حاجات الأطفال والمراهقين

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2021-08-20 - 1443/01/12 2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/أهم حاجات الأطفال والمراهقين 2/مشروعية حاجيات الأطفال والمراهقين وضرورة تلبيتها 3/خطورة فقدان الأطفال والمراهقين لحاجياتهم والأثر السلبي المترتب على ذلك.

اقتباس

عِنْدَمَا يَفْقِدُ الْمُرَاهِقُونَ حَاجِيَّاتِهِمْ، أَوْ لَا تُرَشَّدُ تِلْكَ الْحَاجِيَّاتُ فَإِنَّهُمْ سَيَتَضَرَّرُونَ ضَرَرًا كَبِيرًا؛ فَكَمْ سَيَكُونُ مِنَ الْآثَارِ السَّلْبِيَّةِ عَلَى عُقُولِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَنَفْسِيَّاتِهِمْ، وَكَمْ سَيَنْحَرِفُ سُلُوكُهُمْ عَنِ الطَّرِيقِ الْقَوِيمِ، وَبَدَلَ أَنْ يُؤَمَّلَ فِيهِمْ أَنْ يَكُونُوا لَبِنَاتِ بِنَاءٍ سَيُصْبِحُونَ مَعَاوِلَ هَدْمٍ عَلَى أُسَرِهِمْ وَمُجْتَمَعَاتِهِمْ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مَخْلُوقٌ مَوْصُوفٌ بِالْحَاجَةِ صَغِيرًا وَكَبِيرًا، غَنِيًّا وَفَقِيرًا، مَأْمُورًا وَأَمِيرًا، وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ مَا دَامَتْ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، غَيْرَ أَنَّ تِلْكَ الْحَاجَاتِ تَخْتَلِفُ مِنْ مَرْحَلَةٍ عُمْرِيَّةٍ إِلَى أُخْرَى، وَمِنْ حَالَةٍ مِنْ حَالَاتِ النَّاسِ الدُّنْيَوِيَّةِ إِلَى حَالَاتٍ سِوَاهَا.

 

فَفِي مَرْحَلَةِ الْمُرَاهَقَةِ هُنَاكَ حَاجَاتٌ لَابُدَّ أَنْ تُلَبَّى لِهَذِهِ الْمَرْحَلَةِ؛ حَتَّى يَسْتَقِيمَ شَأْنُهُمْ جَسَدًا وَرُوحًا، وَسُلُوكًا وَعَقْلًا.

 

فَمَا أَهَمُّ هَذِهِ الْحَاجَاتِ الَّتِي يَحْتَاجُهَا الْمُرَاهِقُونَ؟

أَهَمُّهَا الْمَكَانَةُ الْأُسَرِيَّةُ وَالِاجْتِمَاعِيَّةُ؛ فَالْمُرَاهِقُ يَشْعُرُ أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ طِفْلًا؛ فَلِذَلِكَ يَبْدَأُ الذُّكُورُ بِمُحَاكَاةِ الْكِبَارِ فِي لِبَاسِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ، حَتَّى فِي الْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ وَلِلْأَسَفِ، كَتَنَاوُلِ بَعْضِهِمْ لِلدُّخَانِ، وَتَقُومُ الْأُنْثَى بِمُحَاكَاةِ أُمِّهَا أَوْ أُخْتِهَا فِي لِبَاسِهَا وَأَصْبَاغِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ.

 

لِهَذَا فَإِنَّ حَاجَةَ الْمُرَاهِقِ إِلَى الْمَكَانَةِ فِي الْأُسْرَةِ وَالْمُجْتَمَعِ يَنْبَغِي الْعِنَايَةُ بِهَا؛ وَمِنْ مَظَاهِرِ هَذِهِ الْعِنَايَةِ؛ التَّعَامُلُ مَعَ الْمُرَاهِقِ كَرَجُلٍ وَلَيْسَ كَطِفْلٍ، وَإِشْعَارُهُ بِأَنَّهُ قَدْ صَارَ لَهُ حَقُّ الرَّأْيِ وَالْكَلِمَةِ وَيَسْتَحِقُّ الِامْتِيَازَاتِ؛ فَعَلَى الْوَالِدَيْنِ وَالْمُعَلِّمِينَ أَنْ يُعَامِلُوا الْمُرَاهِقِينَ مُعَامَلَةً تَتَنَاسَبُ مَعَ نُمُوِّهِ وَسِنِّهِ لَا مُعَامَلَةَ الْأَطْفَالِ.

 

وَفِي سِيرَةِ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وَسِيرَةِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ لِإِعْطَاءِ الْمُرَاهِقِينَ الْمَكَانَةَ، وَإِعْلَامِهِمْ بِأَنَّهُمْ قَدْ صَارُوا كِبَارًا؛ فَقَدْ أَمَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَلَى جَيْشٍ فِيهِ كِبَارُ الصَّحَابَةِ، وَعُمْرُ أُسَامَةَ آنَذَاكَ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً، بَلْ زَادَهُ مَكَانَةً أُخْرَى بِقَوْلِهِ عَنْهُ: "وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا بِالْإِمَارَةِ".

 

وَكَانَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَيَّامَ خِلَافَتِهِ يُدْخِلُ ابْنَ عَبَّاسٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- إِلَى مَجَالِسِ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، وَلَهُ مَعَهُ قِصَصٌ وَأَخْبَارٌ.

 

وَمِنَ الْحَاجَاتِ الَّتِي يَحْتَاجُهَا الْمُرَاهِقُ الِاسْتِقْلَالِيَّةُ؛ فَالْمُرَاهِقُونَ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ يَجِدُونَ أَنَّهُمْ قَدْ رَكَلُوا وَرَاءَهُمْ مَرْحَلَةَ الطُّفُولَةِ، وَأَنَّهُمْ قَدْ صَارُوا رَاشِدِينَ، مِمَّا يَجْعَلُهُمْ يَبْحَثُونَ عَنِ الِاسْتِقْلَالِ وَالتَّخَلِّي عَنْ مُسَاعَدَةِ الْوَالِدَيْنِ، وَيُحِبُّونَ تَحْقِيقَ أَيِّ شَكْلٍ مِنْ أَشْكَالِ الِاسْتِقْلَالِ.

 

بَلْ إِنَّهُمْ يَرْغَبُونَ فِي أَنْ يَفْعَلُوا مَا يُرِيدُونَ دُونَ أَيِّ تَدَخُّلٍ أُسَرِيٍّ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يُحِبُّونَ؛ وَلِذَلِكَ يَنْزَعِجُ بَعْضُهُمْ مِنْ تَدَخُّلِ وَالِدَيْهِ فِي قَصَّاتِ شَعْرِهِ أَوْ نَوْعِيَّةِ لِبَاسِهِ وَشَكْلِهِ. وَيَسْعَى بَعْضُ الْمُرَاهِقِينَ لِلْمُطَالَبَةِ بِغُرْفَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ عَنْ إِخْوَتِهِ الصِّغَارِ، وَشِرَاءِ سَيَّارَةٍ خَاصَّةٍ بِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

 

وَلَا شَكَّ أَنَّكُمْ -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ- تُدْرِكُونَ أَنَّ بَعْضَ مَطَالِبِ الِاسْتِقْلَالِيَّةِ لِلْمُرَاهِقِينَ صَحِيحٌ، وَبَعْضَهَا غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلِهَذَا يَنْبَغِي تَلْبِيَةُ الصَّحِيحِ، وَالتَّعَامُلُ السَّلِيمُ مَعَ غَيْرِ الصَّحِيحِ مِنْهَا؛ لِإِقْنَاعِ الْمُرَاهِقِ بِالْعُدُولِ عَنْ ذَلِكَ الْمَطْلَبِ غَيْرِ السَّوِيِّ.

 

وَمِنْ حَاجَاتِ الْمُرَاهِقِ الْأَمَانُ الدَّاخِلِيُّ وَالْخَارِجِيُّ؛ فَالْأَمَانُ مَطْلَبُ كُلِّ إِنْسَانٍ؛ لِأَنَّهُ يُوَفِّرُ الرَّاحَةَ وَالْحَرَكَةَ الْحَيَاتِيَّةَ الْمُطْمَئِنَّةَ الْمُسْتَمِرَّةَ، وَالْمُرَاهِقُ يُحِبُّ أَنْ يَحْيَا حَيَاةً أُسَرِيَّةً سَعِيدَةً لَا تُكَدِّرُهَا الْأَخْطَارُ وَالْمَخَاوِفُ، وَلَا يَقِفُ أَمَامَ إِشْبَاعِ رَغَبَاتِهِ الْمَشْرُوعَةِ عَائِقٌ مِنْ خَوْفٍ أَوْ قَلَقٍ.

 

وَيَكُونُ الْأَمْنُ الدَّاخِلِيُّ بِتَجَنُّبِ الصِّرَاعَاتِ الدَّاخِلِيَّةِ وَعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ النَّفْسِيِّ، وَيَكُونُ الْأَمْنُ الْخَارِجِيُّ بِتَجَنُّبِ جَمِيعِ الْمُنَغِّصَاتِ الْخَارِجِيَّةِ الَّتِي تُهَدِّدُ النُّمُوَّ الْعَقْلِيَّ وَالنَّفْسِيَّ وَالِاجْتِمَاعِيَّ".

 

إِنَّ مَرْحَلَةَ الْمُرَاهَقَةِ -أَيُّهَا الْفُضَلَاءُ- مَرْحَلَةٌ تَحْدُثُ فِيهَا تَغَيُّرَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ؛ فَلِذَلِكَ يَصْحَبُهَا مَعَ هَذِهِ التَّغَيُّرَاتِ أَنْوَاعٌ مِنَ التَّخَوُّفَاتِ؛ كَتَخَوُّفِهِ مِنْ تَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ، وَهَذَا الْخَوْفُ يُعَالِجُهُ الْوَالِدَانِ بِتَعْوِيدِهِ عَلَى تَحَمُّلِ بَعْضِ الْأَعْبَاءِ الْأُسَرِيَّةِ، حَتَّى يَتَجَاوَزَ صَدْمَةَ الْخَوْفِ.

 

وَقَدْ يَشْعُرُ بِتَخَوُّفٍ مِنَ التَّحَوُّلَاتِ الْجَسَدِيَّةِ وَالشَّكْلِيَّةِ الَّتِي طَرَأَتْ عَلَى جِسْمِهِ، وَعَلَى الْمُرَبِّينَ أَنْ يُطَمْئِنُوهُ بِعَفْوِيَّةِ هَذِهِ التَّغَيُّرَاتِ، وَأَنْ لَا يُسْمِعُوهُ سُخْرِيَةً مِنْهُ بِسَبَبِهَا؛ كَخُشُونَةِ صَوْتِهِ وَامْتِدَادِ جَسَدِهِ.

 

وَقَدْ يَشْعُرُ بِالتَّخَوُّفِ مِنَ التَّحَوُّلَاتِ الِانْفِعَالِيَّةِ وَالْعَاطِفِيَّةِ نَحْوَ الْجِنْسِ الْآخَرِ، وَعِنْدَ هَذَا يَتَوَجَّبُ عَلَى الْوَالِدَيْنِ الْعِنَايَةُ بِهِ وَضَبْطُ سُلُوكِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ، وَبَيَانُ مَخَاطِرِ التَّصَرُّفِ السَّيِّئِ بِهَذِهِ الْعَوَاطِفِ.

 

وَعَدَمُ الِاعْتِنَاءِ بِهَذَا الْجَانِبِ مِنْ حَاجِيَّاتِ الْمُرَاهِقِ يُعَرِّضُهُ إِلَى تَهْدِيدِ نُمُوِّهِ وَإِصَابَتِهِ بِالْخَوْفِ وَالْقَلَقِ الْمُسْتَمِرَّيْنِ، وَيَجْعَلُهُ يُعَانِي مِنْ أَزْمَةِ ثِقَةٍ بِالنَّفْسِ؛ فَمَا أَجْمَلَ أَنْ نَزْرَعَ فِي نُفُوسِ الْمُرَاهِقِينَ الْأَمَانَ وَالطُّمَأْنِينَةَ حَتَّى يُثْمِرَ ذَلِكَ مِنْهُمْ ثِقَةً وَشُجَاعَةً وَإِنْتَاجًا نَافِعًا لَهُمْ وَلِمُجْتَمَعَاتِهِمْ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَمِنَ الْحَاجَاتِ الَّتِي يَحْتَاجُهَا الْمُرَاهِقُ الْحَاجَةُ إِلَى التَّعْبِيرِ عَنِ الرَّأْيِ؛ فَنُمُوُّ الذَّكَاءِ لَدَى الْمُرَاهِقِ يَفْرِضُ عَلَيْهِ حَيَاةً جَدِيدَةً فِيهَا الرَّغْبَةُ فِي الْإِفْصَاحِ عَنِ الرَّأْيِ وَالتَّعْبِيرِ عَنِ الْأَفْكَارِ وَالْمَشَاعِرِ، وَهَذَا مِمَّا يُسَاعِدُ الْمُرَاهِقَ عَلَى النُّمُوِّ الْعَقْلِيِّ وَالْمَعْرِفِيِّ، وَيَنْفُثُ رُوحَ الشَّجَاعَةِ فِي نَفْسِهِ، وَلَكِنْ حِينَ تُحْبَسُ آرَاءُ الْمُرَاهِقِ وَمَشَاعِرُهُ فِي صَدْرِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى صِرَاعٍ نَفْسِيٍّ فِيهِ قَدْ يُوصِلُهُ إِلَى الْإِحْبَاطِ الْمَعْرِفِيِّ، وَتَرَاجُعِ التَّحْصِيلِ الْعِلْمِيِّ، وَكَبْتِ التَّنَفُّسِ الْعَقْلِيِّ.

 

وَانْظُرُوا -رَعَاكُمُ اللَّهُ- إِلَى مَوْقِفِ الْفَارُوقِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَهُوَ يُشَجِّعُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَى إِبْدَاءِ الرَّأْيِ وَعَدَمِ احْتِقَارِ النَّفْسِ؛ قَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَوْمًا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فِيمَ تَرَوْنَ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ)[الْبَقَرَةِ: 266]؟ قَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَغَضِبَ عُمَرُ فَقَالَ: "قُولُوا: نَعْلَمُ أَوْ لَا نَعْلَمُ"، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ عُمَرُ: "يَا ابْنَ أَخِي: قُلْ، وَلَا تُحَقِّرْ نَفْسَكَ"، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: "أَيُّ عَمَلٍ؟ "قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: "لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ، فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

وَمِنْ تِلْكَ الْحَاجَاتِ الَّتِي يَحْتَاجُهَا الْمُرَاهِقُ: الْحَاجَةُ إِلَى إِثْبَاتِ الذَّاتِ.

 

فَالْمُرَاهِقُ يَشْعُرُ بِأَنَّهُ بِحَاجَةٍ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَاتِهِ بَعْدَ أَنْ عَرَفَ قُدُرَاتِهِ الْعَقْلِيَّةَ وَالْجَسَدِيَّةَ وَالِاجْتِمَاعِيَّةَ؛ فَلِذَلِكَ يُحَاوِلُ أَنْ يُحَقِّقَ إِنْجَازَاتٍ يَتَمَيَّزُ بِهَا، وَيُثْبِتُ بِهَا قُدُرَاتِهِ وَمَوَاهِبَهُ، وَهَذَا شَيْءٌ جَمِيلٌ عَلَى الْأَبَوَيْنِ تَشْجِيعُ الْمُرَاهِقِينَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ عَلَى الصَّالِحِ مِنْ ذَلِكَ؛ وَمِنْ تِلْكَ الْحَاجَاتِ الَّتِي يَحْتَاجُهَا الْمُرَاهِقُ: الْحَاجَةُ إِلَى الْجِنْسِ الْآخَرِ.

 

وَهَذَا شَيْءٌ طَبِيعِيٌّ؛ إِذْ يَعُودُ ذَلِكَ إِلَى النُّضْجِ الْجَسَدِيِّ وَالْجِنْسِيِّ، وَهَذَا النُّضْجُ يَطْلُبُ رَاحَتَهُ وَهُدُوءَهُ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الرُّومِ: 21].

 

وَفِي هَذِهِ الْحَاجَةِ قَدْ يَسْتَقِيمُ بَعْضُ الْمُرَاهِقِينَ وَقَدْ يَنْحَرِفُ بَعْضُهُمُ الْآخَرُ، وَلِلتَّرْبِيَةِ الْأُسَرِيَّةِ وَالْبِيئَةِ الْمُحِيطَةِ أَثَرُهُمَا فِي تِلْكَ النَّتِيجَةِ، فَعَلَى الْبَيْتِ وَالْمَدْرَسَةِ وَالْمَسْجِدِ دَوْرٌ كَبِيرٌ فِي التَّوْعِيَةِ الدِّينِيَّةِ وَالْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي تُرْشِدُ إِلَى الْمَسَارِ الصَّحِيحِ فِي هَذِهِ الْحَاجَةِ مِنْ حَاجَاتِ الْمُرَاهِقِينَ.

 

نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُعِينَنَا عَلَى إِعْطَاءِ أَوْلَادِنَا مَا يُصْلِحُ أَرْوَاحَهُمْ وَعُقُولَهُمْ وَأَبْدَانَهُمْ، وَأَنْ يُنْبِتَهُمْ لَنَا نَبَاتًا حَسَنًا.

 

قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا. أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فَإِنَّ حَاجَاتِ الْمُرَاهِقِينَ الْفِطْرِيَّةَ الْمُبَاحَةَ حَاجَاتٌ لَا يَنْبَغِي التَّهَاوُنُ فِي تَلْبِيَتِهَا؛ لِأَنَّهَا إِذَا لَمْ تُلَبَّ بِطَرِيقِ الْحَلَالِ فَسَتُلَبَّى بِطَرِيقِ الْحَرَامِ، أَوْ يُصْبِحُ الْمُرَاهِقُ فِي أَزْمَةٍ نَفْسِيَّةٍ وَعَقْلِيَّةٍ وَجَسَدِيَّةٍ سَيِّئَةٍ.

 

وَعَلَى الْوَالِدَيْنِ الْعِنَايَةُ بِحَاجَاتِ الْأَطْفَالِ وَالْمُرَاهِقِينَ عِنَايَةً كَبِيرَةً، كَعِنَايَتِهِمْ بِطَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ؛ فَإِنَّ صَلَاحَ النَّفْسِ وَالْعَقْلِ لَا يَقِلُّ أَهَمِّيَّةً عَنْ صَلَاحِ الْبَدَنِ، وَمِنْ تِلْكَ الْحَاجَاتِ الْمُهِمَّةِ: التَّزْوِيجُ الْمُبَكِّرُ؛ وَلَنَا فِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؛ فَعَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: "اجْتَمَعَ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَا: وَاللَّهِ لَوْ بَعَثْنَا هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ -قَالَا لِي وَلِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ-، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-... إِلَى أَنْ قَالَ: وَقَدْ بَلَغْنَا النِّكَاحَ... فَقَالَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمَحْمِيَّةَ -رَجُلٍ كَانَ مَسْئُولًا عَنِ الصَّدَقَاتِ-: "أَنْكِحْ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَكَ -لِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ- فَأَنْكَحَهُ"، وَقَالَ لِنَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ: "أَنْكِحْ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَكَ"، فَأَنْكَحَنِي... الْحَدِيثَ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: عِنْدَمَا يَفْقِدُ الْمُرَاهِقُونَ حَاجِيَّاتِهِمْ، أَوْ لَا تُرَشَّدُ تِلْكَ الْحَاجِيَّاتُ فَإِنَّهُمْ سَيَتَضَرَّرُونَ ضَرَرًا كَبِيرًا؛ فَكَمْ سَيَكُونُ مِنَ الْآثَارِ السَّلْبِيَّةِ عَلَى عُقُولِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَنَفْسِيَّاتِهِمْ، وَكَمْ سَيَنْحَرِفُ سُلُوكُهُمْ عَنِ الطَّرِيقِ الْقَوِيمِ، وَبَدَلَ أَنْ يُؤَمَّلَ فِيهِمْ أَنْ يَكُونُوا لَبِنَاتِ بِنَاءٍ سَيُصْبِحُونَ مَعَاوِلَ هَدْمٍ عَلَى أُسَرِهِمْ وَمُجْتَمَعَاتِهِمْ.

 

فَلِهَذَا -مَعْشَرَ الْآبَاءِ وَالْمُرَبِّينَ- لَابُدَّ مِنَ الِاعْتِنَاءِ بِحَاجِيَّاتِ الْمُرَاهِقِينَ، وَالنَّظَرِ إِلَيْهَا نَظْرَةً صَحِيحَةً، وَتَوْجِيهِهَا الْوُجْهَةَ الصَّحِيحَةَ، وَالْأَخْذِ بِأَيْدِي أَهْلِهَا لِصَرْفِهَا فِي الْأَوْعِيَةِ الْمُنَاسِبَةِ، وَبِذَلِكَ يَسْتَقِيمُ سَيْرُ هَذَا الْجِيلِ، وَيَصِلُ إِلَى الْغَايَاتِ الْحَمِيدَةِ، وَيَجْنِي ثَمَرَةَ تِلْكَ الِاسْتِقَامَةِ: الْفَرْدُ وَالْأُسْرَةُ وَالْمُجْتَمَعُ.

 

نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يُصْلِحَنَا وَذُرِّيَّاتِنَا، وَجَمِيعَ أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ:56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى النِّعَمِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

حاجات الأطفال والمراهقين.doc

حاجات الأطفال والمراهقين.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات