عناصر الخطبة
1/ثورة ابن الأشعث على الحجاج بن يوسف 2/بعض الدروس المستفادة من قصة خروج ابن الأشعث على الحجاجاقتباس
بدأَ القتالُ ما بينَ كَرٍّ وفَرٍّ، يَقتتلُ النَّاسُ كلَّ يومٍ قِتالاً شَديداً، حتى أُصيبَ من رؤوسِ النَّاسِ خَلقٌ كثيرٌ، واستَمرَّ القِتالُ بينَ الفئتينِ مائةُ يومٍ وثلاثةُ أيامٍ على ما قَاله ابنُ الأثيرِ، وقُتلَ فيها أكثرُ من مائةِ ألفٍ مُسلمٍ. فحَملَ جَيشُ الحَجَّاجِ عليهم فقتلَ منهم خَلقاً كثيراً، وانهزمَ ابنُ الأشعثِ ومن معَه، فلحقَهم...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسـولُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
)يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أما بعد: فإنَّ أحسنَ الحديثِ كلامُ اللهِ -تعالى-، وخيرَ الهديِّ هديُ مُحمدٍ -صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ-، وشرَّ الأمورِ مُحْدثاتُها، وكُلَّ مُحْدَثةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضَلالةٍ في النَّارِ.
ذكرَ ابنُ كثيرٍ -رحمَه اللهُ- في سَنةِ إحدى وثمانينَ للهجرةِ أحداثَ فِتنةٍ عظيمةٍ لا زالَ العُقلاءُ يستفيدونَ مِنها على مرِّ اللَّيالي والأيامِ في حَقنِ دِماءِ المُسلمينَ، فما هي تلكَ الفِتنةُ التي أُريقتْ فيها دِماءُ المُسلمينَ؟
كانَ عبدُ الرَّحمنِ بنُ الأشعثِ قَائداً عَسكرياً من أهلِ الكُوفةِ وأَشرافِها، وكانَ الحجَّاجُ الثَّقفي نَائبَ الخليفةِ عبدِ الملكِ بنِ مروانَ على العِراقِ يُبغضُه، حَتى إنَّه كَانَ يَقولُ: "مَا رَأيتُه قَط حَتى هَممتُ بقتلِه"، وكانَ ابنُ الأشعثِ يَضمرُ للحجَّاجِ السُّوءَ وزوالَ المُلكِ عنه.
ثُمَّ إنَّ الحَجَّاجَ بنَ يُوسفَ جَهَّزَ جَيشاً من البَصرةِ والكُوفةِ وغَيرِهما لقِتالِ "رُتْبِيلَ" الكافرِ مَلِكِ التُّركِ، وجعلَ ابنَ الأشعثِ أميراً وقائداً على ذلكَ الجيشِ.
فسَارَ ذلكَ الجيشُ بإمرةِ ابنِ الأشعثِ حَتى وَطئَ أَرضَ "رُتْبِـيلَ"، ففتحَ مُدِنَاً كثيرةً، وغَنِمَ أَموالاً كَثيرةً، وسَبى خَلقاً من الكُّفارِ، و "رُتْبِيلُ" مَلِكُ الكُّفارِ يَهربُ منهم من مَدينةٍ لأُخرى، ثُمَّ إنَّ ابنَ الأشعثِ رأى لأصحابِه أن يُوقفوا القِتالَ، حتى يَتقوَّوا إلى العامِ المقبلِ، ولِتستقرَ الأمورُ في البلادِ التي فَتحوها، فكَتَبَ إليه الحَجَّاجُ يأمرُه بالاستمرارِ في القِتالِ، ويَذمُّه ويُعيُّرُه بالنُّكولِ عن الحربِ، فَغضبَ ابنُ الأشعثِ، ثُمَّ سَعى في تَأليبِ النَّاسِ على الحَجَّاجِ.
قَامَ والدُ ابنِ الأشعثِ وكَانَ شَاعراً خَطيباً، فَقالَ: "إنَّ مَثلَ الحَجَّاجِ في هذا الأمرِ ومَثلَنا كما قَالَ القَائلُ: "احملْ عبدَكَ على الفَرسِ، فإن هَلكَ هَلكَ، وإن نَجا فَلَكَ"، إنَّكم إن ظَفرتم كانَ ذلك زيادةً في سُلطانِ الحَجَّاجِ، وإن هَلكتم كُنتم الأعداءَ البُغضاءَ"، ثُمَّ قَالَ: "اخلعوا عُدوَ اللهِ الحَجَّاجَ، وبَايعوا لأميرِكم عَبدِ الرحمنِ بنِ الأشعثِ"، ولم يَذكرْ خَلعَ الخَليفةِ، "فإنِّي أُشهدُكم أَنَّي أَولُ خَالعٍ للحَجَّاجِ"، فَقالَ النَّاسُ من كُلِّ جَانبٍ: "خَلعنا عَدوَ اللهِ الحَجَّاجِ" -وكانوا يُبغضونَه- ووَثبوا إلى ابنِ الأشعثِ فبَايعوهُ.
وبعدَ بيعةِ الفتنةِ تَبدَّلتْ الأمورُ، فقد انصرفَ ابنُ الأشعثِ عن قِتالِ التُّركِ الكَفرةِ، وسَارَ بجيشِه إلى الحَجَّاجِ ليُقاتلَه ويأخذَ منه العراقَ، فلمَّا تَوسطوا في الطَّريقِ، قَالوا: "إنَّ خَلعَنا للحَجَّاجِ خَلعٌ لابنِ مَروانَ"، فخلعوا أميرَ المؤمنينَ عبدَ الملكِ بنَ مروانَ، وجَدَّدوا البيعةَ لابنِ الأشعثِ، فبايعوه على كتابِ اللهِ وسُنةِ رسولِه -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- وخَلعِ أَئمةِ الضَّلالةِ وجِهادِ المُلحدينَ، فلمَّا بَلغَ الحَجَّاجَ ما صَنعوا من خَلعِه وخَلعِ أميرِ المؤمنينَ كَتبَ إلى الخليفةِ بذلك يُعلمُه ويستعجلُه في بعثِه الجنودَ، فانَزعجَ الخليفةُ لذلكَ واهتَمَّ.
وسَعى النَّاصحونَ المصلحونَ في دَرءِ الفَتنةِ، فكتبَ المهلَّبُ بنُ أَبي صُفرةَ إلى ابنِ الأشعثِ يُحذِّرُه، ويَنهاهُ عن الخروجِ على إمامِه، وقَالَ: "إنَّك يا ابنَ الأشعثِ قد وضعتَ رجلَك في رِكابٍ طَويلٍ، أبقِ على أُمَّةِ محمدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ-، اللهَ اللهَ، انظر لنفسِك فلا تهلِكْها، ودماءَ المسلمينَ فلا تَسفِكْها، والجماعةَ فلا تُفرِّقْها، والبيعةَ فلا تَنكِثْها، فإنْ قُلتَ أخافُ النَّاسَ على نَفسي، فاللهَ أحقُّ أن تخافَه من النَّاسِ، فلا تُعرِّضَها للهِ في سَفكِ دمٍ أو استحلالٍ محرمٍ، والسَّلامُ عليكَ".
فدخلَ ابنُ الأشعثِ ومن معه البصرةَ، فخطبَ النَّاسَ: "لَيسَ الحَجَّاجُ بشيءٍ، ولكن اذهبوا بنا إلى عبدِ الملكِ الخليفةِ لنقاتلَه"، ووافقَه على خلعِهما جميعُ مَنْ بالبَصرةِ من الفُقهاءِ والقُراءِ والشُّيوخِ والشَّبابِ، حتى قِيلَ: إنَّه سَارَ معه ثلاثةٌ وثلاثونَ ألفَ فارسٍ ومائةٌ وعُشرونَ ألفَ رَاجلٍ، وكانَ ممن تَبِعَ ابنَ الأشعثِ طَائفةٌ من الأعيانِ منهم مُسلمُ بنُ يَسارٍ، وأبو المِنهالِ الرِّياحيِّ، ومالكُ بنُ دينارٍ، وسعيدُ بنُ جُبيرٍ، وابنُ أبي ليلى الفَقيهِ، وطَلحةُ بنُ مُصرِّفٍ، وعَطاءُ بنَ السَّائبِ، والحسنُ البَصريُّ، وذَلكَ أنَّه قِيلَ لابنِ الأشعثِ: "إن أردتَ أن يُقاتلَ النَّاسُ حَولَك كما قَاتلوا حَولَ هَودجِ عائشةَ، فَأخرجْ الحسنَ البَصريَّ مَعكَ"، فأخرجَه.
قَالَ الحافظُ ابنُ كثيرٍ -رحمَه اللهُ تعالى-: "وَتَفَاقَمَ الْأَمْرُ، وَكَثُرَ مُتَابِعُو ابْنِ الْأَشْعَثِ عَلَى ذَلِكَ، وَاشْتَدَّ الْحَالُ، وَتَفَرَّقَتِ الْكَلِمَةُ جِدًّا، وَعَظُمَ الْخَطْبُ، وَاتَّسَعَ الْخَرْقُ".
ثُمَّ التَقَى جَيشُ الخليفةِ وجيشُ ابنِ الأشعثِ، فقالَ القُرَّاءُ الذين خلعوا البيعةَ: "أيُّها النَّاسُ قَاتلوا عن دينِكم ودنياكم"، وقَالَ عَامرُ الشَّعبيُّ -وكانَ من الأئمةِ، لكنَّ ابنَ الأشعثِ فَتنَه- قَالَ: "قَاتلوهم على جَورِهم، واستـغلالِهم الضُّعفاءَ، وإماتتِهم الصَّلاةَ".
ثُّمَ بدأَ القتالُ ما بينَ كَرٍّ وفَرٍّ، يَقتتلُ النَّاسُ كلَّ يومٍ قِتالاً شَديداً، حتى أُصيبَ من رؤوسِ النَّاسِ خَلقٌ كثيرٌ، واستَمرَّ القِتالُ بينَ الفئتينِ مائةُ يومٍ وثلاثةُ أيامٍ على ما قَاله ابنُ الأثيرِ، وقُتلَ فيها أكثرُ من مائةِ ألفٍ مُسلمٍ.
فحَملَ جَيشُ الحَجَّاجِ عليهم فقتلَ منهم خَلقاً كثيراً، وانهزمَ ابنُ الأشعثِ ومن معَه، فلحقَهم جَيشُ الحَجَّاجِ يَقتلونَ ويَأسرونَ، وهربَ ابنُ الأشعثِ ومعَه جمعٌ قليلٌ من النَّاسِ، حَتى دَخلَ هو ومن معَه إلى بلادِ "رُتْبيلَ" الكافرِ مَلكِ التُّركِ، فأكرمَه وأَنزلَه عِندَه وأَمَّنَه وعَظَّمَه كَيداً للمسلمينَ.
فَكتبَ الحَجَّاجُ إلى "رُتبيلَ" يَقولُ لهُ: "واللهِ الذي لا إلهَ إلا هو لئنْ لم تَبعثْ إليَّ بابنِ الأشعثِ لأبعثنَّ إليكَ بألفِ ألفِ مُقاتلٍ ولأَخْرِبنَها"، فَلمَّا تَحقَّقَ الوعيدَ من الحَجَّاجِ استشارَ بعضَ الأمراءِ فأشارَ عليه بتسليمِ ابنِ الأشعثِ قَبلَ أن يُخربَ الحَجَّاجُ دِيارَه، ويَأخذَ عَامةَ أَمصارِه، فَغدرَ "رُتْبيلُ" بابنِ الأشعثِ، فقبضَ عليه وعلى ثَلاثينَ من أتباعِه، فَقيَّدَهم بالأصفادِ وبعثَهم مع رُسلِ الحَجَّاجِ إليه، فلمَّا كانوا ببعضِ الطَّريقِ صَعدَ ابنُ الأشعثِ وهو مُقيُّدٌ بالحديدِ إلى سَطحِ قَصرٍ، ومعه رَجلٌ مُوكلٌ به لئلا يَفرُّ، فألقى ابنُ الأشعثِ بنفسِه من ذلك القصرِ، وسَقطَ معه المُوكَّلُ به فماتا جَميعاً، فعَمدَ رَسولُ الحَجَّاجِ إلى رَأسِ ابنِ الأشعثِ فاحتَزَّه، وقَتلَ مَن معه من أصحابِه، وبعثَ برؤوسِهم إلى الحَجَّاجِ، فأَمرَ فَطِيفَ برأسِ ابنِ الأشعثِ في العراقِ، ثم بَعثَه إلى أميرِ المؤمنينَ عبدِ الملكِ فَطِيفَ به في الشَّامِ، ثم بَعثَ به إلى أَخيه عبدِ العزيزِ بِمصرَ فطِيفَ برأسِه هَناكَ، ثُمَّ دُفنَ.
قَالَ الحافظُ ابنُ كثيرٍ -رحمَه اللهُ-: "ولهذا لما كَانتْ هَذهِ زَلَّةٌ وفَلتَةٌ، نَشأَ بسببِها شَرٌ كَثيرٌ، هَلكَ فيهِ خَلقٌ كَثيرٌ، فإنَّا للهِ وإنَّا إليه رَاجعونَ" ا. هـ.
أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أنَّ رسولَه المبعوثَ رحمةً للعالمينَ، مُحمدٌ صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه أَجمعينَ.
أما بعد: عبادَ اللهِ: تأملوا الفَرقَ في التَّعاملِ مع ظُلمِ الحَجَّاجِ بينَ ما حدثَ من ابنِ الأشعثِ وما حدثَ من الصَّحابيِّ أنسِ بن مالكِ -رضيَ اللهُ عنه-، فَعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: "أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الحَجَّاجِ، فَقَالَ: "اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ" سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ-".
وهكذا يتعاملُ أهلُ العلمِ والإيمانِ مع الوُلاةِ الظَّلمةِ الذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ ولم يُرَ منهم كُفراً بَوَاحاً عِندَ النَّاسِ فيه من اللهِ بُرهانٌ، كما في الحديثِ: "ألا مَن وليَ علَيهِ والٍ فرآهُ يأتي شَيئًا مِن معصيةِ اللَّهِ فليَكْرَهْ ما يَأتي مِن معصيةِ اللَّهِ، ولا ينزِعَنَّ يدًا مِن طاعةٍ".
ثُمَّ انظروا إلى عاقبةِ ابنِ الأشعثِ عندما تجاهلَ أحاديثَ النَّبيِّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- في الصَّبرِ على ظُلمِ الوُلاةِ، فبعدَما كانَ مُجاهداً فاتحاً للبلادِ فإذا بهِ قد ولغَ في دِماءِ العِبادِ، ثُمَّ يرجعُ ليكونَ في كَنفِ المَلكِ الكافرِ الذي كانَ يُقاتلُه في سبيلِ اللهِ -تعالى-، ثُمَّ تنتهي حياتُه بالانتحارِ.
فالعِياذُ باللهِ من سُوءِ الخاتمةِ.
وهكذا تعجبُ ممن يدَّعي الإصلاحَ والدَّعوةَ إلى حكمِ الإسلامِ وهو يعيشُ في أحضانِ البلادِ الكافرةِ.
واحذروا ممن يخدعُ النَّاسَ باسمِ الدِّينِ لأجلِ ترويجِ البَاطلِ، فها هو ابن الأشعثِ يُخرجُ الحسنَ البصريِ كُرهاً لأجلِ أن يَصبغَ خُروجَه بصِبغةٍ شَرعيةٍ فيَخرجَ النَّاسُ معه، قالَ ابنُ عَونٍ: "فنَظرت إليهِ بينَ الجِسرينِ وعليهِ عِمامةٌ سَوداءُ، فغَفلوا عَنه فَألقى نفسَه في بعضِ تلكَ الأنهارِ حَتى نَجَا مِنهم، وكادَ يَومئذٍ أن يَهلكَ".
وأما ما كانَ من العُلماءِ الذينَ خرجوا مع ابنِ الأشعثِ، فقد كانتْ فتنةً عمياءَ أخذَتْ بألبابِ العُقلاءِ، حتى قَالَ أَيُّوبُ السِّخْتيانيُّ عَنْهُم: "فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ صُرِعَ مَعَ ابْنِ الْأَشْعَثِ إِلَّا رَغِبَ عَنْ مَصْرَعِهِ (أَيْ: نَدِمَ عَلَى مَا فَعَلَ)، وَلَا نَجَا أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا حَمِدَ اللَّهَ الَّذِي سَلَّمَهُ"، فالعاقبةُ لا تكونُ أبداً إلا للصَّابرينَ.
اللهم يا مُقَلِبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنا على دينِكَ، ويا مُصَرِّفَ القلوبِ صَرِّفَ قُلُوبَنا على طاعتِكَ.
اللهمَّ أَرِنا الحقَّ حَقًا وارزقنا اتِّباعَه، وأَرِنا البَاطلَ بَاطلاً وارزقنا اجتنابَه.
اللهم وفقْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِه لما تحبُّ وترضى وخذ بناصيتِه للبرِ والتقوى.
اللهم احفظهما ووفقهما للصالحاتِ، وهيئ لهما البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ التي تدلُّهما على الخيرِ وتعينُهما عليه يا ربَّ العالمينَ.
اللهم أصلحْ أحوالَ المسلمينَ في كلِّ مكانٍ، وفرِّج كربَهم، وأرغدْ عيشَهم، وارفعْ بلاءَهم، وأصلح قادتَهم، واجمعهم على الكتابِ والسنةِ يا ربَّ العالمينَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم