حديث الأشواق

الشيخ شايع بن محمد الغبيشي

2024-03-01 - 1445/08/20 2024-03-11 - 1445/09/01
عناصر الخطبة
1/في القلوب جوع وظمأ 2/فيض الله على عباده بالنفحات 3/رمضان نفحة عظيمة وشوق الصالحين إليه 4/كيف نستعد لرمضان؟

اقتباس

فينبغي أن يجعل له العبد أهدافاً يحرص على تحقيقها في هذا الشهر العظيم، فيجعل من أهدافه مثلاً: أن يختم القرآن كل أسبوع أو أقل أو أكثر، وأن يحرص على تكبيرة الأحرام في جميع الشهر، وأن يحافظ على صلاة التراوح والقيام مع الإمام حتى ينصرف...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الْحَمْدَ لِلَّهِ رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

 

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

إخوة الإيمان: في القلوب جوعة، وفي النفوس ظمأ، ومع كرِّ الجديدين يزداد ذلك الظمأ وتلك الجوعة، فمتى تشبع القلوب وترتع؟ ومتى تعبُّ النفوس وترتوي؟  عامٌ كاملٌ من الكدح وانهماك قد يوصل إلى الغفلة، فما أحوج النفوس إلى ما ينتشلها؛ فيشبع جوعتها، ويروي ظمأها من الأنس بربها، والإنابة إليه، والطمأنينة بعبوديته وذكره.

 

في النفوس أشواق وأشواق، وحديث الأشواق يمازجه خيالات الفكر ومشاعر الوجدان، وكأنما أدرك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جوعة تلك النفوس فهتف بها مطمئناً ومبشراً: "إن في أيام الدهر نفحات فتعرضوا لها؛ فلعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبداً"(الطبراني وصححه الألباني)، وكأنما يحثنا -صلى الله عليه وسلم- على "دوام السؤال، والإقبال على طلب عطايا الكبير المتعال، وإن أخفى ساعات هباته كما أخفى رضاه في طاعاته.

 

أقيما على باب الكريم أقيما *** ولا تنيا عن بابه فتهيما

وللنفحات الطيبات تعرضا *** لعلكما تستنشقان نسيما"

(التنوير شرح الجامع الصغير).

 

ما أجمل الهتاف: "إن في أيام الدهر نفحات فتعرضوا لها؛ فلعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبداً"، تساءلت النفوس في رغبة ولهفة: ولكن متى تُهْبُ هذه النفحات؟ وكيف يمكن التعرض لها؟.

 

إن التعرض لنفحات الله فرصة العمر؛ لنرتقي بعقولنا وقلوبنا وجوارحنا، لنسعد بالوصال وتَعُبُّ النفس من معين الإيمان، ولذة القرب ونعيم المنجاة؛ فتقرَّ العين ويهنأ القلب بالقرب من ربه، الذي من تقرب إليه نال السعد والهناء، بل أفاض الله عليه من النعيم والمسرات، والخير والبركات ما لا يخطر له على بال، ألم يقل -سبحانه-: "وإن تقرب مني شبرا، تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا، تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة"(رواه مسلم)؛ "أي: صببت عليه الرحمة وسبقته بها، ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود"(شرح النووي على مسلم).

 

وإن من أعظم مواسم نفحات الرب -جل وعلا- شهر رمضان، أسأل الله الحي القيوم الواحد الأحد أن يبلغني وإياكم إياه، عشرة أيام فقط تفصلنا عن شهر رمضان، موسم النفحات فوا شوقاه إلى لقياك يا شهر رمضان، اجزم أن في النفس اشتياق إلى بلوغه.

 

وحديث الأشواق لسان حاله:

إليك النفس تشتاق *** وفِي لقياك ترياق

فهل نحظى بصحبتكم *** نحلق فيك أفاق

فتصفو النفس من درن *** ويلقى الروحَ إشراقُ

فيا شهر الصيام أجب *** إليك القلب ينساقُ

إلهي جئت مبتهلاً *** يسوق النفس إشفاقُ

فيا من جوده نهرٌ *** ونهر الجود رقراقُ

تفيض العفو مدراراً *** ونبع العفو دفاقُ

أفض بالصفح عن ذنبي *** فحر الذنب إحراق

وبلغني لشهر الصوم *** إن القلب تواقُ

 

عباد الله: كيف نستعد للقاء رمضان شهر النفحات والبركات؟.

أولاً: أن يستولي التفكر في بلوغ الشهر على عقولنا وقلوبنا، ويزداد شوقنا إليه، وأن نعزم وننوي صيامه وقيامه، والمسارعة فيه إلى الخيرات، فالأعمال بالنيات ومن نوى الخير نال أجره وإن حيل بينه بين بلوغه، قال الشيخ ابن باز: "الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فإذا كان مِن نيته أن يعمل لو قَدِر؛ كُتِب الله له أجر ذلك، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن في المدينة أقوامًا، ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا؛ إلا وهم معكم حبسهم العذر".

 

ثانياً: أن نلهج بالدعاء لله -عز وجل- أن يبلغنا شهر رمضان، فقد كان هذا هدي السلف الصالح -رحمهم الله-، فما أجمل أن تهتف القلوب والألسن: "اللهم بلغنا رمضان، ووفقنا فيه للصيام والقيام وتلاوة القرآن والمسارعة في الخيرات، يا حي يا قيوم".

 

ثالثاً: أن نتعلم أحكام الصيام بقراءة كتب أحكام الصيام، وسماع بعض الدروس والمحاضرات في ذلك، فمن المحزن جداً في هذا الزمن الذي تعددت فيه سبل التعلم أن يجهل الناس أحكام دينهم، فيعبدون الله على جهل، فيفوت عليهم الخير الكثير، ومن ذلك محاضرة للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- بعنوان: (ملخص أحكام الصيام).

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد ان محمد عبده ورسوله، أما بعد:

 

عباد الله: كيف نستعد للقاء رمضان شهر النفحات والبركات؟

رابعاً: الاطلاع على أحول النبي -صلى الله عليه سلم- وصحابته الكرام والسلف الصالح في رمضان؛ لنتأسى بهم فنكون من الرابحين في هذا الموسم العظيم، ويحفزنا ذلك على المسارعة في الخيرات والاجتهاد في الطاعات ومحاولة اللحاق بهم، ومن أنفع الكتب في ذلك كتاب بعنوان: (هكذا صام النبي -صلى الله عليه وسلم- للبعداني).

 

خامساً: العناية بالوقت في شهر رمضان؛ فالفوز والغنم إنما يكون باستغلال الوقت، والحذر من أضاعته والتفريط فيه، فينبغي أن يجعل له العبد أهدافاً يحرص على تحقيقها في هذا الشهر العظيم، فيجعل من أهدافه مثلاً: أن يختم القرآن كل أسبوع أو أقل أو أكثر، وأن يحرص على تكبيرة الأحرام في جميع الشهر، وأن يحافظ على صلاة التراوح والقيام مع الإمام حتى ينصرف، وأن يصل أرحامه وأقاربه، وأن يتصدق ولو بالقليل، هذه أهداف عظيمة من حققها كان من الفائزين في شهر رمضان، فينبغي للعبد أن يعد خطة زمنية لهذا الموسم العظيم يحرص على الالتزام بها.

 

سادساً: تهيئة الأسرة وتشويقها لاستقبال شهر رمضان، وتحفيزها على اغتنام هذا الشهر المبارك، وإذكاء روح المنافسة بين الأسرة في المسابقة للخيرات، وتحفيز أفرادها على أن يعد كل واحد له خطة زمنية لاستغلال شهر رمضان.

 

طارت بي الأشواق نحو رحابكم *** والقلب يهتف هل أحل بداركم

يا غائباً والكون يهتف بالهنا *** كل الدنا تزدان عند لقائكم

يا واهب النفحات إن رجاءنا *** فيض من النفحات بعض عطائكم

يا رب بلغنا المنى بلقائه *** هبنا إلهي من سحائب جودكم

المرفقات

حديث الأشواق.doc

حديث الأشواق.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات