ثناءٌ على الله

فواز بن خلف الثبيتي

2022-10-09 - 1444/03/13
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/عظمة الله وقدرته 2/مدح الله لنفسه 3/الكون كله يوحد الله 4/مظاهر لطف الله بخلقه

اقتباس

الغريق في البحر، والتائه في الصحراء، يناديه الغريق فينجيه، ويسأله التائه فيؤويه: (قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ)[الأنعام: 63-64]. المريض: يتململ على فراشه، عجز الطبيب وخفي الدواء وتعطلت الأسباب، فيقول: "يا الله" فإذا الفرجُ وإذا اللطف وإذا...

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا...

 

أما بعد:

 

فاتقوا الله -عباد الله- واقدروه حق قدره، وراقبوه حق مراقبته، وعظمّوه حق تعظيمه، فقد قال ربكم -جل وعلا-: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الزمر : 67].

 

أيها الإخوة في الله: إذا وقر الإيمان في قلب العبد المؤمن، وشرح الله صدره بنوره الذي يقذفه في قلبه؛ أراه الله في ضوء ذلك النور حقائق أسمائه وصفاته، وأراه في ضوء ذلك النور حقائق الإيمان به، وحقائق العبودية له.

 

والناس في ذلك متفاوتون بتفاوت هذا النور الذي في القلوب، قال الله -تعالى-: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا)[الأنعام: 122].

 

وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[الحديد: 28].

 

فيشهد العبد بقلبه وما فيه من نور الهدى والإيمان ربًا عظيمًا قاهرًا قادرًا، أكبر من كل شيء في ذاته وصفاته وأفعاله، السموات السبع قبضةُ إحدى يديه، والأرضون السبع قبضة اليد الأخرى، يمسك السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر على إصبع، والثرى على إصبع، ثم يهزهنّ ثم يقول: أنا الملك، فالسموات السبع في كفة جل جلاله كخردلة في كف العبد، يحيط ولا يحاط به، ويحصر خلقه ولا يحصرونه، ويدركهم ولا يدركونه.

 

لو أن الناس من لدن آدم إلى آخر الخلق قاموا صفًا واحدًا ما أحاطوا به سبحانه، وهو بكل شيء محيط، فعلمه فوق كل علم، وقدرته فوق كل قدير، وجُوده فوق كل جواد، ورحمته فوق كل رحيم، وجمالُه فوق كل جميل، حتى لو كان جمالُ الخلائق كلهم على شخص واحد منهم، ثم أُعطي الخلق كلهم مثل ذلك الجمال لكانت نسبته إلى جمال الرب سبحانه دون نسبة سراجٍ ضعيف إلى ضوء الشمس.

 

ولو اجتمعت قُوى الخلائق على شخص واحد منهم، ثم أُعطي كل منهم مثل تلك القوة لكانت نسبتها إلى قوته سبحانه دون نسبة قوة البعوضة إلى حملة العرش.

 

وهكذا سائر صفاته كحياته وسمعه وبصره وإرادته، فلو فُرض البحر المحيط بالأرض مدادًا تحيط به سبعة أبحر، وجميع أشجار الأرض شيئًا بعد شيء أقلامًا لفني ذلك المدادُ والأقلام، ولم تفن كلماته جل جلاله ولم تنفد، فهو أكبر في علمه من كل عالم، وفي قدرته من كل قادر، وفي وجوده من كل جواد، وفي غناه من كل غنى، وفي علّوه من كل عالٍ، وفي رحمته من كل رحيم، استوى على عرشه، واستولى على خلقه، منفردٌ بتدبير مملكته، فلا قبض ولا بسطَ ولا منع، ولا هدى ولا ضلال، ولا سعادة ولا شقاوة، ولا موت ولا حياة، ولا نفع ولا ضر إلا بيده.

 

إنه الله العظيم الحليم، إنه الله رب العرش الكريم، يحب المدح والثناء -سبحانه وتعالى-، ولذا أثنى على نفسه، وحمد نفسه بنفسه جل جلاله.

 

الله: أجمل الأسماء، وأحلى الألفاظ، وأحسن الحروف.

 

الله: غنى كل فقير، وقوة كل ضعيف، وعزُّ كل ذليل، ومفزعُ كل ملهوف.

 

الله: القدرة الباهرة، والقوة القاهرة، ومن له الدنيا والآخرة.

 

مدح نفسه قبل مدح المادحين، وحمد ذاته قبل حمد الحامدين، فقال في كتابه المبين.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الحشر : 23].

 

فما أحسن الأسماء! ما أعلى الصفات! ما أجمل الآيات!

 

الله: من ينكره؟ من يجحدوه؟ خاب الجاحدون، وضلّ الجاهلون.

 

الشمس والبدر من أنوار حكمته *** والبرُّ والبحر فيض من عطاياه

الطير سبَّحه والوحش مجّده *** والبحر كبّره والحوتُ ناجاه!!

والنمل تحت الصخور الصم قدسه *** والنحل يهتفُ حمدًا في خلاياه

والناس يعصونه سرًّا فيسترهم *** والعبد ينسى وربي ليس ينساه!!

 

أيها المؤمنون بالله ربًّا وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- رسولاً ونبيًّا: انظروا في الآفاق، واقرئوا آيات الخلاق؛ فالماء يوحد، والأرض توحد، والشجر يوحد، والنجم يوحد، والجبال توحد، والدواب توحد؛ إلا الإنسان يعصي ويتمرد: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء)[الحـج: 18].

 

سبحانه، شهد كل شيء بعظمته وتوحيده، ولهج كلَّ لسان بذكره وتمجيده.

 

الشمس: سجدت لعظمته، وذلّت لعزته، وانقادت إلى الرب الكريم: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)[يس: 38].

 

القمر: ذلّ لمولاه، وعظم من خلقه وسواه، وأعلن الطاعة والتسليم: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)[يــس: 39].

 

النجوم والشجر: تسجد بين يدي الملك الديّان: (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ)[الرحمن: 6].

 

الطيور تسبح العزيز الغفور، وتمجد الملك الشكور، قال الله في سورة النور: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ)[النور: 41].

 

الأجنةُ في الأحشاء، والسمك في الماء، والطير في الهواء؛ تشهد بعظمة من خلق الأرض والسماء.

 

الجبال الشاهة، والشمس الشارقة، والنخيل الباسقة، والقمر المنير، والماء النمير، والوردة الفواّحة، والنبتة الممراحة، والنجم الساري، والجدول الجاري، كلها تشهد بقدرة الخالق الباري.

 

(هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ)[لقمان: 11].

 

من أوجد الدنيا وما فيها ومن *** بث الحياة ونظم الأكوانا

من علّم الأطيار تسبيح في الفضـ *** ـاء محلقات تبدع الألحانا

من شق نور الفجر في وسط الدجى *** فغدا يشعشع في الفضاء عيانا

إنه الله..

 

فلا إله إلا الله! ما أعظم آياته! وما أجلَّ صفاته! وما أبدع خَلقه!

 

جاء رجل زنديق جاحد لوجود الله إلى الإمام الشافعي، فقال له: ما الدليل على وجود الله؟ فقال الشافعي: ورقة التوت، لونُها واحد، وطعمُها واحد، وريحها واحد، تأكلها دودة القز فتخرج حريرًا ناعمًا، وتأكلها النحلة فتخرج عسلاً صافيًا، وتأكلها الظباء فتخرج مسكًا طيبًا، وتأكلها الأنعام فتخرج بعرًا منتنًا.

 

فمن الذي أوجد هذه الأشياء المختلفة من شيء واحد؟!

 

إنه الله رب العالمين: (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[البقرة: 258].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له.

 

أما بعد:

 

أيها الإخوة في الله: تأملوا معي عظيم لطف الله بنا، واقرئوا آيات قدرته في أحوالنا.

 

الغريق في البحر، والتائه في الصحراء، يناديه الغريق فينجيه، ويسأله التائه فيؤويه: (قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ* قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ)[الأنعام: 63-64].

 

المريض: يتململ على فراشه، عجز الطبيب، وخفي الدواء وتعطلت الأسباب، فيقول: "يا الله" فإذا الفرجُ وإذا اللطف وإذا الشفاء: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[يونس: 107].

 

المديون: تضيق عليه الأرض بما رحبت، وتُغلق في وجهه الأبواب، فيطرق باب الكريم، ويقول: "يا الله" فيأتيه الفرج القريب من السميع المجيب: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ)[النحل: 53].

 

المبتلى: -بأي بلاء-! تُعجزه الحيل، وتضيق عليه السُّبُل، فإلى من يرفع الشكوى؟! وإلى من يبث النجوى؟!

 

إلى الله، عالم السر وأخفى، فإذا العنايةُ من الله: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)[النمل: 62].

 

إنه الله.

 

نركب البحر، ونركب الجو، فإذا القلقُ وإذا الخوف وإذا الوجل، فمن ندعو؟ ومن نرجو؟

 

ليس غير الله.

 

كم نطلب الله في ضر يحل بنا *** فإن تولّت بلايانا نسيناه

ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا *** فإن رجعنا إلى الشاطئ عصيناه

ونركب الجو في أمنٍ وفي دعةٍ *** وما سقطنا لأن الحافظ الله

 

تقلُّ الأمطار، وتجفُّ الآبار، وتموتُ الأشجار، وتفسدُ الثمار، فمن يأتينا بالماء، ومن يعيد الحياة؟

 

إنه الله: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)[الحج: 63].

 

قحط الناس في عهد سليمان -عليه السلام- فخرج بالناس يستسقون الحيَّ القيوم، وفي الطريق وجد نملةً قد استلقت على ظهرها، ورفعت قوائمها إلى السماء، وهي تقول: يا رب، يا رب، فقال سليمان: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم.

 

فإذا بالغيث ينهمر من كل مكان.

 

فلا إله إلا الله، لما عرفت الله وعظمته وقدرته حق قدره، وصدقت في التجائها إليها ودعائها، استجاب لها.

 

فاللهم إن ألسنتنا عاجزة، وبلاغتنا قاصرة، فماذا نذكر من آلائك، وماذا نُعدُّ من نعمائك، لا نحصي ثناءً عليك، ولكننا نقول: أنت كما أثنيت على نفسك.

 

لا إله إلا أنت، ولا ربَّ سواك، ولا حولَ ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

اللهم املأ قلوبنا من خشيتك وتعظيمك، ومن إجلالك وتقديريك.

 

اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضى، والقصد في الفقر والغنى.

 

اللهم إنا نسألك حُبك وحب من يحبك، وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك، واجعل حبك أحب إلينا من الماء البارد على الظمأ.

 

اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا....

 

 

 

 

المرفقات

على الله

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات