حال مجالسنا وفضل عشر ذي الحجة

الشيخ عايد بن علي القزلان التميمي

2022-06-24 - 1443/11/25 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ما عليه مجالس المسلمين اليوم 2/من آداب المجالس 3/فضل العشر من ذي الحجة 4/ما يستحب في هذه الأيام من الطاعات

اقتباس

فاحرصوا على أنْ تكون مجالسَكم عامرة بالخير والفضيلة، وإنْ تَحدَّث فيها مُتحدث بالخير أعنتموه بالاستماع والإنصات وشكرتموه وصبرتم عليه، وإنْ اغتاب أحدٌ أو نَمَّ أو سَبَّ أو لعن أرشدتموه بالرِّفق واللين، وصرفتموه إلى حديث غيره، وإنِ حضر وقت الصلاة...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمد لله القائِلِ: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ)[البقرة:152]، أحمدُه -سبحانَه- له الحكم وإليه ترجَعون، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, كَانَ يَحْمَدُ اللَّهَ -تَعَالَى- فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ، وَيَذْكُرُهُ -سُبْحَانَهُ- فِي كُلِّ أَحْيَانِهِ، وَيُرَغِّبُ أُمَّتَهُ فِي مَجَالِسِ ذِكْرِهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهَا مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، فَلَا سَعَادَةَ لِلْقَلْبِ إِلَّا بِهِ -سُبْحَانَهُ-؛ (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد: 28].

 

عباد الله: إذا ألقينا نظرة سريعة على مجالس المسلمين اليوم لوجدنا أنها وبكل صراحة ووضوح هي عبارة عن اشتغال بالدنيا وما فيها، فضلًا عن الاشتغال بالمحرمات، والآثام، وكبار الذنوب.

 

ولابد من الاهتمام بالمجالس؛ لأنها ذات أثر كبير, وإن مما يدعو المتكلم للحديث عن هذا الموضوع رؤية كثير من مجالس المسلمين تحولت من مجالس خير وفائدة إلى مجالس شر ومضرة, فبدلا من أن تكون مجالس نفع وذكر لله -تعالى-, وتداول للكلمة الطيبة, وحلول لمشكلات الواقع الخاص والعام، أصبحت مجالس قيل وقال, وضياع للأعمار والأموال والأوقات، هذا إذا لم تصل إلى مجالس سخط وإثم في الأقوال والأفعال!.

 

أيها المسلمون: إن القرآن الكريم قد أدبنا إذا جلسنا مجلساً أن نختار مجالس الصلاح والخير, وأن نبتعد عن مجالس السوء والشر, قال -تعالى-: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[الأنعام: 68], وقال: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً)[النساء: 140].

 

عباد الله: إن الترغيب في حضور المجالس الطيبة والتحذير من المجالس الأخرى؛ لكون المجلس الذي يجلس فيه الإنسان إما أن يكون له وإما أن يكون عليه, فعن أَبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ قَوْمٍ يَقومونَ منْ مَجْلسٍ لاَ يَذكُرُون الله -تَعَالَى- فِيهِ؛ إِلاَّ قَاموا عَنْ مِثلِ جيفَةِ حِمَارٍ, وكانَ لَهُمْ حَسْرَةً"(رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيح), وقال النبيِّ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-: "مَا جَلَسَ قَومٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكرُوا الله -تَعَالَى- فِيهِ, ولَم يُصَّلُّوا عَلَى نَبِيِّهم فِيهِ؛ إلاَّ كانَ عَلَيّهمْ تِرةٌ، فإِنْ شاءَ عَذَّبَهُم، وإنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُم"(رواه الترمذي وقال حديث حسن), وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "مَنْ قعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرِ الله -تَعَالَى- فِيهِ؛ كَانَت عَلَيْهِ مِنَ اللهِ ترَة، وَمَن اضطجَعَ مُضْطَجَعًا لا يَذْكرُ الله -تَعَالَى- فِيهِ؛ كَاَنتْ عَليْه مِنَ اللهِ تِرَةٌ"(رواه أَبُو داود), وقالَ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ؛ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

فالعاقل الفطن هو الذي يحسب أرباحه وخسائره في هذه المجالس، فما وجد نفعه حرص عليه، وما سوى ذلك أعرض عنه, فاحرصوا -سدَّدكم الله- على أنْ تكون مجالسَكم عامرة بالخير والفضيلة، وإنْ تَحدَّث فيها مُتحدث بالخير أعنتموه بالاستماع والإنصات وشكرتموه وصبرتم عليه، وإنْ اغتاب أحدٌ أو نَمَّ أو سَبَّ أو لعن أرشدتموه بالرِّفق واللين، وصرفتموه إلى حديث غيره، وإنِ حضر وقت الصلاة أعنتم بعضًا على فعلها في جماعة، وإنْ ظهر مُنْكر ومحرَّم في شاشة أغلقتموها, حتى تكون هذه المجالس يوم القيامة لكم لا عليكم، وتنتفعون بها ولا تندمون.

 

واعلموا أنَّ الصُّحبة والوفاق والودَّ ينقلب يوم القيامة إلى عداوة وبُغض إلا صُحبة المتقين، حيث قال الله -تعالى-: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)[الزخرف: 67]، فكونوا مِنهم، وسِيروا في رِكابهم، وتجمَّلوا بأخلاقهم، والزموا آدابهم.

 

أيُّها الفضلاء: إنَّ أكثر مَجَالِس الناس اليوم يكثر فيها شيء مِن اللَّغط في القول، وبعض الزَّلل في القِيل والقال، فاحرصوا ولا تنسوا إذا قمتم مِنها وخرجتم عنها أنْ تختموها بكفارة المجلس؛ لعلَّ الله أنْ يتجاوز عن ما حدَث فيها، ويعفو عن التقصير والزَّلل الذي حصل بها؛ لِمَا صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "مَا مِنْ إِنْسَانٍ يَكُونُ فِي مَجْلِسٍ فَيَقُولُ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يَقُومَ: سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ؛ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ".

 

فَحَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى حُضُورِ مَجَالِسِ الذِّكْرِ ويُكثِر منها, وخاصة مع أصدقائه وزملائه وأهل بيته؛ لِأَنَّهَا حَيَاةُ الْقُلُوبِ، وَمَوَاضِعُ الرَّحْمَةِ وَالسَّكِينَةِ، وَحُضُورِ الْمَلَائِكَةِ, وَمُبَاهَاةِ الرَّبِّ -سُبْحَانَهُ- بِأَهْلِهَا فِي الْمَلَكُوتِ الْأَعْلَى.

 

فنسأل الله -تعالى- أن يجعلنا وإياكم من الذاكرين الله كثيرًا, أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الـمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وتُوبُوا إليهِ؛ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القوي المتين، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله الصادق الأمين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد: فاتقوا الله وأطيعوه، وعظموا شعائر الله ولا تعصوه.

 

أيها المسلمون: إن عشرَ ذي الحجة هي أفضلُ الأيام عند الله، سماها الله -تعالى- في كتابه الأيامَ المعلومات، كما فسَّرها ابن عباس -رضي الله عنهما-، فالذكرُ لله فيها مستحبّ في المساجد والطرق والمجامِع والأسواقِ والخلوات.

 

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما من أيّام أعظم عند الله ولا أحبّ إليه العمل فيهنّ من هذه الأيام العشر، فأكثِروا فيهن من التسبيح والتكبير والتحميد"(رواه أحمد), وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق ويكبِّران، فيكبِّر الناسُ بتكبيرهما. (رواه البخاري).

 

أيّها المسلم: في هذه الأيّام المباركةِ يُشرَع لك التزوّد من صالح العمل, والتوبة إلى الله ممَّا سلف وكان من سيِّئات الأقوال والأعمال.

 

إنَّ هذه الأيامَ العشر اجتمعت فيها أنواعٌ من العبادة؛ الصلاة والصوم والصدقة والحجّ، فأكثِر من فعلِ الطاعَة، وبادِر إلى الفرائِض، وأكثِر من النوافِل.

 

ويُسنّ صيامُ التّسع الأيام الأولى من ذي الحجة لمن قدر على ذلك، ففي مسند الإمام أحمد -رحمه الله-: "أنَّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم تسعَ ذي الحجة, ويومَ عاشوراء, وثلاثةَ أيام من كلّ شهر", وأفضلها وآكدُها صومُ يوم عرفة لمن لم يكن حاجًا.

 

عباد الله: ومن نوى أن يضحي فيجب عليه أن يُمْسِك عن شعره وأظفاره من أول ليالي العشر, فلا يأخذ منها شيئا؛ لما جاء في حديث أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُم أَنْ يُضَحِّيَ, فلا يَمَسَّ من شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شيئا"، وفي رواية: "فلا يَأْخُذَنَّ شَعْرًا ولا يَقْلِمَنَّ ظُفُرًا"(رواه مسلم).

 

فاجتهدوا -رحمكم الله تعالى- في هذه العشر المباركة، وفرغوا فيها أنفسكم للأعمال الصالحة؛ (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ)[البقرة: 197].

 

عباد الله: صلوا وسلموا على سيّد الأوّلين والآخرين وإمام المرسلين.

المرفقات

حال مجالسنا وفضل عشر ذي الحجة.pdf

حال مجالسنا وفضل عشر ذي الحجة.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات