جزاء الاستهزاء والسخرية

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2023-10-01 - 1445/03/16
التصنيفات:

 

 

سعيد مصطفى دياب

 

السخرية والاستهزاء سبب نسيان ذكر الله تعالى:

قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ ﴾ [1].

 

لقد انشغل الكفار بالسّخرية من أهل الإيمان بإشارات أو لمزٍ وغمزٍ أو اتهام بالرجعية أو الدروشة أو مثل ذلك من ألوان السّخرية، لدرجة أنهم نسوا مسألة الإيمان، فما الذي أنساهم ذكر الله؟ لقد أنساهم ذكر الله انشغالهم بالسّخرية من أهل الإيمان [2].

 

السُّخْرِيَةُ وَالِاسْتِهْزَاءُ قد تكون كفراً بالله تعالى:

قَالَ الله تَعَالَى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ [3].

 

قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَا قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ جِدًّا أَوْ هَزْلًا، وَهُوَ كَيْفَمَا كَانَ كُفْرٌ، فَإِنَّ الْهَزْلَ بِالْكُفْرِ كُفْرٌ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ. فَإِنَّ التَّحْقِيقَ أَخُو الْعِلْمِ وَالْحَقِّ، وَالْهَزْلُ أَخُو الْبَاطِلِ وَالْجَهْلِ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: انْظُرْ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ﴾ [البقرة: 67] [4].

 

جَزَاءُ الِاسْتِهْزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ:

لقد أخبرنا الله عز وجل أن الِاسْتِهْزَاءَ وَالسُّخْرِيَةَ عقاب المعاندين المكذبين المستهزئين بالرسل والمؤمنين في الدنيا جزاء وفاقا ولا يظلم ربك أحدا، فالجزاء من جنس العمل.

 

قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [5].

 

ومعنى قول الله تعالى: ﴿ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ ﴾ أن الله تعالى يجازيهم على استهزائهم وسخريتهم بالعقاب والعذاب، وقيل أن الله تعالى يأخذهم من حيث لا يعلمون كما قال تعالى: ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمونَ ﴾، وقيل أن الله تعالى يظهر لهم من أحكامه في الدنيا خلاف ما لهم في الآخرة كما أظهروا للمسلمين خلاف ما أسروا به في الدنيا.

 

قال القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ﴾ أي ينتقم منهم ويعاقبهم ويسخر بهم ويجازيهم على استهزائهم فسمى العقوبة باسم الذنب هذا قول الجمهور من العلماء والعرب تستعمل ذلك كثيرا في كلامهم من ذلك قول عمرو بن كلثوم:

أَلَّا لَا يَجْهَلَنَّ أَحَدٌ عَلَيْنَا = فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينَا

 

وقال قوم: الخداع من الله والاستهزاء هو استدراجهم بدرور النعم الدنيوية عليهم فالله سبحانه وتعالى يظهر لهم من الإحسان في الدنيا خلاف ما يغيب عنهم ويستر عنهم من عذاب الآخرة فيظنون أنه راض عنهم وهو تعالى قد حتم عذابهم فهذا على تأمل البشر كأنه استهزاء ومكر وخداع ودل على هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا رَأَيْتَم اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مَا يُحِبُّ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعَاصِيهِ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْهُ اسْتِدْرَاجٌ" [6].

 

وقال تعالى: ﴿ وَيَصْنَعُ الفلك وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴾ [7].

 

وقال تعالى: ﴿ فاليوم الذين آمَنُواْ مِنَ الكفار يَضْحَكُونَ * عَلَى الأرآئك يَنظُرُونَ ﴾ [8].

[1] سورة المؤمنون: الآية/ 109: 111.

[2] تفسير الشعراوي - 1 / 1290.

[3] سورة التوبة: الآية/ 65 ،66.

[4] تفسير القرطبي- رضي الله عنه 8/ 197).

[5] سورة البقرة: الآية/ 14 ، 15.

[6] تفسير القرطبي- 1 / 253 بتصرف.

[7] سورة هود: الآية/ 38 ،39.

[8] سورة المطففين : الآية/ 34 ، 35.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات