حب الدنيا وأثره على فرقة المسلمين

عمر القزابري

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ تأسيس المجتمع الإسلامي على الأخوة 2/ حقيقة الدنيا الفانية 3/ أفضل طريق لقطع الانغماس في أحلام الدنيا الفانية 4/ وجوه أفضلية الآخرة على الدنيا 5/ مصائب تمكن الدنيا من قلوبهم 6/ جيل فريد من عظماء الدنيا 7/ ويلات التعلق بالدنيا والتمسك بحطامها 8/ الظلم طريق الندم

اقتباس

عاش صلى الله عليه وسلم زاهدًا راضيًا تمر الشهور ولا يوقد في بيته نار، وإنما أكله التمر والماء.. ينام على الحصير حتى يؤثر في جنبه، يرقّع الثوب، ويحلب الشاه، ويحزم بطنه من الجوع، ولو أراد الذهب والفضة والأموال لأخذها ولأدركها، ولكنه صاحب رسالة وقائد أمة وصانع تاريخ، وهذا شأن العظماء فكيف بأعظمهم؟!! هذا شأن الكُمّل فكيف بأكملهم؟!! العظماء لا يتصارعون على الفتات، لأنهم يعلمون أنهم راحلون.. لا يتصارعون على الدنيا؛ لأنهم يعلمون أنها لا قيمة لها في اعتبار الله ..

 

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

معاشر الصالحين: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أرسله ربه هاديًا يهدي الناس إلى سواء الصراط كان من أول ما بثَّه في أصحابه ومتبعيه روح الأخوة، روح الصدق، روح الوفاء، وكل هذه الصفات والمبادئ هي أسس الأخوة وهي عمدها التي لا تقوم بدونها.

ولما أحس صلى الله عليه وسلم بدنو أجله وقرب رحيله إلى ربه كان كذلك من أعظم ما ختم به دعوته المجيدة الدعوة إلى الأخوة.. فقد وقف صلى الله عليه وسلم في حشود المسلمين في صعيد عرفات وهو يوصيهم وينثر فيهم تلك الدرر وتلك الجواهر والنفائس من الكلم والوصايا.

وكان من جملة ما نثره فيهم من درر قوله صلى الله عليه وسلم: «إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا»، ومن جملة وصاياها «وكونوا عباد الله إخوانًا».

عاش صلى الله عليه وسلم وهو يؤسس للأخوة، ويدعو إليها، يجسّدها بالحال والمقال، ويربي عليها الأصحاب ويذكرهم (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، وحذّر من ضدها وهو الاختلاف والتنازع، ودل على مآلات الاختلاف دل على ذلك من خلال وحي ربه: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).

ولتحصين هذه الأخوة دل على ما يفسد هذه الأخوة من تسرب الأهواء واحتلال الدنيا دواخل القلب والتعلق بالمنصب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يعلم أن حب الدنيا إذا تسرب إلى القلب أفسده وأحاله إلى مجرد عضلة آلية لا علاقة لها بوجدان ولا بذكر، ولا بفكر لينتقل صاحبها من مقام البشرية إلى حضيض البهيمية (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ...)، شبههم بداية بالأنعام التي لا تفهم ولا تدرك ثم نزل بهم عن مستوى الأنعام في قوله: (بَلْ هُمْ أَضَلُّ)؛ لأنهم آتوا ملكات الإدراك فعطلوها، وأبوا إلا الالتحاق بعالم البهيمية لا عشقًا ولكن استعبادًا ورقًّا. رقًّا وعبودية للدنيا التي هي في حقيقتها لعب ولهو كما وصفها القرآن ومعلوم أن اللعب واللهو لا يستهوي إلا الأطفال.

بيّن صلى الله عليه وسلم حقيقة هذه الدنيا الفانية بآيات ربه المنزلة عليه (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) ، (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) ، (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ)..

عاش صلى الله عليه وسلم مجلّيًا لهذه الحقائق بحاله ومقاله، عاش زاهدًا راضيًا تمر الشهور ولا يوقد في بيته نار وإنما أكله التمر والماء.. ينام على الحصير حتى يؤثر في جنبه، يرقّع الثوب، ويحلب الشاه، ويحزم بطنه من الجوع، ولو أراد الذهب والفضة والأموال لأخذها ولأدركها، ولكنه صاحب رسالة وقائد أمة وصانع تاريخ، وهذا شأن العظماء فكيف بأعظمهم؟!! هذا شأن الكُمّل فكيف بأكملهم؟!!

العظماء لا يتصارعون على الفتات، العظماء لا يذبحون ولا يقتلون، العظماء لا يتقاتلون من أجل الحطام، العظماء لا يخربون ولا يعتدون؛ لأنهم يعلمون أنهم راحلون.. لا يتصارعون على الدنيا؛ لأنهم يعلمون أنها لا قيمة لها في اعتبار الله «لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرًا شربة ماء».

العظماء أقوياء والقوة ضد الوهن، والوهن منشؤه وأصله حب الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها»، قالوا: "أو من قلة نحن يا رسول الله"؟ قال: «لا بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من قلوبكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن»، قالوا: "وما الوهن يا رسول الله؟" قال: «حب الدنيا وكراهية الموت».

اجتمع في الحديث متضادان "حب، وكره " حب للدنيا وكره للخروج منها بسبب الموت، حب للبقاء وكره للفناء، حب للخيال وكره للحق.. فأي عقل هذا الذي يتعلق بالفناء ويكره الحقيقة وهي الزوال والرحيل إلى الله، ومن ثَم فإن كل متعلق بالدنيا راغب فيها هو ناقص العقل، إن لم يكن فاقده؛ لأنه يتعلق بالأحلام ويكره اليقظة.

وكما تقول الحكمة: "أول وسيلة لتحقيق أحلامك هو أن تستيقظ من النوم"، ولكن كل محب للدنيا لا يريد الاستيقاظ من النوم لمواجهة الحقيقة المرعبة له، فيفضل الأحلام والأوهام على الحقائق، ولذلكم وقطعًا للطريق طريق الانغماس في أحلام الدنيا الفانية، يذكرنا صلى الله عليه وسلم بقوله: «أكثروا من هاذم اللذات» الموت. انظروا إلى هذا التعبير العظيم "هاذم اللذات" فكما أن الاستيقاظ من النوم هو هاذم للأحلام، فكذلك الموت هاذم للذات، فالدنيا حلم والموت يقظة، ويؤيد هذا المعنى ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا» (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) واليقين هو تمام اليقظة وكما الانتباه.

ولذلك يقول سبحانه وتعالى في بيان أفضلية الآخرة (وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) في إشارة إلى أن خيريتها في بقائها ودوامها ولانعدام هاذم اللذات فيها وهو الموت.. لا موت في الآخرة ولا فناء فيها، فمن ثم استحقت الأفضلية والخيرية، أما الزائل فإن أصحاب العقول لا يتقاتلون من أجله، الزائل لا قيمة له في قواميس العظماء، الزائل لا وجود له في قواميس القادة، العظماء لا يسرقون، لا يتعاملون بالربا، لا يظلمون، لا يقتلون، العظماء لا يخونون ولا يكذبون؛ لأنهم يعلمون أنهم راحلون ومحاسَبون ومسائلون..

همّ لقاء ربهم رقّاهم ونقاهم وحلاهم وعلاهم، فلا تمتد أعينهم أسفل؛ لأن قلوبهم تعلقت بالأعلى، وليس معنى هذا ألا يكون لهم مشاركة في الدنيا في تجارتها وأعمالها وإعمارها أبدًا، ولكنهم يجعلون مسافة فاصلة بين الدنيا وبين قلوبهم فلا تدخل قلوبهم ولا تستقر فيه؛ لأنهم يعلمون أن تمكن الدنيا من قلوبهم هو سبب هلاكهم وبوارهم، شأنهم مع الدنيا كشأن السفينة مع الماء يمشون فوقها يجعلونها وسيلة، ولا يدخلونها إلى قلوبهم؛ لأنهم يدركون أن غرقهم في تسرب الدنيا إلى قلوبهم كما أن غرق السفينة في دخول الماء إلى قلبها.

إذاً معاشر الأحباب: أسس النبي صلى الله عليه وسلم دعوته على الأخوة، وختمها بالدعوة إلى الأخوة، وحذر من الدنيا باعتبارها قاطعة لحبل هذه الأخوة إذا استقرت في القلوب وبيّن موقفه منها بالحال والمقال..

يقول صلى الله عليه وسلم وهو سيد القادة وإمام العظماء: «ما لي وللدنيا، إنما أنا والدنيا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها».

فإذا ما أخضعنا مسألة الدنيا إلى العقل أدركنا أنها لا تستحق أن تُعبد ولا تستحق أن تؤسس عليها العلاقات ولا أن تبنى عليها المودات؛ لأنها زائلة متغيرة فانية.

وإذا ما أخضعناها إلى مسألة النقل وجدنا قوله تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) فالدنيا عقلاً ونقلاً لا تستحق أن يُقاتل من أجلها.. فأين العقول !!

جعلني الله وإياكم ممن ذُكر فنفعته الذكر وأخلص لله عمله سرًّا وجهرًا، آمين.. آمين والحمد لله رب العالمين..

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أنار العوالم جلاله، وأحاط بكل شيء كماله، لا إله إلا هو يبدئ ويعيد ذو العرش المجيد فعال لما يريد القائل في محكم الكتاب: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ)..

والصلاة والسلام على أشرف البرية وسيد البشرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي حذّر من الدنيا الدنية، صلى الله عليه صلاة أبدية سرمدية، وعلى أتباعه إلى يوم الدين.

معاشر الصالحين: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيّن بحاله ومقاله حقيقة الدنيا، زهد فيها وزهد، وعلى هذا المعنى أسس جيلاً فريدًا من عظماء الدنيا، جيلاً هو أعظم جيل عرفته الدنيا إيمانًا وزهدًا وعطاء، جيل تعلموا من إمامهم أن الدنيا عَرَض زائل، وأن الآخرة وعد صادق..

جيل تربى في أحضان الإيمان ونشئوا على المبادئ العالية، لم تستهويهم الدنيا بقصورها وذهبها، ومناصبها فدانت لهم البلاد وأحبهم العباد، وسادوا فجادوا وأعطوا فزادوا.

يسأل الصديق رضي الله عنه حينما جاء بماله كله لله ورسوله يسأله: «ماذا تركت لأهلك»؟ يقول: "تركت لهم الله ورسوله" فتأتي التزكية من رب البرية: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى *الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى)

يقف الفاروق عمر وقد احتاج عسلاً يتداوى به، وهو يومها أمير المؤمنين فيخطب في الناس ويطلب منهم أن يسمحوا له أن يأخذ العسل من بيت مال المسلمين..

والحيي عثمان يجود بالمال ويجهز جيش العُسرة في عقد المشتري فيه هو الله فتأتيه البشارة الهنية من سيد البشرية «ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم».

وهذا الإمام علي الصهر الولي يصفه أحد الأصحاب قائلاً: ولقد رأيته يومًا واقفًا في محرابه يبكي بكاء الحزين ماسكًا بلحيته وهو يقول: "يا دنيا غري غيري، أما أنا فقد طلقتك ثلاث" طلقها ولم يتزوجها يومًا ولم تكن عنده معبودة معشوقة.

صاروا على ذلك وعاشوا على ذلك، وجاء الجيل الذي بعدهم من جيل التابعين وعلى نفس الخط صاروا فكان الحسن البصري وسفيان الثوري والربيع بن خثيم والفضيل ومالك، جيل فريد عظيم وغيرهم كثيرًا من أفاضل الدنيا الذين بصموا على صفحة التاريخ، وأول ما بصموا عليه زهدهم في هذه الدنيا وعدم افتتانهم واقتتالهم من أجلها.

ثم بدأت المبادئ تتهاوى، وبدأت الدنيا تتسرب إلى قلوب الأجيال جيل بعد جيل، وعندما دخل حب الدنيا إلى القلوب بدأت مظاهر التراجع والانحطاط جيل بعد جيل، وبدأ تسلط أعداء الأمة على الأمة والتاريخ خير شاهد والواقع اليوم خير شاهد.

التتار والصليبيون وغيرهم، وبدأت الهجمات عبر الهجوم المباشر أو عبر تمكين المنافقين، وبدأت الشقاقات والخلافات جيل بعد جيل حتى وصلت إلى الأمة اليوم ليرى العاقل كيف حولت الدنيا بعض المسلمين إلى ذئاب وأكثرهم إلى قطعان، فعم القتل وانتشرت الفتن، وضاعت خيرات المسلمين ليتسلمها أعداؤهم وبها يفرقون بين المسلمين ويقسمونهم إلى شيع وأحزاب متصارعة متطاحنة يقع بعضها في بعض ويسلب بعضها خيرات بعض.

وإيقاع الفُرقة بين الناس هو مظهر من مظاهر الاستعلاء، هو مظهر من مظاهر الفرعونية، قال الله عن إمام من أئمة الاستعلاء والبغي (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ).

تمكنت الدنيا من القلوب فصارت الأمة في المرتبة الدنيا، والدنيا لغة ضد العليا، ودخول الدنيا إلى القلب واستقرارها فيه يجعل صاحب هذا القلب يلصق بالتراب، ويعبد الجسد وينسى الروح.

إن المؤمن الصادق الذي يتأمل في حال أمة رسول الله اليوم يصاب بالحيرة ويعتريه الذهول، فهذه الوحشية التي نراها في عالم اليوم لا يمكن أبداً أن تكون في قواميس من ينتسبون إلى أمة الإسلام.

هل الدنيا في هذا المحل الأسنى حتى تفعل في القلوب هذه الأفعال؟! هل حب البقاء بهذا المحل الأسنى حتى يفعل في الواقع مثل هذه الأفعال؟!

إنها تساؤلات تنبعث من قلوب تعتصر ألمًا وحزنًا على واقع الأمة المرير الحزين الأليم رغم بوادر الإشراق..

تساؤلات متداخلة وكلها تنصب في سؤال واحد محوري، ماذا يحدث لأمة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ماذا يحدث لأمة إمامها هو سيدنا رسول الله؟ ماذا يحدث لأمة الله فيها (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)

من الذي يحاول قطع خيط الوصل بين الأمة وبين أصولها حتى صارت على هذه الصورة المحزنة من الصراعات ومن القتل ومن الترويع والسبب حب الدنيا، والسبب عبادة الذات والتسلط على الرقاب..

حتى صارت بهذه الصورة من التزييف والفوضى العامة حتى على مستوى الوجدان (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، هل هذه الخيرية المشار إليها في هذه الآية تتناسب مع واقع أمة الإسلام اليوم؟!

هذه الصورة التي تعطيها أمتنا للعالم اليوم هي هل صورة حقيقة الأمة التي أسسها رسول الله على الأخوة وعلى المودة وعلى التآلف وعلى الاجتماع، يقول ربنا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

إن نبذ العهد والميثاق الذي دعا إليه رسول الله هو خيانة لرسول الله، التعلق بالدنيا والتمسك بحطامها والاقتتال من أجلها صورة من صور الغي، قال الله (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)

إن المتعلق بالدنيا والمتمسك بها والمسعور من أجلها يصل إلى درجة أن يصبح له عقل لا يفهم، وقلب لا يرحم، وتلك بلادة الحس وموت الضمير، تعطيل أدوات الفهم التحاق بركب البهيمية والسبب حب الدنيا.

إن كل مسلم راشد محب لرسول الله صلى الله عليه وسلم متمسك بهديه يجب عليه أن يعيد النظر في نفسه وفي تعاطيه مع الدنيا، وفي تعامله مع الدنيا.

إذا كانت الدنيا لا تدوم ولا تبقى، وإذا كان الموت ينتظر كل حي، وإذا كان دخول القبر ينتظر كل واحد، فلماذا نقتتل على الدنيا ونعكف عليها؟

لماذا ننبذ المرواءات؟ لماذا نتمسك بالظلم؟ لماذا نتخلى عن المبادئ؟

إن الفتنة والظلم والقهر والاعتداء والعناد والفوضى والمكر والخداع والربا والرشوة كل ذلك مظاهر لا تليق بهذه الأمة، كلها مظاهر تتنافى مع مبادئ هذه الأمة التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي من ربه على الأخوة والتضامن والبناء.

إن كل فرد ينتمي إلى هذه الأمة عليه أن يراجع نفسه، ومن كل المواقع عليه أن يتوب إلى الله، وخصوصًا من مظالم العباد؛ لأن الهلاك والدمار والبوار يدخل من باب المظالم من باب الاعتداء على حقوق العباد.

كل من كانت له مظلمة عند أخيه عليه أن يتحلل منه اليوم قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله، ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير.. فالظلم طريق الندم.

لا تظلمن إذا ما كنت مقتدر *** فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعين الله لم تنم

على كل مسلم أخذ حق أخيه أو اغتصبه أو أذاه في عرضه أن يتحلل منه، يقول صلى الله عليه وسلم: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة»، فقال رجل: «يا رسول الله! وإن قضيبًا من أراك"؟ قال: «وإن قضيبًا من أراك».

وعلى كل مسلم صادق أن يكثر في أيام الفتن النازلة بالأمة من الدعاء والتضرع إلى الله أن يرفع الله البلاء عن المسلمين، وأن ينشر الأمن بينهم وأن يرحم ضعيفهم، وأن ينتقم من ظالمهم، وأن يقمع أهل الشر والبغي والعناد والإفساد فيهم.

اللهم أصلح أحوالنا..
 

 

 

 

 

المرفقات

الدنيا وأثره على فرقة المسلمين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات