حاجة المسلم لتعاهد القرآن

عبدالله بن حسن القعود

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ وصف حال زماننا 2/حاجتنا للقرآن 3/كيف تلقى الصحابة القرآن؟ 4/أهمية تعاهد القرآن 5/ الفلاح والفوز في التمسك بالقرآن
اهداف الخطبة
1/بيان أهمية تعاهد القرآن تر تيلاً وحفظاً 2/ الترغيب في أن يجعل المسلم له حزباً من القرآن يداوم عليه 3/ بيان أن العزة والفلاح في التمسك بالقرآن

اقتباس

إنه لا تقوية لأزر ولا رسوخ لقدم, ولا أنس لنفس ولا تسلية لروح, ولا تحقيق لوعد ولا أمن من عقاب, ولا ثبوت لمعتقد ولا بقاء لذكر وأثر مستطاب؛ إلا بأن يتجه المرء اتجاهاً صحيحاً بكامل أحاسيسه ومشاعره، بكل قلبه وقالبه إلى كتاب ربه تلاوة وتدبراً وتعلماً وعملاً، فهو المعين العذب الصافي الذي لا ينضب ولا يأسن أبداً...

 

 

 

 

 الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، قيّماً لينذر بأساً شديداً من لدنه ويبشر المؤمنين الذي يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً، ماكثين فيه أبداً، وينذر الذين قالوا اتّخذ الله ولداً، ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: فيقول الله سبحانه وتعالى: (طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ * هُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) [النمل:1-2].

 

أيُّها الأخوة المؤمنون: إننا اليوم لفي زمن تلاطم أفكار وتغير مفاهيم، زمن مواجهة شهوات وشبهات وتحديات وتساؤلات كثيراً ما تقرع الأسماع، وتتوارد على القلوب ولا حول ولا قوة إلا بالله، وما منا من أحد في هذه الدنيا مهما كان مقامه إلا وهو محتاج إلى ما يشد أزره ويرسي قدمه ويزيد في إيمانه ويقينه؛ ليرسوا أمام تلكم الشهوات والتحديات رسو الجبال الشم التي لا تحركها الهزات ولا تؤثر فيها الأعاصير، ما منا من أحد إلا وهو محتاج إلى ما يؤنسه إن تطرقت إليه وحشة, ويسليه ويواسيه إن ألمت به مصيبة، ويرجيه ويعده إن ضاقت به حال أو طاف به طائف اليأس والقنوط من روح الله، وينذره ويخوفه إن استولى عليه طغيان المادة أو سلطان الهوى والأمن من مكر الله، ما منا أحد إلا ويسره أن يزداد إيمانه وأن تحصن عقيدته وأن تقوى صلته بربه تبارك وتعالى الذي بيده الخفض والرفع لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع سبحانه. لا إله إلاّ هو، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

 

وإنه لا تقوية لأزر ولا رسوخ لقدم ولا أنس لنفس ولا تسلية لروح, ولا تحقيق لوعد ولا أمن من عقاب, ولا ثبوت لمعتقد ولا بقاء لذكر وأثر مستطاب، إلا بأن يتجه المرء اتجاهاً صحيحاً بكامل أحاسيسه ومشاعره، بكل قلبه وقالبه إلى كتاب ربه تلاوة وتدبراً وتعلماً وعملاً، فهو المعين العذب الصافي الذي لا ينضب ولا يأسن أبداً, والكنز الوافر الذي لا يزيده الإنفاق إلا جدة وكثرة، ولا تكرار التلاوة إلا حلاوة ورغبة، بيد أنه لا يمنح كنوزه إلا لمن أقبل عليه بالحالة التي أسلفت ويريدها الله في مثل قوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [قّ:37].

 

كما أقبل عليه أولئكم الأبرار الأطهار من أسلافنا الصالحين الأخيار, الذين إذا تعلموا منه عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يعلموا معناها ويعملوا بمقتضاها، أولئك الذين يتقبلون نواهيه وأوامره كما يتقبل الجندي التعليمات في الميدان فينفذونها أولاً بأول بدون تردد أو تساؤل أو تراخٍ، أولئكم الذين يأخذونه ويقرؤونه معتقدينه خطاباً من الله لهم ويكلمهم به على لسان رسوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) [الحشر:18] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب:70] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة:1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ) [المائدة:8] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [الحجرات:1], وأمثال ذلكم.

 

 وبهذا -أيها الأخوة- يعلم أن لزوم القرآن وتعاهد القرآن، بل وتعاهد النفس في كل يوم وليلة بالقرآن ضرورة حتمية للمسلم، للداعية الذي يهدي إلى صراط الله، للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، للقائد الذي ينفذ أوامر الله في عباد الله كضرورة العين لنورها والجسد لروحه. يقول الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأتباعه: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ) [العنكبوت:45] ويقول على لسان نبيه: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ) [النمل:91-92].

 

فيا أيها الأخوة: لئن كان لأحدنا في يومه وليلته عدة مشاهدات وعدة مسموعات وعدة مقروءات؛ لاستزادة من علم أو ثقافة أو لأداء واجب وظيفي، فلا يعدم أحدنا أن يكون له في يومه وليلته حزب يلزم به نفسه من كتاب الله, الذي ما تقرب إليه المتقربون بمثله، والذي فيه أدبه، فيه أنسه، فيه عزه، فيه التأمين على حياته حياة الدنيا وحياة البرزخ وحياة الآخرة, الذي لا يعادله أي تأمين. يقول الحق سبحانه: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) [طـه:123] قال ابن عباس -رضي الله عنه- في هذه الآية: "تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه؛ ألاَّ يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة"، فاتّقوا الله -أيها الأخوة المؤمنون- وخذوا كتاب ربكم بقوة وصدق تمنحوا كنوزه وتشرفوا بشرفه, ويتحقق لكم وعد الله، في قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:57-58].

 

وأستغفر الله لي ولكم وسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

المرفقات

المسلم لتعاهد القرآن

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات