جنة الخلد (8) لباس أهل الجنة وحليتهم

الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل

2024-11-22 - 1446/05/20 2024-11-19 - 1446/05/17
التصنيفات: الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
1/على المسلم أن يتذكر نعيم الجنة برؤيته نعيم الدنيا 2/بيان بعض أصناف نعيم الجنة 3/تجمُّل نساء أهل الجنة لأزواجهن 4/الحث على العمل لنَيْل نعيم الجنة

اقتباس

حُلِيُّ الْجَنَّةِ لَيْسَ كَحُلِيِّ الدُّنْيَا، وَحَرِيرُهَا لَيْسَ كَحَرِيرِهَا، وَزِينَتُهَا لَيْسَتْ كَزِينَتِهَا، وَكُلُّ مَا فِي الْجَنَّةِ مِمَّا فِي الدُّنْيَا لَا يُمَاثِلُهُ إِلَّا فِي الِاسْمِ فَقَطْ، دُونَ الْجَمَالِ وَالْبَهَاءِ وَالْكَمَالِ...

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ؛ جَعَلَ الْجَنَّةَ دَارَ خُلْدٍ وَنَعِيمٍ، وَأَغْرَى بِهَا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَرَّمَهَا عَلَى الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَاجْتَبَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا وَأَوْلَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لَا يُرَدُّ أَمْرُهُ، وَلَا يُخْلَفُ وَعْدُهُ، وَلَا يَجْزِي أَحَدٌ مِثْلَ جَزَائِهِ، وَلَا يُعَاقِبُ كَعِقَابِهِ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ بَشَّرَ أُمَّتَهُ وَأَنْذَرَهَا، وَوَعَدَهَا وَأَوْعَدَهَا، وَرَغَّبَهَا وَرَهَّبَهَا؛ فَمَنْ أَطَاعَهُ فَازَ بِالْجَنَّةِ خَالِدًا فِيهَا، وَمَنْ عَصَاهُ لَمْ يَنْجُ مِنَ النَّارِ وَأَهْوَالِهَا، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَاعْمَلُوا لِدَارٍ طَابَ عَيْشُهَا، وَنَعِمَ سَاكِنُهَا، وَحَلَّ الرِّضْوَانُ عَلَى أَهْلِهَا؛ (‌وَعَدَ ‌اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التَّوْبَةِ:72].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: حِينَ يَرَى الْعَبْدُ شَيْئًا مِنَ الْدُّنْيَا يُعْجِبُهُ؛ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَذَكَّرَ الْجَنَّةَ وَنَعِيمَهَا، فَيَشْتَاقُ إِلَيْهَا، وَيَعْمَلُ لَهَا، وَيُجَانِبُ مَا يَحْجُبُهَا، وَالْجَنَّةُ طَيِّبَةُ الْهَوَاءِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَكُلُّ شَيْءٍ فِيهَا طَيِّبٌ؛ لِأَنَّ الرَّحْمَنَ -سُبْحَانَهُ- أَعَدَّهَا نُزُلًا لِمَنْ رَضِيَ عَنْهُمْ؛ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ ‌نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا)[الْكَهْفِ:107-108].

 

وَفِي الْجَنَّةِ نَعِيمٌ كَثِيرٌ مُقِيمٌ، وَمِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ: لِبَاسُ أَهْلِهَا فِيهَا وَحُلِيُّهُمْ، وَقَدْ أَغْرَى اللَّهُ -تَعَالَى- بِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي عَدَدٍ مِنَ الْآيَاتِ؛ كَقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ)[الْكَهْفِ:31]؛ فَفِي أَيْدِيهِمْ أَسَاوِرُ الذَّهَبِ، وَثِيَابُهُمْ أَلْوَانُهَا خُضْرٌ، وَكَانَ الْأَخْضَرُ شِعَارَ الْمُلُوكِ عِنْدَ الْعَرَبِ، كَمَا جَاءَ فِي أَشْعَارِهِمْ، وَهِيَ ثِيَابُ الْحَرِيرِ مِنَ السُّنْدُسِ وَالْإِسْتَبْرَقِ، وَالْحَرِيرُ أَعْلَى الثِّيَابِ وَأَنْعَمُهَا وَأَثْمَنُهَا؛ "وَالسُّنْدُسُ: صِنْفٌ مِنَ الثِّيَابِ، وَهُوَ الدِّيبَاجُ الرَّقِيقُ يُلْبَسُ مُبَاشِرًا لِلْجِلْدِ لِيَقِيَهُ غِلَظَ الْإِسْتَبْرَقِ، وَالْإِسْتَبْرَقُ: الدِّيبَاجُ الْغَلِيظُ الْمَنْسُوجُ بِخُيُوطِ الذَّهَبِ، يُلْبَسُ فَوْقَ الثِّيَابِ الْمُبَاشِرَةِ لِلْجِلْدِ".

 

وَفِي آيَةٍ أُخْرَى قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ)[الْإِنْسَانِ:21]، وَمَعْنَى عَالِيَهُمْ: "أَيْ: مَا يَعْلُوهُمْ مِنْ مَلَابِسِهِمْ"، وَهِيَ ثِيَابٌ لَا تَبْلَى؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ، لَا ‌تَبْلَى ‌ثِيَابُهُ، وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَقَالَ -تَعَالَى- فِي وَصْفِ لِبَاسِهِمْ: (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا ‌حَرِيرٌ)[الْحَجِّ:23]، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: "‌الْحُلِيُّ ‌فِي ‌الْجَنَّةِ عَلَى الرِّجَالِ أَحْسَنُ مِنْهُ عَلَى النِّسَاءِ"، وَمِنَ الْآيَاتِ فِي وَصْفِ لِبَاسِهِمْ قَوْلُ اللَّهِ -تَعَالَى-: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ)[فَاطِرٍ:33]، وَقَوْلُهُ -تَعَالَى-: (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً ‌وَحَرِيرًا)[الْإِنْسَانِ:12]، وَحُلِيُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي أَعْضَاءِ وُضُوئِهِمْ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "‌تَبْلُغُ ‌الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ"(رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ)، وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ: "تَبْلُغُ حِلْيَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَبْلَغَ الْوُضُوءِ".

 

وَأَهْلُ الْإِيمَانِ يَمْتَنِعُونَ فِي الدُّنْيَا عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ طَاعَةً لِلَّهِ -تَعَالَى-، وَلِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لِيَتَنَعَّمُوا بِلُبْسِهَا فِي الْجَنَّةِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ ‌لَبِسَهُ ‌فِي ‌الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ"(رَوَاهُ الشَّيْخَانِ)، وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْحَرِيرُ وَالدِّيبَاجُ هِيَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، ‌وَلَكُمْ ‌فِي ‌الْآخِرَةِ"(رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).

 

وَثِيَابُ الْجَنَّةِ مِنْ أَشْجَارِهَا وَنَخِيلِهَا؛ كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا عَنْ ثِيَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، خَلْقًا تُخْلَقُ، أَمْ ‌نَسْجًا ‌تُنْسَجُ؟ فَضَحِكَ بَعْضُ الْقَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مِمَّ تَضْحَكُونَ؟ مِنْ جَاهِلٍ يَسْأَلُ عَالِمًا؟! ثُمَّ أَكَبَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ قَالَ: هُوَ ذَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لَا، بَلْ تَشَقَّقُ عَنْهَا ثَمَرُ الْجَنَّةِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ)، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طُوبَى لِمَنْ رَآكَ وَآمَنَ بِكَ، قَالَ: طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي، ثُمَّ طُوبَى ثُمَّ طُوبَى ثُمَّ طُوبَى لِمَنْ آمَنَ بِي وَلَمْ يَرَنِي، قَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَمَا طُوبَى؟ قَالَ: شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ مِئَةِ عَامٍ، ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ ‌تَخْرُجُ ‌مِنْ ‌أَكْمَامِهَا"(رَوَاهُ أَحْمَدُ) وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، فِي قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ)[الرَّحْمَنِ:68]، قَالَ: "نَخْلُ الْجَنَّةِ جُذُوعُهَا زُمُرُّدٌ أَخْضَرُ، وَكَرَانِيفُهَا ذَهَبٌ أَحْمَرُ، ‌وَسَعَفُهَا ‌كِسْوَةٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، مِنْهَا مُقَطَّعَاتُهُمْ وَحُلَلُهُمْ، وَثَمَرُهَا أَمْثَالُ الْقِلَالِ أَوِ الدِّلَاءِ، أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ، وَلَيْسَ لَهَا عَجْمٌ"(رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ).

 

وَحُلِيُّ الْجَنَّةِ لَيْسَ كَحُلِيِّ الدُّنْيَا، وَحَرِيرُهَا لَيْسَ كَحَرِيرِهَا، وَزِينَتُهَا لَيْسَتْ كَزِينَتِهَا، وَكُلُّ مَا فِي الْجَنَّةِ مِمَّا فِي الدُّنْيَا لَا يُمَاثِلُهُ إِلَّا فِي الِاسْمِ فَقَطْ، دُونَ الْجَمَالِ وَالْبَهَاءِ وَالْكَمَالِ؛ كَمَا جَاءَ وَصْفُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَوْ أَنَّ مَا يُقِلُّ ظُفُرٌ مِمَّا فِي الْجَنَّةِ بَدَا لَتَزَخْرَفَ لَهُ مَا بَيْنَ خَوَافِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَ فَبَدَتْ ‌أَسَاوِرُهُ ‌لَطَمَسَ ضَوْؤُهُ ضَوْءَ الشَّمْسِ كَمَا تَطْمِسُ الشَّمْسُ ضَوْءَ النُّجُومِ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ)، وَجَاءَ فِي وَصْفِ خِمَارِ الْمَرْأَةِ فِي الْجَنَّةِ حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "... لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلَأَتْهُ رِيحًا، ‌وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

وَلَمَّا أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِبَاسٌ فَاخِرٌ لَيِّنٌ، وَعَجِبَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- مِنْهُ؛ بَيَّنَ لَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ قَلِيلَ مَا فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْهُ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَوْبٍ مِنْ حَرِيرٍ فَجَعَلُوا يَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنِهِ وَلِينِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ‌لَمَنَادِيلُ ‌سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: "فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هَذِهِ؟ لَمَنَادِيلُ ‌سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْهَا وَأَلْيَنُ".

 

نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يَجْعَلَنَا وَوَالِدِينَا وَأَحْبَابَنَا مِنْ أَهْلِ الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى مِنَ الْجَنَّةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ رِضَاكَ وَالْجَنَّةَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ سَخَطِكَ وَمِنَ النَّارِ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهِدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ؛ فَإِنَّ التَّقْوَى تُوْصِلُ صَاحِبَهَا إِلَى الْجَنَّةِ بِرَحْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-؛ (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ ‌تَقِيًّا)[مَرْيَمَ:63].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: نِسَاءُ الْجَنَّةِ يَتَجَمَّلْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ بِأَنْوَاعِ الثِّيَابِ وَالْحُلَلِ وَالْحُلِيِّ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالثَّانِيَةُ عَلَى لَوْنِ أَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ، لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ ‌سَبْعُونَ ‌حُلَّةً، يَبْدُو مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَائِهَا"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ).

 

وَمِنْ لِبَاسِ الْجَنَّةِ: تَاجُ الْوَقَارِ، وَالتَّاجُ "مَا يُصَاغُ ‌لِلْمُلُوكِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْجَوْهَرِ"، وَهَذَا التَّاجُ لِلشُّهَدَاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ -تَعَالَى-؛ كَمَا فِي حَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ؛ يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دُفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ ‌تَاجُ ‌الْوَقَارِ، الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ).

 

وَلِأَهْلِ الْقُرْآنِ كَذَلِكَ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ؛ كَرَامَةً لَهُمَا وَلِوَلَدِهِمَا؛ كَمَا فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "... إِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ، فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ، فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ، وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا، فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ كَثِيرٍ).

 

فَلْنَعْمَلْ -عِبَادَ اللَّهِ- لِتِلْكَ الْمَنَازِلِ الْعَالِيَةِ الَّتِي يُخَلَّدُ فِيهَا أَهْلُهَا، عَسَى أَنْ نَكُونَ مِنْهُمْ بِرَحْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ، اللَّهُمَّ آمِينَ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...

 

 

المرفقات

مشكولة - جنة الخلد (8) لباس أهل الجنة وحليتهم.doc

جنة الخلد (8) لباس أهل الجنة وحليتهم.doc

مشكولة - جنة الخلد (8) لباس أهل الجنة وحليتهم.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات