جلال الحج

الشيخ عبدالعزيز بن محمد النغيمشي

2022-07-01 - 1443/12/02 2022-10-08 - 1444/03/12
عناصر الخطبة
1/فضائل الحج 2/مقاصد الحج الشريفة 3/أبرز الدروس والمآثر في الحج 4/وجوب تعظيم السنة النبوية واتباعها 5/فضائل يوم عرفة.

اقتباس

وفي الحَجِّ يَتَجَلَّى مقامُ التقوى، وأَن أَكرَمَ العبادِ عندَ اللهِ أَتقاهُم. وأَنَّ كُلَّ فَخرٍ بِغَيرِ التقوى هباء. ذابَتِ في الحَجِّ الفوارِقُ بينَ الناسِ، نُزَعَتْ العلاماتُ، وأُزِيْحَتِ الشاراتُ، فما هو إلا الإزارُ والرِّداء، لِباسٌ واحِدٌ، لا يَتَمَيَّزُ فيهِ أَمِيْرٌ عَنْ مَأمور، ولا يتَمَيَّزٌ فيهِ مَشهورٌ عَن مَغْمور. وكذا يومَ المَعَادِ إلى اللهِ سَيُحشَرون...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

 

أيها المسلمون: مُسْتَبْشِرٌ بالدينِ مُغتَبِطٌ بِهِ، قَلْبُهُ للإسلامِ مُنشَرِحٌ، ورُوُحُهُ بالإيمانِ مُطْمَئِنَّة. يَتَقَلَّبُ بَينَ شَعَائرِ الدِّيْنِ وشَرَائِعِهِ، يُبصِرُ في كُلِّ مسألَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الدينِ كَمَالَ التَّشْرِيعِ، وجلالَ الأَحْكَامِ، وسُمُوَّ المقاصِد. 

 

فَمَا مِنْ مَسْألَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الدِّينِ إِلا وَيَتَجَلَّى لَهُ جَلالُها وجَمَالُها وكَمَالُها. دِينٌ أَكَمَلَهُ اللهُ لِعِبَادِه وارْتَضَاهُ لَهُم. طُوبَى لِعبدٍ لِدِينِ اللهِ هُدِي (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة: 3].

 

جَعَلَ اللهُ لهذا الدِّينِ أَرْكانًا، وَخَتَمَ الأَركانَ بِحَجِّ بَيْتِهِ الحرام؛ (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[آل عمران: 97]؛ فما الحَجُّ؟ ما المقاصِدُ الشريفةُ فِيه؟ ما الحَجُّ؟ ما الدروسُ والمآثِرُ فيه؟ 

 

الحَجُّ: قَصدُ بيتِ اللهِ الحرامِ تَعْظِيماً لِخالِقِهِ، استجابةً لِنداءِ إبراهيمَ -عليه السلام- حينَ أَوْحَى إِليْهِ رَبُه (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ..)[الحج: 27-28]، واستجابَةً، لدعوةِ مُحمدٍ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- حين نادى في أُمّتِهِ: "أَيّها النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الحَجَّ، فَحُجُّوا"(رواه مسلم).

 

الحَجُّ: قَصدُ بيتِ اللهِ الحرامِ، في زَمَنٍ مخصوصٍ؛ لأداءِ مناسكَ مَخْصُوصَةٍ، على صِفَةٍ مخصوصَةٍ جاءَتْ عَن رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-. وَرِحلَةُ الحَجِّ رِحلَةٌ عظيمةٌ، فيها مِنْ مَعَانِي العُبُودِيةِ والتَّعْظِيمِ للهِ ما لا تُحِيطُ بِهِ الفِكَرُ.

 

في الحَجِّ إشهارٌ للتَّوْحِيْدِ، وإقرارٌ لله بالربوبِيَّةِ، وإفرادٌ لَه بالأُلوهية. شِعارُ الحُجاجِ تَكْبِيْرٌ وَتَلْبِيَةٌ، مَنْ كَبَّرَ اللهَ يَعْلُو فِي ذُرَى القِمَمِ. شِعارُ الحُجاجِ: "لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْك، لَبَّيْكَ لا شَرِيْكَ لَكَ لَبَّيْك، إِنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لَكَ والمُلكْ لا شَرِيْكَ لَك"، "لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْك"؛ جِئْنَا مُلَبِّينَ نَرْجُوْ مِنْكَ مَغَفِرَةً.

 

جِئْنَا نُلَبِّي نداءَ اللهِ للحرمِ؛ "لَبَّيْكَ لا شَرِيْكَ لَكَ لَبَّيْكَ"؛ لَبَّيْكَ وحْدَكَ لا نُشْرِكْ بِخالِقِنا. القَصْدُ وجْهكَ يا ذا الجودِ والكرمِ. "إِنَّ الحمدَ والنِّعمةَ لَكَ والمُلكَ لا شَرِيكَ لَك" أَنتَ المَلِيكُ مَلَكَتَ المُلْكَ أَكمَلَهُ، ومُنْعِمٌ بِالعَطَايَا مُسْبِغُ الكَرَمِ. فالحمدُ للحيِّ حمداً دائماً أَبداً. مَدَّ الخلائقَ بالإحسانِ والنِّعَمِ". 

 

شِعارُ الحُجاجِ تَلْبِيةٌ للهِ بالتوحيد، وَعَلى التَّوْحِيْدِ بُوِّئَ لإبراهيمَ مكانَ البيتِ، وعلى التوحيد قامَ أَساسُه. (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا)[الحج:26]، وتوحيدُ اللهِ وتَعْظِيْمُه هو شعارُ الحُجَّاجِ في مَنَاسِكِهم، يَذْكُرُونَ اللهَ وَيُوَحِّدُوْنَه، ويُهَلِّلُوْنَ اللهَ وَيُكَبِّرُوْنَه في جميع أحوالهم. 

 

يَذْكُرُوْنَ اللهَ وَيُوَحِّدُوْنَه وهم يَطُوُفُوْنَ بالبيتِ، وَيَذْكُرُوْنَ اللهَ وَيُوَحِّدُوْنَه وهم يَسْعَوْنَ بينَ الصفا والمروةِ، وَيَذْكُرُونَ اللهَ وَيُوَحِّدُونَه وهم واقفونَ بعرفات، وَيَذْكُرُوْنَ اللهَ وَيُوَحِّدُوْنَه وهم مُنْصَرِفُونَ منها؛ (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ)[البقرة:198].

 

وَيَذْكُرُوْنَ اللهَ ويُكَبِّرُونَهُ وهم يَرْمُونَ الجمارَ، وَيَذْكُرُوْنَ الله ويُسَمُّونَهُ وهم يَنْحَرُوْنَ الهَدْيَ، وَيَذْكُرُوْنَ اللهَ وَيُوَحِّدُوْنَه في الصلواتِ وفي أَدْبارِها، وَيَذْكُرُوْنَ الله في جميعِ أَحوالِهِم وَتَقَلُّبَاتِهِمْ (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ)[الحج:28].

 

ويَسْتَمِرُّ ذِكْرُ اللهِ مَعَ الحُجَّاجِ حَتَّى يُتِمُّوا حَجَّهُمْ وَيَقْضُوا مَنَاسِكَهُمْ (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا)[البقرة:200]؛ حَجٌّ لِبَيْتِ اللهِ الحرامِ، يَجْمَعُ اللهُ فيهِ شتاتَ الأُمةِ على التوحيد، فَلا تَدِيْنُ الأُمةُ بالعبودِيةِ لغيرِ خالِقِها. رَبُّها واحدٌ، ومِلَّتُها واحدةٌ، وقِبْلَتُها واحدةٌ، وَنَبِيُّها خاتَمُ النَّبِيِّينَ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء:92].

 

في الحَجِّ، تَتَجَلَّى للأُمةِ حقيقةُ العبودِيةِ للهِ، وأَنَّ مَنْ أَشْرَكَ باللهِ ضَلَّ، ويَتَجَلَّى لها حقيقةُ الولاء والبراءِ في الله، وأَن مَنْ رَكَنَ إلى الكافِرِينَ زاغَ وزَلَّ (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)[التوبة: 3]؛ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ، وَرَسُولُهُ بريءٌ منهم. وأَنَّ مَنْ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيْلِ المؤْمِنِيْنَ هانَ وذَلَّ (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)[النساء:115].

 

 وفي الحَجِّ، يَتَجَلَّى للأُمةِ مَقامُ نَبِيِّها -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ومَقَامُ السُّنةِ مِنْ دينِ الإسلام.  وأَن السُّنةَ مصدرٌ للتشريعِ كما القُرآن، وأَنَّهُ لا يَسْتَقِيمُ دِيْنُ المسلمِ ما لَمْ يهتدِ بالسُّنة.  ضَلًّ قَومٌ وزاغوا، زعَموا أَنهم يؤمنون بالقرآنِ ولا يَسْتَنِدُونَ إلى السُّنة. يُشَكِّكونَ بالسُّنةِ ويَسْتَخِفُّونَ بِمكانَتها، ولو آمنوا بالقرآنِ لاتبعوا أَمره، فالقرآنُ يأَمُرُهُم بلزوم السُّنة (مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الحشر:7].

 

والسّنَّةُ هي المُبَيِّنةُ لمرادِ اللهِ في القرآن (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[النحل: 44]؛ جَحَدُوا مَكَانَةَ السُّنةِ، وأَنَّى لِجاحِدِ السُّنةِ أَنْ يَعبُدَ اللهَ كما شَرَع؟!، أَنَّى لجاحِدِ السُّنةَ أَن يَعبُدَ اللهَ على بَصِيرَة؟!، أَنَّى لَهُ أَن يأَتِيَ بالحجِّ الذي افترضَهُ اللهُ عليه ما لَمْ يَعمَلِ بِنُصُوصِ السُّنَّة؟! 

 

قال جابِرٌ -رضي الله عنه-: "ثُمَّ أَذَّنَ في النَّاسِ في العَاشِرَةِ -أي في السنةِ العاشِرَةِ من الهجرةِ- أنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- حَاجٌّ، فَقَدِمَ المَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ برَسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ"(رواه مسلم).

 

بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُهُم مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أَدْرَكُوا أَنَّ اتِّباعَ سُنةِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- هو الطريقُ الموصِلُ إلى تَحْقِيقِ عبادَةِ اللهِ كما شَرَع (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)[النور:54].

 

بارك الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنكم إليه تحشرون.

 

أَيها المسلمون: وفي الحَجِّ يَتَجَلَّى مقامُ التقوى، وأَن أَكرَمَ العبادِ عندَ اللهِ أَتقاهُم. وأَنَّ كُلَّ فَخرٍ بِغَيرِ التقوى هباء. ذابَتِ في الحَجِّ الفوارِقُ بينَ الناسِ، نُزَعَتْ العلاماتُ، وأُزِيْحَتِ الشاراتُ، فما هو إلا الإزارُ والرِّداء، لِباسٌ واحِدٌ، لا يَتَمَيَّزُ فيهِ أَمِيْرٌ عَنْ مَأمور، ولا يتَمَيَّزٌ فيهِ مَشهورٌ عَن مَغْمور.  وكذا يومَ المَعَادِ إلى اللهِ سَيُحشَرون (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ)[الأنعام:94].

 

عباد الله: وَيَوْمُكُم هذا يَومٌ عَظِيمٌ، يومٌ يُباهي اللهُ فيه ملائكتَه بأَهلِ الموقفِ -أَهلِ عَرَفَة-، ويُنِيْلُهُم فيه مِنْ عَظِيمِ عَفْوِهِ وكَرَمِه. قالتْ عائشةُ -رضي الله عنها- قالَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمُ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟"(رواه مسلم).

 

وبِرَحِمَةِ رَبِنا التي وَسِعَتْ كُلَّ شيءٍ، يُفِيضُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ في هذا اليومِ على المؤمنينَ في سائرِ الأَمْصَار، فَيَنَالهُمْ مِنْ عَفْوِهِ ومَغْفِرَتِه ورَحْمَتِهِ ما يَمْحُو بِه ذنوبَهُم، ويَسْتُرَ بِه عيوبَهُم، ويُعتِقَهُم بِهِ مِن النار. قال ابن رجب -رحمه الله-: "وَيَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ يَومُ العِتْقِ مِنَ النارِ، فَيُعْتِقُ اللهُ -تعالى- مِنَ النارِ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَمَنْ لَم يَقِفْ بها منْ أَهلِ الأَمْصَارِ مِنَ المسلمين؛ فَلِذَلكَ صَارَ اليومُ الذي يَلِيْهِ عِيداً لجميعِ المسلمينَ في جَميعِ أَمْصارِهِمْ، مَنْ شَهِدَ الموسمَ مِنْهُمْ وَمَنْ لم يَشْهَدْه؛ لاشْتِراكِهِمْ فِيْ العِتْقِ والمغْفِرَةِ يَومَ عَرَفَة"ا.هـ.

 

 ولما كان يومُ عرفةَ يومُ مغفرةٍ وعتقٍ مِنَ النارِ، كانَ حَرِيٌّ بالمسلمِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لمغفرةِ اللهِ وعِتْقِهِ، وأَنْ يَتَحَبَّبَ إلى الله بصالحِ العمَلِ وحُسنِ العبادةِ وخالصِ الدعاءِ، وصدقِ المسألة.

(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غافر:60]؛ أَمَرَ عبادَه بِدُعائِهِ، ووعدَهُمْ الإجابةَ،  أَرْشَدَهُم إِلى بابِهِ وهو الغَنِيُّ، وَدَلَّهُمْ على سُؤَالِهِ وهو الكَرِيْم (وَإذَا سَألَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَريبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)[البقرة: 186].

 

آخِرُ ساعةٍ من هذا اليومِ ساعةٌ زاخِرَةٌ منَ اللهِ بالبركات، وهي آخِرُ ساعةٍ من يوم الجمعةِ؛ فَمَنْ لَزِمَ الدعاءَ غَنِم، يُعْطَى مَسْأَلَتُه، ويُنَالُ بُغْيَتُه. 

 

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.

 

المرفقات

جلال الحج.pdf

جلال الحج.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات