عناصر الخطبة
1/ مشروعية النكاح والترغيب فيه 2/ أهمية النية الصالحة في الزواج 3/ ما ينبغي للمقدم على الزواج 4/ المبادرة إلى تزويج البنات 5/ التحذير من المغالاة في المهور 6/ المقاصد الشرعية للزواج.اقتباس
إنَّ مما يؤخرُ بعضَ الشباب عن الزواج عدم حصوله على وظيفة يقتات منها, يظنُّ أنَّ الرزق محصور في وظيفة, وما علم أنَّ الذي يعمل في البيع والشراء وغيرها من الأعمال فيها من الرزق ما يفوق العمل الوظيفي في الغالب؛ لكنَّه يحتاج إلى كدٍّ وتعبٍ, وصبر ومجاهدة نفس في تحمُّل العقبات...
الخطبة الأولى:
إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله, صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المؤمنون- وأصلحوا قلوبكم وأعمالكم بفعل ما أمركم به الله, واجتناب ما نهاكم عنه.
معاشر المسلمين: إنَّ الإسلام شرع النكاح لمصالح عظيمة, قال -تعالى-: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) [النساء: 3], أي فتزوجوا ما أحل الله لكم من النساء من واحدة إلى أربع, قال الإمام السعدي -رحمه الله-: "ينبغي للإنسان أن يختار قبل النكاح، بل وقد أباح له الشارع النظر إلى مَنْ يريد تزوجها؛ ليكون على بصيرة من أمره".
وقال -تعالى-: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[النور: 32], وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ" (متفق عليه), قال الإمام النووي -رحمه الله-: "في هذا الحديث الأمر بالنكاح لمن استطاعه وتاقت إليه نفسه وهذا مجمع عليه".
أيها الشاب: احرص على الزواج وبادر إليه, ولا تسوِّف أو تؤجِّل, وهيئ نفسك لدخول مرحلة بناء أسرة صالحة, تربِّي فيها أبناءك تربية إسلامية؛ فالزواج مسؤولية يجب أن تراعي قدرها, فتسعى في العمل والتكسُّب, لتفتح بيتك وتُعفَّ نفسك, من عمل يدك, واعلم أنَّه بصدق النية وعلو الهمة في طلب الزواج تكون الإعانة عليه, قال -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: المجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالمكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ العَفَافَ" (أخرجه الترمذي وحسنه وصححه الألباني), وليس كل ناكح يدخل في هذا الحديث, بل الذي يدخل فيه منهم هو من يريد إعفاف نفسه عن الحرام, فاحرص- أيها الشاب- على النية الصالحة, واصدق في ذلك فإنك معانٌ إن شاء الله.
أيها المسلمون: إنَّ مما يؤخرُ بعضَ الشباب عن الزواج عدم حصوله على وظيفة يقتات منها, يظنُّ أنَّ الرزق محصور في وظيفة, وما علم أنَّ الذي يعمل في البيع والشراء وغيرها من الأعمال فيها من الرزق ما يفوق العمل الوظيفي في الغالب؛ لكنَّه يحتاج إلى كدٍّ وتعبٍ, وصبر ومجاهدة نفس في تحمُّل العقبات, وكم من إنسان فُتِحَ عليه من الدنيا بعمل يده مالم يُفتحْ على صاحب الوظيفة, فاحذر -أيها الشاب- أن يمنعك من طلب الرزق عجز أو كسل أو انتظار وظيفة, قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا" (أخرجه الحاكم وصححه).
معاشر المسلمين: إنَّ على المقدم على الزواج أن يختار زوجة صالحة, تكون نعم الصاحبة لزوجها ونعم المربية لأبنائها وبناتها, قال -صلى الله عليه وسلم-: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" (متفق عليه), وقال -صلى الله عليه وسلم-: "الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ" (أخرجه مسلم), فالمرأة الصالحة إن نظر إليها زوجها سُرَّ بها لصلاحها وحسن معاشرتها, وإن أمرها أطاعته, وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله, ومن صفات المرأة التي حثَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على التزوج بها أن تكون ودودا لزوجها ولودا لا عقيما, قال -صلى الله عليه وسلم-: "تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ" (أخرجه أبو دواد وحسنه الألباني).
معاشر المسلمين: إنَّ على ولي المرأة إذا تقدم لخطبتها من يَرضى دينه وخلقه أن يزوجه, كما أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك, حيث قال: "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ؛ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ" (أخرجه الترمذي وحسنه الألباني).
فالولي الصالح يحرص على تزويج من ولاه الله أمرها ولا يؤخر ذلك, وله أن يعرضها على من يعلم صلاحه, فقد عرض عمر بن الخطاب ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان -رضي الله عنهم- فتزوجها من هو خير منهما وهو النبي -صلى الله عليه وسلم-, قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "على الأولياء أن يتقوا الله في مولياتهم؛ فإنهن أمانة في أعناقهم وإن الله سائلهم عن هذه الأمانة, فعليهم أن يبادروا إلى تزويج بناتهم وأخواتهم وأبنائهم, حتى يؤدي كل دوره في هذه الحياة ويقل الفساد والجرائم, ومن المعلوم أن حبس النساء عن الزواج أو تأخيره سبب في فشو الجرائم الأخلاقية وانتشارها, التي هي من معاول الهدم والدمار".
أيها المسلمون: لا تغالوا في مهور النساء قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-: "لَا تُغَالُوا صَدَاقَ النِّسَاءِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا، أَوْ تَقْوًى عِنْدَ اللَّهِ، كَانَ أَوْلَاكُمْ وَأَحَقَّكُمْ بِهَا مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم-، مَا أَصْدَقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أُصْدِقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً", وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "لا ريب أن السنة عدم التكلف في المهور والولائم من أجل تسهيل زواج الشباب والفتيات, وأن يتواصى أهل الزوج وأهل الزوجة بترك التكلفة وبقلة المهور تشجيعا للشباب على الزواج, ولا شك أن قصور الأفراح مما يثقل كاهل الزوج والزوجة في بعض الأحيان، وكذلك الولائم مما يشق عليهما أيضا, فالمشروع للجميع عدم التكلف في ذلك كله وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"خير الصداق أيسره، وخيرهن أقلهن مؤنة", فالمشروع للجميع الحرص على اتباع السنة فالرسول -عليه الصلاة والسلام- قال لعبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-: "أولم ولو بشاة", والنبي -صلى الله عليه وسلم- أولم على زينب بخبز ولحم، ودعا الناس إلى وليمته".
معاشر المسلمين: الفوائد والمنافع والحكم والمقاصد الشرعية المتعلقة بالزواج كثيرة لا تحيط بها خطبة, ألا وإنَّ من المقاصد الشرعية للزواج: حصول الذرية وتكثير سواد المسلمين, فالذرية الصالحة نعمة من نعم الله على عبده, وصلاح الأبناء والبنات عائد نفعه على الوالدين وعلى الأسرة وعلى المجتمع, فعلى المرء أن يبذل الأسباب ويجتهد في تربية أبنائه تربية صالحة ويدعو بأن يصلح الله له في ذريته ويدعو بما دعا إبراهيم- عليه السلام- ربه بقوله: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) [الصافات: 100], ويدعو بما دعا زكريا -عليه السلام- ربه بقوله: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) [آل عمران: 38]
أيها الشاب: لا تجعل من العوائق والعقبات سببا في تأخير زواجك, فإنَّ لكل عائق طريقاً تستطيع تجاوزه, ولكل عقبة فرجة تفتح لك بابا لتجاوزها, وتفاءل بالخير تجده, يسهل عليك ما استصعبته من الأمور المتعلقة بالزواج وعليك بالدعاء بالتيسير والتوفيق فإنَّ الله قريب مجيب.
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم