حال شباب وبنات المسلمين

إبراهيم سلقيني

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ الإنسان مدني بطبعه 2/ أعظم ثروة يحرص عليها العقلاء في هذه الحياة 3/ وجوب الابتعاد عن مواقف الريب والشكوك 4/ موقف عجيب لنبي مع ابنة نبي آخر 5/خطورة التساهل في المعاصي.

اقتباس

من مصلحة الإنسان أن يثق به الناس، ومن أسباب سعادته ومن أسباب راحته أن يعرفوا فيه الأمانة والاستقامة والخلق.. ومن هنا كانت السمعة الطيبة وثقة الناس أعظم ثروة يحرص عليها العقلاء في هذه الحياة، وكان من أهم ما دعا إليه الدين ولفت إليه أنظار المسلمين أن يحرصوا على ذلك، بل اعتبر هذا الدين قاعدة من قواعده "الدين المعاملة"، فلا يكفي أن تبتعد عن إتيان المنكر، أو ارتكاب الفسوق، بل يجب أن تبتعد عن ظن السوء، وعن موطن الشكوك والريب لتصون نفسك عن اتهام الناس وعن ظنهم بك سوءًا.

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله آناء الليل وأطراف النهار، ملء السماوات وملء الأرض حيثما توجه إنسان وأينما استقر، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوب إليه ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه ومختاره من خلقه وخليله، أشهد أنه بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وكشف الله به الغمة، تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك صلوات الله وتسليماته وتبريكاته عليه وعلى أهل بيته، وسلم تسليماً كثيرًا.

 

أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون: عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: كلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إحدى نساءه، فرآه رجل، فناداه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يا فلان: "هذه زوجتي"، فقال الرجل: يا رسول الله! إن كنت ظننت بأحد من الناس سوءًا، فما كنت أظن فيك السوء. فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم".

 

أيها الإخوة الأحبة: الإنسان -كما يقول علماء الاجتماع- مدني بطبعه، مضطر أن يعيش وسط مجتمع يتبادل معه الحقوق والواجبات، فهو محتاج إلى الناس من لحظة ظهوره إلى الحياة إلى أن يتوارى في قبره محتاجًا إليهم في شؤونه، كسبه، عمله، تأمين الحاجات التي يحتاج إليها في هذه الحياة.

 

ومن مصلحة هذا الإنسان أن يثق به الناس من أسباب سعادته ومن أسباب راحته أن يعرفوا فيه الأمانة والاستقامة والخلق.

 

ومن هنا -أيها الإخوة- كانت السمعة الطيبة وثقة الناس أعظم ثروة يحرص عليها العقلاء في هذه الحياة، وكان من أهم ما دعا إليه الدين ولفت إليه أنظار المسلمين أن يحرصوا على ذلك، بل اعتبر هذا الدين قاعدة من قواعده "الدين المعاملة".

 

فلا يكفي أن تبتعد عن إتيان المنكر، أو ارتكاب الفسوق، بل يجب أن تبتعد عن ظن السوء، وعن موطن الشكوك والريب لتصون نفسك عن اتهام الناس وعن ظنهم بك سوءًا.

 

من هنا ندرك بأن أولى ما يجب أن يحرص عليه الإنسان أن يبتعد عن مواقف الريب والشكوك ولا يظن، أو لا يوسوس له الشيطان، ويخدعه بأنه فوق الشكوك، وأنه أعلى من الرِّيَب، فهذا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- وهو مثلنا الأعلى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزاب:21].

 

ليس من عادته أن يكلّم النساء في الطريق، ولكن دعت الحاجة والمصلحة، ومن أجل أن يبعد الرائين أو الناظرين عن أن تحوم في نفوسهم الريب قال لمن رآه: "يا فلان! إنها زوجتي صفية".

 

الرجل أجاب بكل وضوح، وبما هو مقتنع به، أنه إن شك في الناس جميعًا فلن يشك برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بيّن له أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فينزع ويوسوس، ويؤثر في القلوب والنفوس فلا بد من أخذ الحيطة والحذر.

 

ويروى أن سيدنا موسى -عليه السلام- وهو من أولى العزم من الرسل حينما جاءته ابنة النبي شعيب -عليه الصلاة والسلام- تدعوه لرغبة والدها بزيارته له قال لها: "سيري خلفي وصِفِي لي الطريق".

 

ما كان أبداً سيدنا موسى -عليه السلام- شاكًّا في نفسه، ولم تكن أيضًا ابنة النبي شعيب -عليه الصلاة والسلام- موضع ريبة أو شك، ولكنه لم يرضَ أن يمشي معها جنبًا إلى جنب، ولم يرضَ أن يمشي خلفها، وإنما أمرها أن تمشي خلفه، وأن تُرشده وتصف له الطريق.

 

أيها الإخوة: بهذا الموقف صان الناس الذين يمرون عن أن يدخل قلبهم شك أو ريب بأن هذه المرأة تمشي مع رجل غريب لم يُرَ في بلدهم قبل ذلك، هذا موقف نبي مع ابنة نبي.

 

وددنا -أيها الإخوة- لو يتدبر هذه المعاني وهذه المواقف بعض أبنائنا وبعض شبابنا الذين نصادفهم في الشوارع، وفي الجامعات، وفي الأسواق؛ يتسكعون أو يتحدثون مع النساء فترات وفترات، والناس غادون أو رائحون.

 

أن يتدبر هذا أولئك الشباب الذين يقفون في المنعطفات، أو عند مواقف وسائل النقل أو في الحدائق، أو في الأسواق لا لغرض إلا لاختلاس النظرات أو معاكسة الفتيات؟!

 

وددنا لو يتدبر ذلك فتياتنا اللواتي يخرجن من بيوتهن ليس مع ذي رحم محرم، وإنما مع غريب يقضون الساعات لا ثالث لهما إلا الشيطان.

 

وددنا لو يتدبر ذلك الآباء المتساهلون في تربيتهم، وفي رعايتهم لأبنائهم، يفترضون الثقة المطلقة بهم، يغدو أحدهم ويعود فتى أو فتاة بعد هجعة من الليل دون أن يُساءَل أو يُسأَل عن سبب هذا التأخر، وإن سُئل قَبِل بأيّ جواب.

 

وددت أيضًا لو يتدبر ذلك أولئك الذين يطلقون سبل مصاحبة الفتيات والفتيان باسم القرابة، أو باسم الزمالة في العمل، أو باسم الزمالة في الدراسة، أو باسم التعاون على جمع التبرعات، أو غير ذلك من الأسماء والعناوين، أو باسم الخطبة، فلا يكون من ذلك إلا نتائج وخيمة يُصاب بها مجتمعنا.

 

علينا ألا ننخدع بالعناوين الكاذبة وبالأسماء البّراقة ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- وهو المربي الأول، وهو المعلم الأول، وهو القدوة الأول يقول لنا: "الْحَلالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا شُبُهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ فَقَدْ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- مَحَارِمُهُ، أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ".

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدًا كثيرًا كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن نبيه محمدًا عبده ورسوله سيد البشر الشفيع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما اتصلت عين بنظر وسمعت أذن بخبر.

 

أما بعد: عباد الله: أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فاتقوا الله العلي حق التقوى وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يرى وتزودوا من دنياكم لآخرتكم عملاً يرضاه.

 

واعلم أنه لا يضر ولا ينفع، ويصل ويقطع، ويفرّق ويجمع، ويعطي ويمنع، ويخفض ويرفع إلا الله، واعلموا أنه –سبحانه- أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنّى بملائكة قدسه، فقال -عز من قائل- مخبرًا وآمرًا (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

 

اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد ما تعاقبت الأوقات.. اللهم أيّد الإسلام والمسلمين وانصر وأعلِ -يا مولانا- كلمة الحق والدين.

 

 

 

المرفقات

شباب وبنات المسلمين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات