مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا"(متفق عليه), وسَوْفَ تَذُوقَ حَلَاَوَةَ هَذَا الْقُرْبِ، الَّذِي يَقُوْدُكَ إِلَى تَقَرُّبٍ أكْبَرَ.
والصَّبَاحُ الَّذِي تَسْتَفْتِحُهُ بالأَذكارِ، ثُمَّ بِوِرْدٍ مِنَ الْقُرْآنِ؛ قَطْعًا لَنْ تَجِدَ مِثْلَهُ فِي صَفَاءِ الذِّهْنِ، وَرَاحَةِ الْبَالِ، وَسِكِّينَةِ الْقَلْبِ، وَبَرَكَةِ الْوَقْتِ.
فَلَوْ جَلَسْتَ بَعْدَ صَلَاَةِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وأضَفْتَ ما قبْلَ إقامَةِ الصَّلَواتِ لاسْتَطَعْتَ خَتْمَ الْقُرْآنِ بِأُسْبُوعٍ، وحَصَّلْتَ ثلاثَ مَلَاَيِينَ حَسَنَةٍ, (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ)[النمل: 91، 92].
فإنْ عَجَزْتَ عنِ الخَتَماتِ فعليْكَ بالَّتيْ قالَ عنها رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ"(رواهُ مسْلِمٌ).
تَقُولُ إحْدَى الصالحاتِ -وما أكثرَهُنَّ-: "مَضَتْ لِيَ سَنَتَانِ وَأَنَا كُلَّ ثلاثِ لَيالٍ، فَوَجَدْتُ أثَرَ تلكَ الْبَرَكَةِ، فدَاوَمْتُ عَلَى قِيَامِ اللَّيْل،ِ وَعَلَى قِرَاءةِ وِرْدٍ مِنَ الْقُرآنِ، وَعَلَى كَثْرَةِ الْاِسْتِغْفَارِ، وَعَلَى أَذْكارِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، كُلُّهَا مِنْ بَرَكَاتِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ".
فإِنْ فَاتَكَ شَرَفُ قِرَاءةِ الْقُرْآنِ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَفُوتَكَ حَلَاَوَةُ كَثْرَةِ سَمَاعِهِ, إِنْ فَاتَكَ الشَّرَفُ فَلَا تَفُتْكَ الْحَلَاَوَةُ؛ لِتَقولَ قولَ إخوانِنا الجِنِّ: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ)[الجن: 1، 2].
اللهم لكَ الحمدُ بالقرآنِ وبالإيمان، وبالأهلِ والمالِ والمعافاةِ, اللهم إنا عاجزونَ عن شُكركَ، فنُحيلُ إلى عِلمكَ وفضلِكَ, اللهم وفقْ وسدِّدْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِه لهُداكَ, وارزقهُم باطنةً صالحةً ناصحةً.
اللهم احفظْ بلادَنا وأدِمْ أمنَنا، وثبتْ إيمانَنا، وادحرْ أعداءَنا، وأجبْ دعاءَنا، وادفعْ عنا الوباءَ والغلاءَ. واحفظْ جنودَنا المرابطينَ، وأبطالَ الصحةِ المُتفانينَ، وسدِّدْ رجالَ التعليمِ ووفِّقْ فلذاتِ التعلُّمِ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم