حاجتنا إلى القدوة

الشيخ هلال الهاجري

2022-01-14 - 1443/06/11 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/أمر الله بالاقتداء بالأنبياء والرسل 2/أهمية القدوة للناس 3/نماذج من حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- 4/أهمية قرن القول بالفعل 5/أثر القدوات على الناس 6/نماذج من القدوات في القرآن الكريم

اقتباس

فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحْتَاجًا لِلْقُدْوَةِ، وَكَانَ النَّاسُ جَمِيعًا مُحْتَاجِينَ لِلْقُدْوَةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ نَفْهَمَ مِنْ هَذَا، أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى الِاقْتِدَاءِ، أَشَدُّ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى الطَّعَامِ وَالْهَوَاءِ...

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ وَلَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا، أَحْسَنَ صُورَتَهُ فَجَعَلَهُ سَمِيعًا بَصِيرًا، وَهَدَاهُ السَّبِيلَ؛ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا، نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَكَانَ جَزَاؤُهُمْ مَوْفُورًا، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَإِيمَانٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَزِيدًا.. أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ التَّقْوَى خَيْرُ لِبَاسٍ وَأَفْضَلُ زَادٍ، وَأَقْرَبُ وَسِيلَةٍ لِرِضَا رَبِّ الْعِبَادِ؛ (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)[الْبَقَرَةِ: 197].

 

بَعْدَمَا ذَكَرَ اللَّهُ -تَعَالَى- الْأَنْبِيَاءَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ، قَالَ -سُبْحَانَهُ-: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)[الْأَنْعَامِ: 90]، فَمَاذَا نَفْهَمُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ -تَعَالَى- لِنَبِيِّهِ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِهِ؟، وَمَاذَا نَفْهَمُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ -تَعَالَى- النَّاسَ أَنْ يَقْتَدُوا بِنَبِيِّهِمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَيْثُ قَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الْأَحْزَابِ: 21]، فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحْتَاجًا لِلْقُدْوَةِ، وَكَانَ النَّاسُ جَمِيعًا مُحْتَاجِينَ لِلْقُدْوَةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ نَفْهَمَ مِنْ هَذَا، أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى الِاقْتِدَاءِ، أَشَدُّ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى الطَّعَامِ وَالْهَوَاءِ، وَلِمَعْرِفَةِ النَّبِيّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَى الْقُدْوَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَحِينٍ، أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْحَبِيبَيْنِ، فَقَالَ: "اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي مِنْ أَصْحَابِي؛ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ"، فَالْقُدْوَاتُ هُمُ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ الرُّسُوخَ فِي الْأَجْيَالِ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ فِيهِمْ ثَبَاتَ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي.

 

وَلِذَلِكَ كَانَ أَفْضَلُ الْأَجْيَالِ، هُوَ جِيلُ الصَّحَابَةِ الْأَبْطَالِ؛ لِأَنَّ قُدْوَتَهُمْ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لِأَنَّهُ كَانَ قُرْآنًا يَمْشِي بَيْنَ النَّاسِ وَفِي الطُّرُقَاتِ، وَالْقُرْآنُ هُوَ مَصْدَرُ الْهِدَايَةِ وَالثَّبَاتِ؛ (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا)[الْفُرْقَانِ: 32]، ثُمَّ جِيلُ التَّابِعِينَ؛ لِأَنَّ قُدْوَتَهُمْ هُمُ الصَّحَابَةُ الْأَخْيَارُ، ثُمَّ تَابِعُو التَّابِعِينَ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ زَمَانٍ يَكْثُرُ الصَّلَاحُ، بِكَثْرَةِ أَهْلِ الْقُدْوَةِ وَالْفَلَاحِ.

 

وَلَمَّا كَانَ قُدْوَةُ الْمُسْلِمِينَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُنَافِسُ الصَّحَابَةَ عَلَى الْعَمَلِ، قَالُوا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-:

لَئِنْ قَعَدْنَا وَالنَّبِيُّ يَعْمَلُ *** لِذَاكَ مِنَّا الْعَمَلُ الْمُضَلَّلُ

 

الْيَوْمَ نَحْتَاجُ إِلَى الْقُدْوَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي يَرَاهَا الْأَجْيَالُ، فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُ الْأَفْعَالَ قَبْلَ الْأَقْوَالِ، وَاسْمَعْ إِلَى دَرْسٍ عَمَلِيٍّ فِي الشَّجَاعَةِ، يَقُولُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، قَالَ: وَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةً سَمِعُوا صَوْتًا، قَالَ: فَتَلَقَّاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، وَهُوَ مُتَقَلِّدٌ سَيْفَهُ، فَقَالَ: لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا"، وَلِذَلِكَ صَنَعَ الْأَبْطَالَ.

 

وَهُنَا دَرْسٌ فِي الْجُودِ وَالْكَرَمِ، يُغْنِي عَنْ كَثِيرٍ مِنَ فَصَاحَةِ الْكَلِمِ، أَهَدَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بُرْدَةً فَأَخَذَهَا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهَا فَلَبِسَهَا، فَرَآهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَحْسَنَ هَذِهِ، فَاكْسُنِيهَا، فَقَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَامَهُ أَصْحَابُهُ، قَالُوا: مَا أَحْسَنْتَ حِينَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَهَا مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ إِيَّاهَا، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا يُسْأَلُ شَيْئًا فَيَمْنَعُهُ، فَقَالَ: رَجَوْتُ بَرَكَتَهَا حِينَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لَعَلِّي أُكَفَّنُ فِيهَا. وَهَكَذَا أَصْعَبُ الِاقْتِدَاءِ، مَا كَانَ فِي الْجُودِ وَالْفِدَاءِ:

لَوْلَا الْمَشَقَّةُ سَادَ النَّاسُ كُلُّهُمْ *** الْجُودُ يُفْقِرُ وَالْإِقْدَامُ قَتَّالٌ

 

أَيُّهَا الْمُرَبِّي: أَتَدْرِي أَنَّ كَلَامَكَ لِأَهْلِكَ فِي بَيْتِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَتَعْبِيرَكَ عَنْ حُبِّكَ الْخَالِصِ لَهُ، وَأَنَّهُ الْقُدْوَةُ الَّتِي يَجِبُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ، يَضِيعُ هَبَاءً مَنْثُورًا عِنْدَمَا يَرَوْنَكَ عَلَى الْغَدَاءِ وَأَنْتَ تَشْرَبُ بِالشِّمَالِ.. أَتَعْلَمُ أَنَّ مَا تَقُولُهُ مِنْ كَلَامٍ مُؤَثِّرٍ عَنْ أَضْرَارِ التَّدْخِينِ الدِّينِيَّةِ وَالصِّحِّيَّةِ، وَالِاقْتِصَادِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَإِحْصَائِيَّاتِ الْوَفِيَّاتِ السَّرَطَانِيَّةِ، يَذْهَبُ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ إِذَا أَشْعَلْتَ أَمَامَهُمْ سِيجَارَتَكَ.

 

قُلْ مَا شِئْتَ لِأَبْنَائِكَ عَنْ فَضْلِ الصَّلَاةِ وَأَهَمِّيَّتِهَا، وَلَكِنْ إِنْ لَمْ يَرَوْكَ مُهْتَمًّا بِهَا، حَرِيصًا عَلَى أَدَائِهَا، مُبَكِّرًا لِلْمَسَاجِدِ لَهَا، وَإِلَّا لَا تُتْعِبْ نَفْسَكَ.. وَحَدِّثْهُمْ عَنْ فَضِيلَةِ الصِّدْقِ وَأَنَّهُ مَنْجَاةٌ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَزَالُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَلَكِنِ احْذَرْ إِذَا زَارَكَ مَنْ لَا تُرِيدُ، أَنْ تَقُولَ لِأَحَدِ أَبْنَائِكَ: قُلْ لَهُ: أَبِي لَيْسَ مَوْجُودًا، فَمَاذَا تَتَوَقَّعُونَ أَثَرَ هَذِهِ الْمَوَاقِفِ عَلَى الْأَبْنَاءِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ، فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ، فَوَاللَّهِ إِنَّ هَذَا التَّنَاقُضَ مِنَ الْمُرَبِّينَ، جَرِيمَةٌ كُبْرَى فِي تَضْيِيعِ أَجْيَالِ الْمُسْلِمِينَ.

لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ *** عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ

 

أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، أَمَّا بَعْدُ:

 

وُجُودُ الْقُدْوَاتِ بَيْنَ النَّاسِ لَهُ أَثَرٌ مُبِينٌ، فِي مَعْرِفَةِ النَّاسِ لِلْحَقِّ وَالْيَقِينِ، فَهَا هُوَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللَّهُ- كَانَ بِإِمْكَانِهِ أَنْ يَأْخُذَ بِالرُّخْصَةِ وَيَقُولَ لِلْمَأْمُونِ مَا يُرِيدُ، فَقَدْ أُكْرِهَ بِالسِّيَاطِ وَالسِّجْنِ، لَكِنَّهُ كَانَ إِمَامًا يَقْتَدِي النَّاسُ بِهِ، وَيَنْظُرُونَ إِلَى ثَبَاتِهِ لِيَثْبُتُوا مَعَهُ، وَلِذَلِكَ أَوْصَاهُ صَاحِبُهُ مُحَمَّدُ بْنُ نُوحٍ قَائِلًا: "أَنْتَ رَجُلٌ يُقْتَدَى بِهِ، وَقَدْ مَدَّ الْخَلْقُ أَعْنَاقَهُمْ إِلَيْكَ، لِمَا يَكُونُ مِنْكَ؛ فَاتَّقِ اللَّهَ، وَاثْبُتْ لِأَمْرِ اللَّهِ".

 

فَالْقُدْوَاتُ مَوْجُودُونَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، يَقْتَدِي بِهِمُ النَّاسُ فِي الثَّبَاتِ وَالْإِيمَانِ، فَإِذَا لَمْ تَجِدْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَافْتَحِ الْقُرْآنَ، وَاقْرَأْ فِي مَوَاقِفِ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ، فَهَا هُوَ شَابٌّ يُلْقَى فِي النَّارِ، فَيَقُولُ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَيُقَالُ: (يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 69]، وَهَا هُوَ شَابٌّ تَتَعَرَّضُ لَهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ جَمَالٍ وَمَالٍ وَحَسَبٍ، فَيَقُولُ: (مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)[يُوسُفَ: 23]، وَهَا هُوَ رَجُلٌ يُحَاصَرُ بَيْنَ الْبَحْرِ وَالْجَيْشِ، وَيُقَالُ لَهُ: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)[الشُّعَرَاءِ: 61]، فَيَقُولُ: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)[الشُّعَرَاءِ: 62]، وَهَا هُوَ رَجُلٌ فِي غَارٍ، وَالْأَعْدَاءُ يَبْحَثُونَ عَنْهُ لِيَقْتُلُوهُ، فَيَقُولُ لَهُ صَاحِبُهُ: لَوْ نَظَرَ أَحَدُهُمْ إِلَى رِجْلِهِ لَرَآنَا، فَقَالَ لَهُ: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)[التَّوْبَةِ: 40]، وَهَكَذَا سَتَرَى الْقُدْوَاتِ أَمَامَكَ عَلَى مَرِّ الْقُرُونِ، يَبْعَثُونَ فِي قَلْبِكَ الطُّمَأْنِينَةَ وَالسَّكِينَةَ.

 

فَإِذَا اقْتَدَيْتَ بِمَنْ قَبْلَكَ، سَتَكُونُ أَنْتَ قُدْوَةً لِمَنْ بَعْدَكَ، كَمَا دَعَا بِذَلِكَ عِبَادُ الرَّحْمَنِ: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الْفُرْقَانِ: 74]، قَالَ مُجَاهِدٌ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أَئِمَّةٌ نَقْتَدِي بِمَنْ قَبْلَنَا، وَنَكُونُ أَئِمَّةً لِمَنْ بَعْدَنَا، وَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ قُدْوَةَ سُوءٍ.

مَشَى الطَّاوُوسُ يَوْمًا بِاخْتِيَالٍ *** فَقَلَّدَ شَكْلَ مِشْيَتِهِ بَنُوهُ

قَالَ: عَلَامَ تَخْتَالُونَ، قَالُوا: *** سَبَقْتَ بِهِ وَنَحْنُ مُقَلِّدُوهُ

وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الْفِتْيَانِ مِنَّا *** عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ

 

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا أَئِمَّةً لِلْمُتَّقِينَ، هُدَاةً مُهْتَدِينَ، غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَانْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا، وَزِدْنَا عِلْمًا وَعَمَلًا وَتَقْوَى وَصَلَاحًا، إِنَّكَ جَوَادٌ كَرِيمٌ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ نِيَّاتِنَا وَأَوْلَادَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا، وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا، وَوَفِّقْهُمْ لِلْحُكْمِ بِكِتَابِكَ، وَاتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّكَ، وَارْزُقْهُمُ الْجُلَسَاءَ الصَّالِحِينَ النَّاصِحِينَ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِمَنْ يُحَارِبُ دِينَكَ، وَيَصُدُّ عَنْ سَبِيلِكَ، وَيُرِيدُ نَشْرَ الْفَاحِشَةِ فِي الَّذِينَ آمَنُوا، اللَّهُمَّ لَا تَرْفَعْ لَهُمْ رَايَةً، وَلَا تُحَقِّقْ لَهُمْ غَايَةً، وَاجْعَلْهُمْ لِمَنْ خَلْفَهُمْ عِبْرَةً وَآيَةً، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

المرفقات

حاجتنا إلى القدوة.doc

حاجتنا إلى القدوة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات