حديث من القلب لمن هو حديث عهد بعرس أو قريب منه (1)

الشيخ عبدالله بن علي الطريف

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ خطبة الحاجة وعلاقتها بعقد النكاح والحكمة من ذكر آيات التقوى فيها. 2/ حكم ترك خطبة الحاجة بالعقد. 3/ وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالنساء. 4/ حديث من القلب لكل من هو حديثُ عهد بعرس أو قريبٌ منه. 5/ الحل المناسب للقضاء على مواكب الأفراح.

اقتباس

لئن كانت التقوى يُحتاج إليها في كل شأن؛ فإن الحاجة إليها في عقد النكاح أعظم وأشد.. فعقد النكاح بين رجل أجنبي بكل ما تحمله كلمة الرجولة من شدة وقوة وبطش في الغالب، وبين امرأة أجنبية بكل ما تحمله الأنوثة من حياء وضعف ورقة وفتنة.. فمتى استحضر الرجل التقوى في تعامله مع المرأة وُفِّق بإذن للخير، ويسّر الله له من الأمور ما لا يخطر له على بال...

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أيها الإخوة: بهذه الكلمات الجميلات المباركات والآيات النيّرات يُستفتح مجلس عقد النكاح.. ذلك أن عقدَ النكاحِ أعظم عقدٍ وأشرفه.. ولا أعلم عقدًا من العقود يُستحب افتتاحه بمثل هذه الخطبة العظيمة التي يسميها أهل العلم خطبة الحاجة.. إلا عقد النكاح..

قالَ النَّووِيُّ: "واعْلَمْ أنَّ هذه الخُطْبَةَ سُنَّةٌ، ولو لمْ يَأْتِ بشيءٍ منها صَحَّ النِّكاحُ باتِّفاقِ العُلماءِ... ومع ذلك اهتم أهل العلم بها وأكدوا على قولها.. قال في الإنصاف: ينبغي أن تقال مع النسيان بعد العقد.. وكان الإمام أحمد رحمه الله إذا حضر عقدَ نكاحٍ ولم يُخْطب فيه بها قام وتركهم.. وهذا تأكيد منه رحمه الله على استحبابها".

أيها الأحبة: وفي تضمين الخطبة لآيات الحث على التقوى أمرٌ بالتقوى فهي مفتاح لكل خير، وهي: اتخاذ العبد وقاية من عذاب الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه..

وأعظم أمر تجب التقوى فيه وتتحتم النكاح.. ذلك أن عقد النكاح أعظمُ عقد وأشرفه.. ولعظمه سماه سبحانه: (مِيثَاقًا غَلِيظًا) [النساء: 21]..

ولئن كانت التقوى يحتاج إليها في كل شأن؛ فإن الحاجة إليها في عقد النكاح أعظم وأشد.. فعقد النكاح بين رجل أجنبي بكل ما تحمله كلمة الرجولة من شدة وقوة وبطش في الغالب، وبين امرأة أجنبية بكل ما تحمله الأنوثة من حياء وضعف ورقة وفتنة.. فمتى استحضر الرجل التقوى في تعامله مع المرأة وفق بإذن للخير، ويسر الله له من الأمور ما لا يخطر له على بال يقول الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق:4]، ووعد سبحانه المتقين أن يجعل لهم من كل ضيق مخرجًا، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون فقال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ..) [الطلاق:2 ، 3].

أيها الإخوة: لذلك شدد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوصية بالنساء فقال في حجة الوداع وهي أعظم مجمع اجتمع له: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ». وفي رواية: «أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا؛ فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ».. أي أوصيكم بهن خيرًا فاقبلوا وصيتي فيهن، ومعنى عوان أي أسيرات..

أيها الأحبة: حديث من القلب لكل من هو حديثُ عهد بعرس أو قريبٌ منه.. أول ما يجب أن يتمسك به الزوجان التمسك بعروة الإيمان الوثقى.. الإيمان بالله واليوم الآخر والخوف من المطلع على ما تكنه الضمائر ولزوم التقوى والمراقبة لله، والبعد عن الظلم والتعسف في طلب الحق.. (ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق:2،3]..

ويقوي هذا الإيمان الاجتهادُ في الطاعة والعبادة والحرص عليها والتواصي بها بين الزوجين.. تأملوا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، ((أي رش عليها الماء رشًا رفيقًا)) رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ». رواه أبو داود وهو حديث حسن.. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَيْقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّيَا، أَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا كُتِبَا فِي الذَّاكِرِينَ وَالذَّاكِرَاتِ. أبو داود وهو صحيح.

أيها الإخوة: إن العلاقة بين الزوجين ليست علاقة دنيويةً مادية، ولا شهوانيةً بهيمية، إنها علاقةٌ زوجية كريمة، وحينما تصحُ هذه العلاقة وتصدقُ الصلة؛ فإنها تمتد إلى الحياة الآخرة بعد الممات: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد:23،24].

أحبتي: إن مما يحفظ هذه العلاقة ويحافظ عليها المعاشرة بالمعروف.. ولا يتحقق ذلك إلا بمعرفة كل طرف ما له وما عليه، وإن نُشدان الكمال في البيت وأهلِ البيت أمرٌ متعذر.. والأمل في استكمال كل الصفات فيهم أو في غيرهم شيء بعيد المنال في الطبع البشري. ومن رجاحة العقل ونضج التفكير توطين النفس على قبول المضايقات والغضُ عن بعض المنغصات.. والرجل وهو رب الأسرة مطالب بتصبير نفسه أكثر من المرأة، وقد علم أنها ضعيفة في خَلقها وخُلُقِها إذا حُوسبت على كل شيء عجزت عن كل شيء..

والمبالغة في تقويمها يقود إلى كسرها وكسرُها طلاقها. يقول المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا». متفق عليه.

قال ابن بطال رحمه الله: ومن كان بهذه الصفة يعسر رجوعه إلى الحق وانقياده إليه.. وقال أيضًا: قال المهلب: المداراة أصل الألفة واستمالة النفوس من أَجَلِ ما جَبَلَ اللهُ عليه خلقَه وطَبَعَهم من اختلاف الأخلاق، وقد قال النبيُ صلى الله عليه وسلم: «مُدَارَاةُ النَّاسِ صَدَقَةٌ» [قال في فتح الباري - ابن حجر (10/ 528) أخرجه بن عدي والطبراني في الأوسط وفي سنده يوسف بن محمد بن المنكدر ضعفوه، وقال بن عدي أرجو أنه لا بأس به، وأخرجه بن أبي عاصم في آداب الحكماء بسند أحسن منه].

وأن سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على عوجهن.. وأن من رام إقامة ميلهن عن الحق؛ فأراد تقويمهن عَدِمَ الانتفاعَ بهن وصُحبتَهن لقوله عليه الصلاة والسلام: «إن أقمتها كسرتها» ولا غنى بالإنسان عن امرأة يسكن إليها ويستعين بها على معايشه ودنياه، فلذلك قال عليه الصلاة والسلام: «إن الاستمتاع بالمرأة لا يكون إلا بالصبر على عوجها».

قال المهلب: الوصاية بالنساء يدل على أنه لا يُستطاع تقويمُهن، وإنما هو تنبيه منه عليه الصلاة والسلام وإعلام بترك الاشتغال بما لا يستطاع، والتأنيس بالأجر بالصبر على ما يكره.أ هـ، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً (يَفْرَكْ يبغض) إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ، أَوْ قَالَ غَيْرَهُ». رواه مسلم.

أيها الزوج المبارك: لئن رأيت بعض ما تكره فإنك لا تدري أين أسباب الخير وموارد الصلاح قال الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء:19].

أيها الزوج المبارك: كيف تكون الراحة.؟ وأين يكون السكن والمودة.؟ إذا كان رب البيت ثقيل الطبع سيء العشرة ضيق الأفق يغلبه حمق ويعميه تعجل.. بطيء في الرضا سريعٌ في الغضب.. إذا دخل فكثير المن وإذا خرج فسيء الظن.. وقد علم أن حسن العشرة وأسباب السعادة لا تكون إلا في اللين والبعد عن الظنون والأوهام التي لا أساس لها.. إن الغيرة تَذهبُ ببعض الناس إلى سوء الظن الذي ينغصُ العيش ويقلق البال من غير مستند صحيح..

أما المرأة المسلمة: فلتعلم أن السعادة والمودة والرحمةَ لا تتم إلا حين تكونُ ذات عفةٍ ودين تعرف ما لها وما عليها، فلا تتجاوزه ولا تتعداه.. تستجيب لزوجها الذي له القوامة عليها يصونها ويحفظها، وينفق عليها فتجب طاعته وحفظه في نفسها وماله.. وللحديث بقية إن شاء الله..

 

 

الخطبة الثانية:

أيها الإخوة: وهنا تنبيه مهم ففي كثرة الأعراس في هذه الأيام وجدت ظاهرة مزعجة ومؤذية للمجتمع وهي مواكب الأفراح التي كثر التجاوز فيها.. وربما كان من أناس لا دخل لأهل العرس بهم وإنما هم من الفارغين من الشباب الذين يهوون مثل هذا الإزعاج، وقد غاب عنهم مضاره عليهم وعلى أهل العرس ومرتادي الطريق فأحدثوا التفحيط وإغلاق الطريق على موكب العرس، فتأذى الناس وتعطلت مصالحهم وتسبب هؤلاء بالدعاء عليهم ممن ظلموهم بتعطيل سيرهم لا لشيء وإنما لهو لعب..

ثم إن نظام المرور يمنع المواكب المزعجة وقد وُضعت عقوبات على من يفعل ذلك.. ولهذا أدعو أهل الزوجين أن يجتمعوا في مكان واحد ويريحوا عباد الله من أذى الموكب، وما يصحبها من تصرفات لبعض الشباب والتي تؤذي المارة وتعطل حركة السير وتزعج الناس بأبواق السيارات، وتوفير للجهد والإنفاق الذي ينفقه أهل الزوج بمكان اجتماعهم..

أيها الإخوة: إن علينا أن نبادر ونتغلب على رغبات بعض الناس بالإقناع بفوائد الاجتماع.. وبيان ما في ذلك من هدر للمال والجهد والوقت وما فيه من الأذى على المجتمع بأسره.. وأنا متأكد من وعي أهل هذه المدينة وحرصهم على الخير، ثم ستكون عادة حسنة.. ولمن بادر أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة...
 

 

 

 

 

المرفقات

من القلب لمن هو حديث عهد بعرس أو قريب منه (1)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات