حتى يرضى الله عنك

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/منزلة أفضل من نعيم الجنة 2/رضا الله عن أهل الجنة أكبر من نعيمها 3/كيف يرضى الله عن العبد؟ 4/خمسة أمور تُكسبك رضا الله عنك.

اقتباس

حتَّى يَرْضَى اللهُ عَنْكَ تكلَّمْ بما يُرضِي اللهَ -تعالَى-: انصَحْ مخطئًا، ادعُ مُعرِضًا، ذَكِّرْ غافِلاً، شجِّعْ مَوهوبًا، علِّمْ جاهِلاً، فربما تنالُ ذلكَ الفضلَ الهائلَ في قولِ نبيِّكَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ"...

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءِ قَدْرًا، وَأَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ خُبْرًا. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِّيُّكَ لَهُ، لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُوْلَى وَالْأُخْرَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولِهِ، خُصَّ بِالْمُعْجِزَاتِ الْكُبْرَى، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، صَلَاَةً وَسَلَاَمًا تَتْرَى.

 

أَمَّا بَعْدَ: فَاِتَّقَوْا رَبَّكُمْ وَاشْكُرُوهُ.

هَلْ هُنَاكَ شَيْءٌ أفْضَلُ مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ؟ نِعْمَ هُنَاكَ مَا هُوَ أفْضَلُ مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ.

يَا عَجَبًا أَثَمَّتْ أفْضَلُ مِنَ الْجَنَّةِ؟ والأعجب أَنَّنَا قَلِيلاً مَا نَدْعُو بِهِ.

اكْتَشَفَ الْجَوَابُ مِنْ هَذَا الْحَديثِ الْمُفْرِحِ المُسعِدِ:

 

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَقُولُ لِأَهْلِ الجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ؟ فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَبِّ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا(صحيح البخاري:6549، وصحيح مسلم:2829). (وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ)[التوبة:72]؛ أَيْ: أَكْبَرُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَا فِيهَا.

 

قالَ ابنُ القيمِ –رحمهُ اللهُ تعالَى-: "الرَّاضِي بِاللَّه فِي جنَّةٍ لَا يُشْبِهُ فِيهَا إِلَّا نعيمَ الْآخِرَة"(الفوائد:ص93).

وسؤالٌ كبيرٌ عظيمٌ ينبغي أن نَطرَحَهُ على أنفُسِنا كثيرًا كثيرًا: كيفَ يَرْضَى اللهُ عني؟

 

خُذْ خمسةَ أمورٍ تُكْسِبُكَ رْضَى اللهِ عَنْكَ:

حتَّى يَرْضَى اللهُ عَنْكَ، فحِينما تَسمَعُ المؤَذِّنَ يقولُ: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، أشهدُ أنَّ محمداً رسولُ اللهِ، فقُلْ بَعْدَ الجُمَلِ الأربعِ: وأنا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- رَسُولًا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا. فإن قُلتَها غُفِرَ لَكَ ذَنْبُكَ. (رواه مسلمٌ 386).

 

حتَّى يَرْضَى اللهُ عَنْكَ، قُل حِينَ تُمْسِيْ وحيْن تُصْبِحُ: رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، فمن قالها كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُرْضِيَهُ(رواه الترمذي 3389).

 

اللهُ أكبرُ! ما أجلَّها من جائزةٍ وجزاءٍ! إنها جملةٌ مُفرِحةٌ وعجيبةٌ تعَجَّبَ منها وفرِحَ بها الصحابةُ -رضيَ اللهُ عنهُمْ- ولكَ أنْ تقولهَا كلَّ يومٍ بلا وقتٍ محدَدٍ: "رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- رَسُولاً، فإنْ قُلتَها وَجَبَتْ لَكَ الْجَنَّةُ"( سنن أبي داود (1529) وصححه الألباني)؛ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-: فَفَرِحْتُ بِذَلِكَ وَسُرِرْتُ بِهِ. وعَجِبْتُ لَهَا، فَقُلتُ: أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ، فَفَعَلَ(صحيح مسلم: 1884).

 

وأنا أَعِيدُهَا عَلَيكُمْ كَمَا أَعادَهَا رَسُولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ".

 

حتَّى يَرْضَى اللهُ عَنْكَ تكلَّمْ بما يُرضِي اللهَ -تعالَى-: انصَحْ مخطئًا، ادعُ مُعرِضًا، ذَكِّرْ غافِلاً، شجِّعْ مَوهوبًا، علِّمْ جاهِلاً، فربما تنالُ ذلكَ الفضلَ الهائلَ في قولِ نبيِّكَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ"(رواه البخاري 6478). أي: لا يَلتفِتُ إلى مَعناها، ولا يَشعرُ بأثرِها.

 

حتَّى يَرْضَى اللهُ عَنْكَ فارْضَ أنتَ عنِ اللهِ: قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ(سنن ابن ماجه (4031) وحسنه الألباني)

"فلهُ الرِّضا"؛ أي فلهُ رِضَى اللهِ -تعالى- عنهُ.

 

حتَّى يَرْضَى اللهُ عَنْكَ فاجعلِ القرآنَ أنيسَك وجليسَك: قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "يَجِيءُ القُرْآنُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ حَلِّهِ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ، فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ، وَيُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً"(سنن الترمذي ت بشار (2915) وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ).

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ الذي كفَى ووقَى وهدَى، والصلاةُ والسلامُ على إمامِ الهُدى.

 

أما بعدُ: فالرَّضَى باللهِ وعنِ اللهِ عَمَلٌ من أَعْمَالِ الْقَلْبِ الدَائِمَةِ، وثَوَابَهُ رِضَى اللهِ عَن العبدِ، ونيلُ طعمِ الإيمانِ. قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً"(صحيح مسلم 56).

 

والسؤالُ: كيفَ أصِلُ لهذهِ الدرجةِ العاليةِ والمنزلةِ الرفيعةِ منزلةِ الرِّضى؟

والجوابُ أَنْ تتذكرَ أنكَ عَبْدٌ مَحْضٌ لسيدٍ أنصحُ وأرحمُ بكَ من أُمِّكَ. وَالْعَبْدُ الْمَحْضُ لَا يَسْخَطُ منِ أَحْكَامِ سَيِّدِهِ الْمُشْفِقِ الْبَارِّ النَّاصِحِ الْمُحْسِنِ.

 

ثانيًا: أَنْ تستحضرَ أنكَ مُحِبٌّ. وَالْمُحِبُّ الصَّادِقُ: مَنْ رَضِيَ بِمَا يُعَامِلُهُ بِهِ حَبِيبُهُ.

الثَّالِثُ: أَنْ تعترفَ بأنكَ جَاهِلٌ بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ. وَسَيِّدُكَ أَعْلَمُ بِمَصْلَحَتِكَ وَبِمَا يَنْفَعُكَ. خابَ من رضِيَ بغيرِكَ بدلاً، وخسِرَ من ابتغَى عنكَ حِولاً.

 

اللهم نوّرْ ظلامَ قلوبِنا بنورِ هدايتِك.  اللَّهُمَّ رَضِّنا بِقَضَائِكَ، وَبَارِكْ لنا فِي قَدَرِكَ، حَتَّى لَا نُحِبَّ تَعْجِيلَ شَيْءٍ أَخَّرْتَهُ. وَلَا تَأْخِيرَ شَيْءٍ عَجَّلْتَهُ.

 

اللهم نسألكَ إيمانًا يُباشِرُ قلوبَنا، ويقينًا صادقًا حتى نعلمَ أنه لا يُصيبُنا إلا ما كتبتَ لنا.

اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلاَ تَنْقُصْنَا، وَأَكْرِمْنَا وَلاَ تُهِنَّا، وَأَعْطِنَا وَلاَ تَحْرِمْنَا، وَلَا تُخْزِنَا، وَآثِرْنَا وَلاَ تُؤْثِرْ عَلَيْنَا، وَأَرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا.

 

اللهُمَّ إِنَّ الصَّالِحِينَ أَنْتَ أَصْلَحْتَهُمْ وَرَزَقْتَهُمْ أنْ يَعْمَلُوا بِطَاعَتِكَ فَرَضِيتَ عَنْهُمْ، اللهُمَّ كَمَا أَصْلَحْتَهُمْ وَرَزَقْتَهُمْ فَرَضِيتَ عَنْهُمْ فَارْزُقْنَا أَنْ نَعْمَلَ بِطَاعَتِكَ وَارْضَ عَنَّا.

 

اللهم وفِّقْ المسلمينَ قاطبةً للعودةِ الصادقةِ إلى دينِكَ القويمِ.

اللهم وفِّقْ ولاةَ أمرِنا قادةَ هذهِ البلادِ لكلِ خيرٍ، واصرِفْ عنهم كلَّ شرٍ، وافرُجْ لهمْ في المضائقِ، واكشِفْ لهمْ وجوهَ الحقائقِ، وأعِنهُمْ ببطانةٍ ناصحةٍ.

 

اللهم احفظْ أبطالَ الحدودِ وأبطالِ الصحةِ.

اللهم إنا بشوقٍ عظيمٍ إلى بيتِكَ المعظَّمِ. اللهم فارزقنا عاجلاً صلاةً فيه وتطوافًا.

 

 

المرفقات

آخر داخل الجنة

حتى يرضى الله عنك

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات