عناصر الخطبة
1/معنى علم الخواطر 2/أهمية حراسة القلب وخطر الخواطر السيئة 3/من الأمور الدافعة للخواطر الشيطانيةاقتباس
وَعِلْمُ الخَوَاطِرِ هُوَ التَّفْرِيْقُ بَيْنَ الخَوَاطِرِ الشَّيْطَانِيَّة، وَالخَوَاطِرِ الرَّحْمَانِيَّة. وأَكْثَرُ النَّاسِ لا يُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْد: فَأُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -جل جلاله-؛ فَهِيَ زَادُ المُؤْمِنِينَ إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيم! (إِنّهُ مَنْ يَتّقِ وَيَصْبِرْ فَإنَ اللهَ لا يُضِيعُ أجْرَ المُحْسِنِينَ)[يوسف:90].
عِبَادَ الله: إِنَّهُ مَحَلُّ الخَوَاطِر، وَبَيْتُ الأَفْكَار، وَأَشْرَفُ مَا فِي الإِنْسَان؛ إِنَّهُ القَلْب! وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِتَقَلُّبِهِ بَيْنَ الْخَوَاطِرِ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ.
مَا سُمِّيَ القَلْبُ إِلا مِنْ تَقَلُّبِهِ *** فَاحْذَرْ عَلَى القَلْبِ مِنْ قَلْبٍ وَتحْوِيْل
قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَشَدُّ انْقِلَابًا مِنَ الْقِدْرِ إِذَا اجْتَمَعَ غَلَيَانًا"(رواه الحاكم، وصححه الألباني).
وَعِلْمُ الخَوَاطِرِ هُوَ التَّفْرِيْقُ بَيْنَ الخَوَاطِرِ الشَّيْطَانِيَّة، وَالخَوَاطِرِ الرَّحْمَانِيَّة. وأَكْثَرُ النَّاسِ لا يُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا؛ فَفِي الحَدِيْث: "إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ، وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ: فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ، وَتَكْذِيبٌ بِالحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ: فَإِيعَادٌ بِالخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللهِ؛ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى؛ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثُمَّ قَرَأَ: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالفَحْشَاءِ)[البقرة: 268]"(رواه الترمذي، وصححه الألباني).
وَمِنْ أَعْظَمِ الجِهَادِ وَالمُرَابَطَةِ لُزُوْمُ ثَغْرِ القَلْب، وَحِرَاسَةُ بَابِه؛ لِئَلَّا يَتَسَلَّلُ مِنْهُ الشَّيْطَانُ بِخَوَاطِرِه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 200].
وَالشَّيْطَانُ مَصْدَرُ الخَوَاطِرِ الشَّنِيْعَةِ؛ لِيَتَوَصَّلَ بِهَا إِلَى إِفْسَادِ العَقِيْدَة؛ فَقَدْ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "إِنِّي أُحَدِّثُ نَفْسِي بِالشَّيْءِ، لَأَنْ أَخِرَّ مِنْ السَّمَاءِ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهِ!" ؛ فَكَبَّرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ قَال: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيَدَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ"(رواه أحمد).
وَشَجَرَةُ الخَوَاطِر؛ لا بُدَّ مِنْ اسْتِئْصَالِ جُذُوْرِهَا؛ وَنَزْعِ أُصُوْلِهَا: بِالاِسْتِعَاذَةِ مِنْهَا، وَالإِعْرَاضِ عَنْهَا! قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ؛ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ، وَلْيَنْتَهِ"(رواه البخاري ومسلم).
وَالخَاطِرَةُ السَيّئَةُ بَذْرَةُ الشَّيْطَان في قَلْبِ الإِنْسَان؛ فَإِذَا تَعَاهَدَهَا الشَّيْطَانُ بِالسَّقْي؛ أَثْمَرَتْ إِرَادَةً وَعَزِيْمَةً، وَأَعْمَالاً خَبِيْثَةً.
وَمَنِ اسْتَهَانَ بِالخَطَرَات؛ قَادَتْهُ إِلَى الهَلَكَات! قالَ ابْنُ القَيِّم: "الْخَاطِرُ: كَالْمَارِّ عَلَى الطَّرِيقِ، فَإِنْ تَرَكْتَهُ: مَرَّ وَانْصَرَفَ، وَإِنِ اسْتَدْعَيْتَهُ: سَحَرَكَ بِحَدِيثِهِ وَغُرُورِهِ فَدَافِعِ الخَطْرَة؛ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ صَارَتْ فِكْرَة؛ فَدَافِعِ الفِكْرَة؛ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ صَارَتْ شَهْوَة! فَحَارِبْهَا؛ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ صَارَتْ عَزِيمَةً! فَإِنْ لَمْ تُدَافِعْهَا صَارَتْ فِعْلاً!".
وَالحَيَاءُ مِنْ الرَّحْمَنِ يَدْفَعُ خَوَاطِرَ الشَّيْطَان؛ فَإِنَّ خَوَاطِرَ القُلُوْب، لا تَخْفَى عَلَى عَلَّامِ الغيوب! (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ)[ق:16].
وَالعُلُومُ الشَّرِيْفَة، تَدْفَعُ الخَوَاطِرَ الرَّدِيْئَة! وَالهِمَّةُ العَالِيَةُ، تَدْفَعُ الْخَوَاطِرَ السَّافِلَة، قالَ ابْنُ حَزْم: "لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ فَائِدَةِ الْعِلْمِ وَالاِشْتِغَالِ بِهِ؛ إِلَّا أَنَّهُ يَقْطَعُ الوَسَاوِسَ المُؤْلِمَة؛ لَكَانَ ذَلِكَ أَعْظَم دَاعٍ إِلَيْهِ".
وَأَنْفَعُ الأَدْوِيَةِ لِلْخَوَاطِرِ السِيَّئةِ: أَنْ تُفَكِّرَ فِيمَا يَعْنِيك، قال القَارِي: "الْغَالِبُ فِي مَوَارِدِ الْخَوَاطِرِ؛ إِنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ رُكُودِ النَّفْسِ، وَعَدَمِ اشْتِغَالِهَا بِالْمُهِمَّاتِ".
وَحِفْظُ القَلْبِ مِنْ خَوَاطِرِ الدُّنْيا سَبَبٌ لِخُشُوْعِ القَلْب، وَمَغْفِرَةِ الذَّنْب، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ!"(رواه البخاري ومسلم). و"المَعْنَى: لا يُحَدِّثُ بِشَيءٍ في أُمُوْرِ الدُّنْيا، وَلَوْ عَرَضَ لَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ؛ عُفِيَ لَهُ ذَلِكَ، وَجُعِلَتْ لَهُ هَذِهِ الفَضِيْلَة؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِه".
وَمَنْ حَفِظَ خَوَاطِرَهُ؛ حَفِظَهُ اللهُ في جَوَارِحِه؛ فَإِنَّ الخَوَاطِرَ مَبْدَأُ العَمَل، وَمَنْشَأُ الفِعْل! فـ"إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ"(رواه البخاري ومسلم).
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
عِبَادَ الله: خَوَاطِرُ الشَّيْطَان، تَهْجُمُ عَلَى الإِنْسَانِ، بِلَا اسْتِئْذَان، وَلَكِنَّ قُوَّةَ الإِيْمَانَ، والخَوْفَ مِنَ الرَّحْمَن؛ يَدْفَعُ شَرَّهَا، وَيَرُدُّ كَيْدَهَا! فَقَدْ جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-؛ فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ قَالَ: "وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟" قَالُوا: نَعَمْ قال: "ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ!"(رواه مسلم).
قال البَغَوِيّ: "مَعْنَاهُ: أَنَّ صَرِيحَ الإِيمَانِ؛ هُوَ الَّذِي يَمْنَعُكُمْ مِنْ قَبُولِ مَا يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ فِي أَنْفُسِكُمْ". (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)[الأعراف:201].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.
عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ:90].
فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم