عناصر الخطبة
1/تعظيم قدر الصلاة 2/فضائل الصلاة وثمراتها 3/أهمية صلاة الجماعة 4/خطورة تضييع الصلاة 5/فضل التبكير إلى الصلاة.اقتباس
والصّلاةُ ركنُ الدِّين الرَّكِينِ، أُنسُ المؤمِنين، وقرةُ عينِ الموحِدين، وربيعُ قلوبِ المُخبِتين، ومِعراجُ المتّقين، وفريضةُ اللهِ الثابتةُ على المسلمين، وآخرُ ما يُفقدُ من الدِّين، وآكدُ وصايا سيدِ المرسلين، المحافظةُ عليها عنوانُ الصِدقِ والإيمان، والتهاونُ بها علامةُ الخذلانِ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ العليُّ العظيمُ، الوليُّ الرحيمُ، الغنيُّ الكريم، القويُّ الحليمُ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريك لهُ العزيزُ الحكيم، وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولهُ، ومُصطفاهُ وخليلهُ، النبيُ الأمِّيُ الكريم، أرسلهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ، وبالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيمٌ.
أمَّا بَعْدُ: فاتقوا اللهَ أيها المسلمون، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة:21].
معاشرَ المؤمنينَ الكرام: تعلمونَ أن عبادةَ اللهِ -تعالى- هيَ الغايةُ من خلقَ المخلوقاتِ جميعاً، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات:56]، ولأجلِ هذه الغايةِ أَرسلَ اللهُ الرُّسُلَ، وأنزلَ الكتُبَ، وبشَّرَ القائِمينَ بها فقالَ -جلَّ وعلا-: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[البقرة:25]، وتوعَّدَ المُستكبِرينَ عنها، فقالَ -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)[غافر:60].
والصّلاةُ -أيّها المؤمنون- ركنُ الدِّين الرَّكِينِ، أُنسُ المؤمِنين، وقرةُ عينِ الموحِدين، وربيعُ قلوبِ المُخبِتين، ومِعراجُ المتّقين، وفريضةُ اللهِ الثابتةُ على المسلمين، وآخرُ ما يُفقدُ من الدِّين، وآكدُ وصايا سيدِ المرسلين، المحافظةُ عليها عنوانُ الصِدقِ والإيمان، والتهاونُ بها علامةُ الخذلانِ والخُسران.
الصلاةُ عنوانُ الفلاحِ وطريق النجاح، (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ)[المؤمنون:1-2]، وكيفَ لا يفلِحونَ وهم سيَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.
الصلاةُ يا أهل الصلاة: نورٌ في القلب، وانشراحٌ في الصدر، وطمأنينةٌ في النفس، وضياءٌ في الوجه، وزكاءٌ في العقل، وقوةٌ في البدن، وبركةٌ في العمر، وشفاءٌ لما في الصدور، تُكَفِّرُ السيئات، وترفَعُ الدرجات، وتضاعَفُ الحسنات، قال -تعالى-: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)[هود:114].
وفي الصحيحين قالَ: "مَن توضَّأ نحوَ وُضوئِي هذا، ثم قامَ فرَكَع رَكعتينِ لا يُحدِّثُ فيهما نفْسَه، غُفِرَ لهُ ما تَقدَّمَ من ذنبِه"، وفي صحيح مُسلمٍ أنَّ رسولَ اللهِ قالَ: "ما من أحدٍ يتوضَّأُ فيُحسنُ الوضوءَ، ويُصلِّي رَكعتينِ، يُقبِلُ بقلبِه ووجهِه عليهما، إلَّا وجبتْ له الجَنَّةُ".
الصلاةُ -أيها الموفقون- أمُّ العباداتِ، وتاجُ الطاعاتِ، وهي الفيصلُ بين المؤمنينَ والكافرين، لا دِينَ لمَن لا صلاةَ له، ولا حظَّ في الإسلامِ لمَن تركَ الصّلاة، من حفِظها حفِظَ دينَهُ، وكانت لهُ نوراً وبرهاناً ونجاةً يومَ القيامةِ، ومن ضيَّعها فهو لما سِواها أضيَع.
الصلاة أيها الموحدون: أول ما يحاسَبُ عليه المرءُ يومَ القيامةِ، صَلاحُها صَلاحٌ لبقيةِ الأعمال، وفسادُها فسادٌ لبقيةِ الأعمال، بل جاءَ في صحيح مُسلمٍ أنّ النبيَّ قال: "ليس بينَ الرّجل والكفرِ أو الشرك إلاّ تركُ الصّلاة"، وفي البخاري قال: "من فاتتهُ صلاةٌ فكأنما وُتِرَ أهلَهُ ومالَهُ"، وكان الصحابة لا يرَونَ شيئًا مِن الأعمالِ تركُهُ كُفرٌ غيرُ الصّلاةِ.
تأملوا -يا عباد الله- فكلُّ الفرائض أنزلها اللهُ -تعالى- على رسولِه في الأرضِ بواسطةِ جبريلَ -عليه السلامُ-، إلاّ الصلاة، فقد عُرجَ بالرسولِ إلى السّماء السّابعةِ، هُناك عِندَ سِدرة المنتهي، يخاطبُ اللهُ -تعالى- نبيهُ الكريمَ مُباشرةً وبلا واسِطٍه، فيفرِضُ عليهِ وعلى أُمتهِ هذه الصلاة، فأيُّ منزلةٍ عاليةٍ، وأيُّ شأنٍ كبيرٍ، وأيُّ قدرٍ عظيمٍ لهذه الصلاة؟!
الصلاةُ -أيها المباركون- هيَ أكثرُ العباداتِ ذكراً في القرآن والسنةِ، فقد ذُكرت في القرآنِ الكريمِ أكثرَ من ستين مرةً، وفي السُّنةِ المطهرةِ أكثرَ من مائة وسبعينَ مرةً، ثمَّ إن ما رُتب على تركِها من العقوبات، لم يُرتب مِثلهُ في غيرها من العبادات.
ثم إذا نظرنا إلى شدِّة اهتمام النبي -عليه الصلاة والسلام- واحتفائِه بها، وكثرةِ أدائهِ لها حتى تتفطَّرَ قدماه، حتى أنهُ لما ثّقلُ في مرضِ موتهِ، فكان يُغمى عليهِ من شدِّةِ المرضِ، فإذا استيقظَ كان لا يسألُ إلا عن الصلاة: "أصلى الناس؟، ضعوا لي ماءً"، فإذا اغتسل وقامَ ليصلِّي أغمِي عليه، يفعلُ ذلك ثلاثَ مراتٍ متواليات، هكذا ودَّع الحياة، وهكذا كانت آخرُ وصاياه، يقولُ وهو يلفِظُ أنفاسهُ الأخيرة: "الصلاةَ، الصلاةَ، وما ملكت أيمانُكم".
كلُّ ذلكَ -يا عباد الله- يدلُ على عِظمِ قدرِ الصلاة، وعلى علو مكانتها عند الله، فلا واللهِ لا يُفرِّطُ فيها بعدَ ذلك إلا مخذولٌ محرومٌ، وذلك من أعظمِ أسبابِ دُخولِ النَّارِ، فحِينَ يُسأَلُ المجرمون: (مَا سَلَكَكُم في سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلّينَ)[المدثر:42-43].
وتاركُ الصلاة -يا عباد الله- موعودٌ بالضَنْكِ الدُّنيويّ والعذابُ الأُخرويّ، (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)[مريم:59]، وقال: "من تركَ الصلاةَ لقي اللهَ وهو عليهِ غضبانٌ"، ويقولُ مُحذِّرًا ومُنذِرًا: "لا تتركنَّ صلاةً متعمِّدًا، فمن فعلَ ذلكَ فقد برئت مِنهُ ذمّةُ اللهِ وذمّةُ رسولِه".
ومن برئت مِنهُ ذمّةُ اللهِ وذمّةُ رسولِه فهو هالكٌ لا محالة، وإنْ قالَ قائلٌ: إنما هو إهمالٌ وَكَسلٌ، قلنا فَتِلكَ مِن صِفَاتِ المُنَافِقِينَ الَّذِينَ قَالَ الله فِيهِم: (إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُم وَإِذَا قَامُوا إِلى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً)[النساء:142].
وإنّ ممّا يندَى لهُ الجبينُ، ويعظُمُ لهُ الأسفُ -يا عباد الله- أنْ يخِفَّ عِندَ البعضِ مِيزانُ هذهِ الصلاةِ العظيمةُ القدرِ عِندَ اللهِ، ويقِلُّ الاهتمامُ بها والتبكِيرُ إليها، نعم يا عباد الله: هُناك تفريطٌ وتضييعٌ، وإهمالٌ للصلاةِ فضيعٌ، هُناكَ من يتركُ الصلاةَ عامِداً مُتعمَّدًا، وهناكَ من يُخرِجُها عن وقتِها تَهاوُنًا وكسَلاً، وهناكَ من يُصلِّي في بيتهِ ولا يُصلِّي مع الجماعةِ.
فأمَّا تاركُها عمداً فبإجماع العلماءِ إنْ لم يتُب فهو في النار من الخالدين، وأمَّا المتهاونُ كسلاَ فهو مثلُه أو قريباً مِنهُ، فقد توعدهُ اللهُ بقولِه: (فَوِيلٌ لِلمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُم عَن صَلاتِهِم سَاهُونَ)[الماعون:4-5]، فهو وإن كان من المصلين إلا أنه يُؤخِّرُ الصلاة حتى يخرج وقتها، فالويلُ له، والويلُ هو الهلاكُ والثبور، أو هو وادٍ في جنهم.
وأما من يُصلي في بيتهِ ويتركُ الجماعةَ، فليتأمَّل ما حدثَ للصحابيَ الجليلِ ابنُ أمّ مكتومٍ وأرضاه، فقد كبُرت سنُّه، ورقَّ عظمهُ، وكفَّ بصرهُ، ولم يكن لهُ قائدٌ يلائِمهٌ، وكان بينه وبين المسجد هوامٌ قد تؤذيه، فاستأذنَ النبي أنْ يُصلِّيَ في بيتهِ، فمل وجِدَ لهُ الرؤوفُ الرحيمُ رُخصةً، بل عقَّبَ على ذلك بقوله: "ولو يعلَمُ هذا المتخلِّفَ عن الصلاةِ في الجماعةِ، ما لهذا الماشي إليها، لأتاها ولو حبوًا على يدَيهِ ورجليه".
فالأمُر ليس بالهينِ كما يتصورُ البعضِ، بل لقد جاءَ في حديثٍ مُتفقٍ عليه، قال: "لقد هممتُ أن آمرَ بالصلاة فتُقام، ثمّ آمرَ رجلاً يُصلِّي بالناس، ثمّ أنطلِقُ معيَ برجالٍ معهم حزَمٌ من حَطبٍ إلى قومٍ لا يشهدونَ الصلاة، فأحرّقَ عليهم بيوتهم بالنار".
فالأمرُ جِدُّ خطيرٌ يا عباد الله: وقد صحَّ أن النبي قال: "من سمعَ المناديَ بالصلاة فلم يمنعهُ من اتِّباعه عذرٌ لم تُقبَل منهُ الصلاةَ التي صلّى"، قيل: وما العذرُ يا رسول الله؟ قال: "خوفٌ أو مرض".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: "لأن تمتلئ أذُنا ابنِ آدمَ رصاصًا مُذابًا خيرٌ لهُ من أن يسمعَ النداءَ ولا يجيب"، وعن علي -رضي الله عنه- قال: "لا صلاة لجار المسجدِ إلا في المسجد، قيل: ومن هو جارُ المسجد؟ قال: من سمعَ الأذان".
فيا أيها المضيعونَ لصلاةِ الجماعة، يا أيها البعيدونَ عن بيوتِ اللهِ: هل لكم مِن عُذرٍ فتعتذِرون؟، أليست أبدانكُم سليمةٌ؟، أليست شوارعِكُم آمنةٌ؟، أوليست مساجِدكُم مُهيأةٌ؟، فلمَ يا رعاكُم اللهُ تتخلفون؟، أأمرٌ أهمُّ من الصلاةِ أنتم بهِ مُنشغِلون؟، ألا ترونَ الموتَ يتخطَفُ الناسَ مِن حولِكُم وأنتم تنظُرون؟، فإلى متى تسوِّفُون وتؤجلُون؟، لقد حصْحصَ الحقُّ لولا صَمَمُ القلوب، واتضحَ السبيلُ لولا كدَرُ الذُّنوب.
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ، وَحَافِظُوا عَلَى الصَّلاةِ في بيوت الله، فعلى قدرِ إقامتِها والمحافظةِ عليها، تكونُ مكانةُ العبدِ عند اللهِ -تعالى-، وعلى قدر إقامتِها والمحافظةِ عليها يكونُ البعدُ عن المعاصي والمنكرات: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[العنكبوت:45]، وعلى قدر تضيِّعيها والتفريطِ فيها يكون الولوغُ في الشهوات: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)[مريم:59]، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، (وَاستَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُلاقُو رَبّهِم وَأَنَّهُم إِلَيهِ راجِعُونَ)[البقرة:45-46].
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، ومصطفاه وخليله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليماً كثيراً.
معاشر المؤمنين الكرام: حُبُّ النبيِّ الكريمِ للصلاة ظاهرٌ ومتواترٌ، فقد صحَّ عنهُ -عليه الصلاةُ والسلام- أنهُ قال: "أرِحنا بها يا بلال"، وقال -عليه الصلاةُ والسلامُ-: "وجُعِلَت قُرَّة عيني في الصلاة".
ووالله ما قالَ هذا الكلامَ العجيبَ إلا حينَ وجَدَ في الصلاةِ ما تَقرُّ بهِ عينهُ، وينشرِحُ بهِ صدرهُ، ويأنسُ بهِ قلبهُ، وتفرحُ به روحهُ، ولذلك كان يُطيلُ صلاتهُ حتى تتفطَّرَ قدماه، ووالله لو تمكَّنَ حُبُّ الصلاةِ من قلوبنا فلن نجِدَ حلاوةً ألذَّ منها، واسألوا عن ذلك المُوفَّقون، أهلُ التُّقَى والهُدَى، المُعلَّقةِ قلوبُهم بالمساجِدِ، المُبكِّرون إلى الصلوات، المشَّاؤُون إليها في الظُّلُمات، المُجيبُون لداعِيَ الفلاحِ، المتنافُسون على الصف الأول، المُدرِكُون لتكبيرةِ الإحرام مع الإمام.
نعم أيها المباركون: فالتبكيرُ إلى الصلاة وانتِظارُها، والاشتِغالُ بالذكرِ وقراءةِ القرآن قبلَها، من أعظمِ جالِبات الطُمأنينةِ والسعادةِ، ومن أقوى مُفرِّجاتِ الهُمومِ والغموم، روى الإمامُ البخاري في صحيحه قال: "لو يعلَمون ما في التهجِير لسبَقُوا إليه"، قال الإمام النووي: "التهجيرُ هو التبكيرُ إلى الصلاة"، ويقول أهلُ العلم: "إن سببَ حُضورِ القلبِ في العبادة هو الهمُّ والاهتمام؛ فمتى أهمَّكَ أمرٌ حضرَ قلبُكَ فيه".
فإذا صَرفتَ همَّكَ وهِمَّتَك إلى الصلاة، حضرَ قلبُك فيها، وإذا حضرَ القلبُ أقبلَ على مولاهُ فأحسَنَ المناجاة، مُستشعرًا جلالَ وعظمةَ اللهِ، وتلك هي الصلاةُ الخاشعةُ التي تُورثُ المصلِّيَ الفلاحَ والمنازلَ العالية، (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ)[المؤمنون:1-2].
فهنيئًا لمن اعتاد التبكيرَ إلى بيتِ اللهِ، فلا يزالُ مُبشراً ببشارة النبي الكريم: "من صلَّى قبلَ الظُّهر أربعًا، وبعدَها أربعًا حرَّمه الله على النار"، و"رحِمَ الله امرأً صلَّى قبل العصر أربعًا".
والتبكيرُ إلى بيتِ الله: دليلٌ عمليٌ على محبَّةِ الصلاةِ وتعظِيمِ قدرِها وتعلُّقِ القلبِ بها، فهو داخلٌ في السبعة الذين يظلهم الله بظله.
والمُبكِّرُ إلى بيت الله: داخِلٌ فيمن عنَاهم عليه الصلاة والسلام بقولِهِ في الحديث المتفق عليه: "لو يعلمُ الناسُ ما في النداء والصفِّ الأول ثمَّ لم يجِدوا إلا أن يستهِمُوا عليه لاستَهَمُوا عليه"، وفي قولِه: "إن الله وملائكتَهُ يُصلُّونَ على الصفِّ المُقدَّم".
والمبكرُ إلى بيت الله: لا يزالُ في صلاةٍ ما انتظَرَ الصلاة؛ تُصلِّي عليه ملائكةُ الرحمن، وتدعُو له بالمغفِرَة والرحمةِ والرضوان.
ثم أوصيكم -عباد الله- في أبنائكم وقرّةِ عيونكم وفلذات أكبادكم، فإنهم أمانةٌ في أعناقكم، مُروهم بالمحافظة على الصّلوات، وحضورِ الجُمَعِ والجماعات، رغِّبوهُم ورهّبُوهم، وشجِّعُوهم وحفِزُوهم، وكونوا لهم قُدوةً حسنة صالحة، يقولُ الحقُّ -جلَّ وعلا-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)[طه:132]، ويقولُ رسولُ الهدى: "مُروا أبناءَكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناءُ عشر سنين"، وألحّوا على الله بالدعاء أن يُصلحَهم ويهديهم، وأبناء المسلمين أجمعين.
اللهمّ أقِرَّ عيوننا وأسعِد قلوبَنا بصلاح شبابنا وفتياتنا، اللهمّ اجعلنا وإياهم هداة مهتدين، وأصلح لنا شأننا كله يا أرحم الراحمين.
ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا يُنْسَى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم